التقيت مؤخرًا بمهندس أمريكى يعمل بين دول الخليج، عمره ما بين المرحلة التى تجاوزت الشباب وعلى أبواب الخروج على المعاش ومع ذلك لا يزال عليه -حسب كلامه- أن يعمل سنوات قادمة حتى يستطيع استكمال أقساط منزله وأشياء أخرى، وقال بكل فخر وفرح.. وأسى أيضًا إنه فوجئ بابنه فى إجازته الأخيرة لأسرته يعرض عليه اختيار لون السيارة التى يحلم بها طوال عمره.
وكان يتساءل هل أنا من عليه تحقيق أحلام ابنى أم ابنى يحقق أحلامي؟!.. والحكاية أن ابنه عندما دخل المدرسة الابتدائية شارك مثله مثل كل التلاميذ فى حصص التربية الرياضية وكانت اللعبة الرئيسية هى كرة القدم الأمريكية حيث يتعلمون قواعدها وأساسياتها بمدرسين متخصصين.. ومع الوقت والتصفيات يتم تكوين فريق المدرسة من التلاميذ الموهوبين والمميزين فى هذه اللعبة!
ويدخل هذا الفريق فى مباريات ومنافسات خلال سنوات الدراسة مع فرق المدارس الأخرى ثم مع فرق المدينة ثم الولاية.. إلى أن يصلوا للمرحلة الثانوية وهنا يكون بالولاية الواحدة عدد كبير من الفرق وكل مدرسة تحاول استقطاب مدربين محترفين فى اللعبة ولا تعتمد فقط على مدرسى التربية الرياضية والمد والثنى واجرِ فى مكانك.. أتذكر مدرس التربية الرياضية فى مدرستى الثانوية كان لا يأتى فى حصص الرياضة فيضطر الناظر لأن يجمعنا فى ركن بحوش المدرسة حتى تنتهى الحصة أو تأخذنا أبلة عفاف لنجلس فى الفصل وهى تصنع بلوفر تريكو لابنها.. الغريب أن مدرس الرياضة لا يأتى إلا آخر النهار بعد انتهاء المدرسة ليلعب معنا الكرة.. وبالطبع نتأخر فى اللعب ولا نذاكر ولا نعمل الواجب المدرسي!
واستكمل المهندس الأمريكى كلامه قائلا إنه فى المرحلة الثانوية يأتى وكلاء الفرق الكبيرة ووكلاء اللاعبين وممثلون عن الجامعات لمحاولة استقطاب وخطف اللاعبين الموهوبين والمتميزين من الفرق المدرسية ويعرضون عليهم فرص اللعب فى فرق المحترفين أو منحاً دراسية مجانية فى الجامعات مقابل اللعب فى فرقها.. ولأن ابن صديقنا الأمريكى يلعب فى فريق إحدى الجامعات فقد عرض عليه أحد الوكلاء الاحتراف فى دورى المحترفين بعقد قيمته مئات الآلاف من الدولارات.. ومنها سيشترى لوالده سيارة أحلامه. وهذه حكاية حياة أمريكية شاهدناها فى عشرات الأفلام الأمريكية!
ولما سألته: هل ذلك يتم فى الرياضة فقط؟ قال: يتم فى كل مجالات العلوم والاختراعات وفى فنون الكتابة والمسرح والسينما والغناء.. لكل شيء فريق ومنافسات بين المدارس.. ولا شيء بالصدفة ولا بالحظ ولكن بالمتابعة والرصد والاختيار والفرز.. بالطبع هناك استثناءات ولكن هذه هى القاعدة العامة لصناعة أجيال مبدعة فى كل المجالات.. ولذلك أمريكا أكبر أمة للمبدعين فى العلم والأدب والفن.. والموضوع لا يقتصر على الفلوس والمكسب والخسارة.. فالمدارس تتعامل معها من البداية بأنها مهمة ومسئولية وطنية.. لأن الأمم تضيع عندما يضيع شبابها الموهوب والمتميز فى الشوارع بلا فائدة!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دول الخليج لون السيارة المدرسة الابتدائية فريق المدرسة
إقرأ أيضاً:
أستاذ جامعي صباحا مزارع في المساء.. حكاية الدكتور «خلف الله» من الحقل للتدريس
أستاذ جامعي صباحا مزارع في المساء.. حكاية الدكتور «خلف الله» من الحقل للتدريس
صبيحة كل يوم يتوجه الدكتور «خلف» الأستاذ بكلية الآداب جامعة جنوب الوادي، ليدرس لطلابه مواد علم النفس، وما إن ينتهي من الجامعة، يخلع عنه بذته والجرافات، ويرتدي «الجلباب» ويلف على رأسه «العمة» ويضع فأسه على كتفه ويتوجه إلى حقله للانتهاء من بعض أعمال الزراعة.
وخلال الأيام الماضية، انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صورة للدكتور خلف الله خلف عسران، 35 عامًا، يقف وسط الأراضي الخضراء لزراعة «الثوم»، مرتديًا جلبابه وعمته الزرقاء، ممسكًا فأسه ليحرث الأرض، ونال المشهد إعجاب رواد السوشيال ميديا.
عاد «خلف الله» الدكتور في قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة جنوب الوادي، بذاكرته لسنوات طوال، ليروي لـ«الوطن»، أنه خاض رحلة مختلطة بين العلم والعمل، جعلته يأبى أن يصبح مدرسًا بالجامعة فقط، بل أن مهنة المزارع لا زالت بقلبه.
العمل والعلم معًافي بداية المرحلة الابتدائية، كان «خلف الله» القاطن بمدينة أبو تشت التابعة لمحافظة قنا، ينتهي من دراسته بعد الظهر، ليعود لبيته ويتناول وجبة الغداء، قبل أن ينطلف إلى الأرض الزراعية، ولا يعود إلا في المساء: «فترة الإعدادي كنت بروح المدرسة بعد الضهر، علشان كده كنت بصحى الصبح اشتغل في الأرض الأول، لأن المدرسة بقت مسائي، ولما خلصت الإعدادي أبويا قالي قدامك حل من اتنين، يا تدخل صنايع وتاخد الدبلوم، يا تدخل ثانوي وتذاكر وتطلع حاجة كبيرة».
التحق خلف بالمدرسة الثانوية العامة، ودخل شعبة الأدبي، التي أهلته ليدرس في كلية الآداب جامعة جنوب الوادي، وحقق نجاحًا كبيرًا، بأن أصبح الأول على دفعته، رغم الحضور القليل، إذ كان يقضي بعض الأيام في العمل على زراعة الأرض.
تعين «خلف الله» معيدا في جامعة جنوب الوادي«كنت بجيب المحاضرات من زمايلي واذاكرها، وربنا وفقني وقدرت إني أطلع الأول على الدفعة، وبعد ما اتعينت معيد حد من الدكاترة قالي أنا مكنتش بشوفك ليه، قولتله إن كان حضوري قليل بسبب إني لازم اشتغل علشان أصرف على نفسي»، قالها «خلف الله» عند حديثه عن تفاصيل تعيينه كمعيد بكلية الآداب جامعة جنوب الوادي.
عام 2013 حصل «خلف الله» على درجة الماجستير، وبعدها بـ 6 سنوات حصل على الدكتوراه، ولا زال جسده يرفض العمل الجامعي بمفرده، بل يذهب في الإجازات إلى الحقل ويحرثها بيده، موضحًا أن السبب هو تعوده على الحركة والتعب منذ صغره.
علاقة الدكتور مع طلابهيتمتع الدكتور «خلف الله» بعلاقة جيدة مع طلابه، إذ لا تفارق الابتسامة وجهه، ولا يبخل على طلابه بعلمه.