هوامش ومتون :عبدالوهاب الحلّي.. ذاكرة لا يمحوها التراب
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
في أمسية شعرية أقيمت في السفارة العراقية بمسقط، مشى إلى المسرح بخطى بطيئة متكئا على عصاه، لكنّ الرجل الثمانيني حين بدأ إلقاء قصائده لم يفرش أمامه ورقة، بل استعان بذاكرة كثيرا ما ردّدت قصائد الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي لازمه سنوات، وكان يحفظ شعره ويرويه، فتجلّى في تلك الليلة، وعاد إلى عشرينياته.
ذلك الشاعر هو عبدالوهّاب كريم الحلّي، الذي غادر عالمنا مؤخرا بعد سنوات طويلة من العمل في سلك التعليم، وخلال تلك الرحلة تخرّج على يديه مئات الطلبة في بغداد وعدن ومسقط التي عمل فيها حوالي عشرين سنة مديرا لمدرسة (عُمان الخاصّة)، وكان عاشقا للغة العربية، بدأ هذا العشق من دراسته في النجف الأشرف والحلّة في العراق، وتتلمذه على أيدي أساتذة أجلّاء في مجالس الأدب، وكان الأساتذة، كما كان يقول، يولون دراسة الأصوات عناية بالغة، وكذلك توالف الألفاظ والنسج اللغوي والصورة الشعرية، وعزّز هذا العشق ممارسته التدريس في المرحلة الثانوية أستاذا لمادّة اللغة العربية، على مدى ثلاثين سنة، وتبحّره في الشعر العربي القديم، فكانت آراؤه حجّة في النحو والصرف وعروض الشعر العربي، كذلك كانت تجربته الحياتية غنية بالأحداث الثقافيّة، فلقد عايش مرحلة شعرية مهمة، وشهد بدايات ظهور حركة تجديد الشعر العربي في الخمسينيات -فهو من جيل الدكتور علي جعفر العلاق وحسين الرفاعي والدكتور سعيد الزبيدي- وكان السياب والبياتي يمثلان تيارا جديدا في الشعر، آنذاك، فوقف على ضفاف هذا التيار، مراقبا المشهد وكثيرا ما كان يجلس مع السيّاب في مقهى (الفرات)، والبياتي في مقهى (البرازيلية)، ولم تكن تربطه علاقة مباشرة معهما، مثلما كانت مع الجواهري الذي التقى به للمرّة الأولى حين زار مدينته الحلة أواخر الأربعينيات، وبعد تخرّجه تمّ، تعيينه مدرّسا بمدرسة الأرمن الشرقية ببغداد، فكانت فرصة للاقتراب من الوسط الثقافي ولقاء الشاعر محمد مهدي الجواهري عن قرب، وكان يرتاد مقهى حسن عجمي، فيعرض عليه الأدباء الشباب تجاربهم، وكان الحلّي من بينهم، وكانوا، في تلك المرحلة عقب الحرب العالمية الثانية، يفضّلون الشعر الوطني على سواه، نظرا للحراك السياسي والاجتماعي الذي كان سائدا، فكانوا يحفظون الأشعار الوطنية وفي مقدمتها أشعار الجواهري، عن ظهر قلب، وعن تلك المرحلة كان يروي أنه حفظ قصيدة (بريد الغربة) التي مطلعها:
مَنْ لهمٍّ لا يُجارى ولآهات حيارى
بعد نشرها بساعات قليلة وهي التي تزيد على 160 بيتا، وكان أصدقاؤه يمسكون بالجريدة ويتابعونه، وهو يلقيها دون أي خطأ، فذاع صيته.
فكان يروي أشعار الجواهري إلى جانب مجموعة من الأساتذة من بينهم: عبدالغني الخليلي والدكتور عبدالكريم الدجيلي ورشيد بكتاش وآخرون، فتوثّقت علاقته بالشاعر الكبير. يذكر الدكتور سعيد الزبيدي الذي زامل الحلي أيام الدراسة الجامعية «إن الجواهري عندما كان يلقي قصائده كان الحلي يعينه على تذكرها من مكانه بين الجمهور»
وبقي ملازما له حتى مغادرته العراق إلى براغ عام 1979م.
ومن يقرأ شعر الحلّي يلاحظ تأثّره بشعر الجواهري الذي ينتمي إلى المدرسة النجفية الكلاسيكية وهي مدرسة شعرية تتميز بالرصانة والبناء الشعري المتين، وربما هذا التأثّر الواضح في النسج والصياغة الشعرية جعله يتردّد في نشر شعره، يقول في إحدى قصائده:
دعي التشاغل بالعتبى فحيينا
عدنا بقايا شخوص من ليالينا
عدنا رماد طماح تحتها انكفأت
رغائب العمر نضريها وتضرينا
عود لمغناك لا ألف يقاسمنا
بعض الذي يغتلي من لاعج فينا
فبعض بعض الذي نخفي مكابدة
أنا نعيش اغترابا بين أهلينا
إذا ضحكنا جفانا كل مبتئس
وإن بكينا عدمنا من يواسينا
ونسرج الجرح للساري فإن دلجت
تسري على لمع سكين عوادينا
وتناول في شعره عدّة أغراض، من بينها الغزل، ففي قصيدة حملت عنوان (قيثار الهوى) يقول:
ولرب قائلة كبرت ولم تثب
أنّى وكيف عن الغواية تردع؟
أنا يا ابنة العشرين نبع صبابة
وضرام لذّاتٍ تشب وتولعُ
خُلقت جفوني للسهاد ملاعبا
وبمقلتيّ لكلّ نجم مخدع
جُبلت خطاي على الضياع فوقعها
فوق الدروب تشرّدٌ وتسكّع
وقد بذلنا محاولات كثيرة لإقناعه بنشر شعره لكنّه كان يأبى ويقول «أين قصائدي من شعر الجواهري، وبقيّة العمالقة !؟»، فرحل بصمت حاملا معه ذاكرته التي دوّن عليها أشعاره، ليعيد إلى الذهن قول الجواهري:
لغز الحياة وحيرة الألباب
أن يستحيل الفكر محض تراب
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بعد رحيل محمد رحيم.. كيف وصلت أغنيته مع شيرين عبدالوهاب للعالمية؟
رحل عن عالمنا في الساعات الأولى من صباح اليوم، الملحن محمد رحيم، وهو ما شكل صدمة للوسط الفني والغنائي على حد سواء، بعد تعرضه لذبحة صدرية.
وكان «رحيم» يعاني من أمراض في القلب خلال الفترة الماضية، وأجرى عملية جراحية لتركيب قسطرة بالقلب، وبعدما استقرت حالته الصحية في الفترة الأخيرة، توفى بشكل مفاجئ.
تفاصيل وصول أغنية شيرين عبدالوهاب للعالمية بتوقيع محمد رحيموكان الملحن محمد رحيم، أوضح في تصريحات سابقة لـ«الوطن» أنّ أغنيته «الوتر الحساس» مع المطربة شيرين عبدالوهاب، وصلت إلى العالمية باللغة العربية دون أن تُترجم إلى عدة لغات كما هو متبع في الكثير من الأغاني التي تُعرض على المستوى الدولي، مؤكدًا أنّ هذا كان هدفًا له وقد تحقق بنجاح، وأن الأغنية تخطت حاجز الـ300 مليون مشاهدة.
وأضاف محمد رحيم أنه تعاون في أغنية «الوتر الحساس» مع الشاعر سعود شربتلي، بالإضافة إلى أغنية «صبري قليل» التي دخلت بها شيرين عبدالوهاب موسوعة جينيس للأرقام القياسية، وحصلت على المركز الأول في قائمة Billboard.
أبرز الفنانين الذين تعاونوا مع الملحن محمد رحيماشتهر الملحن محمد رحيم بتعاونه مع أشهر المطربين في مصر والوطن العربي، من بينهم عمرو دياب، شيرين عبدالوهاب، الكينج محمد منير، محمد حماقي، تامر حسني، إليسا، نانسي عجرم، مصطفى قمر، هشام عباس وآخرين.