إنتصار حطين وفتح القدس “قراءة في الإنتصارات” / د. نبيل الكوفحي
تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT
انتصار حطين وفتح القدس
قراءات في الانتصارات
د. نبيل الكوفحي
…
تعتبر معركة حطين حاسمةً في تاريخ الامة الإسلامية، فقد أنهت حملتين من الحروب الصَّليبية دامت في بلاد المسلمين أكثر من ٩٠ عاما. قضى القائد صلاح الدين فيها على اكبر جيش لهم قرابة ستين الفا بجيش قوامه خمسة وعشرين الفا في حطين. وذهب نحو الساحل يحرره فاستسلمت عسقلان وغزَّة، ليحمي ظهر المسلمين في معركة بيت المقدس القادمة ويمنع امدادات اوروبا لهم.
حكم صلاح الدين قرابة ٢٠ عاما، وحد فيها بلاد الشام استعدادا لمعاركه الكبرى، وقد خاض فيها ٧٤ معركة. لم يكن انتصار صلاح الدين وليد لحظته، بل راكم العمل والاستعداد لسنوات طويلة، حيث وحّد الامة وبنى جيشا اساسه الايمان والتقوى، واعد ما استطاع من عدة، حتى حقق نصرا مظفرا للامة، وتم انهاء حقبة الاحتلال الصليبي لبلاد الشام والقدس.
لقد خطط وأعد منذ بدايته عمره لهذا، وصدق فيه قوله تعالى ( ولو ارادوا الخروج لأعدوا له عدة) وسجل نموذجا للقائد الزاهد الحكيم الشجاع والقدوة. عاش صلاح الدين الايوبي قرابة ٤٧ عاما فقط قضى جلها على صهوة فرسه نهارا، وفي سجوده ليلا بين يدي الله متذللا مستعينا بالله وحده، حتى منّ الله عليه برحمته و بتخليد ذكره على مدى التاريخ.
ان اعادة جيش صلاح الدين عملية ممكنة، فالقران العظيم لا زال مصدر التربية والالهام، ولنا في المجاهدين في غزة خير دليل على ذلك، ان الشرف الرفيع عند الله والذكر الخالد عند الخلق بابه مفتوح لمن آمن بالله وكتابه واخلص له واعدّ العدة لرفعة الامة، وان شجاعة خالد بين الوليد وصلاح الدين الايوبي رضي الله عنهما وخوضهما لمئات المعارك، لم تُقصّر من اجلهما فلم يموتا باسلحة العدو، بل كما قال خالد ؛ وها انذا أموت على فراشي (المرض)..، الا فلا نامت أعين الجبناء.
والى قراءة في انتصار اخر ان شاء الله
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: صلاح الدین
إقرأ أيضاً:
أربعون عاما على انتفاضة أبريل 1985: قراءة من واقعنا الراهن للتجربة (1 -4)
مضت أربعة عقود من الزمن، على انتصار شعبنا في انتفاضته، على الدكتاتورية العسكرية الثانية. تشكل انتفاضة ابريل 1995 معلم هام في تاريخ بلادنا، وتستحق الاهتمام بالدراسة والتحليل، واستيعاب الدروس. للقيمة الهائلة لتجربة انتصار الشعب، سلميا على نظام عسكري، والطريقة التي انجز بها ذلك. هذه المقالات تحاول وتجتهد ان تقدم قراءة للتجربة وربطها ببعض التحديات التي تواجهنا الان.
أول القضايا التي سأتعرض لها، هي موقف الشعب في ابريل 1985، ورفضه الحاسم للحكم العسكري. ولم يكن ذلك هو الظرف الأول، الذي يقرر فيه الشعب، بإجماع رائع، رفض تدخل الجيش في السياسة. وكانت السابقة الأولي في أكتوبر 1964، حينما أسقط النظام العسكري الأول. وسأجتهد لربط ذلك الموقف بالدعوات الراهنة، خلال الحرب.
أول هذه الدعوات، التي تظهر بأشكال متنوعة، وفي رسائل معلنة أو مشفرة، هي استمرار النظام العسكري. تلك الدعوات سواء صدرت صراحة من ياسر العطا، او من الحركة الإسلامية، وكتاب الصحف من بقايا النظام السابق. كما تظهر تلميحا في أحيانا، ووضوحا في أحيان أخري في خطب البرهان، بكل ما تحمله من تناقضات. هي استمرار الحكم العسكري، التي نتج عن انقلاب 25 أكتوبر 2021، وأدخل البلاد في كل هذه الازمات.
أثبت تجربة الانتفاضة خطل الادعاء بأن الأنظمة العسكرية تحقق التنمية. فتجربة نظام نميري، والتخريب الذي مارسه على الاقتصاد الوطني، وبعزقته لمليارات الدولارات. فقد نال النظام، حظوة خاصة، لدي الدول الخليجية، بعد تخلصه من الحزب الشيوعي. أدت حرب أكتوبر 1973، لتوفر فوائض مالية ضخمة، لدي تلك الدول. فصرفت بسخاء على النظام، تحت لافتة خادعة: السودان سلة غذاء العالم. ولكن الحقيقة المرة، ان الشعب السودان واجه مجاعة حقيقية، تهرب النظام من إعلانها، حتى لا يكشف خطل سياساته وتخبطها. كما ان سياسات النظام أدت الى مسلسل تخفيض العملة الوطنية، وتصخم الديون الخارجية. وكان السودان، أول بلد في العالم، يرفض البنك الدولي إعادة جدولة ديونه. باختصار حجة التنمية مردودة، ولا يمكن تحقيقها في ظل التسلط والدكتاتورية.
الحجة الثانية لتبرير للحكم العسكري، هي تحقيق الأمن والاستقرار. فالتجربة أثبتت ان لا استقرار تم في ظله. فأي انقلاب عسكري يحمله في داخلة، محاولات اسقاطه بالقوة العسكرية، تآمرا أو غزوا صريحا. فتعدد الانقلابات خلال حكم مايو، يوضح كيف ان النظام وجه كل إمكانيات البلد من اجل الحفاظ على أمنه. كما ان الحرب الأهلية في جنوب السودان، اشتعلت بقوة أكبر، في ظل تخبط نميري، وتخريبه، المتعمد، لاتفاق أديس أبابا 1972. ومثلما تفعل القوات المسلحة بالقصف العشوائي والعنيف على المواطنين العزل، فعلت نفس القوات المسلحة ذلك خلال الحرب في الجنوب، ولم ينتج عنها الا مزيدا من الكراهية والعنف. وهكذا التجربة المريرة أوضحت الا أمن أو استقرار في ظل البندقية.
الحجة الثالثة هي ان الجيش هو المؤسسة القومية الوحيدة التي توحد قطر متعدد الهويات كالسودان. وهذه مغالطة واضحة. فأسس تكوين الجيش وتدريبه هي لمهام محددة تتعلق بحمايته من العدوان الخارجي. وتجربة الأنظمة العسكرية، في بلادنا، أوضحت انها لم تحقق تلك الوحدة، ولا ذاك التجانس. والسبب بسيط هو ان العقلية العسكرية تؤمن باستخدام القوة والحسم لحل أي اشكال. ومشاكل كالتعدد والتنوع، والاختلافات الاثنية والمناطقية، والتهميش لا يمكن حسمها بالقوة العسكرية. وكانت حصيلة التجربة المريرة استمرار وتعمق، بل وتعقد، تلك الاختلافات السياسية والاجتماعية والتاريخية، التي كان من الممكن حلها بالأسس السلمية، قبل استفحالها.
الحجة الأخيرة ان الجيش حقق الانتصار على الدعم السريع، لذلك يجب ان يحافظ على ذلك الانتصار بالاستمرار في الحكم. ورغم ان الحرب لم تنته بعد، وتحولت لحرب أهلية، قسمت شعب السودان، لضدين متنافرين، سيواصلان معركتهما الصفرية. والقضية من هو الذي أنشأ الدعم السريع؟ من الذي مكنه وسلحه وملكه قدرات اقتصادية هائلة؟ من الذي جعله شريكا وفاعلا مرهوب الجانب؟ اليس هو الجيش الذي يدعون لاستمراره في الحكم. أليس هو الجيش الذي لم يستوعب الدمار الذي تحقق بسبب تسليح قبائل التماس. واليس هو الجيش الذي ينشأ كل حين وآخر ميلشيا جديدة؟
نعم الجيش مؤسسة وطنية مهمة واساسية في الدولة الحديثة، لكنه يجب ان يكون مثل كل مؤسسات الدولة، لا فوقها.
siddigelzailaee@gmail.com