الخليج الجديد:
2024-07-06@00:22:51 GMT

فلسطين تحت الصفر

تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT

فلسطين تحت الصفر

فلسطين تحت الصفر

تفكّر الولايات المتحدة في منح الفلسطينيين دولة تفتقر إلى المقوّمات السيادية للدولة. وهذا الأمر لن ينجح!

من المستبعد نجاح ترتيباتٍ قد تقبلها إسرائيل طوعيًّا في تهدئة شعبٍ يسعى إلى تحقيق السيادة وإنهاء الاحتلال العسكري.

لم تكن أمريكا مستعدةً لاستخدام نفوذها لإرغام إسرائيل على تغيير اتّجاهها، لذلك فإن أيّ نقاش عن دولة فلسطينية سرعان ما سيصبح غير ذي جدوى.

رؤية إسرائيل وأمريكا بشأن دولة فلسطينية محتملة لا تختلف كثيرًا، ذلك أن إنشاء دويلة فلسطينية منزوعة السيادة لا يبدو سوى مسعى لإضفاء الشرعية على الاحتلال.

تستمرّ إسرائيل في تحويل غزة إلى أرض غير مأهولة، فيما تبقى محكومةً من ائتلاف يضمّ عناصر يمينية متطرّفة تسعى علانيةً لتهجير أكبر عددٍ ممكن من الفلسطينيين من غزة.

* * *

عقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعًا في بروكسل في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع لمناقشة خطة أخرى تُضاف إلى قائمة الخطط السابقة حول مرحلة ما بعد الصراع في غزة، وتقترح مسارًا لإقامة "دولة فلسطينية".

وفي واشنطن، أصرّ الرئيس جو بايدن بدوره على أن إقامة دولة فلسطينية هي السبيل للمضيّ قدمًا. وعندما ووجِه بواقع أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يرفض مفهوم قيام دولة فلسطينية، شدّد بايدن على أن نتنياهو لا يعارض جميع أنماط حلّ الدولتَين مع الفلسطينيين – وفي إصرار بايدن تكمن المشكلة.

يشكّل موقف نتنياهو تجاه قيام دولة فلسطينية امتدادًا لتكتيك قديم يعتمده حول هذه المسألة، ويتمثّل في تصوير نفسه أمام الرأي العام الإسرائيلي على أنه القائد الوحيد القادر على مواجهة الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة من أجل إقامة هذه الدولة.

لكن، تبيّن بوضوح شديد أن ما من ضغط أميركي على إسرائيل، بل ما تفعله واشنطن ببساطة هو التعبير عن الخيارات التي تفضّلها. أما الضغط، فيعني أن تستخدم واشنطن أدوات النفوذ التي تمتلكها، سواء ورقة المساعدات إلى إسرائيل أو أشكال الدعم الأخرى، للتأثير عليها. وهذا ليس واردًا نهائيًا.

مع ذلك، استمرّ بايدن في تقديم حلّ الدولتَين على أنه خيار قابلٌ للتحقق، لأن البديل، أي الاعتراف بواقع الدولة الواحدة، هو أمرٌ لا تستسيغه واشنطن. لذا، بدأ الرئيس الأميركي باقتراح أشكال أخرى من "الدولة" قد تتمتّع بحظوظ أكبر في إقناع إسرائيل، من ضمنها قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح. فعلى سبيل المثال، أشار بايدن في تصريحات أدلى بها مؤخرًا إلى أن بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ليست لديها جيوش خاصة بها.

وبايدن محقٌّ في هذا الصدد، فثمّة بالفعل دولٌ أعضاء في الأمم المتحدة من دون جيوش. لكنّ هذه الدول تتشارك جميعها خصائص محدّدة. في العادة، تكون دولةٌ أخرى قد وافقت على الدفاع عنها ضدّ العدوان الخارجي. أندورا مثلًا لا تملك جيشًا وطنيًا، لكنها أبرمت معاهدات دفاعية مع إسبانيا وفرنسا.

وتشكّل ميكرونيزيا مثالًا آخر، بحيث تقع مسؤولية الدفاع عنها على عاتق الولايات المتحدة. وجمهورية ناورو مثلًا تعتمد على أستراليا. ولدى بضع عشراتٍ من الدول أيضًا ترتيبات مماثلة. قد تتّخذ المعاهدات الدفاعية كذلك شكل علاقة دفاع إقليمي، أشهرها ربما نظام الأمن الإقليمي بين دول منطقة البحر الكاريبي ودول أميركا الجنوبية. ويعتمد نجاح ذلك على وجود روابط وثيقة بين الدول الأعضاء وداعم خارجي قوي.

قد يجادل البعض بأن هذه كلّها سوابق تدعم قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومسلوبة السيادة كحلٍّ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكنها جميعها لا تنطبق في هذه الحالة.

فإسرائيل تصرّ على "بسط سيطرتها الأمنية الكاملة على جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن"، أي بتعبيرٍ آخر، على أي منطقة قد تقع ضمن الحكم الذاتي الفلسطيني. وهذا يعني أن إسرائيل ستكون قادرة على الدخول عسكريًا إلى هذه الأراضي متى تشاء، من دون الحصول على موافقة الفلسطينيين.

وهذا الوضع لا ينطبق على أيٍّ من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولا يشبه معاهدة الأمن الإقليمي بين دول الكاريبي وأميركا الجنوبية. فالتحدّي الأمني الأساسي للفلسطينيين هو إسرائيل في حدّ ذاتها. فالأمر في هذه الحالة أشبه بالقول إن على أوكرانيا إبرام اتفاقية أمن إقليمي مع روسيا بقيادة فلاديمير بوتين.

إذًا، أيٌّ من هذه السوابق لا ينطبق في هذه الحالة. ولكن ثمّة سابقتان لهما بعض الخصائص المألوفة، إحداهما في أوكرانيا، والأخرى في جنوب أفريقيا. ففي العام 2014، أعلنت روسيا عن إنشاء "جمهوريّتَي" دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا، وضمّت في الوقت نفسه شبه جزيرة القرم.

على المستوى الهيكلي، يشبه ذلك تمامًا ما تحاول إسرائيل فعله، أي ضمّ أراضٍ في أجزاء من الضفة الغربية، والسماح بـ"الحكم الذاتي" في أماكن أخرى من الأراضي المحتلّة. نظر المجتمع الدولي بريبةٍ إلى الخطوات التي اتّخذتها روسيا في دونيتسك ولوغانسك على أنها أشبه بجهودٍ لإضفاء الشرعية على الاستيلاء غير القانوني على الأراضي.

لكن الواقع أن رؤية إسرائيل وأمريكا بشأن الدولة الفلسطينية المحتملة لا تختلف كثيرًا، ذلك أن إنشاء دويلة فلسطينية منزوعة السيادة لا يبدو سوى مسعى لإضفاء الشرعية على الاحتلال.

أما السابقة الثانية فهي بوفوتا تسوانا التي كانت واحدة من البانتوستانات في جنوب أفريقيا (أي "الأوطان" أو ما يمكن تسميته بـ"المحميّات" في السياق الأميركي)، والتي منحها نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) هناك حكمًا ذاتيًا. فقد احتفظ الجنوب أفريقيون بالسيادة، إلا أن بوفوتاتسوانا (التي كانت مُجزَّأة جغرافيًا) مثّلت حلًّا لمسألة توفير "الحكم الذاتي" مع الحفاظ على نظام الأبارتهايد في بقية جنوب أفريقيا.

إذا ما وضعنا رسمًا بيانيًا لما قد يكون نتنياهو على استعداد لقبوله طوعيًّا كـ"دولة"، وهو ما يراه بايدن بوضوحٍ خيارًا، فهذا الرسم لن يحوي عناصر من الدول الأعضاء الحالية في الأمم المتحدة، بل عناصر من المخطّطات سيّئة السمعة التي طبّقتها روسيا في عهد بوتين، وجنوب أفريقيا في ظل نظام أبارتهايد.

وقد يلقى ذلك قبول المسؤولين في الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أنه من غير المرجّح أن يكون مشروعًا ناجحًا للفلسطينيين، وهم السكان الخاضعون للاحتلال، ولا للدول العربية التيتتطلّع إسرائيل إلى تطبيع العلاقات معها.

منذ أكثر من 20 عامًا، تقدّمت السعودية بمبادرة السلام العربية، التي أقرّتها جامعة الدول العربية بالإجماع في العام 2002، وتعهّدت بموجبها الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل إنهاء احتلالها للأراضي العربية وإقامة دولة فلسطينية.

وبعد أن كرّرت هذه الدول مذّاك الحين أن التطبيع مطروحٌ على الطاولة، ومقابل ثمنٍ أقلّ بكثير مما كان عليه قبل 20 عامًا، أصبح المطلوب اليوم فقط "مسارًا" يؤدّي إلى دولة فلسطينية.

لكن لربما يكون الجزء الصامت من هذا الأمر قد قاله بصوتٍ عالٍ مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. ففي حين أن طريقة تعاطي إدارة بايدن مع المسألة معقّدة، لأن هذه الإدارة تسعى إلى إنجاز شيء ما بالشراكة مع الإسرائيليين الذين يحدّدون "الوسيلة الأفضل لضمان أمن إسرائيل"، قال بوريل بمنتهى الصراحة إن الدولة الفلسطينية قد تحتاج إلى أن "تُفرَض من الخارج" من دون موافقة إسرائيل.

يبقى احتمال حدوث ذلك في الوقت الراهن مشكوكًا فيه، لا بل من المستبعد أكثر نجاح ترتيباتٍ قد تقبلها إسرائيل طوعيًّا في تهدئة شعبٍ يسعى إلى تحقيق السيادة وإنهاء الاحتلال العسكري.

في غضون ذلك، تستمرّ إسرائيل في تحويل غزة إلى أرض غير مأهولة، فيما تبقى محكومةً من ائتلاف يضمّ عناصر يمينية متطرّفة تسعى علانيةً إلى تهجير أكبر عددٍ ممكن من الفلسطينيين من غزة.

قد لا توافق الولايات المتحدة على مثل هذه السياسات، إلا أنها ما لم تكن مستعدةً لاستخدام نفوذها لإرغام إسرائيل على تغيير اتّجاهها، فإن أيّ نقاش عن دولة فلسطينية سرعان ما سيصبح غير ذي جدوى.

*هـ. أ. هليير باحث بمؤسسة كارنيغي، وزميل مشارك بالمعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في لندن.

المصدر | مؤسسة كارنيغي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا إسرائيل الاحتلال فلسطين دولة فلسطينية الفصل العنصري قیام دولة فلسطینیة الولایات المتحدة فی الأمم المتحدة فلسطینیة منزوعة الدول الأعضاء على أن

إقرأ أيضاً:

تحركٌ عربي لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة

العُمانية – أثير

كلف مجلس جامعة الدول العربية، المجموعة العربية في نيويورك بدراسة خطوات تجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بسبب عدم التزامها بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتهديدها للأمن والسلم الدوليين، وعدم وفائها بالتزاماتها التي كانت شرطا لقبول عضويتها في الأمم المتحدة.

واستنكر مجلس جامعة الدول العربية في قرار له عقب اختتام الدورة غير العادية التي عقدت اليوم في الأمانة العامة على مستوى المندوبين برئاسة اليمن، طلب بريطانيا من المحكمة الجنائية الدولية السماح لها بتقديم ملاحظات مكتوبة حول ما إذا كان يجوز للمحكمة الجنائية الدولية أن تمارس ولاية قضائية على حملة الجنسية الإسرائيلية.

كما حذر المجلس، من استمرار ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، ورفضها الالتزام بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بوقف إطلاق النار وبالأوامر الملزمة من محكمة العدل الدولية بوقف قتل المدنيين وإيذائهم جسديا وعقليا، وتوفير الحاجات الإنسانية لهم، مما يمثل اعتداء على المنظومة الدولية بشكل عام وعبثا بالقانون الدولي والقيم الإنسانية، ومطالبة المجتمع الدولي ومجلس الأمن بتنفيذ تدخل حقيقي وحاسم يمكن من وقف جريمة الإبادة الجماعية فورا، وملاحقة إسرائيل على جرائمها.

وأدان مجلس جامعة الدول العربية السياسات والإجراءات العدوانية التي تتخذها حكومة الاحتلال الإسرائيلي ضد دولة فلسطين بهدف منع تجسيد استقلالها على الأرض، والإمعان في خطط ضم أراضي الضفة الغربية المحتلة، والتوسع الاستعماري الاستيطاني، بما في ذلك شرعنة خمس بؤر استيطانية في مناطق استراتيجية من الضفة الغربية المحتلة والشروع في ترخيص وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الاستعمارية الجديدة، وتقويض صلاحيات الحكومة الفلسطينية المدنية والاقتصادية في حوالي 80 بالمائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة، وقرصنة أموال حكومة وشعب دولة فلسطين، وفرض عقوبات على المسؤولين الفلسطينيين.

وطلب مجلس جامعة الدول العربية من الأمانة العامة التنسيق مع الدول الأعضاء لتنفيذ قرار القمة العربية التي عقدت في مملكة البحرين في شهر مايو الماضي بإدراج قائمة المنظمات والمجموعات الإسرائيلية المتطرفة التي تقتحم المسجد الأقصى المبارك والمرتبطة بالاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، والواردة في تقرير لجنة المندوبين الدائمين في يناير الماضي على قوائم الإرهاب الوطنية العربية والإعلان عن قائمة العار الواردة في تقرير اللجنة المذكورة للشخصيات الإسرائيلية التي تبث خطاب الإبادة الجماعية والتحريض ضد الشعب الفلسطيني تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدها ومحاسبتها على مستوى المحاكم الوطنية والدولية، ومقاطعة جميع الشركات العاملة في المستوطنات الاستعمارية.

كما أدان المجلس، الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة والخطيرة على جنوب لبنان والتي تسببت في قتل المدنيين من أطفال ونساء ومسنين وصحفيين ومسعفين، ووصلت إلى عمق الأراضي اللبنانية، إضافة لاستهداف مراكز الجيش اللبناني، وتدمير القرى والأراضي الزراعية بواسطة الفوسفور الأبيض المحرم دوليا، وضرورة ممارسة الضغوط الدولية للجم النوايا الإسرائيلية العدوانية المعلنة بشن حرب واسعة على لبنان.

مقالات مشابهة

  • الجامعة العربية تطالب مجلس الأمن بالتدخل لوقف الإبادة في غزة
  • تحركٌ عربي لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة
  • مناقشة أول رسالة ماجستير لطالبة فلسطينية من قطاع غزة في مقر سفارة فلسطين بالقاهرة
  • فلسطينية تحصل على الماجستير من السفارة.. «الطالبة في مصر والمناقشون في غزة»
  • فصائل فلسطينية: أوقعنا قوة إسرائيلية في كمين محكم بين قتيل وجريح بغزة
  • اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية عن غزة
  • إصابة 3 إسرائيليين بجروح خطيرة في عملية طعن شمال إسرائيل
  • ماكرون يطالب نتنياهو بعدم إطلاق عملية جديدة في رفح وخان يونس
  • واشنطن تدعو إسرائيل للتحقيق في تقارير استخدامها المدنيين كدروع بشرية
  • هيئة العمل الوطني الفلسطيني: نتنياهو يسعى لتقويض وجود أي دولة فلسطينية مستقبلية