عمار العركي – تحديات وثغرات معركة التقاضي القانوني القادمة
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
________
• نال السفير الحارث إدريس مندوب السودان في الامم المتحدة شرف النطق بالمحظور والمسكوت عنه بتوجيه إتهام مباشر “للامارات” على منصة دولية ،فالرجل دخل التاريخ السياسي والقانوتي والدولي وسيكون اسمه ضمن وثائق مجلس الأمن الدولي في قادم المواجهة القانونية مع التمرد والعدوان الخارجي.
• أهم ما جاء في خطاب مندوب السودان أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تعطي السودان حق الدفاع عن النفس وصد العدوان ، وفي وقت لاحق سوف يتم مقاضاة تلك الدول والأطراف تحت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ، مما يفرض عدة اسئلة موضوعية حول الاستراتيجية والمسلك القانوني وصولاً لإعمال المادة وتطبيق المادة 51 ، وكذلك (المقاضاة) باعتبارها معركة قانونية لها متطلباتها وقواعدها وفق القانون الدولي والعدالة الدولية.
• قياساً بالعشوائية والتخبط وعدم وضوح الرؤية الإستراتيجية الذي لازم كل مراحل العدوان على الوجه العسكري والسياسي والإعلامي وما صاحبها من هفوات وسلبيات ، نخشى من خسارة المعركة القانونية و المقاضاة وأن يفلت الجاني وشركاؤه من العاقب “، وادانة السودان المجني عليه مع دفع غرامات وتعويض ورد شرف وتحميله كل أتعاب المحاماة والتقاضي.
• من خلال المتابعة للمسار القانوني او التقاضي تلاحظ عدم وجود تخطيط او رؤية واضحة المعالم ،ولا يمضي يوم حتى يظهر اشخاص او جهات قانونية داخلية او خارجية متحمسون ومنفعلون وهم يعلنون عن تبني خط قانوني لإدانة التمرد والعدوان وكل الدول والجهات والأشخاص الضالعين والمشتركين في العدوان على السودان ،،، مع إن هذا الحماس والانفعال ينقصه الكثير من متطلبات الإحالة القانونية وقبول الدعوى شكلاً ومصموناً بحسب القواعد واللوائح التي تشترطها العدالة الدولية للنظر .
• ايضاً ، الفشل في التكييف القانوني وعبء الإثبات الذي يتماشى مع قواعد ولوائح القانون الدولي والأخذ بالأدلة والإثباتات والتي تختلف كثيراً عن القواعد واللوائح القانونية العادية المتبعة على المستوى المحلي او الاقليمي فمثلاً: كل الأدلة المصورة والموثقة التي تدين العدوان الخارجي ليس بقوة او حُجية شهادة واقوال عينة من المرتزقة الأجانب ، الذين في شهاداتهم واقوالهم يقين للمحكمة الدولية.
• تقارير الجهات القانونية والعدلية عن السودان والتي تعد وثائق وادلة إتهام تعضد فيها كثير الأفخاخ ظاهرها دفاع وباطنها ادانة لا تكتشف الا حين المقاضاة ، فمثلاً تقرير خبراء الجنائية الذي صدر من مجلس الامن، أغفل حقائق واستصحاب أخرة غير حقيقية كالتي تتعلق بمجلس الصحوة وموسى هلال التي تم نفيها ببيان رسمي من المجلس.
• تقرير الجنائية لم يذكر مذبحة المساليت في العام ٢٠٠٥م، الذين بلغ عدد ضحاياها (١٥ الف) ، والواقعة كانت بحجم كبير ومثبتة وفق ترتيبات قانونية استصحبت شهادة المحققين بالادله ابان زيارتهم لمعسكراتهم في تشاد وشهادة شهود المجزرة في هذه المعسكرات من المساليت تحديدا، والاجابة على السؤال: من الذي هجرهم وحرق منازلهم وقتل وذبح سلاطينهم ؟ وهو امر وثقته منظمات دوليه اخرى بالوثائق والصور والأدلة والبراهين ولاتستطيع جهة تجاهله وإن تعمدت ذلك والضمير العالمي والعدالة الدولية شاهدين ، فالاول يمارس الصمت والثانية تمارس الكيل بمكيالين ، فهل السودان مدرك ومُهيأ لهذا العراك القانوني؟
• وفي ذات الإطار القانوني الدفاعي نُذكر بأن مترجمي الجنائيه للجرائم دارفور خلال الفترة من 2004حتي 2007كانوا من جهات يغلب عليها عدم الحياد والمصداقية أمثال عمران عبدالله مستشار الدعم الحالي الموجود في لندن ، والذي ذكر بنفسه في مقابله تلفزيونية سابقةبأنه عمل مترجماً لبعثة الجنائية ٢٠٠٥م ، وهنا يبرز التساؤل، من يترجم للمحققين من الجنائيه في معسكرات اللاجئين في تشاد الآن؟ ومن يتابع ويقف على الصياغة القانونية للترجمة ؟ وهل الصياغة النهاية للتقرير تخضع للدراسة والمضاهاة القانونية ؟
• خلاصة القول ومنتهاه:
• التحدي الحقيقي أمام السودان هو توفيرمطلوبات القانون الدولي ومعاييرالعدالة الدولية ، الأمر الذي يتطلب تخطيط وتدبير إستراتيجي قانوني ، لا يتأتى الإ بمستشارين وخبراء وطنيين لديهم تجارب وخبرات عملية سابقة في الهيئات والمنظمات القانونية الدولية ، مع الاستعانة بتجارب وسوابق دول سابقة وجنوب افريقيا خير مثال حي في كسبها لمعركتها القانونية الأخيرة ضد الكيان الصهيوني.
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: عمار العركي
إقرأ أيضاً:
رفض اتفاقية الحكم الذاتي ثم شارك في الانتخابات التي أجريت بموجبها (3- 15)
نواصل عرض ونقاش تجارب الحزب الشيوعي في التحالفات. في المقال السابق أوضحنا العداء الذي كان يكنه الحزب الشيوعي (الجبهة المعادية للاستعمار آنذاك) للأحزاب، وخاصة حزب الامة، وركز حملاته العدائية القوية على السيد عبد الرحمن المهدي، راعي حزب الامة. وأوضحنا انه عندما صارت قضية الاستقلال او الوحدة مع مصر، هي التدي الأساسي، قرر الحزب الانضمام للجبهة الاستقلالية التي يتزعمها السيد عبد الرحمن المهدي، وتضم أيضا الحزب الاشتراكي الجمهوري وهو حزب رجال الإدارة والشيوخ، ويتهم بأنه صنيعة الدولة الاستعمارية، بالإضافة للحزب الجمهوري المعروف. هذا المثال يؤكد ان الخلافات مهما تعمقت والعداوات مهما تجذرت، يجب الا تقف امام الوحدة عند اللحظات التاريخية والمفصلية.
نعرض اليوم مثالا آخر من أحداث تلك الفترة الهامة في تاريخ بلادنا.:
ذكر فيصل عبد الرحمن على طه في كتابه " السودان على مشارف الاستقلال الثاني" في صفحة 25:
" عارض الحزب الشيوعي اتفاقية الحكم الذاتي ونشر أحد كوادره وهو قاسم امين ضابط نقابة عمال السكة الحديد كتيبا بعنوان " اتفاقية السودان في الميزان" عرض فيه لبعض أوجه الاتفاقية وتناولها بنقد وتحليل اتسم في بعض جوانبه بالمبالغة والتهويل".
ما حقيقة موقف الحزب الشيوعي من الاتفاقية: كتب عبد الخالق محجوب في كتاب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني:
"ان الدعاوي العريضة للاستعماريين وللدوائر المصرية التي تتبجح بانها، منحت، الشعب السوداني استقلاله مجافية للواقع ووقحة في نفس الوقت فالاستعماريون نجوا بجلودهم من وطننا وكانت الاتفاقية انقاذا لهم من تطور الحركة الجماهيرية بطابعها الجديد.
لقد وقعت اتفاقية فبراير 1953 في ظرف كانت الحركة الجماهيرية فيها تسير بخطوات سريعة في نضالها ضد المستعمرين وتتخذ طابعا جديدا بظهور الجبهة المتحدة لتحرير السودان وقيام النقابات العمالية بدور فعال فيها. لقد كانت الحركة الجماهيرية تطالب بالجلاء الناجز للمستعمرين وحق الشعب السوداني في تقرير مصيره وفي بناء سودان ديمقراطي حر، ولكن الاتفاقية لم تحقق هذا المطلب الشعبي، بل اجلته الى ثلاث سنوات ووضعت قيودا عدة على حرية الشعب السوداني وأعطت الحاكم العام البريطاني سلطات خطرة ليستغلها في تقوية النفوذ البريطاني والضغط على البرلمان. لقد اتخذت أحزاب الطبقة الوسطى موقف التبعية فقبلت الاتفاقية دون تعديل أو نقد ومن وراء ظهر الجبهة المتحدة لتحرير السودان التي كانوا يشتركون فيها.
رغم هذا الجو التهريجي الذي خلقته تلك الأحزاب وقف الحزب الشيوعي ناقدا لتلك الاتفاقية وموضحا مزالقها ومشيرا الى انها لا تتمشي مع الرغبة الجماهيرية الملحة في وجوب الجلاء الناجز للمستعمرين قبل اجراء أي انتخابات في بلادنا.
ان التاريخ يثبت ان الحزب الشيوعي السوداني كان الحزب الوحيد في السودان الذي نظر للاتفاقية المصرية البريطانية نظرة ناقدة وكشف عيوبها ومزالقها التي اتضحت لدي الناس فيما بعد. "
كما قاد اتحاد العمال، الذي كان يسيطر الحزب الشيوعي على قيادته، حملة قوية ضد الاتفاقية، ونشر قاسم أمين كتابه الشهير ضد الاتفاقية. ورغم كل ذلك العداء الشديد والحملة القوية والرفض التام للاتفاقية، قرر الحزب الشيوعي (الجبهة المعادية للاستعمار آنذاك) ان يشارك في الانتخابات التي أجريت بموجب الاتفاقية التي رفضها. ونلاحظ هنا انه رغم كل النقائص التي ذكرها الحزب الشيوعي في نقده للاتفاقية واتهامه للأحزاب الأخرى بانها ايدت الاتفاقية من خلف ظهر الجبهة المتحدة لتحرير السودان، لم يقاطع وانما قرر ان يحول المعركة الانتخابية لحملة ضد الاستعمار. وفعلا خاض الحزب الشيوعي (الجبهة المعادية للاستعمار آنذاك) الانتخابات التي فاز فيها حسن الطاهر زروق عن إحدى دوائر الخريجين، ويقال انه اول نائب شيوعي ينتخب في برلمان في العالم العربي.
نلاحظ هنا ان الحزب الشيوعي هو الأكثر تمسكا بالجبهة المتحدة رغم خلافه الحاد مع الأحزاب حول الموقف من الاتفاقية، وينقدها بانها تخلت عنها، وأيدت الاتفاقية من وراء ظهر الجبهة.
مما يجدر ذكره، هنا، ان الحزب الشيوعي قام، لاحقا، بتصحيح موقفه من الاتفاقية. وقال أنه أخطأ في النظر اليها من زاوية واحدة، نظر الى مزالقها التي يستغلها المستعمرون، والى كونها مناورة للمستعمرين ليخلقوا وضعا شرعيا في البلاد لاستمرار نفوذهم ولم ينظر اليها باعتبارها نتاجا من نتاج الكفاح الشعبي الذي كان في الإمكان ان يثمر أوفر منها لو تقيدت أحزاب الطبقة الوسطى بحلفها في الجبهة المتحدة لتحرير السودان.
siddigelzailaee@gmail.com