عربي21:
2024-11-26@07:48:16 GMT

إسرائيل أمام محكمة العدل: المفارقة التاريخية

تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT

لم تكن إسرائيل تعتقد في أسوأ كوابيسها أن تمثُل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب «الإبادة الجماعية». وما قامت به دولة جنوب إفريقيا برفع دعوى للمحكمة ضد إسرائيل على أساس أنها تنفذ جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني أفقد الإسرائيليين عقلهم، ليس فقط لأنهم ينكرون قيامهم بهذا الفعل، بل كذلك لحساسية الموضوع بالنسبة لتاريخ اليهود وخصوصاً في فترة الحرب العالمية الثانية، حيث تعرضوا لعملية إبادة على يد النازية التي قامت بحرق اليهود والغجر وفئات عديدة من الناس فيما سُمي بالمحرقة «الهولوكوست».

والمفارقة كانت في أن محكمة العدل الدولية قد قبلت الدعوى المقدمة من جنوب إقريقيا بما يعني أن هناك أساساً مادياً ملموساً للاتهام، وقررت أن تلزم إسرائيل بسلسلة إجراءات لحماية المدنيين الفلسطينيين، قبل يوم واحد من إحياء اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست أي الإبادة الجماعية.

في الواقع تم ابتكار «الإبادة الجماعية» كمصطلح قانوني - حسب بعض المصادر التاريخية- من قبل محام يهودي يدعى رفائيل ليمكين في عام 1944، لوصف جرائم النازية بالأساس ضد اليهود، وقد قام بدمج كلمتين يونانية «Geno-» والتي تعني جماعة عرقية أو إثنية أو قبيلة مع كلمة أخرى لاتينية (-cide) بمعنى القتل في كلمة (Genocide) وهي الإبادة الجماعية. وأقرت الأمم المتحدة في كانون الأول عام 1948 الاتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية التي هي جريمة دولية تتعهد الدول الموقعة عليها «بمنعها والمعاقبة عليها». وقد عمل اليهود بشكل كبير وحثيث من أجل إقرار هذه الاتفاقية لتجريم ومحاسبة النازية.

ربما هذا يفسر غضب القادة الإسرائيليين الذين اعتبروا أنفسهم محصّنين عن مثل هذا الاتهام، كيف لا وهم كانوا ضحايا «الإبادة الجماعية». فوصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرار محكمة العدل الدولية بوصمة عار لا تُمحى وهو يقصد بذلك الأمم المتحدة التي من وجهة نظر إسرائيليين كُثر تمارس سياسة ضد السامية تجاه إسرائيل على اعتبار أي انتقاد لإسرائيل هو في إطار العداء لليهود، وليس نابعاً مما يفعله الإسرائيليون دون علاقة باليهود غير ذوي الصلة بموضوع الانتقاد أو الإدانة. ويصر الإسرائيليون على أن حربهم ضد الفلسطينيين عادلة وجيشهم الأكثر أخلاقية في العالم!.
من يراقب وسائل الإعلام الإسرائيلية سيجد أن هناك شبه إجماع على أن ما حصل في غلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي يصل إلى مستوى الكارثة، وهو الحدث الأصعب بعد «الهولوكوست»، فقد قتل 1200 من المواطنين ورجال الأمن، على الرغم من أن هذا الرقم غير دقيق، وقد انخفض بعد اكتشاف أن جزءاً من القتلى الذين تم احتسابهم كانوا فلسطينيين. كما أن جزءاً لا بأس به من القتلى الإسرائيليين قُتلوا على يد القوات الإسرائيلية بشهادة المواطنين الإسرائيليين الذين حضروا أحداث الغلاف وبقوا على قيد الحياة. ومع ذلك نحن لا نجادل في الأرقام، فالرقم هو بدون شك كبير، وما حصل كان صدمة كبيرة للمجتمع الإسرائيلي، الذي اعتقد أنه محمي وبعيد عن مثل هذه الخسارة الفادحة. وفي إطار هذا الإجماع أيضاً لا يرى الإسرائيليون أن ما تقوم به قوات الاحتلال هو جريمة حرب أو إبادة جماعية بل هو رد فعل طبيعي على هجوم حركة «حماس»، لدرجة أن قطاع غزة كله قد تم تجريمه وأصبحت معاقبته من وجهة النظر الإسرائيلية جزءاً أصيلاً ومشروعاً من الحرب على «حماس».

لقد بلغت الرغبة بالانتقام من المواطنين الفلسطينيين في غزة مستوى غير مسبوق، حتى وصل حد المطالبة بإلقاء قنبلة نووية عليهم ومعاقبتهم بما هو أكبر من القتل، واعتبار أنه «لا مدنيين أبرياء في غزة» وأنه يجب قطع الماء والغذاء والوقود وكل سبل الحياة عنهم، هذا عدا عن السياسة الفعلية التي يطبقها الجيش والتي تقضي على الناس بصورة جماعية طالت أرقاماً هائلة من الشهداء والجرحى، والتدمير المنهجي للبنى التحتية والمساكن وكل شيء تقريباً، بحيث بلغ الدمار ما يفوق 70% من المباني السكنية وغالبية المؤسسات والمرافق العامة. وهذه الجرائم لا يراها الإسرائيليون بل يستنكرون أن يتحدث أي أحد عنها. واستشاطوا غضباً على التحول الكبير في الرأي العام الدولي تجاه دولة إسرائيل وجرائمها، وهي التي نجحت إلى حد كبير في تسويق نفسها كواحة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط ودولة القانون وحقوق الإنسان.

لا يرى الجزء الأكبر من الإسرائيليين غضاضة في استمرار احتلالهم للأرض الفلسطينية ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني والتنكيل به، فالفلسطينيون يتحملون المسؤولية لأنهم لا يريدون السلام ويقاومون الاحتلال أي يمارسون «الإرهاب»، ولا يقبلون ما يُعرض عليهم. فهم شعب جاحد لا يضيع فرصة لإضاعة الفرص. وعليه أن يثبت أنه شعب مطيع ومسالم يقبل الاحتلال الإسرائيلي ويسبّح بحمد المحتلين الذين هم على استعداد لمنحه بعضاَ يسيراً من الامتيازات وليس الحقوق. فهذه أرض إسرائيل كلها وحق لليهود وحدهم، ومن كرمهم أنهم يريدون منح الفلسطينيين الفرصة في العيش هنا. وجاءت محكمة العدل الدولية لتصفع إسرائيل وتظهرها على حقيقتها كدولة عنصرية تمارس الجرائم ضد الفلسطينيين، فهل يصحو الإسرائيليون وينظرون إلى وجوههم في المرآة ليروا الحقيقة البشعة لما يفعلونه ضد الإنسانية وضد أنفسهم؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدل الدولية الإبادة الجماعية غزة الاحتلال غزة الاحتلال إبادة جماعية العدل الدولية مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة

إقرأ أيضاً:

الأزهر يشيد بمذكرتي اعتقال الجنائية الدولية لنتنياهو وجالانت ويصفهما بالخطوة التاريخية

القاهرةً(زمان التركية)- أشاد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، اليوم السبت، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، ووصفها بالخطوة التاريخية.

تزايد الدعم الدولي لمذكرتي المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو وجالانت
زعماء العالم يتفاعلون مع صدور مذكرة اعتقال بحق نتنياهو من المحكمة الجنائية الدولية
المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وجالانت.

وقال المرصد، وهو وحدة الرصد التابعة للأزهر الشريف، إن مثل هذه الخطوة تتطلب جهودا دولية لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني وضمان محاسبة الجناة الذين ارتكبوا فظائع الإبادة الجماعية بحق المدنيين العزل.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين قادا الحرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، متهمة إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حرب غزة.

واستشهدت المحكمة الجنائية الدولية بعمليات القتل الجماعي التي تقوم بها إسرائيل للمدنيين وحصار المساعدات الإنسانية لـ 2.3 مليون فلسطيني في غزة كأسباب لإصدار مذكرات الاعتقال.

منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، قتلت إسرائيل وأصابت ما يقرب من 150 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وألحقت أضرارا بمعظم الوحدات السكنية والبنية التحتية في غزة، وشردت غالبية السكان.

وأكدت أن هذا القرار التاريخي يضع الدول الأعضاء تحت التزام قانوني بتطبيق مذكرات الاعتقال وأوامر الاعتقال في ضوء المجازر وجرائم الحرب وأعمال الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة وخارجه.

وأضاف البيان أن هذه الممارسات تشمل الاستخدام الممنهج لأساليب التعذيب والانتهاكات التي تهدف إلى كسر صمود الشعب الفلسطيني وإجباره على الرضوخ لآلة عسكرية لا هوادة فيها.

لقد دمرت هذه الاستراتيجية العسكرية الأرض ولم توفر شبراً من غزة، واستهدفت كل شيء كجزء من سياسة “الأرض المحروقة” التي تهدف إلى محو الحياة وتشريد الفلسطينيين بشكل ممنهج من منازلهم وأراضيهم.

وشدد المرصد على أن قرار المحكمة الجنائية الدولية ينبغي أن لا يتم التعامل معه من منطلقه القانوني فقط، بل أيضا من منطلقات أخلاقية وإنسانية.

ورغم أن ليس كل الدول أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، فإن تنفيذ قرارها يتطلب جهوداً دولية متضافرة والتزاماً جماعياً لمنع تكرار مثل هذه الجرائم والإبادات الجماعية.

وشدد البيان على أن “التضامن الدولي يجب أن يتجاوز مجرد خطاب الإدانة والتنديد ويترجم إلى أفعال ملموسة تعيد الأمل للشعوب المضطهدة”.

وأضاف المرصد أن قرار المحكمة الجنائية الدولية يتزامن مع الاحتفال مؤخرا بيوم الطفل العالمي، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع واقع الأطفال الفلسطينيين الذين يواجهون انتهاكات جسيمة تحرمهم من طفولتهم وأحلامهم.

وقال المرصد إن هؤلاء الأطفال يعانون من قمع قوات الاحتلال في شوارعهم، ويحرمون من حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والأمن وحتى الحياة نفسها.

وأضافت أن “تنفيذ القرار من شأنه أن يصون ما تبقى من سيادة القانون في النظام الدولي ويرسل رسالة واضحة للإرهابيين المحتلين بأن جرائمهم لن تمر دون عقاب”.

Tags: الأزهرالمحكمة الجنائية الدولية

مقالات مشابهة

  • صباغ : سورية تجدد إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية السافرة على دول المنطقة وشعوبها، وإدانة جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني
  • غاري لينيكر يستمر بانتقاد الاحتلال ويعيد نشر مقال يرفض الإبادة الجماعية في غزة
  • غاري لينيكر يستمر بانتقاد الاحتلال ويعيد نشر مقال ينتقد الإبادة الجماعية في غزة
  • وزير العدل بحث مع العفو الدولية سبل مواجهة الاعتداءات على لبنان دولياً
  • ضُرِبت عليهم الذلّة.. الإسرائيليون منبوذون وغير آمنين داخل وخارج إسرائيل
  • شيخ الأزهر يثمن مواقف كولومبيا الداعمة لوقف الإبادة الجماعية في غزة
  • “فيتو” استمرار جريمة الإبادة الجماعية
  • الأزهر يشيد بمذكرتي اعتقال الجنائية الدولية لنتنياهو وجالانت ويصفهما بالخطوة التاريخية
  • الرئيس الكولومبي: هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين
  • وزارة العدل وحقوق الإنسان ترحب بأوامر محكمة الجنايات الدولية باعتقال نتنياهو وغالانت