الإيغاد: يوم لم يلتق جنرالا السودان وجهاً لوجه «2- 2»

د. عبد الله علي إبراهيم

ربما لم يخسر السودان كثيراً من مقاطعة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان لمؤتمر منظمة الهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا (إيغاد) بكمبالا في الـ 20 من يناير الجاري وتجميد عضوية السودان فيها بتاريخ الـ 24 من الشهر نفسه، سواء كان الحق مع تظلم السودان منها أو لم يكن.

فكانت “إيغاد” علّقت إيقاف الحرب في السودان على لقاء بين الجنرالين البرهان وحميدتي وجهاً لوجه، ولا يعرف المرء سابقة تراضت فيها أعلى مستويات القيادة في طرفي الحرب على إيقافها أو نحوه وهي لا تزال مشتعلة كراً وفراً. أدخل تعويل “إيغاد” على إنهاء الحرب في السودان بالضربة القاضية، أي بلقاء الجنرالين، المفاوضات في سياقات عكرت مناخها بدلاً عن ترويقه ناهيك ببلوغ إنهاء الحرب به.

ومما يستغرب له أيضاً أن لهذه الدول في “إيغاد” وغيرها خبرات في متوالية الجيش والميليشيات في الدولة الوطنية لو استرشدت بها لعرفت أن طموح الجنرالين ربما كان آخر بواعث الحرب في السودان، فلم تعان دولة مع ميليشيات مثل معاناة أوغندا مع جيش الرب. واحتقنت أوغندا زمناً، وربما لا تزال، لتوظيف السودان لهذا الجيش لمحاربة الحركة الشعبية لتحرير السودان على الحدود بين البلدين. وتعرف رواندا عن كثب أن للحرب بين الدولة والميليشيات أو الحركة المسلحة، بواعث متصلة بإحسان بناء الدولة الوطنية في ما بعد الاستعمار. فرواندا اليوم نفسها تولدت عن توحش دولة ما بعد الاستعمار وتعثر المفاوضات نحو تحولها من دولة رعايا إلى دولة مواطنين. وهي، من الجهة الأخرى، متورطة في الحرب الأهلية في جمهورية الكنغو الديمقراطية. فثبت أنها من يدعم حركة “أم-23” التي تروع شرق الكونغو منذ عام 2012. وقوام هذه الحركة هم شعب الـ “توتسي” الذي وقع عليه الـ “جنوسايد” المعلوم عام 1994 في الكونغو، والشاكي من التهميش وضعف تمثيله في السلطة فيها. غير أنه يقاتل، في الجانب الآخر، بالوكالة عن دولة رواندا التي يسود الـ “توتسي” دوائر حكمها. فقتال الحركة في الكونغو يصب لمصلحة رواندا ضد حركة تحرير رواندا المسلحة لشعب الـ “هوتو” في الكونغو، ومعلوم أن الـ “هوتو” هم من كانوا وراء الـ “جنوسايد” الـ “توتسي” في رواندا.

وحركة “أم-23” شبيهة بالدعم السريع فـ “هم لا يأمن لها السكان متى جاءتهم طلائعها ويفرون من وجهها. فقولهم إنهم ثوار في سكة جيفارا لم تثبت لمن صدقوهم أول مرة. فهاجموا قُوما، وهي أكبر مدن شرق الكونغو عام 2012، فارضين إدارة على الناس أفحشت في الضرائب بما تجاوز مما شكَوا من حكومتهم منه قبلاً. وخربوا البنك المركزي، ونهبوا السيارات، وطرقوا باباً بعد باب ليحصلوا على موجودات الناس. واغتصبوا جماعياً وأعدموا على السليقة من اختاروا، وأخذوا السيارات بعد جلائهم إلى موضع لهم في أوغندا، وعادوا بحملة على شرق الكونغو عام 2023 ليولي الفرار نحو 100 ألف من أهله. وتذيع “أم-23” مع ذلك أن “المدنيين في مناطقنا في أمن وسلام، فقد أوقفنا الفوضى وحرمنا الاختطاف والاغتصاب، فالجرائم لا تقع عندنا بل في مناطق سيطرة الحكومة”.

أما كينيا فهي الأعرف من دون غيرها بصراعات الدولة والمسلحين من غيرها، حتى إنه وقع اختيار الأمم المتحدة عليها في أكتوبر 2023 لتكون في قيادة قوة متعددة الجنسيات لمحاربة العصابات التي سيطرت على الدولة في هيتي، وتقوم على هيتي الآن حكومة غير منتخبة ولا ولاية حقيقة لها على الأمر، فالعصابات تسيطر على الموانئ ومحطات الوقود وتدير أحياء المدن كما شاءت، وقد انعقدت مهمة القوة التي ستقودها كينيا على فرض النظام والقانون لتمهيد هيتي لانتخابات عامة، ورحب وزير خارجية كينيا بالتكليف “لأنه ليس عن السلام والأمن فقط، بل لإعادة بناء هيتي سياسياً وتطورها الاقتصادي واستقرارها الاجتماعي”، وهو تشريف يرفع سمعة كينيا بين الدول لخدماتها السابقة في بعثات السلام في بلدان مضطربة.

وتصادف أن كانت جنوب أفريقيا ورواندا هما من يعين موزمبيق في حرب جماعة الشباب (لا علاقة مع شباب الصومال) الإسلامية شمال البلاد، وهي حركة إسلامية رفعت السلاح في وجه الحكومة منذ ستة أعوام، ويعمل البلدان مع الحكومة التي تستأجر من فرط وهنها جماعة فلاحية عسكرية هي الـ “نابارما” في قمع “الشباب”، وتتمتع بالاستقلال عن الجيش. ويخشى المراقبون مما ستؤول إليه متى انتصرت، فقد تصير عصابة عابرة للبلدان أو مخلباً للحكومة تقهر الناس لها، علماً بأن الـ “نابارما” ليست مجرد جماعة عسكرية، بل هي شبه طائفة دينية أيضاً عليها هرم سلطاني روحي.

من حق المرء أن يسأل لماذا علقت “إيغاد” وقف الحرب في السودان على لقاء الجنرالين وجهاً لوجه فضلَّتْ. والمسألة كما رأينا تطرح تحديات للدولة الوطنية الحديثة، لأي من هذه الدول خبرة في مقاربتها بصورة أو أخرى.

IbrahimA@missouri.edu

الإيغاد: يوم لم يلتق جنرالا السودان وجهاً لوجه «1- 2»

الوسومأفريقيا أوغندا الإيغاد البرهان السودان جنوب أفريقيا حركة الشباب حميدتي د. عبد الله علي إبراهيم رواندا كينيا موزمبيق هيتي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أفريقيا أوغندا الإيغاد البرهان السودان جنوب أفريقيا حركة الشباب حميدتي د عبد الله علي إبراهيم رواندا كينيا موزمبيق الحرب فی السودان

إقرأ أيضاً:

دعوات البجا وأوهام النهر والبحر !!

*قرات ديباجة على المواقع امس الأول تدعو لندوة ببورتسودان حول حق تقرير المصير لإقليم البجا وفق المادة ٥٢ من ميثاق الأمم المتحدة للشعوب الأصلية*

*الدعوة لتقرير مصير البجا ليست جديدة وأكثر ما يعبر عنها الهتاف الشهير عند المحافل -بجا دولة – وهى دعوة تتسع احيانا للمناداة بإنفصال الشرق كله كما أوصت بذلك مقررات مؤتمر سنكات الشهيرة*

*الدعاوى لإنفصال البجا أو الشرق لم تأت من فراغ وانما بعد دعاوى قديمة لهيكلة الدولة السودانية بما يحقق العدالة والمساواة لشعوبها وكان مؤتمر البجا اول تنظيم يدعو للفدرالية والسودان رضيع في العام ١٩٥٨م*
*تنامى الشعور بالإنفصال وعوامل التقسيم لم تعد حصرا على الشرق ولا الغرب ولكنها أيضا جنينا مكتمل النمو في أحشاء الشمال والوسط*

*ان سايرنا مشاعر ودعاوى الإنفصال سوف نخسر البلد وان لجانا لوصفات فاشلة سوف نخسر البلد وان اعدنا إنتاج النظام القديم للدولة السودانية سوف نخسر البلد*

*الإنفصال لن ينجح بإختصار لأنه لن يحقق السلام والاستقرار لأجزاء السودان فيما بينها ولها بداخلها*

*وصفات مصنوعة مثل دولة النهر والبحر فاشلة بالثلاثة ولن ينجح فيها احد فالشرق والشمال لا يمكن أن توحد بينهما ثروة وسلطة ابدا ولا بين اي إقليم وآخر في السودان*

*إعادة إنتاج شكل النظام القديم بدعاوى الدفاع عن دولة ٥٦م و التباكى عليها سيبقى السودان على حالة الحروب ابدا ولا سلام ولا استقرار*

*الحل في حكمة البجا القديمة بدعوة تنظيمها للفدرالية الكاملة لكل إقليم على أرضه تحت مظلة حكم سيادى إشرافي يتشارك فيه الجميع -نقطة سطر جديد*

*بكرى المدنى*

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • دعوات البجا وأوهام النهر والبحر !!
  • سقوط مدينة ثانية في الكونغو الديمقراطية في أيدي المتمردين المدعومين من رواندا
  • كيف يحرّك الذهب آلة الحرب في الكونغو؟
  • الكونغو تعلن طرد متمردي "إم 23" من مدينة رئيسية
  • متمردو حركة إم23 المدعومة من رواندا يدخلون بوكافو في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية
  • زيلينسكي يشترط الاتفاق على خطة مشتركة بين الحلفاء حتى يلتقي ببوتين وجها لوجه
  • غوتيريش يحث على بدء حوار بين الأطراف المتحاربة في الكونغو
  • الإمارات تخصص 200 مليون دولار مساعدات للسودان وتدعو لوقف الحرب خلال رمضان
  • موقع إخباري: ما صحة الروايات عن الصراع في الكونغو الديمقراطية؟
  • ???? إعادة تقسيم السودان