غياب العدالة الضريبية.. أبرز تداعيات موازنة 2024 في لبنان
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
بيروت- خلافا لما عهده اللبنانيون في السنوات السابقة، أقر البرلمان اللبناني قانون موازنة عام 2024، ضمن المهلة الدستورية. وبانتظار توقيع مرسومها في الحكومة، بأول جلسة تعقدها، يُجمع خبراء اقتصاديون على أنها موازنة بلا رؤية اقتصادية، ولا تتضمن إصلاحات جذرية تنقذ لبنان من قعر الانهيار، في ظل شلل مؤسسات الدولة وشغور رئاسي مستمر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، ومخاطر اندلاع الحرب تلوح من الجبهة الجنوبية بين حزب الله وإسرائيل.
ومجددا، تكرس موازنة 2024 "غياب العدالة الضريبية"، عبر ارتكاز معظم إيراداتها على الضرائب غير المباشرة التي تطال عموم المواطنين، خصوصا أن جزءا كبيرا من نفقات الموازنة يذهب لأجور وراتب موظفي القطاع العام. ويبلغ عدد هؤلاء نحو 210 آلاف عامل مدني، ونحو 120 ألفا عسكريا، وسبق أن طالب صندوق النقد الدولي بإعادة هيكلة القطاع العام، كأحد شروط نجاح المفاوضات مع لبنان، التي تعثرت منذ توقيع اتفاق على مستوى موظفين قبل عامين.
أبرز بنود الموازنةجاء إقرار قانون موازنة 2024، في 26 يناير/كانون الثاني الجاري، من دون قطع حساب، بعد يومين من سجالات حادة داخل البرلمان بين النواب، وبعد إدخال تعديلات على المشروع المعدل من لجنة المال والموازنة البرلمانية.
يشير مراقبون إلى أن الموازنة شكليا ساوت الإيرادات بالنفقات، ليكون عجزها 0%، لكنها أبقت على تعددية واسعة بأسعار صرفها. ويبلغ سعر الصرف الرسمي 15 ألف ليرة منذ العام الماضي (بعدما كان لـ3 عقود 1507 ليرات)، في حين سعر الصرف في السوق السوداء يتجاوز 89 ألفا.
ويرى المراقبون أنه فيما لم تلحظ الموازنة كيفية معالجة الدين العام وإعادة هيكلته، وهو يتجاوز 100 مليار دولار، فإنها لم تتناول أيضا إجراءات تساعد بمعالجة خسائر الجهاز المصرفي، والذي قدره لبنان رسميا في 2021 بنحو 70 مليار دولار. ورمى البرلمان عند إقرار موازنة 2024 مسؤولية إعادة تحديد سعر صرف الودائع على حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري.
وركزت الموازنة على تعزيز إيراداتها من الضرائب غير المباشرة، حيث ارتفعت عشرات الأضعاف بالليرة لتتماشى مع سعر صرف الدولار بالسوق السوداء. وطالت معظم المعاملات الأساسية للمواطنين، مثل الرسوم البلدية والسفر وإخراجات القيد ومختلف ضرائب الاستهلاك والخدمات العامة.
وفيما فرضت الموازنة غرامات استثنائية بنسبة 17% على المستفيدين من منصة "صيرفة" من غير الأفراد، كان لافتا إقرار البرلمان لرفع الضريبة المفروضة على شركات الأموال من 17 إلى 25%، إضافة إلى فرض ضريبة على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة مثل السندات والأسهم، التي يملكها مقيمون خارج لبنان.
خلفيات وتداعيات موازنة 2024المفارقة الأهم في موازنة 2024، من وجهة نظر الصحفي والخبير الاقتصادي علي نور الدين، هي أنه لأول مرة منذ 20 عاما، تحيل الحكومة مشروع الموازنة إلى البرلمان ضمن المهلة الدستورية. لأنه في حالة الشغور الرئاسي والخلاف القانوني حول مشروعية التشريع، "إذا لم يصوت البرلمان عليها، أو أسقطها أو عدلها بحلول نهاية هذا الشهر، كان يمكن للحكومة إقرارها كما هي بموجب مرسوم".
ويقول نور الدين للجزيرة نت إن الحكومة أرسلت الموازنة بسلة ضريبية ضخمة، ثم أجرى البرلمان بعض التعديلات عليها "علما أن معظم القوى فيه ممثلة بالحكومة، فأخذت جلساتها طابعا استعراضيا وشعبويا".
ويعتبر نور الدين أنه رغم صعوبة وتداعيات رفع الضرائب غير المباشرة على الناس، كان هناك حاجة ماسة لمثل هذه الإجراءات تماشيا مع قيمة الليرة الفعلية بالسوق.
لكن المشكلة برأيه، أن التصحيح الضريبي لم يأت ضمن خطة إصلاحية ورؤية مالية، بل بدت الموازنة عبارة عن رؤية محاسبية لتغطية الحد الأدنى من النفقات بالحد الأدنى من الواردات.
وهنا، يعتبر المحامي والخبير الضرائبي كريم ضاهر، في حديث للجزيرة نت، أن لجوء السلطة لتعزيز وارداتها بالضرائب غير المباشرة، هي الوسيلة الأكثر كسلا والأكثر ضررا والأقل عدلا بحق عموم المواطنين، ولا تخدم مصلحتهم ما دامت أنها لا تترافق مع رفع مستوى الخدمات والحماية الاجتماعية. ويقول "إن الضرائب غير المباشرة تشكل أكثر من 75% من إجمالي الضرائب بلبنان، في حين الضرائب المباشرة لا تتجاوز 15%، وهذا يعني أنه إعفاء متعمد لأصحاب الثروة والرساميل من تسديد الضرائب بصورة عادلة مقابل تعزيز قدرتهم على التهرب الضريبي". كما يعتبر أن عدم إرفاق الموازنة بقطع حساب، سيسمح بغياب الشفافية عند تأمين إيراداتها وتسديد نفقاتها.
ومع ذلك، يجد ضاهر أن رفع الضريبة على شركات الأموال إلى 25%، كسر نوعا ما لـ"لوبي المصارف والصرافين"، خصوصا أنه ارتبط بفرض ضريبة على أرباح المستفيدين من منصة "صيرفة".
والمشكلة بالموازنة، وفق ضاهر، أنها عبارة عن إجراءات بالقطعة، من دون دراسة ترتكز على أسس علمية، ويقول إن "دور الدولة يتمحور حول حماية المجتمع والاقتصاد، وزيادة الثروة وحسن توزيعها، وهذه 4 بنود لا تحققها الموازنة".
انعكاساتويعتبر الخبير الاقتصادي منير يونس أن رفع الضرائب بلغ نحو 46 ضعفا في هذه الموازنة، بغية تصحيح الرسوم القديمة قبل انهيار الليرة ولمجاراة التضخم. ومع ذلك، لا يمكن وصفها بالموازنة الإصلاحية، لأن تسديدها سيكون من جيوب المواطنين بعدما طال الفقر نسبة 85% منهم، وفق تقديرات أممية. ويفند يونس أثر الموازنة على الناس وفق التالي:
أصحاب المداخيل بالليرة، وهم عموم الشعب، ستزيد أعباؤهم الضريبة 46 ضعفا من دون تصحيح جوهري بالرواتب والأجور، وتحديدا لدى موظفي القطاع العام. أصحاب المداخيل المدولرة أو الذين يتقاضون بالدولار، وهم نسبة قليلة من اللبنانيين لن يتأثروا كثيرا بالزيادات الضريبية، مقابل تراجع قدرتهم على الادخار. المتهربون ضريبيا، هم الأكثر استفادة من هذه الموازنة كما سابقاتها.وبالتوازي، يجد علي نور الدين أن الموازنة الحالية لا تستعيد فعالية وانتظام دور القطاع العام، كما أنها لم تتطرق لمصير المصارف والودائع، وتركت إدارتها للمركزي، مع ربطهما بقانونين منتظرين بالبرلمان، قانون استعادة الانتظام بالقطاع المالي، وقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
في حين، يعتبر كريم ضاهر أن الحكومة والبرلمان لا يملكان أساسا خطة لرد الودائع، فيما "الموازنة لم تلب مختلف طلبات صندوق النقد الدولي، بعدما صار الاتفاق معه، في ظل الوضع الحالية، حدثا صعب المنال".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القطاع العام موازنة 2024
إقرأ أيضاً:
جوتيريش يؤكد أهمية عمليات العدالة الانتقالية والمصالحة الشاملة في سوريا
أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، على أهمية وإلحاح عمليات العدالة الانتقالية والمصالحة الشاملة والشفافة من أجل تحقيق السلام المستدام في سوريا.
وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الأمين العام جدد التعبير عن قلقه إزاء تصاعد التوترات بين المجتمعات في سوريا، قائلا إن إراقة الدماء يجب أن تتوقف فورا، وينبغي محاسبة مرتكبي الانتهاكات ومعالجة مخاوف المجتمعات السورية بطريقة هادفة.
ودعا أمين عام الأمم المتحدة جميع الأطراف إلى حماية المدنيين ووقف الخطابات والأفعال التحريضية، في وقت تكافح سوريا مع إرث 14 عاما من الصراع وأكثر من خمسة عقود من الحكم الاستبدادي.
وأوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة بأن الأمين العام أحيط علما بإعلان سلطات تصريف الأعمال عن تشكيل لجنة تحقيق وكذلك لجنة للحفاظ على السلم الأهلي.
وأشار دوجاريك إلى أنه في سياق التضليل واسع النطاق والتوترات المتزايدة، سلط الأمين العام الضوء أيضا على الحاجة إلى ضمان وحماية المساحة المتاحة لوسائل الإعلام المستقلة ومنظمات حقوق الإنسان للقيام بعملها في الرصد والتحقق وإلقاء الضوء بطريقة شفافة على التقارير والادعاءات.
وأوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسون أطلع أعضاء مجلس الأمن في مشاورات مغلقة على هذه التطورات. مضيفا أن بيدرسون على استعداد لدعم الجهود الرامية إلى انتقال سياسي شامل يملكه ويقوده السوريون، وفقا للمبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015.
وذكر المتحدث باسم الأمم المتحدة بأنه في وقت سابق مطلع هذا الأسبوع، حث المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا آدم عبد المولى، والمنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية رامناتن بالكرشنن، جميع الأطراف على حماية الناس والبنية الأساسية والسماح بتسليم المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا إن تصعيد العنف في سوريا يؤثر بشدة على المدنيين والبنية الأساسية المدنية.
اقرأ أيضاً«جوتيريش»: العمليات الإسرائيلية وصلت إلى مستوى غير مسبوق من الدمار في غزة
جوتيريش يدعو إلى استئناف تدفق المساعدات إلى قطاع غزة فورًا
جوتيريش يدين اقتحام الشرطة الإسرائيلية مدارس تابعة للأونروا في القدس