الخليج الجديد:
2025-01-11@08:38:31 GMT

الفلسفة وما بعد الكولونيالية

تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT

الفلسفة وما بعد الكولونيالية

الفلسفة وما بعد الكولونيالية

في المجتمعات الهندية واللاتينية الأميركية، بل في أميركا نفسها، يشكل الدين محور الهوية الاجتماعية وأرضية القيم المدنية المشتركة.

الاستغلال الأيديولوجي للدين نمط من نزع القداسة عنه وتحويله إلى محور تصادمي في المجتمع بدل أن يكون عامل التحام وتضامن كما في التجربة التاريخية الإسلامية.

في السياق العربي الإسلامي، برز تيار نقدي للغرب في كتاب المفكر الإيراني جلال آل أحمد (ت 1969) «نزعة التغريب» واعتبر الثقافة الغربية «وباء» يستهدف الروح والعقل ويؤدي للاغتراب والاستلاب.

* * *

توفي مؤخراً الفيلسوف الأرجنتيني المكسيكي ذو الأصول الأوروبية «أنريك دوسل»، أحد أهم فلاسفة نقد الكولونيالية ودعاة أخلاقيات التحرر التي تشكّل المحور الفلسفي في الفكر اللاتيني الأميركي.

ما نلمسه لدى دوسل هو المزج بين الفلسفات التفكيكية في نقدها للذاتية والوعي والتاريخانية والنظريات ما بعد الاستعمارية في أميركا الجنوبية التي سلكت نقد المركزية الغربية من حيث سردية الحداثة الكونية.

ولا تبدو الرابطة بديهية بين الاتجاهين، ففلسفات ما بعد الحداثة في نسختها الغربية هي نتاج وأثر السيرورة الفلسفية الاجتماعية الغربية نفسها، في حين أن النظريات النقدية للكولونيالية تندرج في نطاق البحث عن حداثات وكونيات بديلة خارج هيمنة النماذج الفكرية والتاريخية الغربية.

ومع ذلك لا يمكن الفصل بين المسارين، بل إن التيار ما بعد الكولونيالي يتغذى أساساً من الأفكار التفكيكية التي قوضت المرتكزات المرجعية للحداثة الأوروبية، إلى حد أنه أصبح من المشروع التساؤل عن مدى أصالة وطرافة نقد المركزية الغربية في الأطروحات والمقاربات الجنوبية التي ترفع شعار القطيعة مع الهيمنة الغربية.

في سياقنا العربي الإسلامي، برز التيار النقدي للغرب في كتاب المفكر الإيراني جلال آل أحمد (المتوفى سنة 1969) «نزعة التغريب» الذي اعتبر فيه الثقافة الغربية «وباء» يستهدف الروح والعقل ويؤدي إلى الاغتراب والاستلاب.

ولقد تأثر في هذا الكتاب بأفكار الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر في نقده للتقانة وثقافة الاستهلاك وطغيان العلم كرؤية للوجود والعالم. ومع أن النظرية التفكيكية دخلت مبكراً في الحقل الثقافي العربي، فإنها ظلت أساساً حبيسة الدراسات النقدية واللسانية، ولم تتأسس عليها أطروحة نقدية للمركزية الغربية في أبعادها الفلسفية والتاريخية.

ونلمس هنا فرقاً كبيراً مع الفكر الإفريقي الذي ساهم مساهمة هامة في النظرية النقدية للكولونيالية منذ فرانتز فانون في الستينيات إلى أشيل بمبة وفلوين صار في الوقت الراهن. ما نعنيه بنقد الكولونيالية ليس النقد الأيديولوجي السائد في الأدبيات العربية المعاصرة، بل أوجه الحفر والنظر في سيرورة الكونية الحداثية الأوروبية في مقوماتها الفلسفية والمجتمعية والتاريخية.

لقد تم هذا التوجه في الفكر الأفريقي واللاتيني الأميركي من خلال أسئلة ثلاثة كبرى:

أولاً، هل يمكن التفكير في نمط من الحداثة خارج نموذج الوعي الذاتي بما يقوم عليه من مرجعية مغلقة على الهوية التأملية والإرادة المطلقة؟ لقد بينت الأبحاث التأريخية للفلسفة أن هذا النموذج له خلفياته اللاهوتية الخاصة بالعصر اللاتيني الوسيط ولا يشكل قطيعة فكرية كونية، بل إن اتجاهات فلسفية كثيرة معاصرة تسعى إلى تجاوزه وتعتبر أنه براديغم عقيم وفقير. بيد أن هذا النموذج هو الذي كرس في الآن نفسه قيم الحرية والإرادة الفاعلة والمسؤولية الشخصية التي هي مرتكزات الحداثة السياسية.. فكيف يمكن استيعاب هذه القيم خارج نموذج الوعي؟

ثانياً، كيف يمكن بلورة مقاربة تاريخية بديلة عن نزعة التقدم الغائي التي طبعت الفكر الأوروبي الحديث في تمديده لمسار المجتمعات الغربية بصفته قانون تطور البشرية الكوني؟

ما نلمسه لدى الفيلسوف المشهور هيغل هو بناء فلسفة لتاريخ الإنسانية تنطلق من محطات الوعي (الأوروبي) من الكونية المجردة إلى الذاتية الواعية انتهاءً بالدولة الشمولية المطلقة التي هي مرحلة اكتمال التاريخ وغاية التحرر الإنساني في قمته المطلقة.

لقد وجهت النظريات الجديدة ضربة قاصمة لهذا النموذج التاريخاني، وأفسحت المجال أمام قراءات بديلة لتاريخية المجتمعات غير الغربية، خصوصاً في علاقاتها بشكل الدولة المركزية والديناميكيات الأهلية، بما يدعم النظرية ما بعد الكولونيالية.

ثالثاً: كيف يمكن التفكير في علاقة مختلفة عن مسار الحداثة الأوروبية بين الدين والمجال المدني، باعتبار أن مسار العلمنة القانونية والاجتماعية شكّل حسب عبارة عالم الاجتماع الأميركي «بيتر بيرغر» استثناءً أوروبياً خالصاً. في المجتمعات الهندية واللاتينية الأميركية، بل في أميركا نفسها، يشكل الدين محور الهوية الاجتماعية وأرضية القيم المدنية المشتركة.

ومن ثم فإن استغلاله الأيديولوجي هو في نهاية المطاف نمط من نزع القداسة عنه وتحويله إلى محور تصادمي في المجتمع بدل أن يكون عامل التحام وتضامن كما هو الواقع في التجربة التاريخية الإسلامية.

في أميركا الجنوبية ظهر تيار «لاهوت التحرير» الذي هو أحد تجليات الفكر ما بعد الكولونيالي، وفي أفريقيا جنوب الصحراء بلور عدد من الفلاسفة أطروحة «الأخلاقيات المقدسة الحيوية» مرتكزاً للسلم المدني والأهلي. أما الفكر العربي فما يزال غريباً عن هذه الاتجاهات والآراء.

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا الدين القيم الفلسفة الأيديولوجي التغريب اغتراب الكولونيالية الثقافة الغربية فی أمیرکا ما بعد

إقرأ أيضاً:

«الأوقاف» تطلق 10 قوافل دعوية لنشر الفكر الوسطي وتصحيح المفاهيم

أطلقت وزارة الأوقاف، اليوم الجمعة، 10 قوافل دعوية كبرى، شملت أداء خطب الجمعة، وعقد مقارئ قرآنية، والمشاركة في نشاط الطفل، وذلك في إطار جهودها لنشر الفكر الوسطي المستنير، وتصحيح المفاهيم الخاطئة.

وأوضح العلماء المشاركون في القافلة، أن دعوة نبينا -صل الله عليه وسلم- الشريفة إلى التحلي بأسمى آيات الإحسان والبشر والبر والإكرام في التعامل مع خلق الله تعالى، تتجلى في قوله -صل الله عليه وسلم- "إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ"، وأن هذا هو السر النبوي الشريف الذي جذب به القلوب والأرواح والعقول، ليؤسس فلسفة الحب بين البشر جميعًا، موجهين رسالة إلى المدعوين: "فاعلموا أيها الناس أنكم لن تصلوا إلى القلوب بأموالكم ولا بعوارض دنياكم، وإنما تسعون قلوب البشر بالأخلاق التي أتم الجناب الأنور بناءها، ورفع قدرها".

وأضاف العلماء أن خير الخلق وحبيب الحق -صلوات ربي وسلامه عليه-، قد وسعت ابتسامته الصادقة وأخلاقه السامية الدنيا بأسرها، في مزيج محمدي مدهش يجعل القلوب تأزر حبٍّا إلى حضرته وتستبشر بدعوته.

وشملت هذه القوافل، مديرية أوقاف القليوبية، ومديرية أوقاف المنيا، ومديرية أوقاف مطروح، ومديرية أوقاف شمال سيناء، ومديرية أوقاف الإسكندرية، ومديرية أوقاف الغربية، ومديرية أوقاف سوهاج، ومديرية أوقاف قنا، ومديرية أوقاف السويس، ومديرية أوقاف بورسعيد.

مقالات مشابهة

  • «الأوقاف» تطلق 10 قوافل دعوية لنشر الفكر الوسطي وتصحيح المفاهيم
  • أوقاف الغربية تطلق قافلة دعوية لمدينة المحلة الكبرى لنشر الفكر الوسطي المستنير
  • لماذا ترفض الثورة الدينية الحداثة؟ كتاب يقرأ علاقة المشروع الإسلامي بالغرب
  • دعاء يوم الجمعة للأحباب.. أفضل الأدعية المكتوبة التي يمكن ترديدها
  • تفنيد الفكر المتطرف.. ندوة لـ”خريجي الأزهر” بالصومال
  • عصارة الفكر القديم.. مواقف من الواقع وسجل حافل بالعبر
  • وزير الأوقاف يؤكد أهمية التعاون في نشر الفكر الوسطي وتعزيز العلاقات مع سنغافورة
  • قصور الثقافة تقيم معرضًا للكتاب والحرف التراثية بالعاصمة الإدارية.. الأحد المقبل
  • الأحد.. قصور الثقافة تقيم معرضا للكتاب والحرف التراثية بالعاصمة الإدارية
  • تجمع ما بين الحداثة والوحشية السوفييتية..نظرة على الروائع المعمارية في أوزباكستان