التقى بكبار المفكّرين والكتّاب المغاربة على مدى 3 عقود، تبادل معهم الآراء، ومع كل لقاء حدث لعبد المنعم الهراق حكاية بالمكتبة التي يعمل بها، "مكتبة الألفية الثالثة" بالعاصمة الرباط.

جمع الهراق (54 عاما) هذه الحكايات في كتاب أصدره حديثا بعنوان "يوميات بائع كتب ما بين 1990 و2023″، يحكي فيه عن يومياته مع المثقفين والقراء والناشرين.

وثّق حكايات ومواقف مع الكثير منهم، مثل الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، والمؤرخ عبد الوهاب بن منصور، والمفكر حسن أوريد، والروائي عبد الكريم الجويطي.

وكان للقراء نصيبهم من السرد، منهم المحامية والطبيبة والطفلة الكاتبة، بالإضافة إلى قصص مع وزراء لهم مؤلفات، لكلٍ حكاية أو طرفة أو موقف.

حكاية طه عبد الرحمن

كثيرة هي المواقف التي بقيت راسخة في ذهن الهراق رغم مرور السنوات، فقبل عشرين سنة، حين كان في بداياته المهنية، دخل عليه المفكر المغربي الشهير طه عبد الرحمن إلى المكتبة التي يعمل بها.

ويروي القصة فيقول: "دخل المفكر طه عبد الرحمن إلى المكتبة، وسألني عن الجديد، فجمعت له بعض الإصدارات الجديدة وضمنها كتاب له، حيث كنت آنذاك لا أعرفه".

ويضيف: "تبسم طه ضاحكا، قبل أن يتدخّل مشرف المكتبة، عبد الرحمن شتور، وقال لي: أتدري مع من تتحدث؟ إنه الأستاذ طه عبد الرحمن بشحمه ولحمه".

ربّت عبد الرحمن على ظهر الهراق مع بعض الكلام الطيب، وهو الموقف الذي قال الهراق إنه لم ينسه "بسبب طيبة المفكر المغربي".

يلفت الهراق إلى أنه استفاد كثيرا من اللقاءات المباشرة مع الكتاب والعلماء، مثل عباس الجيراري (مستشار ملكي سابق ومفكر)، ونجاة المريني (كاتبة)، والفيلسوف طه عبد الرحمن.

ويشير إلى أنه في اتصال معهم يوميا حيث يوجهونه، ويقدمون له نصائح في التصنيف أحيانا، وفي طريقة التعامل مع الكتاب وكيفية تلخيص بعض الكتب التي يبيعها.

وربط الهراق علاقات قوية مع الكثير منهم حتى تمكن من دخول نادي الكتاب والمؤلفين عبر إصداره كتابه الثاني في يناير/ كانون الثاني الحالي والذي يضم قصص الكتاب، بعد كتابه الأول الصادر منذ سنوات، على حد قوله.

العروي وكيليطو

حدث للهراق الكثير من الأحداث مع مؤلفين وروائيين وكتاب سواء بمكتبة "الألفية الثالثة"، أو مكتبة "منار العرفان" بنفس المدينة.

يحكي عبد المنعم، في كتابه عن الكاتب والمفكر المغربي عبد الله العروي، أنه يقضي ساعات طوال في المكتبة ولا يتكلم ولا يسأل أحدا.

ويذكر الهراق، بحسب كتابه، أن الكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو، كان يدخل للمعرض الدولي للكتاب (بمدينة الدار البيضاء) مع الناس العاديين من خلال اقتناء تذكرته تواضعا منه.

ورغم المواقف الإيجابية التي وقعت للهراق، إلا أن الأمر لم يخل من مواقف أثرت عليه نفسيا بسبب تعامل بعض المثقفين بشكل سيء.

البدايات

يوضح الهراق أن بدايته في ميدان الكتاب كانت عام 1990 بمكتبة "منار العرفان"، مبينا أنه تعلم أبجديات المهنة فيها والتقى كبار الكتّاب آنذاك، فضلا عن أساتذة جامعيين وباحثين.

ويعتبر أن تلك اللقاءات كانت بوادر أولى لحب مهنة "كتبي" (بائع كتب)، ويضيف أنه انتقل إلى مكتبة "الألفية الثالثة" عام 2007، ولا يزال يعمل بها حتى اليوم.

لم ينس عبد المنعم شكر من تتلمذ على أيديهم أبجديات المكتبة، مثل عبد المجيد وافر، المتخصص في تصنيف المخطوطات والحجريات، ومصطفى ناجي، وعبد الرحمن شتور (سبق أن عمل معهم بالمكتبات).

يتضح من خلال الحديث مع الهراق أنه ملم بشكل كبير بالكتب والمؤلفين، يعرف بسهولة الأسماء وتاريخ الصدور والاختلاف بين الكتب، وماذا ينقص المكتبات العربية والإسلامية، لذلك فكر في تأليف كتاب عن بائع الكتب.

ويقول إن كتابه كان الأول من نوعه بالعالمين العربي والإسلامي، اللذين لا يتضمنان كتابا عن حياة وتفاصيل بائع الكتب، وفق تعبيره.

ويلفت الهراق إلى وجود يوميات مهن أخرى وشخصيات متنوعة، في حين تغيب عن المكتبات يوميات بائع الكتب.

يكشف "الكتبي" المغربي أنه عندما تلقى كتابه الأول من المطبعة، انتابه إحساس جميل، وبكى من الفرح.

ويؤكد قائلا: "إحساس جميل جدا، وكأنه مولود جديد، وعندما ترى كتابك صدر، كأنك رزقت بمولود جديد".

وجعل توجه الأفراد لمنصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير، الهراق يتواصل مع القراء عبر صفحته، من خلال الإصدارات الجديدة، أو لقاءات تقديم الكتب.

يستمر الرجل بنشر بعض التدوينات على فيسبوك عن تجاربه، لأن الجيل الحالي مرتبط بالإنترنت، من أجل التواصل الدائم مع القراء، حيث يعرف الهراق أنواعهم.

أسرار القراء

كتاب الهراق ملئ بقصص القراء وأسرارهم، فقد كان حلقة وصل مع مسنة كان تقتني كتب الأدعية والأذكار والمصاحف، وتوزعها على معارفها، وطلبت منه أن يقترح عليها كاتبا يكتب خواطرها وتجربتها، وهو ما تم.

كما يسرد الكتاب حكايات أخرى مماثلة، كان فيها الهراق حلقة وصل ما بين باحثين ومواطنين وبعض الكتاب.

ويذكر في كتابه أن طلب الكتب مرتبط بالأحداث العالمية، حيث ارتفعت وتيرة الإقبال على الكتب التي لها علاقة بفلسطين منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مثل مؤلفات المصري عبد الوهاب المسيري، والمغربي المقرئ أبو زيد الإدريسي ، والفرنسي روجي غاروي، والإسرائيلي إسرائيل شاحاك.

كتاب الهراق يشير إلى كتب ومراجع مهمة بمختلف المجالات، والأكثر مبيعا، فضلا عن أهم الروايات التي تناولت عدد من القضايا مثل القضية الفلسطينية.

الهراق، ابن مدينة تاونات شمال البلاد إلى جانب كونه بائع كتب، فهو قارئ وكاتب، سبق أن فاز بمسابقة ثقافية لمجلة الفيصل الكويتية مرتين، يساعد الطلاب والباحثين في البحث عن مراجع، ويعد شاهدا على عصر الثقافة بالمغرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: طه عبد الرحمن

إقرأ أيضاً:

معرض الكتاب يناقش «تطبيقات الذكاء الاصطناعي في ‏الإعلام» لـ رباب عبد الرحمن

شهدت قاعة فكر وإبداع، صباح اليوم السبت ندوة لمناقشة كتاب «تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإعلام» للدكتورة رباب عبد الرحمن، ضمن فعاليات الدورة 56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.

أدارت الندوة الإعلامية هبة حمزة، وشارك في مناقشة الكتاب كل من الدكتور حسن عماد مكاوي، العميد السابق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، والدكتورة هويدا مصطفى، عميدة كلية الإعلام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا.

افتتحت الإعلامية هبة حمزة الندوة بتقديم عرض شامل للكتاب، مشيرة إلى أهميته في رصد وتحليل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الإعلام، كما استعرضت المسيرة العلمية للدكتورة رباب عبد الرحمن، وأهم مؤلفاتها الأكاديمية والثقافية، قبل أن تقدم لمحة عن الضيوف المشاركين في الندوة وسيرهم الذاتية.

مناقشة «تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإعلام»

وخلال الندوة، توجهت حمزة بسؤال إلى مؤلفة الكتاب حول أبرز جوانب الذكاء الاصطناعي في الإعلام، والمخاطر والمزايا التي تنطوي عليها هذه التقنيات الحديثة.

من جانبها، عبرت الدكتورة رباب عبد الرحمن عن سعادتها بالمشاركة في هذه الفعالية الثقافية المهمة، موجهة الشكر إلى الدكتور أحمد بهي الدين السياسي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، على تنظيم المعرض، وإتاحة الفرصة لمناقشة هذا الموضوع الحيوي.

وقالت المؤلفة: «هذا الكتاب استغرق عامًا كاملًا في الإعداد، حيث سعيت من خلاله إلى الجمع بين الجانب الأكاديمي النظري والتطبيقات العملية، كما ناقشت التحديات التي يواجهها الذكاء الاصطناعي، وقدمت رؤية استشرافية لمستقبل هذه التقنية في الإعلام».

وأضافت أنها تناولت في الكتاب تعريف الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الصحافة والإعلام الرقمي، مثل البودكاست ومنصات التواصل الاجتماعي. كما ركزت على خطورة التزييف العميق للنصوص والصور والفيديوهات، مع محاولة تقديم الكتاب بأسلوب يجمع بين الجوانب النظرية والتطبيقية، ليكون مفيدًا للباحثين والدارسين والعاملين في الإعلام.

كما استعرضت مراحل تطور الذكاء الاصطناعي منذ ظهوره في الخمسينيات، حتى بدأ تطبيقه في مجال الإعلام عام 2010، عندما استخدمت وكالة الأسوشيتد برس هذه التقنية في إنتاج الأخبار. وسلطت الضوء على قضايا مثل مخاطر تحليل البيانات الشخصية، وانتشار المعلومات المضللة، وإمكانية استغلال هذه التقنية في التأثير على الرأي العام.

وفي كلمته، أشاد الدكتور حسن عماد مكاوي بمجهود المؤلفة، مؤكدًا أنه لم يكن مستغربًا منهجها الجاد نظرًا لمسيرتها العلمية المتميزة. وقال: «الاتصال مر بمراحل متعددة، وربما يكون الذكاء الاصطناعي أحد هذه المراحل، ولكنني لا أؤيد استخدام مصطلح ‘الإعلام الجديد’ لأنه قد لا يكون دقيقًا».

وأشار إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تحمل إيجابيات وسلبيات، إذ يمكن استخدامها في تسهيل العمل الإعلامي، ولكنها في الوقت ذاته تمثل تحديات كبرى مثل انتشار الفيروسات الرقمية، والتحكم في البيانات الشخصية، وتضليل الجماهير بالمعلومات المغلوطة.

كما حذّر من استغلال الذكاء الاصطناعي في الجرائم الإلكترونية، والتعدي على حقوق الملكية الفكرية.

مناقشة «تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإعلام»

أما الدكتورة هويدا مصطفى، فقد عبرت عن إعجابها بالكتاب، مشيدة بمنهجية المؤلفة في تناوله، حيث قدمت رؤية علمية متكاملة حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإعلام.

وأوضحت أن المؤلفة تعاملت مع القضية بتوازن شديد، حيث ناقشت المخاطر والتحديات، إلى جانب الفوائد المحتملة، خاصة فيما يتعلق بمشكلات التزييف العميق وانتهاك الخصوصية. كما أكدت أن الكتاب يعد إضافة مهمة، خاصة في ظل عدم مواكبة المناهج الدراسية الجامعية لمجالات الإعلام المتطورة والتكنولوجيا الحديثة.

كما شددت على ضرورة تحديث المناهج الدراسية في كليات الإعلام، بحيث تشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مع ضرورة إدخال خبراء في المجال لتدريب الطلاب على أحدث التقنيات الإعلامية.

واختتمت الندوة بمناقشة مفتوحة مع الحضور، تضمنت تساؤلات حول تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل الصحافة والإعلام، والسبل الكفيلة بالحد من مخاطره عبر تشريعات قانونية واضحة.

اقرأ أيضاًبجناح وزارة الثقافة.. معرض الكتاب يناقش «مخطوطات خمسة نظامي» لـ ريم باظة

ما بين الإيجابيات والسلبيات.. معرض الكتاب يناقش «الإنترنت في حياة الأطفال»

معرض الكتاب يناقش «فك شفرة الرجال والنساء» لـ آيات الحداد

مقالات مشابهة

  • دار الكتب تتيح نسخة نادرة من فهارس المخطوطات بمعرض الكتاب
  • كيلو الكتب بـ 100 جنيه.. سوق الأزبكية” يجذب القراء في معرض الكتاب
  • معرض الكتاب يناقش «تطبيقات الذكاء الاصطناعي في ‏الإعلام» لـ رباب عبد الرحمن
  • دار الكتب تناقش كتاب المراغي في معرض الكتاب
  • «بيج باد وولف» مبادرة لبيع الكتب الأجنبية بأسعار مخفضة في معرض الكتاب
  • توقيع الكتب الثلاثة للدكتور محمد العربي بمعرض الكتاب..غدًا 
  • مسرحية أبو الفتيان.. ياسر صادق يحتفل بتوقيع كتابه بمعرض الكتاب
  • شاعر مغربي من معرض الكتاب: نحن مدينون لمصر ثقافيًا
  • حكايات بنات.. جديد الكاتبة نجلاء علام بمعرض الكتاب
  • كتب التراث الأكثر مبيعا في جناح دار الكتب بمعرض الكتاب