طرطوس-سانا

شكل تماسك المجتمع المحلي بمدينة طرطوس القديمة والألفة والتعاون التي تجمع سكانها مع وجود أشخاص فاعلين لهم حضورهم الاجتماعي، ركيزة عمل المسار الاجتماعي لفريق عمل المدينة القديمة لإنجاز الخارطة التنموية الشاملة لها بالتوازي مع المسارين الاقتصادي والثقافي.

مجتمع مدينة طرطوس القديمة من المجتمعات المتوازنة من حيث التوزع الديمغرافي وتوزع الفئات العمرية، وتشكل فئة الشباب النسبة الأكبر ضمن المجتمع، حيث بلغت 55 بالمئة من عدد السكان بحسب ملف “فهم السياق العام للمدينة القديمة” الذي أعدته الأمانة السورية للتنمية وفريق عمل مشروع المدينة القديمة وخبراء وممثلون عن الجهات الحكومية والمجتمع المحلي في طرطوس.

وللمرأة بحسب الملف دور واضح داخل مجتمع المدينة القديمة يبرز بشكل خاص في مجال تعليم الأبناء وبدرجة ثانية في دعم أسرتها، وغالبية النساء في المدينة يعملن ضمن منازلهن بمهن مختلفة، ويقدمن بإمكانياتهن البسيطة الخدمات للزبائن من داخل وخارج مدينة طرطوس القديمة.

وبين الملف أن صغر مساحة المدينة القديمة وقلة عدد سكانها ونمط الأبنية فيها، لها أثر واضح في تعزيز معرفة أبناء مدينة طرطوس القديمة الوثيقة ببعضهم وزيادة تواصلهم اليومي من خلال اجتماعاتهم في مقاهي المدينة القديمة مساء واجتماعات النساء صباحاً ضمن المنازل، ما جعل مجتمع المدينة يتمتع بعلاقات اجتماعية متماسكة ومترابطة يميزها التعاون والثقة والألفة وحسن الضيافة والتكافل، وخاصة بحالات المرض والوفاة.

وتسود في المدينة عادات اجتماعية كمبادلة الطعام في شهر رمضان والقيام بتنظيف المدينة وتزيينها وتقديم مساعدات للفقراء من خلال الزكاة ومساعدة كبار السن ومساعدة المرضى حسب الإمكانيات المادية المتوفرة.

وبينت خبيرة المسار الاجتماعي بفريق العمل الدكتورة بتول عيسى في تصريح لسانا أن العمل اعتمد على منهج قائم على دراسة ميدانية للواقع والاحتياجات والتحديات ونقاط القوة والضعف فيه، حيث نتج تحديد المسارات الثلاثة “الاجتماعية والاقتصادية والثقافية” للمدينة القديمة ووضع خارطة تنموية شاملة، ما يعزز المنطقة ويحقق تنمية مستدامة فيها.

ولفتت عيسى إلى أن الاحتياج الإنساني شكل ركيزة المسار الاجتماعي لجهة دراسة احتياجات السكان وإمكانيات المجتمع وتوظيفها خدمة لهم بحيث تصبح التنمية والتطوير بهذه المنطقة ضمناً، بمعنى أن ينطلق تطوير مجتمع طرطوس القديمة من ذاته لتكون مدينة ولادة قادرة على خدمة مجتمعها المحلي والاستمرار بهذا التطوير لتحقيق التنمية الاجتماعية الإنسانية فيه بشكل مستدام.

وحسب عيسى فإن تماسك أبناء مدينة طرطوس القديمة ووجود شخصيات لها ثقلها وتأثيرها الاجتماعي تحظى بالتقدير والقبول وتتسم بالحكمة والاتزان لتكون بمثابة المرجع لهم، كانا نقطة بداية عمل المسار الاجتماعي لتعزيز فكرة تنمية ثقافة التطوع والانطلاق منها على اعتبارها الأسهل والأعمق والأكثر تأثيراً في هكذا مجتمع يعيش أبناؤه الألفة والمحبة ويخدمون بعضهم البعض.

وأضافت عيسى: “ما تقدم يعتبر الجانب الأهم للرؤية الاستراتيجية لطرطوس القديمة كمنطقة جذب اقتصادي ثقافي اجتماعي مستدام قائم على (مجتمعها المنظم والمبادر) وهي الجزئية التي تم التركيز عليها في المسار الاجتماعي الذي تتلخص أهدافه ومقترحاته بخمسة جوانب هي تفعيل الفضاء الاجتماعي، وتعزيز ثقافة التطوع والمبادرة والتشارك، وتأسيس صندوق دعم مجتمعي مالي لتوظيف التكافل للسكن وتحسين مستوى الرعاية الصحية”.

وأشارت عيسى إلى أن أبناء مجتمع طرطوس القديمة لديهم خبرة كافية لواقعهم التاريخي الثقافي والأثري فكانوا بمثابة خبير ودليل سياحي للفريق ومشارك أساسي في إنجاز هذا العمل المهم الذي بني على إحصائيات الحالة الاجتماعية بالدرجة الأولى.

وأكد مختار مدينة طرطوس القديمة منذر يونس أن تجاوب سكان المدينة وتعاونهم الكبير مع فريق العمل كان نابعاً من إرادتهم لتطوير وتحسين واقع المدينة بمختلف مكوناتها، لتأخذ مكانتها ودورها التنموي على نحو يسهم بإنعاش المنطقة بأبنائها اجتماعياً واقتصادياً وصحياً، وهي القاعدة التي شكلت صمام أمان للسكان كونها انطلقت من احتياجاتهم وهمومهم.

وانطلقت في الـ 14 من الشهر الماضي أعمال ورشة تبني الخارطة التنموية لمدينة طرطوس القديمة، التي أقامتها الأمانة السورية للتنمية بالشراكة مع محافظة طرطوس، وبمشاركة أكثر من 150 شخصاً من أبناء المدينة القديمة والمجتمع المحلي، وخبراء وممثلين عن الجهات الحكومية والأهلية.

فاطمة حسين

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: المدینة القدیمة

إقرأ أيضاً:

تماسك الجبهة الداخلية حائط الصد فى مواجهة مخططات التهجير

لا تزال القضية الفلسطينية محورًا رئيسيًا فى معادلة الاستقرار الإقليمي، وتظل مصر فى طليعة الدول التى تتحمل مسئوليتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني، ومع تصاعد العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، تتزايد الضغوط السياسية والإنسانية، وتطفو على السطح مجددًا محاولات الترويج لحلول كارثية، أبرزها التهجير القسرى للفلسطينيين خارج أراضيهم، وهى التصريحات التى تبناها الساسة الإسرائيليون على مدار الـ 15 شهرا الماضية – منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة- ووصلت ذروتها بإطلاق الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب دعوة لمصر والأردن لاستقبال عدد من أهالى قطاع غزة، وهو ما قوبل برفض قاطع، خاصة من الجانب المصرى الذى يدرك خطورة مثل هذه الطروحات وما قد يترتب عليها من تداعيات تمس الأمن القومى والاستقرار الإقليمي.
وفى ظل هذه التحديات، يصبح تماسك الجبهة الداخلية فى مصر ضرورة لا غنى عنها لمواجهة أى محاولات لفرض حلول تتعارض مع المصالح الوطنية، فقد أثبتت التجارب السابقة أن الأزمات الكبرى لا يمكن تجاوزها إلا من خلال موقف شعبى ورسمى موحد، وهو ما يظهر بوضوح فى تعاطى مصر مع القضية الفلسطينية، فلطالما كانت مصر مستهدفة بضغط دولى مكثف، سواء لدفعها نحو قبول مشاريع لا تتماشى مع الثوابت الوطنية، أو للعب دور يتجاوز حدود الوساطة السياسية ليصل إلى تحمل أعباء لا تخصها. ومع ذلك، ظل الموقف المصرى ثابتًا فى مواجهة مثل هذه الضغوط، وهو ما يعكس مدى الوعى الشعبى بأهمية هذه القضية كجزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصري.
إن رفض مصر القاطع لأى محاولات لتهجير الفلسطينيين ليس مجرد موقف سياسي، بل هو التزام استراتيجى يستند إلى قناعة راسخة بأن المساس بالتركيبة السكانية فى فلسطين سيؤدى إلى تداعيات كارثية على المنطقة بأكملها، وهذا ما يجعل مصر فى مقدمة الدول التى تحذر من مغبة اتخاذ مثل هذه الخطوات غير المحسوبة، والحقيقة أن الموقف المصرى لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لدور طويل لعبته القاهرة فى الدفاع عن القضية الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى اليوم، فرغم تعاقب الإدارات والحكومات، ظل الموقف المصرى ثابتًا فى دعم حقوق الفلسطينيين، سواء من خلال المواقف الدبلوماسية أو الدعم الإنسانى أو الجهود السياسية المستمرة.
وخلال العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة، كانت مصر فى صدارة الدول التى تحركت لاحتواء الأزمة، حيث فتحت معبر رفح لاستقبال المصابين، وأرسلت قوافل المساعدات الإنسانية، فضلاً عن دورها فى المفاوضات الرامية إلى وقف إطلاق النار، ولم يقتصر الموقف المصرى على الجانب الإنسانى فقط، بل امتد إلى تحركات سياسية ودبلوماسية مكثفة لوقف العدوان الإسرائيلى ومنع تنفيذ مخطط التهجير القسري.
ويجب على الجميع أن يدرك أن الرفض المصرى لفكرة تهجير الفلسطينيين لا ينبع فقط من اعتبارات سياسية، بل يستند إلى حقائق جيوسياسية واستراتيجية، من بينها خطورة تفريغ القضية من مضمونها، خاصة أن تهجير الفلسطينيين سيحول القضية من صراع سياسى إلى مجرد أزمة لاجئين، وهو ما يخدم الأجندة الإسرائيلية الهادفة إلى القضاء على أى أمل فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بالإضافة إلى كونه تهديد صريح للأمن القومى المصرى باعتباره محاولة لفرض واقع جديد على الحدود المصرية وهو ما سيكون له انعكاسات خطيرة على الاستقرار فى سيناء والمنطقة بأكملها، وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع.
ويجب على حلفاء إسرائيل وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية أن يدركوا أن محاولة التهجير القسرى للفلسطينيين ستؤدى إلى زعزعة استقرار المنطقة، وموجة جديدة من التوترات فى الشرق الأوسط، وهو ما سيفتح الباب أمام المزيد من الصراعات التى قد تمتد إلى دول أخرى، لذلك يصبح تماسك الجبهة الداخلية المصرية هو السلاح الأهم لمواجهة الضغوط الخارجية والمخططات التى تهدف إلى فرض حلول غير عادلة للقضية الفلسطينية، فالوعى الشعبى بدقة المرحلة الراهنة، والدعم الذى تحظى به القيادة المصرية فى موقفها الرافض لأى تهجير قسرى للفلسطينيين، يشكلان معًا جدارًا منيعًا أمام أى محاولات لتغيير مسار الأحداث بما يخالف الحقوق الفلسطينية المشروعة.
وختاما.. ستظل مصر، كما كانت دائمًا، داعمًا أساسيًا للقضية الفلسطينية، وستواصل جهودها للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، مهما كانت التحديات، فالقضية الفلسطينية هى جزء أصيل من الأمن القومى العربي، ومصر تدرك تماما أن أى تنازل فى هذا الملف يعنى فتح الباب أمام مخاطر أكبر لا يمكن التهاون معها.

مقالات مشابهة

  • رئيس مدينة بورفؤاد يؤكد: المرحلة الراهنة تحتاج للتكاتف
  • العقد الاجتماعي العُماني.. نموذج الالتزام الأخلاقي
  • كيف يمكن للمرأة المساهمة في بناء مجتمع مثقف؟
  • تماسك الجبهة الداخلية حائط الصد فى مواجهة مخططات التهجير
  • ليبيا – باشاآغا: تصاعد السلوكيات المنحرفة يهدد النسيج الاجتماعي ويتطلب حلولًا جذرية
  • «قوى عاملة النواب» توافق على مواد الحوار الاجتماعي بمشروع قانون العمل
  • عام المجتمع.. يجسد رؤية قيادية للمستقبل محورها الإنسان ومركزها جودة الحياة
  • قوى عاملة النواب توافق على الحوار الاجتماعي والتوفيق والوساطة بمشروع قانون العمل
  • الهاشمي: نواصل مبادرات تعزيز التماسك الاجتماعي لتحقيق «رؤية القيادة»
  • علي بن تميم: «عام المجتمع» رؤية حكيمة تجاه بناء مجتمع مزدهر