لا بقاء لأمة ولا بناء لدولة ولا تحرك نحو المستقبل إلا بالثقافة، فهى التى تصنع الحضارة وتنمى العقول وتبنى الأجيال القادرة على حمل راية التنوير وقيادة الوطن، الثقافة هى الفارق بين شعب وآخر، الشعب المثقف الذى يقرأ هو شعب بناء قادر على صناعة المجد وكتابة التاريخ، الشعب الذى يقرأ لا تهزمه المؤامرات ولا تفتنه الأكاذيب ولا تقهره المحن ولا تسقطه الأزمات لأنه شعب واع مستوعب للتاريخ وتجارب الأمم، لكن المشكلة أن الثقافة ليست سلعة رخيصة بل مكلفة، وتحتاج إلى إرادة دولة قادرة على أن تصل بها إلى كل مكان وكل مواطن، ولذلك كان مصطلح العدالة الثقافية الذى لا يقل أبدًا عن فكرة العدالة الاجتماعية، لأنه يعنى أن تصل مصادر الثقافة إلى كل أبناء الوطن بغض النظر عن قدراتهم الاقتصادية أو مواقعهم الجغرافية، من يسكن الريف فى القرى والنجوع مثل من يعيش فى الحضر، وأبناء الصعيد والمحافظات الحدودية مثل أبناء العاصمة.
وحتى يتحقق هذا تحتاج الدولة بجانب الرؤية والمشروع الثقافى إلى أدوات ومؤسسات قادرة على الوصول بالثقافة إلى الناس حيث يعيشون فعليًا وليس شكليًا، أى أن تتيح لكل مواطن حقه فى أن يقرأ ويثقف نفسه وأن يجد ما يحبه من فروع الثقافة المختلفة، ورغم وجود إرادة حقيقية للدولة فى تحقيق فكرة العدالة الثقافية وعبر عنها بوضوح الرئيس السيسى، لكن تظل المشكلة فى الكثير من المؤسسات المعنية بالثقافة والتى لا تجتهد لتحويل الفكرة إلى واقع على الأرض، فكم من مؤسسات ثقافية يقصر نشاطها على ندوة فى الشهر أو فرع يخيم عليه الصمت.
وبدون مبالغة يمكن اعتبار مكتبات مصر العامة واحدة من المؤسسات القليلة التى تؤكد كل يوم أنها مستوعبة لرؤية الدولة وتحمل رسالة الثقافة بمعناها الوطنى، ومفهومها الإنسانى باعتبارها حقاً لكل مواطن، ولهذا لا تتوقف عن التحرك بخطة عنوانها حلم لرئيس مجلس ادارتها السفير عبدالرؤوف الريدى بأن يكون للمكتبة ١٠٠٠ مكتبة فى كل انحاء الجمهورية ليصبح الكتاب قريب من كل مواطن فى المدن والقرى والنجوع على امتداد خريطة مصر دون تقيد بمسافات.
ولأن الرؤية موجودة والرغبة متوافرة والقائمين عليها مؤمنون بها سواء السفير الريدى المثقف الوطنى الكبير الذى لا يتوقف عن العمل يوم واحد أو دينامو المكتبات السفير رضا الطايفى مدير صندوق مكتبات مصر العامة والذى يطوف محافظات مصر بحثًا عن مواقع جديدة تقام عليها فروع لواحدة من أهم منارات الثقافة فى مصر، فقد نجحوا حتى الان فى افتتاح ٢٧ فرعاً بالمحافظات أحدثها فى اسوان الاسبوع الماضى.
بالطبع كان يمكن للمكتبة والمسؤولين عنها أن يكتفوا بالفرع الرئيسى بالقاهرة الكبرى وهو بالفعل يؤدى دورًا متميزًا لكل الاجيال ويشهد حالة زخم مستمرة ربما لا توجد فى مؤسسات ثقافية أخرى، لكنهم يصرون على أن يصبح هذا الزخم حالة وطنية عامة فى كل المحافظات، وكما قال لى السفير رضا الطايفى فمشوار الألف مكتبة بدأ ولن يتوقف لأن المؤسسة تعمل بمنهجية علمية لا تقوم على الأشخاص وإنما على الرسالة.
إن ما تقدمة مكتبات مصر العامة فى كل محافظات مصر لها دور مهم فى ظل تحديات ثقافية كبيرة لكن إخلاص فريق مكتبات مصر العامة كفيل بأن يتخطى هذه التحديات، وهنا لا أتحدث فقط عن كبار المسؤولين بالمكتبة وانما كل من ينتمون اليها لأنهم فريق متناغم قادر على إبداع أفكار جديدة تسهم فى تقديم الخدمة الثقافية بشكل متطور يناسب كل فئة، ولهذا تجد فى أروقة المكتبة مشهد المصريين من كل الأعمار يبحثون عن الكتاب ويطلعون ويشاركون فى ندوات وحلقات نقاشية وورش عمل فى لوحة مبهرة ومطمئنة بأن المصريين ما زالوا راغبين فى القراءة ولكنهم يحتاجون فقط إلى مؤسسات تقدم لهم هذا الحق بيسر، وهذا ما تفعله مكتبات مصر العامة التى أثبتت انها بالفعل مؤسسة ثقافية مصرية تستحق أن نفخر بها لأنها تقوم بدور كبير فى استراتيجية بناء الإنسان المصرى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مكتبات مصر العامة نحو المستقبل الشعب مکتبات مصر العامة کل مواطن
إقرأ أيضاً:
مهرجان العين للكتاب.. جلسات ثقافية حول التراث الشعري الإماراتي
شهدت قلعة الجاهلي جلسات ثقافية تراثية مميزة، ضمن برنامج "أمسيات ليالي الشعر: الكلمة المغناة"، ركزت على توثيق التراث الشعري، والتطرق إلى قيم الوطن ومعانيه، بمشاركة مجلس شعراء منطقة الظفرة.
تحدث في الجلسة خميس إسماعيل المطروشي، نائب مدير قطاع الإذاعة في مؤسسة دبي للإعلام، والدكتورة عائشة بالخير، مستشارة البحوث والأرشيف والمكتبة الوطنية، وأدارتها الشاعرة ميثاء الكتبي.
تحفيز الأجيالوتناول المشاركون، في البرنامج الذي يقام ضمن فعاليات مهرجان العين للكتاب، تاريخ الحياة الاجتماعية في الإمارات وتأثيرها على انتشار الشعر النبطي، كما تطرقوا إلى الأثر الملهم للقصائد التي يرويها الأجداد على أفراد المجتمع، وكيف أسهمت هذه البيئة في تحفيز الأجيال على تعلم الشعر الشعبي وحفظه ونظمه.
غرس قيم الاتحادوركزت الأمسية على عمق التراث الشعري الإماراتي المستلهم من نهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان" طيب الله ثراه"، الذي غرس قيم الاتحاد والولاء في قلوب أبناء الوطن.
وشهدت مشاركة عدد من شعراء منطقة الظفرة، وهم: علي أحمد الكندي المرر، وراشد الفطيمة المنصوري، وعلي سالم الهاملي، وعبيد بن قذلان المزروعي، إلى جانب المطرب معضد الكعبي، الذي أدى مقطوعات غنائية من قصائد الشعراء، وضابط الإيقاع عبدالله البلوشي الذي أكمل المشهد الإبداعي.