الإنسان الفلسطيني وحقوقه المهدورة: أين الحل الإنساني العادل؟
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
لم يواجه شعب من الشعوب في عصرنا الراهن، واقعا مؤلما ونكبة بشعة، منذ ما يزيد على خمسة وسبعين عاما، مثلما واجه ويواجه الشعب العربي الفلسطيني، من تنكيل وتقتيل واقتلاع من أرضه وأملاكه واستباحتها أمام سمع العالم وبصره. عندما احتلت العصابات الصهيونية أرض فلسطين، في حرب 1948، وحرب 1967، غير الحروب الأخرى التي شنت على سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، متمثلة في الحروب الإسرائيلية المتتالية على غزة، منذ عام 2006 و2008 و2014، وآخرها الحرب الأخيرة التي بدأت بعد عملية السابع من أكتوبر العام المنصرم، ولا تزال إلى الآن، والتي تعد من حروب الإبادة الجماعية التي لا تقبل الجدل لما جرى فيها من قتل العشرات وأضعافهم من الجرحى، ومئات الألوف من المشردين دون مأوى والحاجات الإنسانية الضرورية، وهذه الممارسات التي لم تتوقف أبدا، حتى مع صدور قرار المحكمة الدولية التي صدرت يوم السادس والعشرين من يناير الماضي.
وقد أصبح الحديث والسرد عن حقوق الإنسان منذ أكثر من 70 عاما، حبرا على ورق من حيث التطبيق الفعلي لحقوق الإنسان، فلم تكن القوانين التي تصدر من المنظمات الدولية، تمثل قيمة قانونية وإنسانية عادلة في ظل المعايير المتناقضة والتهرب من تنفيذ العقاب على هذه الأفعال اللاإنسانية! وهذا جعل المُطالب بحقه لا يرجو إنصافا من المنظمات الدولية، التي فقدت مصداقيتها في حل الحقوق المهدورة خلال عقود طويلة، ولم يعد هناك تمييز بين الظالم والمظلوم، وبين من احُتلت أرضه، وبين المُحتل الذي طرد وهجّر صاحب الحق الأصلي، وهذا ما جعل المظلوم يلجأ إلى استخدام القوة لاستعادة حقوقه المشروعة، ولو بالوسائل البدائية، ذلك لأنه وجد أن الأمم المتحدة، أفرغت من مضامينها القانونية، من خلال استخدام حق النقض (الفيتو)، الذي أصبح سيفا مسلطا في وجه القرارات الدولية العادلة، ونتذكر أنه في عام 1948، صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرته الجمعية العامة، ولاقى هذا الإعلان ارتياحا واستبشارا كبيرين في العالم أجمع، لما قد يكون لهذا الإعلان من دور وتأثير وسطوة قانونية، لمنع الانتهاكات والقهر والقمع والظلم الذي يلاقيه الإنسان من أخيه الإنسان، سواءً من أفراد أو جماعات، أو دول في كثير من أقطار هذا العالم، خاصة أن هذا الإعلان جاء بعد انتهاء حربين عالميتين راح ضحيتهما عشرات الملايين من القتلى وأضعاف هذا الرقم من الجرحى والمشوهين والمرضى النفسيين، وغيرها من المآسي التي مست حياة الإنسان ومعيشته واستقراره، فهل كان هذا الإعلان على قدر النصوص وديباجتها التي أعلنت؟.
وفي الواقع أن هذا الإعلان مع أهمية صدوره، لم يكن بذلك القوة القانونية من خلال التأثير والأثر الذي توقعته دول العالم الثالث -كما تسمى- في وقف انتهاك حقوق الإنسان في شتى الجوانب والقضايا التي تحدث، سواء من أجل استعادة الحقوق المغتصبة، أو الحروب التي حصلت بسبب الصراعات الدولية، في فترة الحرب الباردة، ومنها ما يعيشه الشعب الفلسطيني الأعزل المستباح، في غزة الذي يقتل كل يوم خاصة الأطفال والنساء والشيوخ الآمنين في الحروب التي شنت خلال العقود الماضية ولا تزال مستمرة، ناهيك عن الانتهاكات الكبيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء في القدس المحتلة، أو الضفة الغربية، وأيضا لم تتحقق الديمقراطية المنشودة التي بشّر بها الغرب، بأنها ستمثل الرفاهية لكل الشعوب في الحرية وحقوق الإنسان، كالتي تنعم بها الشعوب الغربية، وينادي بها الغرب في المشكلات والأزمات والتوترات هنا وهناك، ويطلب انتهاجها في المجتمعات العربية بالأخص، والمجتمعات الإنسانية، ولكن لا الحرية تم تطبيقها على الجميع، ولا حقوق الإنسان تمتع بها الإنسان في ظل ازدواجية المعايير والمكاييل المتناقضة.
فلم يكن لهذه الوثيقة الدولية العالمية ـ كما قيل- المعروفة باسم «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الصادرة في باريس في العاشر من ديسمبر 1949، وأقرتها الجمعية العامة، والتي وصفت من قبل من أصدروها بأنها (أضخم تحد لعصرنا الحديث)، وهذا كلام جميل وتصبو إليه كل الأمم، لكن أين هذا الإعلان وتلك الوثيقة المكتوبة، فلم يكن لها من العالمية الحقيقية إلا تسميتها الخارجية مثل القشرة الناعمة، لكنها في الواقع المعاش مجرد ديباجة إعلان بمفهومات تقليدية تكاد تكون محاولة لصياغة جديرة خالية من المضامين القوية الجادة في مسألة حقوق الإنسان، لأنها تفتقر إلى عنصر الإلزام.
إن هذا الإعلان جاء بالنص الآتي: «ولما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هي أساس الحرية والعدل والسلام في العالم»، «ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع الفرد فيه بحرية القول والعقيدة، ويتحرر من الفزع والفاقة، ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان، لكي لا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم».
فهذه الفقرات المقتبسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا نرى أنه يوجد لها أي محتوى عالمي من كل وجه- كما يقول د.صبحي الصالح: «فليس لنا أن نستغرب نفس الصفة «العالمية» عن الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن، برغم ورود كلمة «الإنسان» التي توحي وحدها بالتعميم والشمول، لكنها في الواقع لم تكن تزيد على نزعة ضمنية غير مصرح بها، وربما لم تكن طبيعة الأحداث لتسمح يومئذ بالتصريح العلني عنها، وإن نسبوا إلى «دانتون» قوله أمام الجمعية التأسيسية بعد سنة واحدة من ذلك الإعلان الفرنسي: «أما إنه ينبغي ألا يكون للقضية حدود غير حدود العالم» قاصدا بذلك «حرية الجنس البشري وسعادته» وإن نسبوا أيضا إلى «ديمولان» قوله في الجمعية المذكورة: «فلنأمل أن ينمحي قريبا تقسيم العالم إلى دول حتى لا يبقى فيه إلا شعب واحد نسميه «الجنس البشري». لكن هذه الإيماءة «الضمنية» التي حاولت على استحياء أن تصوغ مبادئ الحرية والإخاء والمساواة صياغة عالمية شاملة لم تحظ برضا بعض الساسة والمفكرين خارج فرنسا ذاتها، فهاجموا الإعلان الفرنسي وواضعيه، وزعموا أن مبادئ ذلك الإعلان، ولا سيما مبدأ المساواة، مستحيلة التطبيق، بل أسطورة من الأساطير».
وهذا ما برز بعد ذلك من معايير ومقاييس متناقضة، تجاه حقوق الجنس البشري، وكيف أن بعض الشعوب لا تحظى بهذه الحقوق، ولا يتم الاعتراف بها بأي صياغة قانونية وإنسانية لازمة، والدليل على ذلك، كما يرى د. صبحي صالح: «أن الإعلان العالمي المذكور آنفا شجب العبودية والاستعمار، وأقر المساواة والعدل لكل بني البشر وحق كل شعب من الشعوب في تقرير مصيره ... لكن هذه المبادئ لم تجد التطبيق. فبعد جلاء الاستعمار البريطاني عن فلسطين حل محله الاستعمار الصهيوني، وبقيت دول عديدة تحت الاستعمار حتى ناضلت واستطاعت أن تنال استقلالها بالمقاومة وليس بالإعلان العالمي إياه»!
فلن تتحقق حقوق الإنسان في عصرنا الراهن، بالصورة الملزمة للجميع، إلا بإزالة الفكرة السلبية التي رهنت قضية الحقوق، بأن جُعلت تخضع للتناقضات الفكرية والمعايير المزدوجة، وغياب العدل الذي هو التجسيد الحي لمسألة التطبيق الصحيح البعيد عن الأهواء والرغبات، لبعض الدول الكبرى، التي جعلت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مجرد صيغة فضفاضة غير ملزمة في الواقع المعاش بالصورة الواقعية المرجوة. إذن قضية حقوق الإنسان فكرة رائدة، إن طُبقت وأصبحت ملزمة للجميع بلا محاباة وانحياز، لطرف دون آخر، أو شعوب دون أخرى، ولن تنعم الإنسانية بالسلام والاستقرار والوئام، إن بقيت حقوق الإنسان مُهدرة ومتروكة وخاضعة للإيديولوجيات والمحاور والتحيزات، فالبشرية على مدى قرنين لا تزال تعيش الاضطراب والتوتر والحروب الصغيرة والكبيرة، بسبب المعايير الدولية غير العادلة، وغياب العدل القائم على الجميع، فهل نرى في قرار محكمة لاهاي الأسبوع الماضي، خطوة في طريق المعايير العادلة والمنصفة تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، والشعوب المظلومة الأخرى؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإعلان العالمی لحقوق الإنسان حقوق الإنسان هذا الإعلان فی الواقع
إقرأ أيضاً:
محافظ سوهاج يلتقي أعضاء وحدة حقوق الإنسان
عقد اللواء دكتور عبد الفتاح سراج محافظ سوهاج، اجتماعا مع وحدة حقوق الإنسان بتشكيلها الجديد بديوان عام المحافظة، بحضور الدكتور محمد عبد الهادي نائب المحافظ، واللواء علاء عبد الجابر سكرتير عام المحافظة، والدكتور الطاهر موهوب رئيس الوحدة، وأعضاء وحدات حقوق الإنسان بالديوان العام والوحدات المحلية ومديريات الخدمات.
وأكد المحافظ خلال الاجتماع على أهمية دور وحدة حقوق الإنسان باعتبارها المحرك الرئيسي لكافة الجهود الرامية إلى تعزيز حقوق الإنسان بالمحافظة، مشددًا على ضرورة التركيز على العمل الميداني ووضع خطط تنفيذية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، كما وجه بأهمية تنظيم برامج توعوية وندوات وحلقات نقاشية تستهدف مختلف فئات المجتمع لتعزيز الوعي بحقوق الإنسان، واستهداف المشكلات الحقيقية ووضع الحلول المناسبة لها.
وطالب المحافظ بعرض الخطة التنفيذية للوحدة خلال الاجتماعات القادمة لتحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع، مشيرا إلى ضرورة أن تؤدي الوحدة دور فعال ونموذجي يحتذى به في جميع المحافظات.
يأتي ذلك في إطار جهود المحافظة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وفق محاورها المتعددة، لاسيما تلك المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.