إسرائيل أمام محكمة العدل: المفارقة التاريخية
تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT
لم تكن إسرائيل تعتقد في أسوأ كوابيسها أن تمثُل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب «الإبادة الجماعية». وما قامت به دولة جنوب إفريقيا برفع دعوى للمحكمة ضد إسرائيل على أساس أنها تنفذ جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني أفقد الإسرائيليين عقلهم، ليس فقط لأنهم ينكرون قيامهم بهذا الفعل، بل كذلك لحساسية الموضوع بالنسبة لتاريخ اليهود وخصوصاً في فترة الحرب العالمية الثانية، حيث تعرضوا لعملية إبادة على يد النازية التي قامت بحرق اليهود والغجر وفئات عديدة من الناس فيما سُمي بالمحرقة «الهولوكوست».
في الواقع تم ابتكار «الإبادة الجماعية» كمصطلح قانوني - حسب بعض المصادر التاريخية- من قبل محام يهودي يدعى رفائيل ليمكين في عام 1944، لوصف جرائم النازية بالأساس ضد اليهود، وقد قام بدمج كلمتين يونانية «Geno-» والتي تعني جماعة عرقية أو إثنية أو قبيلة مع كلمة أخرى لاتينية (-cide) بمعنى القتل في كلمة (Genocide) وهي الإبادة الجماعية. وأقرت الأمم المتحدة في كانون الأول عام 1948 الاتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية التي هي جريمة دولية تتعهد الدول الموقعة عليها «بمنعها والمعاقبة عليها». وقد عمل اليهود بشكل كبير وحثيث من أجل إقرار هذه الاتفاقية لتجريم ومحاسبة النازية.
ربما هذا يفسر غضب القادة الإسرائيليين الذين اعتبروا أنفسهم محصّنين عن مثل هذا الاتهام، كيف لا وهم كانوا ضحايا «الإبادة الجماعية». فوصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرار محكمة العدل الدولية بوصمة عار لا تُمحى وهو يقصد بذلك الأمم المتحدة التي من وجهة نظر إسرائيليين كُثر تمارس سياسة ضد السامية تجاه إسرائيل على اعتبار أي انتقاد لإسرائيل هو في إطار العداء لليهود، وليس نابعاً مما يفعله الإسرائيليون دون علاقة باليهود غير ذوي الصلة بموضوع الانتقاد أو الإدانة. ويصر الإسرائيليون على أن حربهم ضد الفلسطينيين عادلة وجيشهم الأكثر أخلاقية في العالم!.
من يراقب وسائل الإعلام الإسرائيلية سيجد أن هناك شبه إجماع على أن ما حصل في غلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي يصل إلى مستوى الكارثة، وهو الحدث الأصعب بعد «الهولوكوست»، فقد قتل 1200 من المواطنين ورجال الأمن، على الرغم من أن هذا الرقم غير دقيق، وقد انخفض بعد اكتشاف أن جزءاً من القتلى الذين تم احتسابهم كانوا فلسطينيين. كما أن جزءاً لا بأس به من القتلى الإسرائيليين قُتلوا على يد القوات الإسرائيلية بشهادة المواطنين الإسرائيليين الذين حضروا أحداث الغلاف وبقوا على قيد الحياة. ومع ذلك نحن لا نجادل في الأرقام، فالرقم هو بدون شك كبير، وما حصل كان صدمة كبيرة للمجتمع الإسرائيلي، الذي اعتقد أنه محمي وبعيد عن مثل هذه الخسارة الفادحة. وفي إطار هذا الإجماع أيضاً لا يرى الإسرائيليون أن ما تقوم به قوات الاحتلال هو جريمة حرب أو إبادة جماعية بل هو رد فعل طبيعي على هجوم حركة «حماس»، لدرجة أن قطاع غزة كله قد تم تجريمه وأصبحت معاقبته من وجهة النظر الإسرائيلية جزءاً أصيلاً ومشروعاً من الحرب على «حماس».
لقد بلغت الرغبة بالانتقام من المواطنين الفلسطينيين في غزة مستوى غير مسبوق، حتى وصل حد المطالبة بإلقاء قنبلة نووية عليهم ومعاقبتهم بما هو أكبر من القتل، واعتبار أنه «لا مدنيين أبرياء في غزة» وأنه يجب قطع الماء والغذاء والوقود وكل سبل الحياة عنهم، هذا عدا عن السياسة الفعلية التي يطبقها الجيش والتي تقضي على الناس بصورة جماعية طالت أرقاماً هائلة من الشهداء والجرحى، والتدمير المنهجي للبنى التحتية والمساكن وكل شيء تقريباً، بحيث بلغ الدمار ما يفوق 70% من المباني السكنية وغالبية المؤسسات والمرافق العامة. وهذه الجرائم لا يراها الإسرائيليون بل يستنكرون أن يتحدث أي أحد عنها. واستشاطوا غضباً على التحول الكبير في الرأي العام الدولي تجاه دولة إسرائيل وجرائمها، وهي التي نجحت إلى حد كبير في تسويق نفسها كواحة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط ودولة القانون وحقوق الإنسان.
لا يرى الجزء الأكبر من الإسرائيليين غضاضة في استمرار احتلالهم للأرض الفلسطينية ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني والتنكيل به، فالفلسطينيون يتحملون المسؤولية لأنهم لا يريدون السلام ويقاومون الاحتلال أي يمارسون «الإرهاب»، ولا يقبلون ما يُعرض عليهم. فهم شعب جاحد لا يضيع فرصة لإضاعة الفرص. وعليه أن يثبت أنه شعب مطيع ومسالم يقبل الاحتلال الإسرائيلي ويسبّح بحمد المحتلين الذين هم على استعداد لمنحه بعضاَ يسيراً من الامتيازات وليس الحقوق. فهذه أرض إسرائيل كلها وحق لليهود وحدهم، ومن كرمهم أنهم يريدون منح الفلسطينيين الفرصة في العيش هنا. وجاءت محكمة العدل الدولية لتصفع إسرائيل وتظهرها على حقيقتها كدولة عنصرية تمارس الجرائم ضد الفلسطينيين، فهل يصحو الإسرائيليون وينظرون إلى وجوههم في المرآة ليروا الحقيقة البشعة لما يفعلونه ضد الإنسانية وضد أنفسهم؟
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدل الدولية الإبادة الجماعية غزة الاحتلال غزة الاحتلال إبادة جماعية العدل الدولية مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة
إقرأ أيضاً:
غزة تنهض من الركام.. عزيمة الفلسطينيين تتحدى مخططات الاحتلال
عرضت قناة "القاهرة الإخبارية"، تقريرا بعنوان "غزة تنهض من الركام.. عزيمة الفلسطينيين تتحدى مخططات الاحتلال".
وأوضح التقرير :" دبت الحياةُ في غزة، جددت عزيمة الفلسطينيين هواءها وغطى إيمانُهم بالحياة على رائحة موت عرفته المدينة لأكثر من 15 شهرا ارتكب الاحتلال بحق أهلها أفظع جرائم الإبادة.
وأضاف التقرير :"قبل أيام عاد الغزيون رغم إدراكهم أن ما ينتظرهم ليس سوى أنقاض منازلهم وبقايا حياة، لكن بعزيمة وصبر نصبوا الخيام فوق أراضيها غير مبالين بنقص أبسط احتياجات للعيش محتسبين عزاءه فقط أنهم عادوا غير عابئين بمخططات الاحتلال لتهجيرهم وسلب أرضهم.
وتابع التقرير :" كانت عدة مئات آلاف من الفلسطينيين إلى أراضيهم ومشاهد الحشود وهي تعبر محور نتساريم مشيا على الأقدام أبلغ رد ورسالة جلية للعالم أجمع أن الشعب الفلسطيني رغم الحرب والجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحقه لا يزال قادرا على دحر العدوان والتصدي لمخططات الاستيطان على أرضه وأنه ما زال حافظا لإرادته وكرامته.
وأكمل التقرير :" في المقابل، يتربص العدوان حتى بأبسط الإمدادات العيش للفلسطينيين في غزة، يؤخر المساعدات ويعرقل المنازل المؤقتة والخيام بما يخالف اتفاق وقف إطلاق النار".
وتابع التقرير :" أما مستقبل إعمار غزة المنكوب بعدوان بلغ حد الإبادة وإن كان قد يستغرق أجيالا كاملة في أكثر التقديرات تشاؤما فضلا عن تكلفة تتجاوز 40 مليار دولار، إلا أنه بنظر الفلسطينيين هدف عازمون على إدراكه بأيديهم ولو بأبسط الأدوات.