الجميع مصابون به.. مرض العصر الصامت يغتالكم بتكتّم
تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT
أتشعرون بالإرهاق بشكل دائم؟ تنتابكم آلام في مختلف أنحاء جسدكم أو تمرّون بفترات اكتئاب لا تدركون كيفية التخلص منها؟ إذاً، مرحباً بكم بعصر التكنولوجيا! هنا، حيث الهواتف المحمولة واجهزة الحاسوب جزء لا يتجزأ من حياة الكبير والصغير، الموظف والعاطل عن العمل.. هنا، حيث الحياة تمرّ افتراضياً والعلاقات تنشأ سيبرانياً حتى ان الأمراض تعبر إليكم من شاشاتكم الذكية من دون إذن أو إشارة!
الإرهاق والتوتر الرقميّ
صحيح أن التكنولوجيات الرائدة والذكاء الاصطناعي نقلت القطاع الصحيّ الى مرحلة متطوّرة في تشخيص الامراض، إنقاذ الارواح وإطالة الأعمار إلّا أنها انتجت امراضاً جسديّة ونفسية قد توصل أصحابها في بعض الاحيان لحدّ الانتحار!
توضح الاختصاصية بعلم النفس، كاندي أبو سرحال لـ"لبنان 24" أن "الانشغال الدائم بوسائل التواصل الاجتماعي والاستخدام الزائد للهواتف الذكية أو الوسائل التكنولوجية المتاحة للجميع، يفقد الافراد طاقتهم، من دون أن يدركوا، وخاصة عند تعرّضهم للتكنولوجيا لفترات زمنية طويلة ولو لأبسط الأسباب كالتواصل أو التسلية".
وقد تصبح التكنولوجيا مزعجة للغاية، فهي تزيد الضغط على الأشخاص. كم من مرّة شعرتم بالخجل لعدم إتقان استخدام تطبيق حديث؟ وليس كبار السنّ فقط فهؤلاء "عذرهم معهم"! القلق يضرب جيل الشباب، من قيل عنهم منذ الولادة "جيل 01".. جيل التكنولوجيا وبالأحرى من تنهكه التكنولوجيا وتقضي على تطوّره الذهني بالخفاء.
أعراض الكلّ مصاب بها!
أبو سرحال تشير في حديثها لـ"لبنان 24" إلى أن الكلّ مصاب بمرض التكنولوجيا، فالمتعة التقنية تستقطب الجميع على حساب الراحة والاسترخاء والنوم. وتقول: "العقل يحدّد الاولويّات وفقاً لما يجده مهمّاً والأولوية في أيامنا هي للتكنولوجيا، لذا ليس مستغرباً التضحية بالنوم في سبيل ساعة إضافية على مواقع التواصل". هذا السلوك تؤكد الاختصاصية بعلم النفس أنه قد يكون مدمّراً، فالجسم بحاجة للراحة والعقل بحاجة للنوم والابتعاد عن ضوضاء العالم الافتراضي. وخير دليل على تأثير الجهد الرقمي هي الملامح الشاحبة وعيون "الباندا" وهذا في الشكل الخارجي.
أمّا عن الأمراض الجسدية الناتجة عن "تراندات" العصر وقلّة النوم بسبب الافراط في استخدام التكنولوجيا، فتتمثّل بانخفاض مستوى النشاط البدني وما ينتج عنه من بدانة وأمراض مزمنة كالسكري وأمراض القلب والشرايين. أضف الى ذلك، الآلام في منطقة الرقبة والأكتاف بسبب الجلوس بوضعية غير سليمة لفترات طويلة والتي قد تحتاج للخضوع لجلسات معالجة فيزيائية للتخلص منها. ولأن التكنولوجيا ووسائلها تعتمد على شاشات يتصفّحها الكلّ طوال النهار والليل، للعمل أو للتسلية، فلا بدّ أن تتأثر العين بهذا النمط الحياتي وتصبح جافة مع احمرار وتشوّش في الرؤية وهذا ما يعرف بمتلازمة "العين الرقمية". كذلك، ظهرت متلازمة أخرى بهذا العصر وهي "ابهام الواتساب" المتمثّلة بالشعور بألم وخدر في الإبهام بسبب إمساك الهواتف لساعات طويلة والدردشة الكتابية المطولة عبر تطبيق المحادثات الأشهر "الواتساب".
على الصعيد الذهني والفكري، يسبب الارهاق أيضاً تشتتاً بالأفكار وضعفاً في التركيز. والأخطر يكمن في نتيجة الاتكال الحاصل على الذكاء الاصطناعي كالـ"chatgpt"، إذ أن العقل يعتاد على الكسل والنسيان وهنا تكمن المصيبة اللاحقة والتي تهددّ تطوّر الدماغ البشري. وتفسّر أبو سرحال ضاربة المثل ببدء استخدام "هواتف الجوال" ذات الشرائح الحافظة للأرقام، لافتة الى أن ما قبل الجوال لم يكن كما بعده من حيث الذاكرة البشرية. تتابع: "كان الفرد يحفظ أرقام الأقرباء والمقربين والجيران ليتمكّن من التواصل معهم عبر الهاتف الأرضي الكبير، لكن مع التطور التكنولوجي واستحداث هواتف مدوّنة للأرقام لم يعد أحد يتذّكر رقماً هاتفياً غير المستخدم باستمرار حتّى أننا لم نعد نتكبّد عناء تسجيل الأرقام يدوياً بعد ذلك أيضاً، فالكلّ الآن يرسل عبر تطبيق "واتساب" البيانات الرقميّة وبكبسة واحدة يتمّ تحفيظها على الأجهزة الذكية".
كذلك، للتكنولوجيا تأثير مباشر على صحّتكم النفسية، فبالإضافة الى التعب النفسي الناتج عن قلّة النوم وسرعة الغضب والصداع والتبدّل بالحالات النفسية "المودينس" التي قد تعانون منها، تأتيكم الكآبة وانخفاض مستوى الاستمتاع والسعادة. فأنتم وبسبب التطبيقات كـ"انستغرام" و"تيك توك" و"فايسبوك" تتابعون ما يقوم به الآخرون وقد تتمنّون الحصول على حياة "التسلية والرفاهية" التي يظهر الآخرون تنعّمهم بها عبر منشوراتهم، بالتالي ستشعرون بالتعاسة وعدم الاكتفاء وترغبون دوماً بالمزيد من الأشياء لمواكبة "العصر الافتراضي". وقد تطوّر حالات الاكتئاب لدى البعض وتصبح أكثر خطورة ان لم تتم متابعته من قبل متخصّص أو معالج نفسيّ، وفقاً لأبو سرحال.
لا تسمحوا لـ"الموجة" بإغراقكم
"إستمعوا إلى أجسادكم"، هذا ما تقوله أبو سرحال في نصيحتها لأهل هذا "العصر"، مشددة على ضرورة الاسترخاء والابتعاد عن الشاشات الذكية قدر الإمكان.
وتضيف الاختصاصية بعلم النفس أن للعزلة الناتجة عن استخدام التكنولوجيا أثر كبير على الأشخاص، لذا يجب الحرص دائماً على تغيير أماكن التواجد عند استخدام وسائل التكنولوجيا، هرباً من "الروتين" ومنعاً للاكتئاب.
وتقول أبو سرحال: "من المهمّ جداً الحفاظ على التواصل مع المحيط"، مضيفة: "المكوث في مكان واحد على انفراد لفترة طويلة مؤذ جداً على الصعيد النفسي، ومن المحبّذ الابتعاد عن الشاشات قدر الامكان والقيام بأي نشاط بدني برفقة اشخاص آخرين، لأن التواصل عبر التطبيقات مع الزملاء والاصدقاء لا يضاهي ساعة لقاء وتواصل مباشر معهم".
وفي ختام حديثها، توجه أبو سرحال رسالة للجيل الجديد، قائلة: "لا تسمحوا للموجة التكنولوجية بجرفكم، تذكّروا أن التواصل أساسه بشرّي والعلاقات الإنسانية بلا وسيط تقنيّ أفضل وأصدق مما هي عليه في العالم الافتراضي. إستخدموا التكنولوجيا بحكمة ولا تنقادوا وراء "تراند" قد تكون خلفيّاته سوداء غامضة".
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شعبان يكتب: نظرية العصر الإسرائيلي
لا خلاف في أن ما يمر بالمنطقة العربية من تطورات خلال العام الأخير، ومنذ انطلاق طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، جد خطير وغير مسبوق، وإذا قلنا إنه خريف عربي مفعم بالمآسي والأزمات فلن نبتعد كثيرا عن واقع الحال.
والحاصل، أن طوفان الأقصى الذي انطلق لتوجيه لطمة لإسرائيل على ما أتصور، ومقايضتها بآلاف الأسرى الفلسطينيين الموجودين في السجون الإسرائيلية، وإحداث "تحريك" في الملف الفلسطيني بعد أكثر من 17 عاما من الجمود التام وعقب سيطرة حركة حماس على القطاع، قد انقلب إلى كارثة كبرى أو سيل يجرف أمامه البلدان العربية، وأول ضحاياها قطاع غزة نفسه، الذي يشهد حتى اللحظة، أكبر مهزلة إنسانية في التاريخ، بعشرات الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من المصابين ودمار ليس له نظير ووضع على حافة المجاعة.
لكن قضيتنا اليوم، ليست فيما حدث في غزة وهو وضع بالغ الصعوبة وكارثة يراها العالم بأجمعه، ولا يمكن استمراره أكثر من هذا، وإنما المقصود بمقال اليوم هو تداعيات هذا "الطوفان"، والأطراف التي استغلت هذه اللحظة على الأمن القومي العربي والتداخلات الغريبة في المنطقة، والتي من المنتظر أن تشهد تدخلات أكبر وأكثر شراسة مع قرب بدء ولاية ترامب واستلام مهام منصبه رسميا في يناير.
ويمكن إجمال ما حدث من هزّة شديدة في الأمن القومي العربي انطلاقا من دراما غزة في نقاط شديدة الوضوح كالتالي:-
-قطاع غزة تعرض لدمار شديد، ولم ينجح الطوفان في إحداث اللطمة التي كانت مطلوبة لمقايضة الأسرى والتحريك، ولكنه ساعد إسرائيل على مد يدها الطويلة لتمزيق القطاع إربا إربا والتصريح علانية باستمرار القوات الإسرائيلية فيه، يعني إعادة احتلاله بشكل كامل، ونسف كل ما سبق من تفاهمات بعد قيام إسرائيل باغتيال صف كامل من قيادات حماس بدأت بإسماعيل هنية وحتى يحيى السنوار، فالطوفان أطلق يد إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وأصبح حلم الدولة الفلسطينية نفسه على المحك، ومع وصول ترامب وتأييده الشديد لخطوات إسرائيل فإن هذا الحلم قد أصبح بعيدا جدا.
-جاءت تداعيات الطوفان على لبنان، بعدما تدخل حزب الله في المعادلة، وقال إنه يدافع عن غزة أو يقوم بعملية إسناد جبهة غزة، وكانت النتيجة كارثية أيضا، فلم ينجح حزب الله بانتماءاته الإيرانية المعروفة في وقف الحرب على غزة، بل لم ينجح في الدفاع عن نفسه، وتعرض للتدمير شبه التام واغتيال كامل قيادة التنظيم وأولهم حسن نصر الله، والأسوأ أن تدخل حزب الله في الحرب، أطلق يد إسرائيل في لبنان، ما أدى لسقوط 4 آلاف عنصر ودمار شديد في جنوب لبنان ودمار مروع في بيروت، واستمر ذلك حتى وقف اطلاق النار قبل ثلاثة أسابيع، مع ضمان حق اسرائيل في القصف والضرب حال مخالفة حزب الله أو حكومة لبنان ما تم الاتفاق عليه.
-تداعيات الطوفان، لم تقف عند حدود لبنان ولكنها انتقلت لسوريا، فبعد الضربات العنيفة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله في لبنان وطرق الإمداد السورية لأسلحته وتواصل هذه الضربات ضد معسكراته في ضواحي دمشق وغيرها من المدن السورية، ما أدى لانهيار منظومته في دمشق، فإن هيئة تحرير الشام مدعومة بقوة إقليمية، رأت أن ذلك مناسب للهجوم المضاد في أضعف حالات النظام السابق وترنح حليفه حزب الله، ما أدى لسقوط النظام في دمشق خلال 12 يوما فقط لا غير، ولم تكن هذه المشكلة، ولكن استغلال إسرائيل للوضع الذي تمر بها سوريا كان فادحا، بعدما قامت اسرائيل وبتوجيهات مباشرة من نتنياهو، باقتحام المنطقة العازلة في هضبة الجولان السوري المحتل وأعلن نتنياهو سقوط الاتفاقية والسيطرة على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وقام سلاح الجو الإسرائيلي بمسح الأسطول البحري السوري من الوجود، وتدمير كافة مواقع وثكنات الجيش السوري تدميرا ممنهجًا وكافة المراكز البحثية، وأصبحت إسرائيل على بعد عدة كيلو مترات من العاصمة دمشق.
نتنياهو، لم يترك الفرصة وإنما اعترف علانية وفي ظل غياب تحرك عربي قوي وموحد أمامه، أن تل أبيب تغير منطقة الشرق الأوسط، وأن لبنان لم يعد لبنان الذي نعرفه، يقصد وقت وجود حزب الله، ولا سوريا التي نعرفها، يقصد وقت وجود الجيش السوري الذي جرى تفكيكه وتدمير أسلحته وطائراته، ولا كذلك قطاع غزة.
المثير للدهشة، أن جماعة الحوثي في اليمن، لم تتعظ من كل ما حدث وكذلك المجموعات الإيرانية المسلحة في العراق، فاشتعلت الصواريخ والمسّيرات القادمة من البلدين نحو إسرائيل، ما ينذر بحملات جوية عنيفة على البلدين انطلقت منها واحدة اسرائيلية بالفعل نحو اليمن، لتكسير مقدرات الحوثي و"الأشياء الضئيلة" التي يمتلكه الشعب اليمني الذي يعيش خارج العصر، منذ الربيع العربي الأسود في عام 2011.
وهو ما يدفع للسؤال مجددا عما تسبب فيه طوفان حماس؟ وعما إذا كان ذلك قد جرنا بالفعل للعصر الإسرائيلي وهيمنة تل أبيب على مقدرات عدة دول عربية وتغيير أوضاعها، وضربها لتحقيق مصالحها المباشرة، وهو ما دفع رئيس وزراءها للقول علانية أن بلاده تقوم بتغيير الشرق الأوسط وستستمر في ذلك؟!!
فهل هذا معقول أو مقبول او يمكن الاستمرار فيه؟! أعتقد أن الدول العربية عبر مؤسساتها الجامعة وفي مقدمتها الجامعة العربية، مطالبة بالتحرك لمواجهة العصر الإسرائيلي وإيقاف نزيف الخسائر والتفتيت والتقسيم عند هذا الحد.