البحر الأحمر وجبروت الجغرافيا
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
لا شيء يلفت الانتباه على طول الطريق الممتد لأكثر من 120 كيلومترًا من العاصمة جيبوتي إلى بحيرة العسل Lake Assal سوى قطعان القرود المتربصة بخيام البدو المتناثرة في أرجاء صحراء تمتد في كل الاتجاهات، رملٌ من بعده رمل ومن تحته رمل.. لا شيء غير الرمل والجفاف والشمس الحارقة.
تشن القرود حملات سطو خاطفة على خزين البدو من الطعام والماء وعندما تُعييها الحيلة تشاغل قوافل المسافرين طمعًا في ثمرة فاكهة أو زجاجة ماء.
تقع البحيرة غرب خليج تاجورة المطل بدوره على خليج عدن. من الجانب الاقتصادي يقصد السياح البحيرة للتمتع بمشاهد تَقَلُب ألوانها في ضوء الشمس تأثرًا بتغير مستويات تركيز الملح على مدار الساعة، ومن جانب آخر مصدرًا رئيسيًا لتصدير أحد أفخر أنواع الملح المعدنية في العالم.
اكتسبت البحيرة اسمها العربي تحريفًا للكلمة الفرنسية Lac Salé، والتي تنطق أقرب لكلمة “عسل” بالعربية، بينما معناها “بحيرة الملح”!!.
يُشعرك الوقوف على حافة الخليج والنظر إلى الجانب اليمني المقابل بجبروت الجغرافيا، فهناك وعلى بعد مائة كيلو متر يقع باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الممتد بطول 1900 كيلومتر كأنبوب يمتد قرناه؛ ذات اليمين حيث خليج العقبة بالمملكة الأردنية، وذات الشمال حيث خليج السويس في مصر.
ترتبط جيبوتي واليمن بثقافات مشتركة أبرزها عادة مضغ وتخزين القات بين الرجال والنساء، حيث ينتشر عرضه في الأسواق الشعبية على نحو يشابه بيع الفجل والجرجير في مصر؛ تراه مرصوصًا على أقفاص من الجريد أو البلاستيك ومُغطىً بقماش من الخيش الـمُنَدَى بالماء للحفاظ على طراوته، ولأسباب ربما ترجع للعادات والتقاليد، تستأثر النساء بتجارة القات بينما يكتفي الرجال بمضغه وتخزينه!!.
كذلك، وعلى نحو بدائي تستحوذ النساء أيضًا على أعمال الصيرفة؛ أو استبدال العملات، حيث يفترشن أرض السوق ونواصي الشوارع وأمام كل منهن صندوق متواضع أو جوال لحفظ العملات.
حياة بالغة البساطة والتواضع لا تتناسب مع ثراء جغرافي أغرى العديد بإقامة قواعد عسكرية تُشرف من خلالها على أحد أهم المسارات البحرية الاستراتيجية وكذلك الجانب اليمني الملتهب صباحًا والمشتعل ليلاً.
وكأن اليمن على عهد مع عدم الاستقرار، منذ اضطرابات المملكة المتوكلية ومقتل الإمام يحيي حميد الدين، وتولي ابنه أحمد، ثم أخيه محمد البدر، فقيام الثورة والتحول إلى الجمهورية وتولي عبد الله السلال الرئاسة، انتهاءً بعلي عبد الله صالح ومقتله على يد حلفاءه الحوثيين.
من يملك الشاطيء يملك البحر.. ويقول التاريخ أن من يتجاهل الجغرافيا يخسر..
اجتاحت القوات الألمانية مدينة ستالينجراد الروسية في صيف 1942، وأجبرتها الجغرافيا والصقيع في فبراير 1943 على الانسحاب.
وفي ديسمبر 1979 أمر الرئيس الروسي ليونيد بريجينيف قواته باحتلال أفغانستان، خوفًا من تحول ولائها إلى أمريكا، استمرت الحرب عشر سنوات تكفلت خلالها الجغرافيا الجبلية والمجاهدون والإمدادات الأمريكية بإعاقة تحقيق السيطرة الكاملة، فاضطر خلفه ميخائيل جورباتشوف إلى الانسحاب في فبراير 1989.
اليوم، تترصد الصواريخ والمسيرات الحوثية بالسفن العابرة للبحر الأحمر مهددة أكثر من 12% من التجارة العالمية المارة من قناة السويس، فضلاً عن صادرات الخليج النفطية إلى أوروبا وأمريكا.
تحويل مسارات السفن إلى رأس الرجاء الصالح يُضيف أكثر من 40% إلى تكاليف الشحن، فضلاً عن ارتفاع قيمة التأمين، والتأثيرات السلبية على اقتصادات دول المنطقة كافة.
هناك دول تعطل فيها الزمن.. بالقياس لم تختلف الحياة في اليمن كثيرًا خلال المائة عام الماضية.. فغاية ما يبحث عنه اليمني بعد ما يفرغ من إطلاق صواريخه حزمة قات تاركًا الكلمة الأخيرة للجغرافيا.
د. محمد مصطفى الخياط – بوابة الأهرام
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الحكومة الشرعية تحذر من ''فخ حوثي'' في البحر الأحمر وخليج عدن
حذرت الحكومة اليمنية الشرعية الشركات المالكة والمشغّلة للسفن، إضافة إلى شركات الشحن والتأمين، من الاستجابة للدعوة التي وجهها ما يسمى "مركز تنسيق العمليات الإنسانية (HOCC)" التابع لمليشيا الحوثي التابعة لإيران، للمشاركة في ندوة نقاشية عبر الإنترنت حول "أمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن".
وقال وزير الإعلام معمر الإرياني أن هذه الجماعة التي تعد من أبرز التهديدات لحركة الملاحة التجارية العالمية؛ تحاول تقديم نفسها اليوم كخبير في "أمن البحر الأحمر".
واضاف: ''تأتي هذه الدعوة في وقتٍ تواصل فيه مليشيا الحوثي الإرهابية، منذ قرابة العام، تصعيد تهديداتها ضد حركة الملاحة البحرية، فقد شنوا مئات الهجمات باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى القوارب الملغمة إيرانية الصنع، وأسفرت هذه الهجمات عن تدمير سفن تجارية، ومقتل العديد من البحارة، والاستيلاء على سفن أخرى، في تحدٍ صارخ للقوانين البحرية الدولية''.
وكشف تحقيق لمنظمة InPact السويسرية أن الهجمات الإرهابية التي شنّتها مليشيا الحوثي ضد حركة الملاحة البحرية كانت تحت إشراف "مركز تنسيق العمليات الإنسانية" (HOCC)، الذي أنشأته المليشيا في فبراير 2024، ويخضع مباشرة لإشراف المدعو مهدي المشاط، ويديره المدعو أحمد حامد مدير مكتب المشاط.
ووفقاً للتحقيق، يعمل "مركز تنسيق العمليات الإنسانية" على تحديد الشركات المسموح لسفنها بالعبور عبر الممرات المائية المحاذية لليمن، وبالأخص مضيق باب المندب، كما يشارك المركز في تحديد الأهداف وتنسيق الهجمات ضد السفن التجارية وناقلات النفط، في محاولة لاضفاء طابع مؤسسي على حرب العصابات التي تشنها المليشيا ضد الملاحة البحرية
ووجه المركز رسائل تهديد مباشرة عبر البريد الإلكتروني لملاك السفن وشركات الشحن ونقابات البحارة الرئيسية، مهددا بمنعها من عبور البحر الأحمر إذا لم تلتزم بإملاءات المليشيا الحوثية، كما يوفر للسفن وسائل للتواصل المباشر مع المنظمة عبر أجهزة الاتصال الإذاعي، أرقام هواتف، وعناوين بريد إلكتروني
ووفق الإرياني؛ تحاول مليشيا الحوثي استغلال هذه الندوة لتضفي شرعية على أنشطتها الإرهابية، والترويج لنفسها كلاعب رئيسي في مجال "أمن الملاحة"، تحت غطاء "الندوات الإنسانية"، إنها محاولة بائسة تهدف إلى التمويه على أفعالهم العدوانية التي تسببت في مقتل العديد من الأبرياء، وهددت الاقتصاد العالمي في أحد أهم ممرات التجارة البحرية الدولية
واكد أن الوقوع في فخ هذه الدعوات المضللة التي تطلقها المليشيا الحوثية المُصنفة كـ "منظمة إرهابية" في عدد من الدول، بينها (الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، أستراليا، ونيوزيلندا)، يعرض الجهات التي تتعامل معها للمسائلة القانونية، هذه المليشيا لم تكتفِ بتهديد أمن البحر الأحمر فقط، بل أصبحت أداة بيد إيران لتمرير أجندتها التدميرية وتعزيز مصالحها الاستراتيجية في المنطقة
وطالب المجتمع الدولي بالتوحد في مواجهة مليشيا الحوثي واتخاذ موقف حاسم ضد هذا المشروع الإرهابي التخريبي، من خلال التصنيف الفوري للمليشيا كـ "جماعة إرهابية عالمية"، وملاحقة قياداتها أمام المحاكم الجنائية الدولية على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبوها بحق المدنيين، بالإضافة إلى أنشطتهم الإرهابية التي تمثل انتهاكا سافرا للقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية".