بعد أكثر من أحد عشر عامًا من آخر زيارة له، ترتقب القاهرة زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، منتصف الشهر الجاري، حسبما أعلنته عدة وكالات إخبارية نقلًا عن مصادر تركية.

إذ كانت آخر زيارة له في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، حيث التقى الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، وألقى كلمة شهيرة في جامعة القاهرة، كما قام بزيارة مشابهة، في سبتمبر/ كانون الأول 2011 والتقى خلالها رئيس المجلس العسكري الحاكم، المشير طنطاوي.

وفي الزيارتين كان آنذاك رئيسًا للوزراء.

الزيارة المرتقبة تأتي بعد سنوات طويلة من القطيعة السياسية، قبل أن تبدأ العلاقات في التحسن ويلتقي رئيسا الدولتَين مرتين: الأولى أثناء حضور افتتاح كأس العالم في قطر 2022، والثانية على هامش اجتماع مجموعة العشرين في العاصمة الهندية، نيودلهي، في سبتمبر/أيلول الماضي.

الزيارة تأتي في ظل ظروف بالغة الدقة والحساسية تمرّ بها المنطقة، لذا فمن المتوقع أن تتقدم الملفات الإقليمية العاجلة، على ملف العلاقات الثنائية، فانخراط الدولتَين الحالي في حل مشاكل المنطقة، لا يكافئ إمكاناتهما الجيوإستراتيجية الكبيرة، بل لا أبالغ إذ أقول إن أحد أهم أسباب الفوضى التي تشهدها المنطقة هو غياب التنسيق بين القاهرة وأنقرة.

العدوان على غزة

من الطبيعي أن يتصدر ملف العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، المباحثات المرتقبة بين أردوغان والسيسي، فحتى الآن لم تقدم الدولتان ما يليق بإمكاناتهما لوقف ذلك العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

فالدولتان تملكان أوراق ضغط كبيرة لمواجهة العدوان وإيقافه، إذ تتحكمان في ممرات ملاحية هي الأهم في العالم: (قناة السويس- مضيق الدردنيل-مضيق البوسفور)، كما أنهما تطلان على عدد من البحار الإستراتيجية في قلب العالم القديم: (البحر الأحمر- البحر الأبيض المتوسط – بحر مرمرة – البحر الأسود).

أمًا عسكريًا فتمتلك الدولتان أقوى جيشَين في المنطقة، وتتمتع تركيا بميزة الصناعات الدفاعية الوطنية، التي تشهد تقدمًا يومًا بعد الآخر، حتى إنها تحل ثالثة على مستوى العالم في حيازة الطائرات المسيرة بعد الولايات المتحدة والصين، إذ تمتلك تركيا أكثر من تسعمائة طائرة بدون طيار.

كما تتمتع الدولتان بوجود قوي في عدد من المنظمات الدولية والإقليمية، مثل: حلف الناتو، ومنظمة الدول التركية، والجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي.

لذا فإن تعاونًا أشد موثوقية بين الدولتين، قد يكون كفيلًا بإنهاء هذا العدوان، الذي يقترب من شهره الرابع، مخلفًا عشرات آلاف الشهداء والمصابين، إضافة إلى تدمير شبه كامل لقطاع غزة والبنية التحتية، كما يجب أن يمتد هذا التعاون لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، ترتيبًا يكافئ آثار "طوفان الأقصى"، وصولًا إلى إعلان دولة فلسطينية على حدود ما قبل 5 يونيو 1967.

الساحة السودانية

غياب الدولتين عن الساحة السودانية منذ اندلاع الصراع بين القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، في أبريل/ نيسان الماضي، سمح بتمدد بعض القوى الإقليمية على حساب الأمن والاستقرار في السودان، ما أدى إلى دخول البلاد في فوضى أمنية، وكارثة إنسانية أدّت إلى نزوح وتهجير ملايين السودانيين.

فالدولتان تتمتعان بحضور قوي لدى الخرطوم، ما يمكنهما من القيام بدور فعّال من أجل وقف هذا التدهور، والحيلولة دون استمرار هذا العبث الإقليمي بمقدرات السودان.

الملف الصومالي

في يناير/ كانون الثاني الماضي زار الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، القاهرة وبحث مع السيسي التهديدات الإثيوبية، عقب توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع ما يسمى بجمهورية "أرض الصومال" الانفصالية، تمهد لإنشاء قاعدة عسكرية إثيوبية، وتأجير ميناء بربرة على البحر الأحمر لمدة خمسين عامًا.

وهو الأمر الذي رفضته القاهرة، وإن لم تقدم حتى الآن أي رؤية أو خطة عمل لمواجهة هذا التغوّل الإثيوبي على الأراضي الصومالية.

من جانبها، تتمتع تركيا بوجود قوي في الدولتين المتنازعتين، ففي الصومال توجد أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد مخصصة للتدريب وتأهيل العسكريين الصوماليين، وتتمتع الدولتان بعلاقات متميزة في مجالي الاقتصاد والطاقة.

وعلى الجانب الإثيوبي، ترتبط أنقرة مع أديس أبابا باتفاقية دفاع مشترك، فيما تتركز نصف الاستثمارات التركية في قارة أفريقيا في إثيوبيا وحدها.

لذا فإن القاهرة بالتعاون مع أنقرة يمكنهما القيام بجهد مشترك من أجل تقريب وجهات النظر، والحيلولة دون تقسيم الصومال، بما يحمله من تداعيات جيوإستراتيجية على منظومة الأمن القومي لدى الدولتين في منطقة البحر الأحمر وباب المندب.

إعادة الوحدة الليبية

قبل حوالي أربع سنوات، كادت تحدث مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا في ليبيا، عقب نجاح قوات الحكومة الشرعية المدعومة من أنقرة، في فك الحصار عن العاصمة طرابلس ومطاردة قوات خليفة حفتر، باتجاه الشرق، قبل أن تقف على حدود مدينة سرت.

منذ ذلك الحين فشلت جميع الجهود الأممية والإقليمية في إنهاء الانقسام وإعادة توحيد شرق وغرب ليبيا تحت راية حكومة واحدة.

المرحلة الجديدة التي تنتظرها العلاقات التركية – المصرية، بزيارة أردوغان المتوقعة، تعد فرصة مناسبة لمناقشة الملف الليبي، تمهيدًا لإنهاء الانقسام.

فالتخوفات المصرية التي كانت موجودة في عام 2020 لم تعد كما هي، خاصة مع تطبيع العلاقات التركية – الإماراتية، وانحسار تنافس الدولتين على الأراضي الليبية.

كما أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، لا تضر بالأمن القومي المصري، بل على العكس من ذلك تمنح مصر قرابة عشرة آلاف كيلومتر إضافية، على المساحة الممنوحة لها بموجِب اتفاق ترسيم الحدود مع اليونان وإدارة جنوب قبرص.

ما يعني أن مزيدًا من الحوار بين الطرفين، قد يكون كفيلًا لحلحلة الأوضاع في ليبيا، باتجاه إنهاء الانقسام وإعادة الوحدة.

ترسيم الحدود البحرية

في تقديري أن الملف الأول الذي سيكون حاضرًا على طاولة مباحثات الرئيسين، فيما يخص العلاقات الثنائية، هو ملف ترسيم الحدود البحرية، الذي توليه أنقرة أهمية قصوى، لمعالجة التشوهات الجيوإستراتيجية التي خلفها انهيار الدولة العثمانية.

إذ نتج عنها عدم تمتّع تركيا بمناطق نفوذ بحرية، رغم امتلاكها أطول خط ساحلي شرق المتوسط، وإصرار اليونان وظهيرها الأوروبي على خنق تركيا داخل ما يعرف بـ "خريطة إشبيليه"؛ أي اقتصار النفوذ التركي شرق المتوسط في منطقة أنطاليا! الأمر الذي حرمها أيضًا من حقوقها في ثروات شرق المتوسط.

اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا كانت واحدة من الخطوات التي اعتمدتها تركيا لحل الأزمة، لكن يبقى ترسيمٌ مماثلٌ مع مصر، لا يزال محل نقاش عميق بينهما.

فرغم العرض السخي الذي تقدمه أنقرة للقاهرة، فإن ارتباط الأخيرة بمحور اليونان – جنوب قبرص – فرنسا لا يزال يحول دون التوصل إلى اتفاق حتى الآن.

الملف الاقتصادي سيكون حاضرًا أيضًا بقوّة على الطاولة، فرغم تأزم العلاقات السياسية بين الدولتين على مدار ما يقرب من عشر سنوات، فإن ذلك لم يؤثر على استمرار العلاقات الاقتصادية بينهما، وإن كانت دون المأمول بين دولتين بحجم تركيا ومصر.

لذا فإنه من المتوقع أن تمنح زيارة أردوغان المرتقبة، العلاقات الاقتصادية دفعة قوية إلى الأمام، إذ تطمح الدولتان إلى زيادة حجم التجارة البينية إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، علمًا أن أكثر من 700 شركة تركية تعمل في مصر باستثمارات تصل إلى 2.5  مليار دولار.

وأخيرًا فإن هذه الزيارة المرتقبة يجب أن تتجاوز الماضي، وصولًا إلى تدشين تعاون إستراتيجي بين الطرفَين لإيقاف نزيف المنطقة الهائل.

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترسیم الحدود البحریة

إقرأ أيضاً:

البرهان في تركيا…أضواء خلف اللقاءات المتعددة

لقاءات متعددة منذ ظهر يوم الجمعة، لرئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، عقب وصوله إلى مدينة أنطاليا التركية، للمشاركة في فعاليات “منتدى أنطاليا الدبلوماسي” لعام 2025، في نسخته الرابعة، بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويرافق البرهان ، السفير د. علي يوسف وزير الخارجية والفريق أول أحمد إبراهيم مفضل مدير جهاز المخابرات العامة و الفريق أول ميرغني إدريس مدير منظومة الصناعات الدفاعية .

وقال مجلس السيادة السوداني في بيان إطلع عليه “المحقق” ، بأن رئيسه البرهان، التقى رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف، بمدينة أنطاليا التركية.

وتطرق اللقاء إلى سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وترقيتها ودفعها في كافة المجالات إلى آفاق أرحب، بجانب الوضع في السودان وتطورات المشهد السياسي بعد الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة، بالإضافة إلى العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وحضر اللقاء السفير نادر يوسف سفير السودان لدى تركيا والفريق أول أحمد إبراهيم مفضل مدير جهاز المخابرات العامة و الفريق أول ميرغني إدريس مدير منظومة الصناعات الدفاعية.

لقاء مع رئيس حكومة الوحدة الليبية
كما التقى البرهان، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد محمد الدبيبة، وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين وأوجه تنميتها وتعزيزها في مختلف المجالات، بجانب تطورات الأوضاع في السودان، ومناقشة أبرز القضايا والمستجدات ذات الاهتمام المشترك.

وأكد اللقاء على أهمية توحيد المواقف السياسية تجاه العديد من القضايا في المنطقة، ودعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان.

مع رئيس سيراليون
كما التقى البرهان، الرئيس جوليوس مادا بيو رئيس جمهورية سيراليون.
وتطرق اللقاء إلى مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، والسبل الكفيلة بدعمها وتطويرها في مختلف المجالات وآفاق الارتقاء بالتعاون بين البلدين بما يخدم المصالح المشتركة بينهما، إلى جانب بحث عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وأكد الرئيسان حرصهما على الارتقاء بالعلاقات إلى ما يحقق طموحات شعبي البلدين ويدعم مسيرة التعاون وتعزيز العلاقات إلى آفاق التعاون المشترك.

لقاء مع أردوغان
والتقى البرهان، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين والسبل الكفيلة بدعمها وتعزيزها، إضافة إلى استعراض مجالات التعاون المشترك على مختلف الأصعدة وسبل تطويرها لما فيه خير الشعبين.

كما تطرق اللقاء إلى تطورات الأوضاع في السودان وجهود تحقيق السلام وإعادة البناء والإعمار، ومناقشة أبرز المستجدات الإقليمية والدولية والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

وأعرب رئيس مجلس السيادة، عن تقديره لمواقف تركيا الداعمة للسودان في المحافل الإقليمية والدولية، والحفاظ على سيادته ووحدة أراضيه، ودعمها المستمر للشعب السوداني، وتقديم المساعدات الإنسانية له إبان الأزمة السودانية.

مباحثات سودانية وروسية
وغير بعيد عن لقاءات البرهان في انطاليا، التقى وزير الخارجية السوداني السفير د. علي يوسف، بنظيره الروسي سيرجي لافروف، وذلك على هامش أعمال منتدى أنطاليا الدبلوماسي بتركيا.

وجدد الوزير شكره لنظيره الروسي على حرصه علي التواصل المستمر معه، مشيراً إلى اللقاء المثمر الذي جمعهما مؤخراً في العاصمة الروسية موسكو، وفق بيان للخارجية السودانية، اطلع عليه المحقق.

وقدّم الوزير خلال اللقاء تنويراً مفصلاً حول تطورات الأوضاع في السودان، مستعرضاً الانتصارات الميدانية التي حققتها القوات المسلحة السودانية مؤخراً، وعلى رأسها استعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم.
وشدد على التزام الحكومة السودانية بإعادة الأمن والاستقرار إلى كل أرجاء البلاد.

وأشاد الوزير بالتطور الإيجابي المضطرد للعلاقات الثنائية بين البلدين، والتنسيق المستمر بين بينهما في جميع المجالات. وأشار في هذا السياق إلى الترتيبات الجارية لعقد اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين، والمزمع انعقادها في مدينة بورتسودان نهاية الشهر الجاري.

من جانبه أكد وزير الخارجية الروسي من جانبه موقف بلاده الثابت والداعم للسودان، والتزام روسيا بدعم الحكومة السودانية في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس الأمن وأشاد لافروف بمستوى التنسيق القائم بين الجانبين على الصعيدين السياسي والدبلوماسي.

وفي سياق متصل، أشار الوزير الروسي إلى المنح الدراسية التي تقدمها روسيا للطلاب السودانيين، مبدياً استعداد بلاده للنظر في إمكانية زيادتها مستقبلاً، إذا ما كانت هناك حاجة فعلية لذلك، في إطار دعمها المستمر لبناء القدرات في السودان وتعزيز التعاون في مجالات التعليم والتدريب.

وجدد الوزيران التأكيد على أهمية العلاقات المشتركة بين البلدين، وحرصهما على استمرار التنسيق والتشاور في مختلف القضايا الإقليمية والدولية.

أنطاليا – المحقق – طلال اسماعيل

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • أردوغان: يجب أن تنتهي حالة الجنون هذه التي تهدد دول المنطقة
  • في ذكرى قانا | ماذا تعرف عن المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في لبنان؟ (تفاعلي)
  • اليونان تتخذ الخطوة التي وصفتها تركيا بـ”سبب للحرب”!
  • دعم دبلوماسي من تركيا وإيطاليا للعلاقات بين مصر والناتو
  • بعد زيارة الرئيس السيسي.. مدبولي: 7.5 مليار دولار استثمارات قطرية مرتقبة في مصر
  • مشروع تركي سيغير وجه المنطقة بالكامل.. البدء باعمال حفر نفق بوسع مرور غواصة حربية
  • زيارة وزير الدفاع لإيران تعكس حرص المملكة على تعزيز تعاون البلدين
  • زيارة "مهمة للغاية" لأمير قطر إلى روسيا.. ومحادثات مرتقبة مع بوتين
  • مصادر أميركية: زيارة مرتقبة لوفد من الكونغرس إلى سوريا
  • البرهان في تركيا…أضواء خلف اللقاءات المتعددة