الأسرة عماد النهضة
ننعم في وطننا برعاية أبوية حانية من قبل قيادتنا الرشيدة الحريصة على تأمين كافة مقومات الاستقرار والسعادة ليكون مجتمعنا الأكثر تلاحماً وتعاوناً في تجسيد تام لقيم الإمارات النبيلة وخصال مجتمعها الأصيل، ولذلك تشكل الأسرة وكل ما يتعلق بمستوى جودة حياتها وآمالها وطموحاتها أولوية رئيسية وتحظى بكل الاهتمام اللازم كما أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله ورعاه”، خلال تكريم سموه المؤسسات الحاصلة على “علامة الجودة لبيئة عمل داعمة للوالدين” وعددها 12 ضمن الدورة الثانية من البرنامج الذي أطلقته هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، بالقول: “إن الاهتمام بالأسرة والحرص على توفير كل ما من شأنه تعزيز تماسكها وتمكينها من أداء دورها المحوري، يمثل أولوية رئيسية في برامج الحكومة وخططها كونها مدرسة التربية الأولى وأساس المجتمع القوي والمستقر”، ومعبراً سموه “عن تقديره لجميع المؤسسات المشاركة في البرنامج، لحرصها على تبني ثقافة عمل داعمة للوالدين، وسعيها نحو تعزيز إسهاماتها في رفع جودة رعاية الأطفال، من خلال تمكين الوالدين العاملين فيها من تحقيق التوازن بين العمل والأسرة وتعزيز الروابط الأسرية والتربية السليمة للأطفال، مما يؤثر إيجابياً على الطفل والأسرة والمجتمع ويصب في مصلحة التنمية الشاملة والمستدامة”.
صاحب السمو رئيس الدولة “حفظه الله ورعاه”، بين أهمية دعم تمكين الوالدين العاملين من رعاية الأبناء ومنحهم الوقت اللازم ودور ذلك في بناء أجيال تقوم بدورها الكامل مؤكداً سموه “أن إتاحة الوقت للوالدين العاملين في المؤسسات للاهتمام بأطفالهم يسهم في بناء أجيال قادرة على المشاركة بفاعلية في ترسيخ دعائم المجتمع ومواصلة مسيرة بناء الوطن وتطوير ركائز نهضته”، ومشدداً على “أهمية وعي جميع المؤسسات في الدولة بضرورة إيجاد بيئة عمل داعمة للوالدين وتأصيل هذه الثقافة لديها، لما لذلك من آثار مهمة على المستويات الاجتماعية والثقافية والتربوية فضلاً عن آثاره الإيجابية على كفاءة العمل في هذه المؤسسات”، ومن هنا تكتسب المبادرات والخطط والبرامج الوطنية أهمية كبرى لدورها الفاعل في تحقيق المستهدفات التي تعزز ما ينعم به مجتمعنا على الصعد كافة ومنها “برنامج “علامة الجودة لبيئة عمل داعمة للوالدين” الذي “حقق بفضل دعم القيادة الحكيمة وتوجيهاتها نتائج مهمة وزيادة كبيرة في الإقبال عليه من قبل مؤسسات القطاع الخاص وشبه الحكومي والقطاع الثالث على مستوى الدولة والذي يؤكد اهتمام هذه الجهات بتعزيز ثقافة العمل الداعمة للوالدين في منظومتها المؤسسية وحرصها على تبني ثقافة عمل داعمة للوالدين” كما أكد سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان رئيس مكتب الشؤون التنموية وأسر الشهداء في ديوان الرئاسة رئيس هيئة أبو ظبي للطفولة المبكرة، خلال التكريم.
هنيئاً لمجتمعنا ما ينعم به من رعاية القيادة الرشيدة وحرصها الدائم على رفد مسيرته بكل ما يعزز سعادته واستقراره وتمكينه.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
المُعلِّم العُماني.. صانع الأجيال وركيزة النهضة
د. حامد بن عبدالله البلوشي
shinas2020@yahoo.com
منذ فجر التاريخ، كان المُعلِّم شُعلة مُتقدة تنير دروب الإنسانية، وحاملًا لمشاعل الحكمة والمعرفة في أروقة الحياة. لم يكن المُعلِّم مجرد ناقل للعلوم، أو شارحًا للدروس، بل كان بانيًا للعقول، وصانعًا للأجيال، ومرشدًا للإنسان في رحلة البحث عن الحقيقة.
وعلى مر العصور، تواترت الثقافات والحضارات على تعظيم شأن المُعلِّم؛ إذ أدركت الأمم المتعاقبة أن التقدُّم لا يبنى إلّا على أساس متين من العلم والمعرفة، وركائز راسخة من الثقافة والفكر، وأن المُعلِّم هو الأساس الذي تستند إليه دعائم التقدم والرقي.
في مختلف بقاع الأرض، وعلى مدار التاريخ، كان المُعلِّم موضع إجلال وتقدير، فاليونانيون القدماء رأوا فيه فيلسوفًا يُنير العقول، والصينيون وضعوه في مصاف الحكماء، أما العرب، فقد جعلوه حامل راية العلم، وسفير الفضيلة، ولا تزال الدول المُتقدِّمة تكرم المُعلِّم، وتقيم له أيامًا تُخلِّد فيها إنجازاته، وترفع مكانته بين أفراد المجتمع.
لقد أتى الإسلام مُعليًا شأن العلم، ومُجلًّا لمكانة المُعلِّم؛ إذ كان أول ما نزل من الوحي قول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1)، إعلانًا صريحًا بأن المعرفة هي المدخل الأول لنور الهداية. وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11). وقد كان الرسول ﷺ نفسه مُعلِّما للبشرية، هاديا ودليلا، يخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ حيث قال ﷺ: "إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا ولكن بعثني مُعلِّما وميسرًا". وهو القائل: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على مُعلِّم الناس الخير".
لقد حفلت صفحات التاريخ بأعلام كانوا منارات علم تهدي الحائرين، ومُعلِّمين صنعوا أجيالًا من العلماء، وأصحاب فكر بنوا عقولًا وشيدوا حضارات، ومن أمثال هؤلاء ابن سينا الذي مزج الطب بالحكمة، ولم يكتف بأن يكون طبيبًا حاذقًا، وعالمًا نابغًا، بل أضاف إلى ذلك كونه مُعلِّمًا رائدًا، ينقل علمه لطلابه ومريديه، ويترك بصمات خالدة ظلَّ أثرها على مدار التاريخ، والخليل بن أحمد الفراهيدي المولود في أرض عُمان المباركة، والذي وضع أُسس علم العَروض. كما وضع أسس التفكير المنهجي لطلابه الذين كان على رأسهم سِيبَوِيه إمام النحو، وباني أصوله، وأحد أعظم النُحاة المسلمين. كما لا ننسى العديد من الأئمة العُمانيين الذين حملوا لواء التعليم، وأثروا الحضارة الإسلامية بفكرهم النير، ونقلوا العلم إلى أجيال متتابعة، فكانوا مثالًا للمُعلِّم الذي يُسخِّر علمه لخدمة البشرية؛ كالإمام الفقيه جابر بن زيد، والإمام العلّامة والشاعر والمؤرخ الموسوعي نور الدين السالمي، والأصولي المحقق الإمام سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي، وغيرهم الكثير.
ولقد أدركت سلطنة عُمان، منذ انطلاقة نهضتها الحديثة، أن بناء الإنسان هو اللبنة الأساسية في بناء الوطن، وكان التعليم هو المحور الأول لهذا البناء، والمُعلِّم هو حجر الأساس. ولذا، لم تبخل السلطنة في دعم المُعلِّم، تأهيلا، وتدريبا، وتمكينا، ليكون على قدر المسؤولية في صناعة الأجيال الواعدة.
وكان السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- قائدًا مُستنيرًا، أدرك أن نهضة عُمان لن تتحقق إلا بالعِلم، فوجَّه جهوده لبناء منظومة تعليمية متكاملة، وأولى المُعلِّم اهتمامًا خاصًا. ومن أقواله التي خلدها التاريخ: "إننا نعيش عصر العلم ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وإن ذلك ليزيدنا يقينا بأنَّ العلم والعمل الجادَ هما معا وسيلتنا لمواجهة تحديات هذا العصر وبناء نهضة قوية ومزدهرة على أساس من قيمنا الإسلامية والحضارية"، وهذا تأكيد على أن العلم هو أساس النهضة، والمُعلِّم هو الركن المتين لها.
وعلى خطى السلطان قابوس -رحمه الله- جاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ليؤكد أن التعليم سيظل الركيزة الأولى للنهوض بالوطن. وقد أولى جلالته -أبقاه الله- التعليم اهتمامًا كبيرًا، إيمانًا منه بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي. ومن أقواله: "وإن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة".
إنَّ المُعلِّم ليس مجرد ناقل للمعرفة؛ بل هو مهندس العقول، ومؤسس القيم، وصانع الحضارات. فبكلماته تتفتح الأذهان، وبحكمته تتغير المسارات، وبصبره يبني جيلا قادرا على النهوض بالمجتمع، وهو الذي يزرع بذور الطموح في نفوس طلابه، ويرويها بحب العلم، ويصقلها بالتجربة، حتى تثمر علماء ومفكرين يرفعون راية أوطانهم عاليا.
وأقل ما يمكن أن نقدمه للمُعلِّم هو الاحترام والتقدير، وأن نُوَفِّر له بيئة تمكنه من أداء رسالته السامية. ومن الواجب علينا أن نكرم المُعلِّم معنويا وماديّا، وأن نمنحه المكانة التي يستحقها في المجتمع، حتى يؤدي رسالته النبيلة بكل حب وإخلاص.
وعلى الرغم من مكانته الرفيعة، إلّا أن المُعلِّم يواجه العديد من التحديات، منها التطور السريع في أساليب التعليم، وضغوط العمل، ومتطلبات العصر الرقمي. والتي تحاول وزارة التربية والتعليم جاهدة وفق إمكانياتها المتاحة، وعبر مؤسساتها التعليمية، إلى دعمه بالتدريب والتطوير المستمر، واللحاق بركب التقدم، وتوفير بيئة تعليمية تحفّزه على الإبداع، وتضمن له حياة كريمة.
إنَّ المُعلِّم هو النبراس الذي يُضيء لنا دروب المعرفة، وهو الباني الذي يُشيّد صروح الأمل، وهو الجسر الذي نعبُر عليه إلى المستقبل.
وفي يوم المُعلِّم العُماني، نقف جميعًا إجلالًا وتقديرًا له، شاكرين جهوده، سائلين الله -عز وجل- له التوفيق والسداد ليواصل رسالته السامية في بناء الأجيال والمساهمة في بناء نهضة عُمان المتجددة نحو غدٍ أكثر إشراقًا.
** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية