تأملات فلسفية في عنف راهننا النّاعم.. قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT
الكتاب: العنف، تأملات في وجوهه الستة
الكاتب: سلافوي جيجيك، ترجمة فاضل حتكر
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السيايات، قطر 2017.
عدد الصفحات: 250 صفحة.
ـ1 ـ
يستهل سلافوي جيجيك كتابه "العنف، تأملات في وجوهه الستة" بهذه الحكاية، يقول: "ثمة قصة قديمة عن عامل اشتبه في أنه سارق؛ إذ كانت عربته التي كان يدفعها أمامه تُفتش كل مساء عند خروجه من المصنع تفتيشا دقيقا، لكن الحراس أخفقوا في العثور على أي شيء.
ولن يخلو اكتشافنا هذا بخيبة ظننا من تقديراتنا الأولى. فقد اعتقدنا لوهلة أنه بريء وأن أولئك الذين يفتشونه يوميا يتعسفون عليه.
ـ 2 ـ
على غرار عامّة الفلاسفة إذن، يلجأ الفيلسوف السياسي السلوفيني، إلى القصّ لتبسيط الفكرة المجرّدة التي يعاني المتقبّل في تمثّلها ربّما، ولكنه وهو يسرد ويُلبس المجرّدَ لباس المجسّد والمحسوس يجعل المعنى منفتحا على التأويلات الكثيرة ويحفّز عقل المتقبّل ليخوض في مغامرة التأويل، فيذهب في ما يراه مناسبا من دلالاتها: بديهي أن أبعاد الحكاية تتجاوز المصنع والعمّال والعربة.
فليست هذه العناصر غير استعارات لحياتنا بحيث يمثل المصنع المجتمع ويمثل سارقُ العربة النّظم الليبرالية، جديدها وقديمها، تلك التي تسرق منّا العربة بأسرها. فيهاجمها سلافوي جيجيك بشدّة في كتابه هذا أو في سائر كتاباته.
غير أنّ الصعوبة الحقيقية التي نواجهها تتمثّل في تحديد طبيعة الحرّاس الذين يفتشون هذا المظنون فيه أولا وفي توقّع هويّة هذا الحارس الفطن الذي سيكشف اللغز ويجعل الجميع يدرك أنّ العربات نفسها ما يسرق. وبقراءة الكتاب الذي يهاجم كل أنساق التفكير القديمة ويجادل الفلاسفة حرّاس القيم ويقدّم التصورات البديلة سنتيقّن أنّ سلافوي نفسه هو الحارس الفطن الذي سيكشف لنا لغز الليبرالية. وليس علينا إلا أن نتابع القراءة لنفهم كلّ ما يتعلّق بالأنساق التي تحكم عالمنا لنعرف ما العربة ومن هم سارقوها.
ـ 3 ـ
يجد سلافوي في مفهوم العنف موطنا لعديد المفارقات. وذلك لأنه مركّب من وجه وقفا وسطح وعمق. وباصطلاح الباحث، فهو مركّب من عنف ذاتي مباشر وآخر موضوعي. ولكنّنا لا نرصد منه إلاّ الوجه والسطحي والذّاتي، ذلك العنف المرئي مباشرة الذي يُقترف من قبل شخص يمكن التعرف عليه بوضوح ويدخل في حيّزه الإجرام والإرهاب والاضطراب الأهلي والصراع الدولي. وكثيرا ما يمثّل مشغلا للموقف الليبرالي اليوم، ما تعلّق منه بالعنف المادي المباشر كالقتل الجماعي والإرهاب أو ما تعلّق بالعنف العقائدي الأيديولوجي والعنصرية والتحريض والتمييز الجندري.
يلحّ الضمير الغربي إلحاحا زائفا ومصطنعا على التعاطف مع ضحايا هذا العنف. ولكنّ تكون المشاركة في إدانته أحيانا محاولة بائسة لصرف الأنظار عن بؤرة الشر الحقيقية. فالأمر لا يتجاوز كونه نوعا من الشعور المنافق بالفضيحة الأخلاقية. أما العميق منه، أو العنف الموضوعي وبؤرة الشر الحقيقية، فيتسامح معه ولعلّه كثيرا ما جعل منه موضوع إشادة.
يفرع سلافوي هذا العنف الثّاني إلى فرعين. فمنه العنف المنهجي ويتمثّل في"جملة العواقب الكارثية الناجمة عن مضيّ أنظمتنا الاقتصادية بسلاسة ويسر". ولكن أشكال العنف المفعّل بعناصر اجتماعية، أفرادا أشرارا، وأجهزة قمعية مدربة، وحشودا أعماها التعصب، تُطمس بصيغ كثيرة. ومنه العنف الرّمزي الذي يتجسّد في اللغة والأشكال في الكون من حولنا عامّة.
ـ 4 ـ
من قصص الكتاب الحكيمة ما يتعلّق بالمواجهة بين ضابط ألماني والرسّام الإسباني بيكاسو. فقد ذُهل هذا الضابط من فوضى لوحة غارينكا لمّا زار مرسمه الباريسي أيام الحرب العالمية الثانية. وسأله: "هل أنت من فعل هذا؟" فردّ بيكاسو بهدوء "لا: أنتم فعلتم هذا". وينتهي من هذه الحكاية إلى أنه يتعيّن علينا أن نجيب مثل الرسام الإسباني: "لا، أنتم من فعل هذا، هذه الحقيقة المترتبة عن سياستكم أنتم"، وهذا ما يفعله الباحث على نحو عميق في أثره الذي بين أيدينا. لذلك يتساءل: هل نحن بحاجة إلى مزيد من البراهين على أن معنى التعاطف الإنساني في حالات الطوارئ مفبرك، ومبالغ فيه بالفعل، جراء اعتبارات سياسية واضحة؟ وما هي هذه الاعتبارات؟
للإجابة، يتعين علينا العودة إلى الوراء كي نلقي نظرة من موقع مختلف، فحين لامت وسائل الإعلام الأميركية الجمهور في بلدان أجنبية العزوف عن التعبير بما يكفي من التعاطف مع ضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر، كان المرء يتعرض لإغراء الرد عليها بكلمات رويسييير التي وجهها إلى أولئك الذين كانوا يتذمرون في شأن الضحايا الأبرياء لإرهاب الثورة: "كفوا عن نفض رداء الطاغية الدامي في وجهي، وإلا سأقتنع أنكم تريدون تكبيل روما بالقيود" .] وكما فعل بيكاسو سيعرّض الفيلسوف بنفاق أولئك الذين، مع محاربتهم العنف الذاتي، يقترفون عنفا منهجبًا منظما يولد ظواهر يمقتونها هم أنفسهم.
ـ 5 ـ
من نماذج ممارسي العنف المنهجي الذين يحتفى بهم باعتبارهم رموزا للخير ويرفع سلافوي جيجيك صوته عاليا ليقول لهم أنتم من فعلتم هذا" بالعالم، الشيوعيون الليبراليون الجدد. وهم بيل غيتس وجورج شوروش (G) Soros)، كبار المديرين التنفيذيين في غوغل، وآي بي إم (IBM)، وإنتل، وإي بي (eBay)، إضافة إلى فلاسفة بلاطهم. فكثيرا ما يحتفى بهذه الرأسمالية الرقمية وتلقى الإطراء بوصفها تتضمن، من حيث الجوهر، عناصر النظام الشيوعي التي باتت غير قابلة للتمييز عن أيديولوجية الجيل الجديد من الراديكاليين اليساريين المعادين للعولمة.
يجعل سلافوي جيجك الفيلسوف والناقد الثقافي من النظرية السياسية، ومن التحليل النفسي والسينما النظرية مواضيعه الأثيرة ويصل بينها ليقارب قضايا الرّاهن كالرأسمالية والأصولية والعنصرية وحقوق الإنسان والتعددية الثقافية وقضايا البيئة والعولمة والحروب. والمفارقة أنه وصف نفسه، وهو الذي ترشّح لأول انتخابات حرة في عام 1990 لرئاسة جمهورية سلوفينيا عن الحزب الديمقراطي الليبرالي، بكونه يساريا متطرفا.ولهذا التركيب الهجين (شيوعيون ـ ليبراليون) لغته الخاصة التي تمتدح الذكاء والشطارة والدينامية المتحركة التي هي أقرب إلى الترحال البدوي وتجعل منه بديلا لكل ما هو جهاز بيروقراطي ممركز. وتحتفي بالمرونة فتثمّن الحوار والتعاون في فضاء الثقافة والمعرفة والتفاعل العفوي والتكوين الذاتي على حساب التسلط التراتبي والهرمية الجامدة والروتين والإنتاج الصناعي العتيق في المؤسسات الاقتصادية التقليدية. فقد بات التعاون مع الموظفين ومشاركتهم، والحوار مع الزبائن، واحترام البيئة، وشفافية الصفقات هذه الأيام، مفاتيح النجاح، بحيث يكون الشاب المتحذلق متفوقا على المدير الأكبر سنا، صاحب البدلة الداكنة. ولكننا نكتشف بعد هذا السيل من الإطراء أنّ هؤلاء الشيوعيين الليبراليين، ليسوا في الحقيقة إلا تنفيذيين كبارا دائبين على استعادة روح المنافسة، ودجالين ومهرجين معادين للثقافة نجحوا في وضع الأيدي على شركات كبرى. أما عقيدتهم فليست إلاّ نسخة جديدة ليد السوق الخفية لدى آدم سميث، ألبست ثوب ما بعد الحداثة،.
ـ 6 ـ
يضبط الفيلسوف سلافوي جيجيك، ما يعدّه من الوصايا العشر للشيوعي الليبرالي، منها: "تخلّ عن كل شيء من دون مقابل قنوات ومواقع حقوق تأليف واكتف بفرض سعر على الخدمات الإضافية، فهي ستجعلك أكثر غنى" أو " غيّر العالم وإحداث تغيير في المجتمع يجعل الأمور أفضل." و "كن مبتكرا: ركز على التصميم، وعلى التكنولوجيات والعلوم الجديدة" و"كن مؤيدا لتقديس الشفافية، ولتدفق المعلومات، ولضرورة تعاون البشرية كلها وتفاعلها".
والمفارقة هذا أنّ مدنية ما بعد الحداثة تلتقي مع البداوة في الترحال وعدم الاستقرار. فيتعلّق الأمر بالمكان الذي يتحوّل من الجمود والثبات إلى التحوّل في عالم افتراضي متغيّر بقدر ما يتعلّق بالزّمن. وتتبنى هذه الشيوعية الليبرالية القاعدة التي تأمرنا ألاّ نسعى إلى وظيفة ذات الدوام المحدد من التاسعة إلى الخامسة! وأن نرتبط بشبكة الاتصالات بدل المكاتب وأن نتحلّى بالدينامية، والمرونة وأن ننخرط في التعليم المستمر.
ومن وجوه براغماتية هؤلاء الشيوعيين الليبراليين عملهم ضد المقاربات العقائدية الجامدة التي تتحدّث عن حقوق العمّال وعن العدالة الاجتماعية وعدم انخراطهم في معاداة الإمبريالية. وبالمقابل فهم يعبّرون عن أنفسهم من خلال التعاطف مع الأزمات الإنسانية شأن مجاعة إفريقيا أو مشاكل النساء المسلمات.. و"على الرغم من كل شيء، يظل الشيوعيون الليبراليون مواطنين حقيقيين في العالم. إنهم أخيار يتملكهم القلق. إنهم قلقون في شأن الأصوليين الشعبويين وحيال الشركات الرأسمالية الجشعة غير المسؤولة... لذا فإن هدفهم ليس كسب المال، بل تغيير العالم وإن أدى الأمر، جانبيا، إلى مضاعفة أرباحهم... من الآن أصبح بيل غيتس المحسن الأكبر في تاريخ البشرية، معبرا عن حبه للجيران عن طريق التبرع بمئات ملايين الدولارات للتعليم، ولمعارك مكافحة الجوع والملاريا، يبقى اللغز متمثلا، بالطبع، في أنه كي تتمكن من العطاء، لا بد من أن يأخذ أولا".
ـ 7 ـ
تتعدّد المواضيع التي فكّكها سلافوي جيجيك، ليسلط من خلالها الضوء على تناقضات العنف الذاتي المباشر والعنف الرمزي أو المنهجي المتخفّي. منها خاصّة التظاهرات العنيفة احتجاجا على رسوم النبي محمد الكاريكاتورية في إحدى الصحف الدانماركية، فيكشف أنّ وراء قيم حرية التعبير، وهو المفهوم السائد الذي يشكل أساسًا لأيديولوجيا اليوم، كمًّا هائلا من العنف الرّمزي ومن محدودية التسامح. وينتهي إلى أنّ الضمير الغربي الذي يبدي ألوانا مختلفة من الحساسية والضيق حيال العنف يعقاب مرتكبي الذّاتي منه. ولكنّ إدانته على أنه "شر"، تظل عملية أيديولوجية بامتياز، فتشكل تشويشا وإرباكا يساهمان في حجب الأشكال الأساسية للعنف الاجتماعي.
ولأنه ينطلق دائما من تحليله النّظري للمتخيّل السينمائي حتّى يبرهن على وجاهة مقولاته ويبرز لنا العنف الرّمزي الذي يستنفر في آليات كثيرة ترمي إلى شل حساسيتنا تجاه أشنع أشكال العنف وأفظعها، يعود بنا إلى فيلم الهارب ( (The Fugitiveللمخرج اندرو ديفيس. ففي نهايته يتواجه الطبيب البريء المتهم (هاريسون فورد) مع زميله (جيرون كرابه) في حوار طبي. ويتهم الأول الثاني بتزوير بيانات طبية نيابة عن شركة صيدلانية كبرى. وبدل تركيز الاهتمام على بيغ فارما (الشركة الرأسمالية الكبرى) بوصفها الجهة المتهمة حقا، يقاطع كرابه فورد ويدعوه إلى الخارج ثم يشتبكان معه في شجار بالغ العنف. فيوسع كل منهما الآخر ضربا ويدمي وجهه.
ـ 8 ـ
يجعل سلافوي جيجك الفيلسوف والناقد الثقافي من النظرية السياسية، ومن التحليل النفسي والسينما النظرية مواضيعه الأثيرة ويصل بينها ليقارب قضايا الرّاهن كالرأسمالية والأصولية والعنصرية وحقوق الإنسان والتعددية الثقافية وقضايا البيئة والعولمة والحروب. والمفارقة أنه وصف نفسه، وهو الذي ترشّح لأول انتخابات حرة في عام 1990 لرئاسة جمهورية سلوفينيا عن الحزب الديمقراطي الليبرالي، بكونه يساريا متطرفا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب العنف الغربي كتاب عنف الغرب عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الحكيم: على المرجعيات الدينية تجاوز عوائق التفاهم
قال علي السيد الحكيم، الأمين العام لمؤسسة الإمام الحكيم بلبنان، إنّ الاختلاف بين البشر حقيقة فطرية، وهو مرتبط بالابتلاء والتكليف الذي تقوم عليه خلافة الإنسان في الأرض، وبالتنوع البشري، فمن الاختلاف ما هو طبيعي مما لا يؤثر في حركة المجتمع أو في علاقات أفراده، ومنه ما يؤدي إلى مخاطر الشقاق والتفرق، فالاختلاف البشري هو أمر واقع لا مفر منه وموجود بين البشر، لكن ما يجمع هؤلاء البشر هو إنسانيتهم، وهذا الاختلاف ينبغي ألّا يكون سببًا للخلاف بين مكونات المجتمع الواحد أو بين المجتمعات المتعددة، إذ ينبغي الاجتماع ضمن كيان واحد، إمّا للاشتراك بالإنسانية أو بالوطن.
وأوضح الأمين العام لمؤسسة الإمام الحكيم خلال كلمته التي ألقاها بمؤتمر الحوار الإسلامي- الإسلامي، المنعقد بالعاصمة البحرينية المنامة خلال ١٩ و٢٠ من فبراير الجاري، تحت عنوان "أمة واحدة ومصير مشترك"، وخلال الجلسة الافتتاحية التي أدارها الدكتور عبد الله الشريكة، مدير مركز الوسطية بالكويت، أن من أخطر نماذج العنف هو العنف الذي يستخدم الدين غطاءً لشرعنة ممارسته، فلا تكمن خطورة العنف الديني في الممارسة العملية على الأرض، ولا من حيث ممارسة القتل، إذ القتل يمارس سواء باسم الدين أو باسم غيره؛ بل تكمن خطورته في محاولته إضفاء القدسية دائمًا، فيتحول بالتدريج أو دفعة واحدة إلى واجب إلهي مقدس، يمارس العنف، ويُخرج الآخر ليس فقط من دائرة المقدس، بل أيضًا من دائرة الإنسانية والبشرية.
من جانبه قال الدكتور سعيد شبار أستاذ التعليم العالي جامعة السلطان مولاي سليمان بالمغرب، إن الوعي بوظيفة العالِم والمرجع الديني في الأمة مسألة حيوية في بناء هذه الأمة، وخصوصًًا حينما يتعلق الأمر بوحدتها وانسجامها ورعاية مصالحها العامة والمشتركة، وإن تشكيل وبناء الوعي لدى الناس تتعدد مداخله وتتنوع، لكن يبقى المدخل الديني أهم هذه المداخل على الإطلاق، لافتًا أن المتأمل في المسار التاريخي للأمة، يلحظ أن ثمة تقصير قد أخل بوحدتها، وتصدر المشهدَ الاهتمام بالفروعُ والجزئيات، وهذا أحد المبررات الأساسية في شيوع النزاع والخلاف بين المسلمين؛ ولذا فإن المطلوب من العلماء والمراجع الدينية، العمل على رد الاعتبار للأصول الكلية أحكاما وقيمًا، وتجديد العلوم والمعارف، وتقويم الأفكار والسلوكيات التي وفدت علينا من الأمم الأخرى فشغلت مساحات كثيرة من الفراغ.
وتناول "شبار" خلال كلمته دور العلماء والمرجعيات الدينية في تجاوز عوائق التفاهم بين المذاهب الإسلامية، وأن على الأمة التحرر من صور التعصب المذهبي التاريخية وليس من المذاهب، ذلك أن المذاهب التي استقرت عليها الأمة، جاءت بعد الاجتهاد والنظر في النصوص، كما أن هذه المذاهب الجامعة قد استوعبت كثيرًا من الخلاف الفرعي أو الآراء التي لم تكن منتظمة داخل نسق مذهبي، وأنها في تقريرها للأدلة الشرعية والقضايا الكلية في الدين، على قدر كبير من الوفاق والائتلاف الذي يوفر فرصا حقيقية للتعاون، لكن من جهة أخرى نجد أن تطور المذاهب تاريخيًا، قد عرف صورًا مختلفة من التعصب للرأي المقرر في هذا المذهب أو ذاك، دعيًا إلى تجاوز هذا الواقع في الظروف الحالية التي تستدعي التحرر من آفات التحيز والتعصب المذهبي، والانفتاح أكثر نحو كل ما يخدم مصالح الأمة وقضاياها الراهنة.
وفي ختام الجلسة، بيّن الشيخ سيد محمد المختار عضو رابطة الأمة بالسنغال، أن الحوار ليس مجرد تبادل آراء وأفكار بين الأطراف، بل هو التزام حقيقي يعكس إرادة حقيقية لتعميق الوعي المشترك، وأن النقاش البناء هو السبيل الأنسب لحل الكثير من الأزمات الداخلية والخارجية التي يواجهها العالم الإسلامي، معتبرًا أنه من خلال تعميق التعاون وتعزيز الجهود المشتركة، يمكن للأمة العربية تجاوز الخلافات وتحقيق التفاهم والتعاون الفعّال، مما يعزز استقرار الأمة ويحقق تقدمها.
كما تقدم عضو رابطة الأمة والسنغال، بجزيل الشكر والتقدير لمملكة البحرين على استضافتها لهذا المؤتمر المهم الذي يمثل خطوة كبيرة نحو ترجمة آمال الأمة وطموحاتها على أرض الواقع، وهو بمثابة لقاء طيب يعد نقطة انطلاق مهمة لتعزيز الحوار بين المذاهب الإسلامية، والمساهمة في بناء جسور من التعاون والتفاهم بين جميع مكونات الأمة، آملا أن يتحقق من خلال المؤتمر المزيد من الوحدة والتضامن بين الدول العربية والإسلامية.
جدير بالذكر أن المؤتمر يأتي استجابة لدعوة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، خلال ملتقى البحرين للحوار في نوفمبر عام 2022، وبرعاية كريمة من جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، وبمشاركة أكثر من ٤٠٠ شخصية من العلماء والقيادات والمرجعيَّات الإسلامية والمفكرين والمثقفين من مختلف أنحاء العالم، حيث يهدف إلى تعزيز الشأن الإسلامي ووحدة المسلمين، والتأسيس لآلية حوار علمي دائمة على مستوى علماء ومرجعيات العالم الإسلامي.