قضية فلسطين إلى محكمة العدل الدولية
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
حمد الناصري
في قرارها الأوّلي بشأن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل وتتهمها فيها بارتكاب "إبادة جماعية" في قطاع غزة، طلبت محكمة العدل الدولية الجُمعة من الدولة العِبْرية "منع ومعاقبة" التحريض على الإبادة، وإدخال مُساعدات إلى القطاع المُحاصر. فيما تُعتبر الأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية التي تبتّ في النزاعات بين الدول، مُبرمة ومُلزمة قانوناً .
ويُعتبر هذا القرار نصراً لقضية فلسطين وأوّل هزيمة مُنكرة لإسرائيل في المحافل الدولية فهو إضافة لإدانته لجرائم إسرائيل فقد اعْترف بدولة فلسطين وبمُعاناة شعبها من جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
وكدأب سَلطنة عُمان ومواقفها المُشرفة سارعت بالترحيب بهذا القرار التأريخي مُعَبّرة مرة أخرى عن صلابة وثبات مَوقفها الأصيل تّجاه القضية الفلسطينية إلى جانب شقيقتها دولة قطر الشقيقة في مواقف راسخة لدعم القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مَصيره وإقامة دولته المُستقلة والعيش على أرضه وتُرابه بالأمن والأمان، والعِزة والكرامة وعاصمته القدس الشرقية وفق حدود ما قبل الرابع من حزيران/ يونيو 1967 أو ما يُعرف عربياً بالنّكسة .
وبحثَ القُضاة الذين تمّ تعيينهم بطلب مُستعجل لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ووقف أيّة أعمال إبادة جماعية وتجريم الأفعال القبيحة الإسرائيلية وفق أدلّة مرفوعة إلى القُضاة الـ 15 بالنظر في أول قضية ضِد الكيان الصهيوني الغاشم بقيادة القاضية الأمريكية "جوان دونوغو" من مواليد 1957 والتي انْتُخِبت في 2021 لتكون رئيسة لمحكمة العدل الدولية، كأول امرأة أمريكية رئيسة لمحكمة العدل الدولية.
وقد قام فريق من ٦٠٠ مُحامي بتقديم الأدلة والبراهين على ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة الجماعية علماً بأنّ المحكمة رفضت في وقت سابق الْتماس الجانب الإسرائيلي بإلغاء القضية وهذا وحده يُعتبر إنجازا لأول مرة ضد إسرائيل.
وكان لافتاً تصويت القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي التي عارضت جميع التدابير المؤقتة الـ6 التي فرضتها المحكمة، بما في ذلك تدبيران حظيا بموافقة زميلها الإسرائيلي القاضي أهارون باراك.
وأعلنت محكمة العدل الدولية قبولها النظر بدعوى جنوب أفريقيا التي تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية، وقضت بأنّ الشروط مُتوفرة لفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة وتوفير الاحتياجات الإنسانية المُلحة فوراً، لكن هذه التدابير لم تتضمن الأمر بوقف إطلاق النار، وهو المطلب الرئيسي لبريتوريا.
وحسب نص القرار الذي نشرته المحكمة، يتعين على إسرائيل الالتزام بـ6 تدابير مؤقتة، من بينها الامتناع عن القتل والاعتداء والتدمير بحق سُكان غزة وضَمان توفير الاحتياجات الإنسانية المُلحة في القطاع بشكل فوري.
وجاءت نتائج التصويت بالمُوافقة حيث تمّ اعتماد 4 من هذه التدابير بموافقة 15 من القضاة الـ17، بينما عارضها القاضي الإسرائيلي والقاضية الأوغندية.
وانفردت القاضية الأوغندية سيبوتيندي بمعارضة اثنين من التدابير رغم مُوافقة بقية أعضاء اللجنة بمن فيهم العضو الإسرائيلي، وهُما إجراءان يتعلّقان بمطالبة إسرائيل بالعمل فوراً على ضَمان وصُول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ومنع التحريض المُباشر على إبادة الفلسطينيين في القطاع ومُعاقبة المحرضين.
وفي تعبير عن مرارة الهزيمة والإحساس بالخطر هاجم نتنياهو، القرار، وقال إنّ " الادعاء بأن إسرائيل تنفذ جريمة إبادة شعب هو ليس كذباً فحسب، بل مثيراً للانتفاض. واستعداد المحكمة للتداول فيه هو وصمة عار لن تُمحى لأجيال» فيما صرّح مسؤولون إسرائيليون آخرون بأن المحكمة مُعادية للسامية في تكرار لنفس الأسطوانة المشروخة والتي يستعملونها كلما حاول طرف إدانتهم وإدانة جرائمهم المتكررة ".
خُلاصة القول.. إنّ العالم أصبح يَنظر إلى القضية الفلسطينية لأوّل مرّة بعدالة وعلى المُجتمع الدولي تحمّل مَسؤوليته ومُساندة الجهود للضغط على إسرائيل لإيقاف جرائمها ومُمارساتها العنصرية، وسنبقى في حالة ترقّب للقرار النهائي للمحكمة عسى أنْ يُنهي مُعاناة أهْلنا في فلسطين ويُلجم الاستهتار والعُدوان الإسرائيلي إلى الأبد.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خطيب الجامع الأزهر: لا نقبل تقسيم قضية فلسطين إلى قضايا متعددة
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، ودار موضوعها حول "واجب الأمة في وقت الأزمات".
قال الدكتور محمود الهواري، إنه يجب على المسلم أن يكون فطنا ويقظا ومدركا لما يدور حوله من حراك في مجالات الحياة كافة، وألا يخدع من هنا أو من هناك، وبخاصة في وقت الأزمات، والوقائع التاريخية تشهد على مكانة الأمة الإسلامية عندما كان المسلمين على يقظة ووعي حقيقي بكل شيء يدور حولهم، كما كانت لديهم الفطنة والذكاء في التعامل معه، وما تجرأ البعض على مقدرات ومصير هذه الأمة إلا نتيجة غياب الوعي والفهم الحقيقي لقضايانا ودورنا.
وأوضح الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، أنه يجب على كل فرد في الأمة الإسلامية، أن يفهم طبيعة العلاقة مع الصهاينة، والتي تجدها في العداوة القديمة مع أسلافهم، الذين رفضوا السلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم، رغم أنه لم يطلب منهم مالا ولا ملكا وإنما أراد أن يدلهم على الله سبحانه وتعالى، مبينًا أن موقف الصهاينة اليوم يعكس أن رفضهم للسلام هو أمر متجذر في نفوسهم، وأن عداوتهم للإنسانية شديدة، وأن كل المحاولات في التستر على جرائمهم، هي خيانة للإنسانية، لأن الأفعال الإجرامية التي يقترفونها لا تعبر عن تحضر ولا رقي كما تدعي تلك المجتمعات التي تساندهم.
وأضاف خطيب الجامع الأزهر، أنه يجب على الأمة أن تتكاتف وأن تتوحد، لأن الفرقة والخلاف أخطر عدو عرفته هذه الأمة، ولم تضعف مكانتها ولم تتأخر عن دورها إلا بسبب الفرقة، وهو ما يدركه الأعداء جيدا، لهذا يعملون على تنامي الخلافات بين المجتمعات المسلمة بشتى الطرق، ليفسح أمامهم الطريق لمحاولة تقرير مصيرها والتاريخ ينطق بهذا.
وذكر خطيب الجامع الأزهر، أن من واجبات الأمة في وقت الأزمات، أن تعلم أن تحرير الأرض مرهون بتحرير الفكر من خلال الفهم الكامل لقضايانا، ففلسطين هي قضيتنا الأولى، وعلينا أن نعيد إلى الأذهان تاريخنا المجيد، وأن نغرس في نفوس أبنائنا الحقائق كاملة لكي لا نسمح لأحد أن يضللهم، ففلسطين ليست قضيَّة، تقبل الربح والخسارة، بل هي حق ثابت، لا تغيره الاعتداءات ولا الحروب، ولا القتل، ومحاولة التعامل معها أنها قضية شعب فهو خداع لنا، لأن فلسطين قضية الأمة الإسلامية بأكملها، وما يحدث فيها من انتهاكات جعلها قضية الإنسانية بأسرها، وما يرد على ألسنة المسؤولين في العالم وما يتردد في وسائل الإعلام من تقسيمات، فكانت أولا قضية إسلامية، ثم اختصرت فأصبحت قضية عربية، ثم حُجِّمَت فأضحت قضية فلسطينية، ثم خُنِقَتْ فغدت قضية الأرض المحتلة، وكأن الأرض أرضان: أرضٌ محتلة، فهذا عبث وخداع بالقضية المصيرية الأولى لدى المسلمين، ولا نقبل بتقسيم "القضية الفلسطينية" إلى قضايا متعددة، فهي قضية واحدة لا يجوز التحدث عنها إلا بلفظ واحد وهو "القضية الإسلامية"، كما يجب أن لا نتحدث عن الصهاينة إلا في إطار كونهم غرباء عن هذه الأرض، وأن الأرض تكرههم بمن فيها وما فيها.
وبين خطيب الجامع الأزهر، أن حب الأوطان والدفاع عنها، هو جزء من عقيدة المسلمين، لهذا علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم، كيفية حب الأوطان من خلال درس عملي ظهر في حبه صلى الله عليه وسلم لوطنه "مكة"، فلما استوطن المدينة دعا الله جل جلاله أن يحببها إليه كحبه مكة، فالأوطان لا تقبل المفاوضة، الأوطان ليست سلعة تباع وتشترى، كما أن حب الأوطان جزء من الفطرة، قال الله تعالى: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ»، مبينا أن المواقف المشرف لمصر بشعبها وأزهرها في الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني يدعونا للوحدة خلف هذا الرأي الذي ينتصر لعقيدتنا وإنسانيتنا، وألَّا نسمحَ لأحدٍ أن يسلبَنا شخصيَّتَنا، ولا أن يمليَ علينا قواعدَه؛ فنحنُ لم نخلق لنجرَّ من آذاننا، ولم نُخلق لنقولَ لأيِّ مخلوقٍ- كائنًا من كان- سمعنا وأطعنا، وإذا لم نحرِّر فكرنا وإرادتنا فلن نستطيع أن نحرِّر أرضنا.