لم يواجه شعب من الشعوب في عصرنا الراهن، واقعا مؤلما ونكبة بشعة، منذ ما يزيد على خمسة وسبعين عاما، مثلما واجه ويواجه الشعب العربي الفلسطيني، من تنكيل وتقتيل واقتلاع من أرضه وأملاكه واستباحتها أمام سمع العالم وبصره. عندما احتلت العصابات الصهيونية أرض فلسطين، في حرب 1948، وحرب 1967، غير الحروب الأخرى التي شنت على سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، متمثلة في الحروب الإسرائيلية المتتالية على غزة، منذ عام 2006 و2008 و2014، وآخرها الحرب الأخيرة التي بدأت بعد عملية السابع من أكتوبر العام المنصرم، ولا تزال إلى الآن، والتي تعد من حروب الإبادة الجماعية التي لا تقبل الجدل لما جرى فيها من قتل العشرات وأضعافهم من الجرحى، ومئات الألوف من المشردين دون مأوى والحاجات الإنسانية الضرورية، وهذه الممارسات التي لم تتوقف أبدا، حتى مع صدور قرار المحكمة الدولية التي صدرت يوم السادس والعشرين من يناير الماضي.

ناهيك عن تدمير المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء وغيرها من الأماكن التي تأوي المدنيين من النساء والأطفال، وبعضها يتبع الأمم المتحدة مباشرة. كلما خسرت إسرائيل الكثير من الجنود والضباط القتلى في هذه الحرب الدامية على أصحاب الحقوق المهدورة، تلجأ إلى الهجمات العشوائية والقمع والتنكيل بالأبرياء.

وقد أصبح الحديث والسرد عن حقوق الإنسان منذ أكثر من 70 عاما، حبرا على ورق من حيث التطبيق الفعلي لحقوق الإنسان، فلم تكن القوانين التي تصدر من المنظمات الدولية، تمثل قيمة قانونية وإنسانية عادلة في ظل المعايير المتناقضة والتهرب من تنفيذ العقاب على هذه الأفعال اللاإنسانية! وهذا جعل المُطالب بحقه لا يرجو إنصافا من المنظمات الدولية، التي فقدت مصداقيتها في حل الحقوق المهدورة خلال عقود طويلة، ولم يعد هناك تمييز بين الظالم والمظلوم، وبين من احُتلت أرضه، وبين المُحتل الذي طرد وهجّر صاحب الحق الأصلي، وهذا ما جعل المظلوم يلجأ إلى استخدام القوة لاستعادة حقوقه المشروعة، ولو بالوسائل البدائية، ذلك لأنه وجد أن الأمم المتحدة، أفرغت من مضامينها القانونية، من خلال استخدام حق النقض (الفيتو)، الذي أصبح سيفا مسلطا في وجه القرارات الدولية العادلة، ونتذكر أنه في عام 1948، صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرته الجمعية العامة، ولاقى هذا الإعلان ارتياحا واستبشارا كبيرين في العالم أجمع، لما قد يكون لهذا الإعلان من دور وتأثير وسطوة قانونية، لمنع الانتهاكات والقهر والقمع والظلم الذي يلاقيه الإنسان من أخيه الإنسان، سواءً من أفراد أو جماعات، أو دول في كثير من أقطار هذا العالم، خاصة أن هذا الإعلان جاء بعد انتهاء حربين عالميتين راح ضحيتهما عشرات الملايين من القتلى وأضعاف هذا الرقم من الجرحى والمشوهين والمرضى النفسيين، وغيرها من المآسي التي مست حياة الإنسان ومعيشته واستقراره، فهل كان هذا الإعلان على قدر النصوص وديباجتها التي أعلنت؟.

وفي الواقع أن هذا الإعلان مع أهمية صدوره، لم يكن بذلك القوة القانونية من خلال التأثير والأثر الذي توقعته دول العالم الثالث -كما تسمى- في وقف انتهاك حقوق الإنسان في شتى الجوانب والقضايا التي تحدث، سواء من أجل استعادة الحقوق المغتصبة، أو الحروب التي حصلت بسبب الصراعات الدولية، في فترة الحرب الباردة، ومنها ما يعيشه الشعب الفلسطيني الأعزل المستباح، في غزة الذي يقتل كل يوم خاصة الأطفال والنساء والشيوخ الآمنين في الحروب التي شنت خلال العقود الماضية ولا تزال مستمرة، ناهيك عن الانتهاكات الكبيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء في القدس المحتلة، أو الضفة الغربية، وأيضا لم تتحقق الديمقراطية المنشودة التي بشّر بها الغرب، بأنها ستمثل الرفاهية لكل الشعوب في الحرية وحقوق الإنسان، كالتي تنعم بها الشعوب الغربية، وينادي بها الغرب في المشكلات والأزمات والتوترات هنا وهناك، ويطلب انتهاجها في المجتمعات العربية بالأخص، والمجتمعات الإنسانية، ولكن لا الحرية تم تطبيقها على الجميع، ولا حقوق الإنسان تمتع بها الإنسان في ظل ازدواجية المعايير والمكاييل المتناقضة.

فلم يكن لهذه الوثيقة الدولية العالمية ـ كما قيل- المعروفة باسم «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الصادرة في باريس في العاشر من ديسمبر 1949، وأقرتها الجمعية العامة، والتي وصفت من قبل من أصدروها بأنها (أضخم تحد لعصرنا الحديث)، وهذا كلام جميل وتصبو إليه كل الأمم، لكن أين هذا الإعلان وتلك الوثيقة المكتوبة، فلم يكن لها من العالمية الحقيقية إلا تسميتها الخارجية مثل القشرة الناعمة، لكنها في الواقع المعاش مجرد ديباجة إعلان بمفهومات تقليدية تكاد تكون محاولة لصياغة جديرة خالية من المضامين القوية الجادة في مسألة حقوق الإنسان، لأنها تفتقر إلى عنصر الإلزام.

إن هذا الإعلان جاء بالنص الآتي: «ولما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هي أساس الحرية والعدل والسلام في العالم»، «ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع الفرد فيه بحرية القول والعقيدة، ويتحرر من الفزع والفاقة، ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان، لكي لا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم».

فهذه الفقرات المقتبسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا نرى أنه يوجد لها أي محتوى عالمي من كل وجه- كما يقول د.صبحي الصالح: «فليس لنا أن نستغرب نفس الصفة «العالمية» عن الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن، برغم ورود كلمة «الإنسان» التي توحي وحدها بالتعميم والشمول، لكنها في الواقع لم تكن تزيد على نزعة ضمنية غير مصرح بها، وربما لم تكن طبيعة الأحداث لتسمح يومئذ بالتصريح العلني عنها، وإن نسبوا إلى «دانتون» قوله أمام الجمعية التأسيسية بعد سنة واحدة من ذلك الإعلان الفرنسي: «أما إنه ينبغي ألا يكون للقضية حدود غير حدود العالم» قاصدا بذلك «حرية الجنس البشري وسعادته» وإن نسبوا أيضا إلى «ديمولان» قوله في الجمعية المذكورة: «فلنأمل أن ينمحي قريبا تقسيم العالم إلى دول حتى لا يبقى فيه إلا شعب واحد نسميه «الجنس البشري». لكن هذه الإيماءة «الضمنية» التي حاولت على استحياء أن تصوغ مبادئ الحرية والإخاء والمساواة صياغة عالمية شاملة لم تحظ برضا بعض الساسة والمفكرين خارج فرنسا ذاتها، فهاجموا الإعلان الفرنسي وواضعيه، وزعموا أن مبادئ ذلك الإعلان، ولا سيما مبدأ المساواة، مستحيلة التطبيق، بل أسطورة من الأساطير».

وهذا ما برز بعد ذلك من معايير ومقاييس متناقضة، تجاه حقوق الجنس البشري، وكيف أن بعض الشعوب لا تحظى بهذه الحقوق، ولا يتم الاعتراف بها بأي صياغة قانونية وإنسانية لازمة، والدليل على ذلك، كما يرى د. صبحي صالح: «أن الإعلان العالمي المذكور آنفا شجب العبودية والاستعمار، وأقر المساواة والعدل لكل بني البشر وحق كل شعب من الشعوب في تقرير مصيره ... لكن هذه المبادئ لم تجد التطبيق. فبعد جلاء الاستعمار البريطاني عن فلسطين حل محله الاستعمار الصهيوني، وبقيت دول عديدة تحت الاستعمار حتى ناضلت واستطاعت أن تنال استقلالها بالمقاومة وليس بالإعلان العالمي إياه»!

فلن تتحقق حقوق الإنسان في عصرنا الراهن، بالصورة الملزمة للجميع، إلا بإزالة الفكرة السلبية التي رهنت قضية الحقوق، بأن جُعلت تخضع للتناقضات الفكرية والمعايير المزدوجة، وغياب العدل الذي هو التجسيد الحي لمسألة التطبيق الصحيح البعيد عن الأهواء والرغبات، لبعض الدول الكبرى، التي جعلت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مجرد صيغة فضفاضة غير ملزمة في الواقع المعاش بالصورة الواقعية المرجوة. إذن قضية حقوق الإنسان فكرة رائدة، إن طُبقت وأصبحت ملزمة للجميع بلا محاباة وانحياز، لطرف دون آخر، أو شعوب دون أخرى، ولن تنعم الإنسانية بالسلام والاستقرار والوئام، إن بقيت حقوق الإنسان مُهدرة ومتروكة وخاضعة للإيديولوجيات والمحاور والتحيزات، فالبشرية على مدى قرنين لا تزال تعيش الاضطراب والتوتر والحروب الصغيرة والكبيرة، بسبب المعايير الدولية غير العادلة، وغياب العدل القائم على الجميع، فهل نرى في قرار محكمة لاهاي الأسبوع الماضي، خطوة في طريق المعايير العادلة والمنصفة تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، والشعوب المظلومة الأخرى؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإعلان العالمی لحقوق الإنسان حقوق الإنسان هذا الإعلان فی الواقع

إقرأ أيضاً:

سياحة النواب: الملف المصري في حقوق الإنسان أصبح مرجعية ونموذجًا

كتب- نشأت علي:

قالت النائبة نورا علي، رئيس لجنة السياحة بمجلس النواب، إن ملف حقوق الإنسان في مصر يحظى باهتمام بالغ من قبل الرئيس السيسي الذي جعل منه ركيزةً أساسيةً نحو تحقيق التنمية المستدامة.

وأوضحت نورا علي، أن الملف المصري في حقوق الإنسان أصبح مرجعية ونموذجًا حقيقيًا في كيفية تحرك الدول لتعزيز حقوق مواطنيها وتحقيق العدالة الاجتماعية.

وأكدت أن العشر سنوات الماضية كانت بمثابة نقطة تحول حقيقية ومتفردة في هذا الملف الحيوي الذي نجحت فيه مصر باقتدار بالغ بفضل إرادتها السياسية والوطنية وقيادتها الحكيمة.

وأشارت إلى أن القيادة السياسية فتحت الكثير من الملفات الشائكة واخترقت الكثير من التشريعات المهملة منذ عشرات السنوات، وأنه لولا وجود إرادة سياسية حقيقية لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من استقرار وأمن وبنيان داخلي متماسك يعمل فيه المؤيد والمعرض جنبًا إلى جنب من أجل خدمة الوطن.

وأوضحت أن احترام حقوق الإنسان وتعزيز كرامة المواطن يمنح الأفراد القدرة على تطوير قدراتهم وتحقيق أهدافهم ويدعم جهود الدولة في بناء الجمهورية الجديدة، بجانب أن دمج المعفو عنهم من السجون في المجتمع من جديد من أنبل آليات تعظيم مبادئ حقوق الإنسان.

وتابعت: "لم تعد حقوق الإنسان في مصر مقتصرة على الحق في المعيشة فقط ولكن أصبحت أكثر شمولًا فضمت الحق في تعليم متميز وخدمة صحية أفضل وغيرها الكثير والكثير".

النائبة نورا علي لجنة السياحة بمجلس النواب حقوق الإنسان الرئيس السيسي

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الخبر التالى: نشرة التوك شو| تطوير مبنى 4 بمطار القاهرة وحماية المستهلك تُطلق مبادرة "تجارة إلكترونية مُنضبطة" الأخبار المتعلقة حدث في 8 ساعات| الحكومة تستعرض مميزات قانون المسؤولية الطبية.. وقرار أخبار الرئيس السيسي يطلع على موقف تطوير منظومة الطيران المدني أخبار حدث في منتصف الليل| رسائل السيسي خلال تفقده أكاديمية الشرطة.. والأرصاد أخبار علي الدين هلال: الشفافية والمصارحة وسيلة فعالة لمواجهة الشائعات والأكاذيب أخبار أخبار مصر "سياحة النواب": الملف المصري في حقوق الإنسان أصبح مرجعية ونموذجًا منذ 17 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر نشرة منتصف الليل| رئيس العاصمة الإدارية يرد على الانتقادات.. ومبادرة منذ 3 ساعات قراءة المزيد أخبار مصر نشرة التوك شو| تطوير مبنى 4 بمطار القاهرة وحماية المستهلك تُطلق مبادرة منذ 3 ساعات قراءة المزيد أخبار مصر رئيس حماية المستهلك: إطلاق مبادرة "تجارة إلكترونية مُنضبطة" لتعزيز منذ 5 ساعات قراءة المزيد أخبار مصر خالد عباس لمنتقدي العاصمة الإدارية الجديدة: هل كنا نسيبها صحراء؟ منذ 5 ساعات قراءة المزيد أخبار مصر بالصور.. موقف إنساني من شيخ الأزهر تجاه تلميذ أثناء افتتاح معهد بالأقصر منذ 5 ساعات قراءة المزيد

إعلان

إعلان

أخبار

"سياحة النواب": الملف المصري في حقوق الإنسان أصبح مرجعية ونموذجًا

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك للإعلان كامل للإعلان كامل 21

القاهرة - مصر

21 13 الرطوبة: 59% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • الإعلان عن قائمة أفضل الرياضيين الشباب في العالم.. هذا ترتيب أردا غولر
  • حصيلة الإعدامات في السعودية لعام 2024 الأعلى منذ عقود
  • حزب العدل ينظم مائدة مستديرة عن تعزيز المشاركة المجتمعية
  • حقوق الإنسان بالنواب: قرار العفو عن 54 من أبناء سيناء مهم جدا
  • مفوضية السجناء بالبحرين: حريصون على التعاون مع مصر في مجالات حقوق الإنسان
  • "بسيوني": الشائعات تهدف إلى التأثير على الصورة التي تقدمها مصر في مجال حقوق الإنسان
  • حقوق الإنسان تحصي حالات الانتحار في ديالى وتحمل الربا المسؤولية
  • سياحة النواب: الملف المصري في حقوق الإنسان أصبح مرجعية ونموذجًا
  • الكلاب وجثث الفلسطينيين والعدالة الدولية
  • د.رضا مراد لـ " الوفد" : الكوتة النسائية هي الحل الأمثل في المجتمعات النامية