متخصصون يفسرون الدستور الأخلاقي للمصري القديم بمعرض الكتاب.. صور
تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT
استضافت القاعة الرئيسية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ندوة “الدستور الأخلاقي للمصري القديم” (ماعت)، ضمن محور الخروج إلى النور، تحدث خلالها الدكتور علي عبد الحليم، مدير المتحف المصري بالتحرير، والدكتور أحمد مكاوي، وأدارت الندوة هدى عبد العزيز.
واستعرض مدير المتحف المصري بالتحرير، الدستور الأخلاقي المصري القديم "ماعت"، موضحًا بداية ظهور ماعت في المناظر والنصوص وظهوره مع أسماء الملوك، مشيرًا إلى أن الكلمات في المصرية القديمة كان لها أكثر من معنى فـ"ماعت" تعني العدل والنظام والحق، وعكسها "إيسفت" ولها أكثر من 150 معنى منهم الشر والمكروه والسئ، وأضاف أن المصريين القدماء كانوا مهتمون بوضع القوانين وتطبيقها.
وأضاف أن تولي المناصب في مصر القديمة كان له قوانين أيضًا، فلابد أن يتم تأهيل أبناء الملك تعليميًا وأسريًا لكي يصل واحد منهم إلى المنصب الذي يريد وفق قوانين، فعلى طول العصور المصرية القديمة المصري كان يحب العدل "ماعت" ويكره عكسها، وهي كلمة إيسفت والتي تطورت عبر العصور لتصبح كلمة عامية يتداولها من يريد التعبير عن الحال السيئ وهي "زفت".
وأشار عبد الحليم إلى اشتقاق كلمة ماعت من الفعل المصري القديم ماع بمعنى يستقيم ويرشد ويصلح ويعالج، ويمكن معاملة لفظ ماعت نحويًا معاملة المؤنث المعنوي اللفظي المنتهي بتاء التأنيث المتحركة التي تنطق إما ساكنة (ماعت)، أو مقصورة (ماع)، ويتأكد ذلك في شكلها القبطي سواء الوارد بالتاء أو بدونها للالتزام بنطقها الساكن، مؤكدًا أن الأسلوب الذي يجب أن تكون عليه الأشياء ووظيفته الأساسية هي الإرشاد إلى الطريق المستقيم للشمس والمتوفي، ويصعب ترجمة هذا المذهب في كلمة واحدة لذا يفضل علماء المصريات استخدام الشكل الكتابي للكلمة "ماعت"، ولا يترجمونها بالعدالة والصدق وما شابه.
ومن جانبه، استعرض الدكتور أحمد مكاوي مراحل تجسيد ماعت ومعابدها وكهانتها المصور على جدران المعابد بما يصور مشهد الحساب بعد الموت عند المصريين القدماء، شارحًا تفاصيل ذلك المشهد الذي يتشابه مع عقائد أغلب الأديان‘ فريشة ماعت توضع في الميزان الذي يقابله قلب المتوفي وإذا مالت كف الميزان ناحية القلب فهذا يعني أنه ملئ بالشرور، وينتقل للمرحلة الثانية وهي لكائن مجمع شكله من أكثر من حيوان وأطلق عليه "هم" الذي يقوى بأكل صاحب الأعمال الشريرة، بالإضافة إلى نحت صورة للمتوفي الذي فاز قلبه الطيب ليرفع يده ليعبر عن السعادة لتخطيه مرحلة الميزان.
421849953_767557222071087_5699934762079603352_n 425004358_767557822071027_6825324892430846926_n 421900008_767552815404861_5272813415976028554_n 424586314_767552585404884_5073772627753518954_nالمصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: معرض الكتاب 2024 معرض القاهرة الدولى للكتاب 55 المتحف المصري
إقرأ أيضاً:
الدستور الاسلامي لماذا؟
ظللنا حيناً من الدهر نتصالح، نتهاوش ونتخاصم علي مسميات دون الإلتفات إلي جوهر الموضوع أو الإهتمام بما يراد تحقيقه من المسودة المعنيين نحن المواطنيين بتصميمها. ما يزيد الأمر لبساً أن هؤلاء المختصين (أو هكذا يسمون انفسهم) عندما يدعوا للتكلم في شأن الدستور لا يكادون يميزون بين الدولة ما قبل الحداثة والدولة ما بعدها. إن العناية بدولة ما قبل الحداثة هو شأن فئة من أصحاب التمييز الديني، العرقي أو القبلي، أما دولة ما بعد الحداثة فإدراتها ووضع التصورات لها هو شان كآفة المواطنيين دونما أدني تمييز من لون أوعرق أو جاه. بهذا تكون مهمة الدستور في العصر الحديث قد تحددت في إطار الإحكام الإقتصادي والسياسي لإمكانية الإنتقال الإنتولوجي من كوننا جماعة مؤمنين إلي كوننا دولة مواطنين. فالدستور يلزم الحاكم بإتخاذ مسافة متساوية من الكل وينحسر دوره في تعريف الحقوق والواجبات.
لعل المسلمون يواجهون أزمة نفسية حادة في التأقلم مع هذا الواقع لأنهم إعتادوا علي التواصل بالمعني الإجرائي ولم يتعرفوا علي التداول بالمعني القيمي، فقد كانت هنالك دوماً سلطة عليا (تبلورت في شكل الأرستقراطية القرشية بشقيها الأموي أو العباسي) تعمل علي إنزال مراسيم فقهية -- سميت من بعد "شريعة إسلامية - - هي أشبه بالقوانين العسكرية التي سنت لتقييد حركة المجتمع وتقنين أفواه المعارضين. هؤلاء المعارضين كان أكثرهم من الأقليات الأثنية (الديلم، الترك، الموالي، إلي آخره) والمجموعات الدينية المضطهدة مثل الرافضة، المعتزلة والخوارج. فلا عجب أن قد إنزوت المفاهيم الليبرالية نتيجة الصدفة التاريخية التي هيئت للتيار السلفي الإنتصار ممتطياً جواد السلطة السياسية القاهرة. فنحن عندما نتكلم اليوم عن "الشريعة الإسلامية " ننسي أنها خياراً ايدولوجياً لفئة معينة من الناس تسني لها الإنتصار العسكري علي حساب التيارات الأخري علي حين غفلة من الدهر بل علي حساب العدل كقيمة سماوية عليا. فهل يستمر الترويج لهذه الأيدولوجية علي اساس إنها الإسلام أم أن من واجبنا تفكيك هذا الإرث وإعادة تركيبه بحيث يستوعب التجربة الإنسانية الثرة التي توفرت للبشرية في ظل القرون السبعة الماضية؟ لقد تعطلنا عن اللحاق بالركب الإنساني بسبب تمسكنا بالعقل الكانتي (Kantian)، ذاك الذي له مقدرة علي التعرف علي الحقيقة المطلقة، ويلزمنا الإنتقال إلي مرحلة العقل الهابرماسي (Habermassian) الذي هو عبارة عن منتوج ثقافي وإجتماعي. يمكننا وقتها تفعيل منظومتنا القيمية (التي تشمل الإسلام ولا تختصر عليه) من خلال التدافع وليست التعسف الذي فصل هذه المنظومة عن الحياة اليومية.
إن أكثر الناس تزمتاً ورفضاً للعلمانية إنما يعيشون واقعاً حياتياً منفصلاً عن قيمهم الروحية ليست لأنهم منافقين يرفضون قيم الحق، إنما لأنهم بتحجرهم قد ضيقوا وعاءاً كاد أن يتسع حتي يشمل كل مناحي الحياة. فمن العلماني يا تري في هذه الحالة، ذاك الذي ينافح لتفعيل المنظومة القيمية متسلحاً بما توفر للإنسانية من أدوات مفاهيمية، أم ذاك المتبلد الذي قنع بما بلغه من مفاهيم تبلورت في القرون الوسطي فظل يروج لنظم البيع علي انها إقتصاد، وأساليب الحوار القبلي علي أنها شوري، والغلبة علي أنها سياسة؟ بل، لقد بلغ الصلف ببعضهم أن إستعذبوا شعار "تطبيق الشريعة" مبرراً للقمع، الظلم وهضم الأقليات حقها. إن الشيعة مثلاً، الذين يعيشون في إيران تتوفر لهم حقوقاً لا تتوفر لذويهم في السعودية، كما أن السنة الذين يعيشون في السعودية تتوفر لهم حقوقاً لا تتوفر لآقرانهم في إيران. فليست العبرة بالمسميات، إنما بالممارسات التي تختلف عبر الزمان والمكان بإختلاف منتسبيها.
أنظر تركيا علي ايام اتاتورك وتركيا اليوم، هو ذات الدستور العلماني لكنه فسر تفسيراً مختلفاً يتمشي مع مقتضيات الواقع المتبدل. انظر افغانستان علي ايام طالبان وافغانستان اليوم، هو ذات الدستور الإسلامي لكنه الأن يهيئ لإعطاء المرآة حقها ويقدر لها جهدها كقوة فاعلة تمثل اكثر من 50% من الطاقة العاملة. كيف بهم يحظرون علي المرأة الإنتخاب وهي تفلح أكثر من 60% من الأرض ولا تملك أكثر من 4%؟ هل تنتهج مثل هذه الشريعة تمشياً مع الاهواء ام أنها شرعة رب العالمين؟ أين الغيرة من حال النساء اللائي ما زلن يقمن لمدة تجاوزت ال7 سنوات في صحراء هي شرق تشاد وغرب دارفور؟ هل نسيتم قول النبي (صلي): "المسلمات بناتي"؟ كيف إرتضيتم لبناته هذه المهانة؟ هل الشريعة هي اداة المركز لتطويع الهامش دينياً أم انها الوسيلة لتضمين الهدي القراني؟
ان البشرية قد إنعتقت من الخرافة وأنه ما من بشر سيقبل الترويج لمثل هذا السخف هذا علي أنه دين؟ والسؤال هل هنالك حقاً "شريعة" يمكن اسقاطها علي المجتمعات أم أن هنالك شرعة فُرضت لتحقيق العدل الذي هو نسبي يختلف بإختلاف المجتمعات وحاجتها للكفاية (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) صدق الله العظيم. إن مجتمعاتنا قد عانت بما فيه الكفاية من هذه الإطروحات الخطيرة والشائهة التي لم تعني بأمر التكافل قدر ما عنيت بامر الإستبداد، بل انني اذهب لابعد من ذلك فأقول أن فكرة الإسلام السياسي هي في حد ذاتها فكرة متوهمة، هي عبارة عن أزمة نفسية عاشتها النخبة نتيجة تعاملها غير المنهجي مع الحداثة، ومن قبلها إدراج الإستعمار "للمنظومة الفقهية" الذي إقتضي إعتماد القوننة كوسيلة للحد من حركة المجتمع ووأد ديناميته. (راجع مقالي عن "الصنم والصنمية، هل اصبحت الشريعة هي العجل الذي اتخذه المسلمون الهاً من دون الله في القرن الواحد وعشرين؟").
يكفي من اللغو مذكرة الإسلاميين الأخيرة هذه والتي كانت بمثابة النعي لهذا المشروع لما فيها من ضبابية اخلاقية وفكرية، بل بؤس مفاهيمي ولغوي. يجرؤ احدهم فيتكلم عن انجازات الانقاذ، وأنا أعجب اي إنجاز يمكن ان يصمد في مواجهة المخازي /المآسي التي إرتكبها هؤلاء؟ إذا كانت الإنجازات يمكن أن تثبت لهولاء (بعد ان تسببوا في قتل 2.5 مليون مواطن وتشريد اخرين) فحريُّ بهتلر أن يدخل التاريخ من انصع ابوابه فإنه كاد ان يوجد بديلاً للطاقة يغني البشرية عن هيمنة رأس المال اليهودي.
لقد إستهدف نظام الإنقاذ العروبة يوم ان رفد 3000 ضابطاً جلهم من السودان الشمالي النيل وسطي، صحيح أنه إستبدلهم باخرين، لكنهم مؤدلجين غير قوميين (ولم يستدع منهم غير فاشلاً واحداً من أبناء الألهة دخل الي الكلية بغير أهلية وبغير شهادة ثانوية). كما استهدف نظام الإنقاذ العرب يوم ان رفد 12000 صف ضابطا ًجلهم من البقارة (مسيرية، رزيقات، حوازمة، زيادية، الي آخره). عن اي العرب إذن يتكلم هؤلاء؟ هل هنالك عرب غير العدنانيين الذين قطنوا الوادي، او القحطانيين الذين قطنوا الصحراء؟ أما مقولتهم (لأمراء الخليج) أعينونا لأن نهايتنا هي نهاية التواجد العربي الإسلامي في البلاد، فمردودة بل هو ممحوقة لأنهم يتبعون فيها منطقاً معكوساً. إذ ان بقائهم كل يوم فيه إنتقاصاً لقدر الرسالة، إشانة في حق المرسل، ومذمة في حق المرسل إليه. إذا كانت الرسالة رحمة، والمرسِل رحمان، والمرسَل رحيم، فإن أي من هاتيك الصفات اصاب السودانيين من بين العالمين؟
مقالة كُتبت عام 2012 عندما أثير اللغط حول موضوع الدستور الإسلامي، ولا زالت ذات صلة لواقع اليوم!
auwaab@gmail.com