عربي21:
2025-01-05@07:24:47 GMT

إسرائيل أمام محكمة العدل: المفارقة التاريخية

تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT

لم تكن إسرائيل تعتقد في أسوأ كوابيسها أن تمثُل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب «الإبادة الجماعية». وما قامت به دولة جنوب إفريقيا برفع دعوى للمحكمة ضد إسرائيل على أساس أنها تنفذ جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني أفقد الإسرائيليين عقلهم، ليس فقط لأنهم ينكرون قيامهم بهذا الفعل، بل كذلك لحساسية الموضوع بالنسبة لتاريخ اليهود وخصوصاً في فترة الحرب العالمية الثانية، حيث تعرضوا لعملية إبادة على يد النازية التي قامت بحرق اليهود والغجر وفئات عديدة من الناس فيما سُمي بالمحرقة «الهولوكوست».

والمفارقة كانت في أن محكمة العدل الدولية قد قبلت الدعوى المقدمة من جنوب إقريقيا بما يعني أن هناك أساساً مادياً ملموساً للاتهام، وقررت أن تلزم إسرائيل بسلسلة إجراءات لحماية المدنيين الفلسطينيين، قبل يوم واحد من إحياء اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست أي الإبادة الجماعية.

في الواقع تم ابتكار «الإبادة الجماعية» كمصطلح قانوني - حسب بعض المصادر التاريخية- من قبل محام يهودي يدعى رفائيل ليمكين في عام 1944، لوصف جرائم النازية بالأساس ضد اليهود، وقد قام بدمج كلمتين يونانية «Geno-» والتي تعني جماعة عرقية أو إثنية أو قبيلة مع كلمة أخرى لاتينية (-cide) بمعنى القتل في كلمة (Genocide) وهي الإبادة الجماعية. وأقرت الأمم المتحدة في كانون الأول عام 1948 الاتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية التي هي جريمة دولية تتعهد الدول الموقعة عليها «بمنعها والمعاقبة عليها». وقد عمل اليهود بشكل كبير وحثيث من أجل إقرار هذه الاتفاقية لتجريم ومحاسبة النازية.

ربما هذا يفسر غضب القادة الإسرائيليين الذين اعتبروا أنفسهم محصّنين عن مثل هذا الاتهام، كيف لا وهم كانوا ضحايا «الإبادة الجماعية». فوصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرار محكمة العدل الدولية بوصمة عار لا تُمحى وهو يقصد بذلك الأمم المتحدة التي من وجهة نظر إسرائيليين كُثر تمارس سياسة ضد السامية تجاه إسرائيل على اعتبار أي انتقاد لإسرائيل هو في إطار العداء لليهود، وليس نابعاً مما يفعله الإسرائيليون دون علاقة باليهود غير ذوي الصلة بموضوع الانتقاد أو الإدانة. ويصر الإسرائيليون على أن حربهم ضد الفلسطينيين عادلة وجيشهم الأكثر أخلاقية في العالم!.
من يراقب وسائل الإعلام الإسرائيلية سيجد أن هناك شبه إجماع على أن ما حصل في غلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي يصل إلى مستوى الكارثة، وهو الحدث الأصعب بعد «الهولوكوست»، فقد قتل 1200 من المواطنين ورجال الأمن، على الرغم من أن هذا الرقم غير دقيق، وقد انخفض بعد اكتشاف أن جزءاً من القتلى الذين تم احتسابهم كانوا فلسطينيين. كما أن جزءاً لا بأس به من القتلى الإسرائيليين قُتلوا على يد القوات الإسرائيلية بشهادة المواطنين الإسرائيليين الذين حضروا أحداث الغلاف وبقوا على قيد الحياة. ومع ذلك نحن لا نجادل في الأرقام، فالرقم هو بدون شك كبير، وما حصل كان صدمة كبيرة للمجتمع الإسرائيلي، الذي اعتقد أنه محمي وبعيد عن مثل هذه الخسارة الفادحة. وفي إطار هذا الإجماع أيضاً لا يرى الإسرائيليون أن ما تقوم به قوات الاحتلال هو جريمة حرب أو إبادة جماعية بل هو رد فعل طبيعي على هجوم حركة «حماس»، لدرجة أن قطاع غزة كله قد تم تجريمه وأصبحت معاقبته من وجهة النظر الإسرائيلية جزءاً أصيلاً ومشروعاً من الحرب على «حماس».

لقد بلغت الرغبة بالانتقام من المواطنين الفلسطينيين في غزة مستوى غير مسبوق، حتى وصل حد المطالبة بإلقاء قنبلة نووية عليهم ومعاقبتهم بما هو أكبر من القتل، واعتبار أنه «لا مدنيين أبرياء في غزة» وأنه يجب قطع الماء والغذاء والوقود وكل سبل الحياة عنهم، هذا عدا عن السياسة الفعلية التي يطبقها الجيش والتي تقضي على الناس بصورة جماعية طالت أرقاماً هائلة من الشهداء والجرحى، والتدمير المنهجي للبنى التحتية والمساكن وكل شيء تقريباً، بحيث بلغ الدمار ما يفوق 70% من المباني السكنية وغالبية المؤسسات والمرافق العامة. وهذه الجرائم لا يراها الإسرائيليون بل يستنكرون أن يتحدث أي أحد عنها. واستشاطوا غضباً على التحول الكبير في الرأي العام الدولي تجاه دولة إسرائيل وجرائمها، وهي التي نجحت إلى حد كبير في تسويق نفسها كواحة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط ودولة القانون وحقوق الإنسان.

لا يرى الجزء الأكبر من الإسرائيليين غضاضة في استمرار احتلالهم للأرض الفلسطينية ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني والتنكيل به، فالفلسطينيون يتحملون المسؤولية لأنهم لا يريدون السلام ويقاومون الاحتلال أي يمارسون «الإرهاب»، ولا يقبلون ما يُعرض عليهم. فهم شعب جاحد لا يضيع فرصة لإضاعة الفرص. وعليه أن يثبت أنه شعب مطيع ومسالم يقبل الاحتلال الإسرائيلي ويسبّح بحمد المحتلين الذين هم على استعداد لمنحه بعضاَ يسيراً من الامتيازات وليس الحقوق. فهذه أرض إسرائيل كلها وحق لليهود وحدهم، ومن كرمهم أنهم يريدون منح الفلسطينيين الفرصة في العيش هنا. وجاءت محكمة العدل الدولية لتصفع إسرائيل وتظهرها على حقيقتها كدولة عنصرية تمارس الجرائم ضد الفلسطينيين، فهل يصحو الإسرائيليون وينظرون إلى وجوههم في المرآة ليروا الحقيقة البشعة لما يفعلونه ضد الإنسانية وضد أنفسهم؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدل الدولية الإبادة الجماعية غزة الاحتلال غزة الاحتلال إبادة جماعية العدل الدولية مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة

إقرأ أيضاً:

صحف عالمية: التجاهل المتعمد لانتهاك إسرائيل حقوق الفلسطينيين انحراف خطير

تناولت صحف ومواقع عالمية الواقع الكارثي في قطاع غزة والضفة الغربية، وتجاهل العالم انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الفلسطينيين.

وسلطت مجلة "فورين بوليسي" الضوء على ما اعتبرته إصرار العالم على تجاهل انتهاك إسرائيل لحقوق الفلسطينيين وحياتهم، رغم تحذيرات منظمات دولية وإقليمية يُشهد لها بالنزاهة والاحترام.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مسؤول أميركي سابق: علينا إعطاء فرصة أخيرة لطهرانlist 2 of 2يديعوت أحرونوت: العديد من قادة الدول يتوددون لزعيم سوريا الجديدend of list

ويرى المقال أن "هذا التجاهل المتعمد انحراف خطير"، محذرا من أن تعوّد المجتمع الدولي على التشكيك في تقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية وإهمالها سيجعل الإنسانية كلها تعاني وليس فقط الفلسطينيين.

وفي مقال له في صحيفة "نيويورك تايمز"، رأى الباحث في معهد الشرق الأوسط خالد الجندي أن واقع الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية كارثي، بسبب ممارسات إسرائيل تجاههم، ورغم ذلك هناك أسباب للتفاؤل -وفق الكاتب- مثل وجود قوى وتيارات دولية تدعم الفلسطينيين وتعمل لصالحهم منها حركة التضامن الدولي معهم.

وكذلك الرصيد التاريخي والمخزون الضخم والقدرة على الصمود لدى الفلسطينيين، ورأى الجندي أن كل ذلك علامات على مستقبل أفضل، رغم عمق الأزمة الحالية.

ومن جهة أخرى، نبّه تحليل في صحيفة "هآرتس" إلى أن ما يفعله الجيش الإسرائيلي في غزة يتقاطع مع الطموحات العقائدية المتشددة لليمين الإسرائيلي، ويضيف التحليل أن "كل إنجازات الجيش في غزة وغيرها لن تحل المعضلة الأساسية.. وهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وما يتفرع عنه من حروب".

إعلان

وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" أن الحياة بدأت تعود إلى شمال إسرائيل، لكن ببطء وتوجس بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، وتوضح الصحيفة أن 20% فقط عادوا إلى بيوتهم من أصل 60 ألف نازح.

أما موقع "ميديا بارت" الفرنسي، فركز في تحقيق من إدلب السورية على النساء ونشاطهن في المدينة، ونقل شهادات نساء وفتيات عبّرن عن فرحتهن بالتغيير ورغبتهن في المشاركة في بناء سوريا الجديدة.

مقالات مشابهة

  • صحف عالمية: التجاهل المتعمد لانتهاك إسرائيل حقوق الفلسطينيين انحراف خطير
  • ننشر المشروعات التي تشهدها الدقهلية المؤسسات الدولية في 2025
  • فعاليات حقوقية وفنية في لندن دفاعا عن الفلسطينيين في مواجهة الإبادة (شاهد)
  • المنظمة الدولية للهجرة تعرب عن قلقها البالغ إزاء تأثير الأمطار ودرجات الحرارة المتجمدة على النازحين الفلسطينيين في غزة
  • نائبة بالشيوخ الكولمبي: إسرائيل تواصل حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة
  • إسرائيل تعلن عن خلل تطبيق للتحذير بهواتف ملايين الإسرائيليين إثر إطلاق صاروخ حوثي
  • وقفة احتجاجية في تعز تنديدا بجرائم الإبادة الجماعية في غزة
  • “حماس”: قدمنا كل المرونة للوصول لاتفاقات وطنية لإنقاذ غزة من الإبادة الجماعية
  • الإسرائيليون يواجهون ارتفاعا في تكاليف المعيشة بسبب حرب الإبادة في غزة
  • الوطني الفلسطيني: استهداف النازحين في مواصي خان يونس إمعان بجريمة الإبادة الجماعية