سرايا - تصدر التغير المناخي وتداعياته أجندة الأولويات الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، ورغم أن مساهمة القارة السمراء في كمية الانبعاثات المسببة للاحترار البيئي لا تتجاوز 4% من الإجمالي العالمي فإنها تصنف ضمن الأكثر تضررا من تبعات تغير المناخ الكارثية.

وتدمر الفيضانات والأعاصير واضطراب مواسم الأمطار النظم البيئية وتهدد حياة المجتمعات المعتمدة عليها، فاتحة الباب "لحروب المناخ" وللصراع على الموارد المتناقصة.



وفي هذا الصدد، يربط بعض الباحثين الصعوبات الاقتصادية الناتجة عن فقدان سبل العيش نتيجة التغيرات المناخية الحادة كالفيضانات أو التصحر أو تآكل التربة بزيادة أخطار الصراعات العنيفة في العديد من مناطق القارة، إذ لا يمنح التدهور البيئي السريع السكان الفرصة للتكيف مع ظروف الواقع الجديد، وهو ما يتركهم بدون حماية في مواجهة أوضاع اقتصادية ومعيشية تتراجع باستمرار.

ووفقا لورقة بحثية صادرة عن عدد من المؤسسات ومنها المعهد السويدي للشؤون الدولية فإن هذه التغيرات السريعة والحادة تؤدي إلى زيادة التوترات والصراعات المحلية لاقتسام الموارد المحدودة أصلا، كما يدفع تفاقم الفقر والبطالة المتضررين من تدمير مواردهم إلى البحث عن تدبير سبل معيشتهم بكل الطرق المتاحة، وهو ما يخلق تربة خصبة للجريمة المنظمة والعنف والانضمام إلى الجماعات المسلحة التي تمثل البديل الاقتصادي الأكثر ربحية.

وتعتبر دراسة نشرها معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي حالة بحيرة تشاد في غربي أفريقيا نموذجا دالا، إذ يهدد الانكماش الهائل الذي يصيبها مصدر رزق 30 مليونا من المزارعين والصيادين الذين يعتمدون عليها، وهو ما حوّل محيطها إلى بيئة مثالية لتجنيد المقاتلين من قبل مجموعات مسلحة مثل بوكو حرام التي تشهد أنشطتها ازدهارا وتمددا داخل الدول الأربع المتشاطئة على البحيرة وهي النيجر ونيجيريا وتشاد والكاميرون.

وتضيف الدراسة المعنونة بـ"تغير المناخ والصراع العنيف في غرب أفريقيا" أن الجماعات المسلحة استفادت من هذا التردي الاقتصادي من عدة أوجه؛ حيث عزفت على وتر المظالم السياسية والاقتصادية لتهييج السكان على السلطات وتحشيدهم خلفها، كما عملت على تقديم القروض والرواتب لاستقطاب المجندين في المجتمعات المعرضة لتغير المناخ والتدهور البيئي، فضلا عن توظيف التابعين لها في أنشطة غير قانونية كسرقة الماشية وبيعها، وتهريب المخدرات والأسلحة والاتجار بها للحصول على إيرادات.

وتتمثل خطورة هذه التحولات في بنائها "نظاما اقتصاديا" قائما على العنف كوسيلة لكسب العيش، بما يمهد الطريق لتفاعلات معقدة تطلق العنان لدورات مستمرة من العنف والعنف المضاد، حيث شهدت دول المنطقة طول السنوات الماضية تدهورا أمنيا متزايدا، وصنف مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023 كلا من نيجيريا والنيجر ضمن الدول العشر الأكثر اضطرابا في العالم، في حين جاءت كل من الكاميرون وتشاد في المرتبتين الـ11 والـ19 على التوالي.
تضم القارة السمراء 37% من البدو في العالم، ويقدر البنك الدولي عدد الرعاة بما بين 12 و22 مليون شخص في القرن الأفريقي وحده، حيث يشكلون الكتلة السكانية الرئيسة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة التي تغطي قرابة 60% من مساحته.

وتمثل هذه المجتمعات الرعوية أحد أكثر الفئات هشاشة في مواجهة التغيرات المناخية، إذ أدى الجفاف غير المسبوق الذي يضرب القرن الأفريقي إلى نفوق أكثر من 13 مليون رأس ماشية بين 2020 و2022 بسبب نقص المياه والأعلاف، ما يفقد أصحابها ليس مصدر دخلهم فقط بل الأساس الذي يعتمدون عليه في استمرار حياتهم، وفقا لسيريل فيراند قائد فريق القدرة على الصمود لشرق أفريقيا في منظمة الأغذية والزراعة.

ويشكل التنقل بحثا عن المراعي عماد حياة هؤلاء البدو، عبر سلوكهم طرقا ومسارات تقليدية تحكمها قوانين عرفية وتفاهمات مع المجتمعات المحلية تم بناؤها عبر السنين، وهو ما يكبح بشكل كبير من احتمالات الصراع بين سكان المناطق الغنية بالمراعي والرعاة الوافدين.

وتبيّن ورقة بحثية حول تغير المناخ والصراعات العنيفة في شرق أفريقيا أن الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية المستمرة يرغم الرعاة على تغيير مساراتهم المعتادة ونقل مواشيهم إلى مناطق جديدة تتوفر فيها مقومات الرعي، وهو ما يجعلهم على تماس مع مجتمعات جديدة، حيث يؤدي افتقاد آليات مشتركة لتنظيم التعايش وحل النزاعات إلى صراعات عنيفة ناتجة عن المنافسة على الموارد المشتركة.

ويرصد الباحثان سيباستيان فان بالين ومالين موبجورك في هذه الورقة كيف جعلت ندرة الموارد في إثيوبيا قبائل الكارايو أقل رغبة في السماح للرعاة من القبائل العفرية بالدخول إلى مراعيهم، وحين اضطرت قبيلة الكارايو للعبور إلى المنطقة العفرية بحثا عن الموارد الرعوية، اندلع صراع عنيف بين المجتمعين.

كما ساهم انخفاض هطول الأمطار في منطقة جنوب كردفان بالسودان في حدوث أزمة بيئية دفعت مجموعات البدو إلى التحرك نحو الجنوب، وهو ما جعلهم في صراع متزايد مع المزارعين في المنطقة.



المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: وهو ما

إقرأ أيضاً:

رئيس COP28: الذكاء الاصطناعي يعزز كفاءة الطاقة.. ودوره المناخي "هائل"

يمتلك الذكاء الاصطناعي إمكانيات هائلة قادرة على دعم جهود الحد من تداعيات تغير المناخ، كما يساهم بالفعل في تعزيز كفاءة الطاقة، وفقا لما أكده الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، رئيس مؤتمر الأطراف COP28.

وأوضح الدكتور سلطان الجابر في مقال له بعنوان "الترابط الوثيق بين الذكاء الاصطناعي والطاقة" على منصة «بروجكت سنديكيت» المرموقة، أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم تقنياته المتطورة في تسريع وتيرة التقدم من خلال إعادة صياغة عمليات القطاعات الصناعية، وتحسين منظومة النقل، ورفع كفاءة الطاقة، وخفض الانبعاثات على نطاق واسع.

وأوضح: "يساعد الذكاء الاصطناعي أيضًا على تعزيز المرونة المناخية من خلال تقديم ودعم الابتكارات في مجالات الزراعة والأمن المائي والصحة".

عالم ما بعد COP28

وفي مطلع المقال، لفت الدكتور سلطان الجابر إلى أنه قبل ستة أشهر، حقق العالم إنجازًا لم يتوقعه البعض في مؤتمر الأطراف COP28 الذي استضافته دولة الإمارات، من خلال تجاوز الانقسامات الجيوسياسية وتوحيد الجهود للتوصل إلى "اتفاق الإمارات" التاريخي الذي قدّمَ خطةً واقعية لتعزيز الازدهار والنمو الاقتصادي المستدام، بالتزامن مع معالجة تداعيات تغير المناخ.

وتابع: "شهد المؤتمر توافُق نحو 200 حكومة وممثلي مختلَف قطاعات الاقتصاد العالمي حول مسار عملي قائم على الحقائق العلمية لتحقيق النمو الاقتصادي منخفض الانبعاثات، مع الحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز ارتفاع حرارة كوكب الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية".

وأضاف: "كان احتواء الجميع من أهم عناصر نجاح الاتفاق. لم يتم استبعاد أحد أو تهميش أي قطاع أو إهمال بحث أي حل. وفيما ننتقل إلى مرحلة تنفيذ بنود الاتفاق وتحويله إلى خطوات ملموسة، يجب على العالم تكثيف الجهود واستكشاف كافة الحلول لتسريع التقدم في هذا المجال. ومن المهم جدًا هنا الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، الذي يمكنه المساهمة بدور مهم في تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة".

العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والطاقة

ولفت الدكتور سلطان الجابر في مقاله إلى أهمية ملاحظة أن نمو الذكاء الاصطناعي سيؤدي بالضرورة إلى زيادة الطلب على الطاقة بشكل كبير، وبالتالي "علينا السعي لإيجاد حل مزدوج يؤمن حاجته الكبيرة إلى الكهرباء ويتيح الاستفادة من قدرته على تحقيق انتقال منظَّم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة. ويتطلب إيجاد مثل هذا الحل تعاون شركات قطاعَي التكنولوجيا والطاقة بطرق جديدة ومبتكرة".

وأضاف: "هناك عدة أسباب تدعو للتفاؤل، لأن الذكاء الاصطناعي يساهم بالفعل في تعزيز كفاءة الطاقة عبر مختلف القطاعات، فمن خلال مشروع "إيه آي كيو" المشترك بين كل من "جي42" و"بريسايت" و"أدنوك"، استخدمت أدنوك الصيانة التنبؤية وأدوات تعلُّم الآلة لتحقيق خفض يفوق مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال عام واحد فقط. كما تَستخدم شركات طاقة أخرى الشبكات العصبية الاصطناعية للتعامل مع تحديات ضمان استقرار الإمدادات وتخزين للطاقة المتجددة، وذلك من خلال التنبؤ بأنماط الطقس والاستعداد لفترات ذروة الاستخدام وانخفاضه".

وأوضح: "في علوم المواد، يستخدم الباحثون الذكاء الاصطناعي لتحديد الهياكل الجزيئية الأكثر ملاءمة لتخزين الكربون. وتُستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أيضًا لإحداث تغيير جذري إيجابي في قطاع الزراعة، وهو من القطاعات كثيفة الاستخدام للطاقة، من خلال تحليل المغذيات الدقيقة، وتعزيز غلال المحاصيل، وتقليل استخدام المياه بنسبة تصل إلى 40%. وخلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، من المتوقع أن يدعم الذكاء الاصطناعي تحقيق إنجازات كبرى في مجالات الاندماج النووي، وطاقة الهيدروجين، ونماذج مفاعلات الطاقة النووية، ووحدات التخزين طويل الأمد للطاقة الكهربائية، والحلول المناخية المتطورة التي لا يمكن تصورها الآن".

الضغط على منظومات الطاقة الحالية

وسلط الدكتور سلطان الجابر الضوء على "الضغط على منظومة الطاقة الحالية والمُجهَدة بالفعل".

وأوضح: "منذ عام 2019، زادت الانبعاثات الصادرة عن شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى بأكثر من 30%، وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يتضاعف عدد مراكز البيانات في جميع أنحاء العالم بسبب احتياجات المعالجة الضخمة لتكنولوجيا تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تحتاج هذه المنشآت الجديدة إلى قدر من الطاقة الكهربائية يماثل استهلاك دولة كبيرة مثل كندا. وتصعب معالجة هذه الفجوة حاليًا بسبب عدم وجود مصدر للطاقة قادر بمفرده على تلبية هذا النمو الهائل في الطلب".

وتابع: "بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى التعاون مع شركات الطاقة لمواجهة هذا التحدي بفعالية، وفي شهر مايو/ أيار الماضي أبرمت شركتا مايكروسوفت وبروكفيلد صفقة لإقامة محطات توليد بقدرة إنتاجية قدرها 10.5 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وتسير شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، الشركة الإماراتية الرائدة في مجال الطاقة المتجددة، على المسار الصحيح لزيادة القدرة الإنتاجية لمشروعاتها حول العالم أربع مرات لتبلغ 100 غيغاواط بحلول عام 2030، وتستكشف فرص توريد الكهرباء النظيفة لقطاع التكنولوجيا. كما زاد الاستثمار في مراكز البيانات التي تعمل بالطاقة النووية، رغم أن بناءها يستغرق عقودًا. وفي أثناء ذلك، سيحتاج العالم إلى ما يصل إلى 200 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الطبيعي سنويًا، وهو الوقود التقليدي الأقل في الانبعاثات، بالإضافة إلى استثمارات كبيرة في البنية الأساسية لشبكات الكهرباء العالمية لتلبية الطلب المتزايد".

جني فوائد الذكاء الاصطناعي

وقال الدكتور سلطان الجابر إن مواجهة هذه التحديات وجني الفوائد التي يتيحها الذكاء الاصطناعي تتطلب نهجًا تعاونيًا شاملًا. "لذا، نخطط لاستضافة أبوظبي، خلال نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، جلسة لـ "مجلس صناع التغيير" الذي يقام وفق أسلوب المجلس الإماراتي، بحضور ومشاركة عدد من قادة قطاعَي التكنولوجيا والطاقة، وصناع السياسات، والمستثمرين، ومنظمات المجتمع المدني، وذلك لتشجيع تبادل وجهات النظر، ومناقشة دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق الانتقال المنشود في قطاع الطاقة، ووضع تصور جديد للعلاقة بين الطاقة والذكاء الاصطناعي وتحقيق النمو الاقتصادي الشامل".

واختتم: "بفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة في دولة الإمارات، وفي ضوء دور الدولة كمورد مسؤول وموثوق للطاقة، والتزامها الراسخ بالتنمية المستدامة، ومكانتها المتميزة في مجال الذكاء الاصطناعي - من خلال منصات الاستثمار مثل "إم جي إكس"، ومطوري البنية التحتية مثل "جي42"، ونموذج المعالجة اللغوية الضخم الأكبر والأسرع نموًا في المنطقة "فالكون" - فإنها تحرص على تكريس التوافق بين جميع المعنيين بشأن هذا التحدي الحاسم لمستقبل البشرية بأكملها. وكلنا ثقة بأن مدّ جسور التعاون بين قطاعَي "الطاقة" و"الذكاء الاصطناعي"، سيتيح لنا الاستفادة من تكامل القدرات والهود بما يساعد على تحقيق أهداف "اتفاق الإمارات"، ويتيح الاستفادة من أعظم فرصة اقتصادية منذ العصر الصناعي الأول".

مقالات مشابهة

  • قصف تركي يتسبب باندلاع النيران في مزارع وغابات شمالي دهوك
  • اليونسكو: زيادة ميزانية أفريقيا لمشروعات مجابهة آثار تغير المناخ
  • رئيس COP28: الذكاء الاصطناعي يعزز كفاءة الطاقة.. ودوره المناخي "هائل"
  • مع بدء التقديم.. رابط وشروط وظائف المركز الوطني للأرصاد للرجال والنساء
  • خبير بيئي: الإنسان السبب الرئيسي لارتفاع درجات الحرارة وحدوث تغير المناخ (فيديو)
  • نقص امدادات الغاز يتسبب بإطفاء عام للتيار الكهربائي في السليمانية
  • «كهرباء دبي» تدعم تحقيق أهداف الحياد المناخي
  • احترس من الحر
  • هاني الجفري:التغير المناخي ظاهرة تعبر عن ارتفاع متوسط درجات حرارة الأرض بشكل غير مسبوق
  • نصف الشعاب المرجانية في ماليزيا تتعرض للابيضاض بسبب الاحترار المناخي