الجزيرة:
2024-10-06@09:17:36 GMT

هكذا يتسبب التغير المناخي بصناعة العنف في أفريقيا

تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT

هكذا يتسبب التغير المناخي بصناعة العنف في أفريقيا

تصدر التغير المناخي وتداعياته أجندة الأولويات الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، ورغم أن مساهمة القارة السمراء في كمية الانبعاثات المسببة للاحترار البيئي لا تتجاوز 4% من الإجمالي العالمي فإنها تصنف ضمن الأكثر تضررا من تبعات تغير المناخ الكارثية.

وتدمر الفيضانات والأعاصير واضطراب مواسم الأمطار النظم البيئية وتهدد حياة المجتمعات المعتمدة عليها، فاتحة الباب "لحروب المناخ" وللصراع على الموارد المتناقصة.

وفي هذا الصدد، يربط بعض الباحثين الصعوبات الاقتصادية الناتجة عن فقدان سبل العيش نتيجة التغيرات المناخية الحادة كالفيضانات أو التصحر أو تآكل التربة بزيادة أخطار الصراعات العنيفة في العديد من مناطق القارة، إذ لا يمنح التدهور البيئي السريع السكان الفرصة للتكيف مع ظروف الواقع الجديد، وهو ما يتركهم بدون حماية في مواجهة أوضاع اقتصادية ومعيشية تتراجع باستمرار.

ووفقا لورقة بحثية صادرة عن عدد من المؤسسات ومنها المعهد السويدي للشؤون الدولية فإن هذه التغيرات السريعة والحادة تؤدي إلى زيادة التوترات والصراعات المحلية لاقتسام الموارد المحدودة أصلا، كما يدفع تفاقم الفقر والبطالة المتضررين من تدمير مواردهم إلى البحث عن تدبير سبل معيشتهم بكل الطرق المتاحة، وهو ما يخلق تربة خصبة للجريمة المنظمة والعنف والانضمام إلى الجماعات المسلحة التي تمثل البديل الاقتصادي الأكثر ربحية.

وتعتبر دراسة نشرها معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي حالة بحيرة تشاد في غربي أفريقيا نموذجا دالا، إذ يهدد الانكماش الهائل الذي يصيبها مصدر رزق 30 مليونا من المزارعين والصيادين الذين يعتمدون عليها، وهو ما حوّل محيطها إلى بيئة مثالية لتجنيد المقاتلين من قبل مجموعات مسلحة مثل بوكو حرام التي تشهد أنشطتها ازدهارا وتمددا داخل الدول الأربع المتشاطئة على البحيرة وهي النيجر ونيجيريا وتشاد والكاميرون.

وتضيف الدراسة المعنونة بـ"تغير المناخ والصراع العنيف في غرب أفريقيا" أن الجماعات المسلحة استفادت من هذا التردي الاقتصادي من عدة أوجه؛ حيث عزفت على وتر المظالم السياسية والاقتصادية لتهييج السكان على السلطات وتحشيدهم خلفها، كما عملت على تقديم القروض والرواتب لاستقطاب المجندين في المجتمعات المعرضة لتغير المناخ والتدهور البيئي، فضلا عن توظيف التابعين لها في أنشطة غير قانونية كسرقة الماشية وبيعها، وتهريب المخدرات والأسلحة والاتجار بها للحصول على إيرادات.

وتتمثل خطورة هذه التحولات في بنائها "نظاما اقتصاديا" قائما على العنف كوسيلة لكسب العيش، بما يمهد الطريق لتفاعلات معقدة تطلق العنان لدورات مستمرة من العنف والعنف المضاد، حيث شهدت دول المنطقة طول السنوات الماضية تدهورا أمنيا متزايدا، وصنف مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023 كلا من نيجيريا والنيجر ضمن الدول العشر الأكثر اضطرابا في العالم، في حين جاءت كل من الكاميرون وتشاد في المرتبتين الـ11 والـ19 على التوالي.

الجفاف الذي يضرب القرن الأفريقي أدى إلى نفوق أكثر من 13 مليون رأس ماشية بين 2020 و2022 (أسوشيتد برس) صراعات الرعاة والمزارعين

تضم القارة السمراء 37% من البدو في العالم، ويقدر البنك الدولي عدد الرعاة بما بين 12 و22 مليون شخص في القرن الأفريقي وحده، حيث يشكلون الكتلة السكانية الرئيسة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة التي تغطي قرابة 60% من مساحته.

وتمثل هذه المجتمعات الرعوية أحد أكثر الفئات هشاشة في مواجهة التغيرات المناخية، إذ أدى الجفاف غير المسبوق الذي يضرب القرن الأفريقي إلى نفوق أكثر من 13 مليون رأس ماشية بين 2020 و2022 بسبب نقص المياه والأعلاف، ما يفقد أصحابها ليس مصدر دخلهم فقط بل الأساس الذي يعتمدون عليه في استمرار حياتهم، وفقا لسيريل فيراند قائد فريق القدرة على الصمود لشرق أفريقيا في منظمة الأغذية والزراعة.

ويشكل التنقل بحثا عن المراعي عماد حياة هؤلاء البدو، عبر سلوكهم طرقا ومسارات تقليدية تحكمها قوانين عرفية وتفاهمات مع المجتمعات المحلية تم بناؤها عبر السنين، وهو ما يكبح بشكل كبير من احتمالات الصراع بين سكان المناطق الغنية بالمراعي والرعاة الوافدين.

وتبيّن ورقة بحثية حول تغير المناخ والصراعات العنيفة في شرق أفريقيا أن الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية المستمرة يرغم الرعاة على تغيير مساراتهم المعتادة ونقل مواشيهم إلى مناطق جديدة تتوفر فيها مقومات الرعي، وهو ما يجعلهم على تماس مع مجتمعات جديدة، حيث يؤدي افتقاد آليات مشتركة لتنظيم التعايش وحل النزاعات إلى صراعات عنيفة ناتجة عن المنافسة على الموارد المشتركة.

ويرصد الباحثان سيباستيان فان بالين ومالين موبجورك في هذه الورقة كيف جعلت ندرة الموارد في إثيوبيا قبائل الكارايو أقل رغبة في السماح للرعاة من القبائل العفرية بالدخول إلى مراعيهم، وحين اضطرت قبيلة الكارايو للعبور إلى المنطقة العفرية بحثا عن الموارد الرعوية، اندلع صراع عنيف بين المجتمعين.

كما ساهم انخفاض هطول الأمطار في منطقة جنوب كردفان بالسودان في حدوث أزمة بيئية دفعت مجموعات البدو إلى التحرك نحو الجنوب، وهو ما جعلهم في صراع متزايد مع المزارعين في المنطقة.

ازدياد معدلات الهجرة

تندرج الهجرة والنزوح الداخلي ضمن الاستجابات الطبيعية لمواجهة أوضاع إنسانية معقدة كالتداعيات الناتجة عن التغيرات المناخية، حيث يرغم تضاؤل الموارد المستمر السكان على الانتقال إلى مناطق أغنى بمقومات الحياة، في حين تؤدي الأمطار الغزيرة والفيضانات إلى إرغام الكثيرين على تكرار النزوح في دول كالصومال والسودان والنيجر.

وكشف تقرير مركز رصد النزوح العالمي أن عدد النازحين داخليا نتيجة الكوارث البيئية في أفريقيا جنوب الصحراء عام 2022 بلغ 7.4 ملايين وهو أعلى رقم تسجله المنطقة بزيادة تقارب 3 أضعاف قياسا بالسنة التي سبقته، في حين أنه لم يتجاوز 1.6 مليون عام 2013.

ويرى البروفيسور ألكسندر دي خوان في دراسة نشرها عام 2015 أن المناطق التي ترتفع فيها معدلات الهجرة والنزوح تزداد فيها أخطار نشوب الصراعات على الموارد، مرجحا تصاعدها إلى أعمال عنف نظرا لأن المجموعات القادمة من مناطق مختلفة ومن أعراق مختلفة تفتقر في الغالب إلى مؤسسات مشتركة لحل النزاعات، كما أنها تكون عموما أفضل في تعبئة الموارد اللازمة للعنف.

وفي تحليله للمرحلة المبكرة من حرب دارفور يذهب دي خوان إلى أن العنف كان أكثر انتشارا في المناطق التي زاد فيها الغطاء النباتي بين عامي 1982 و2000، حيث شهدت مستويات أعلى من هجرة وافدة لقبائل من إثنيات مختلفة فارة من الجفاف الذي ضرب أراضيها، وهو ما زاد من التفاعل فيما بينها، وقد ظهرت آثار ذلك لاحقا؛ حيث اكتسى الصراع في دارفور المندلع منذ عام 2003 صبغة إثنية حادة.

تأجيج العنف

أحد التداعيات غير المباشرة للتغير المناخي على الصراعات العنيفة يرتبط باستغلال النخب للنزاعات المحلية منخفضة الحدة من خلال تصعيدها لتحقيق مصالح ذاتية، حيث يتحول تأجيج العنف إلى طريقة فعالة للتخلص من المعارضين، واستدامة حصول هذه النخب على الدعم من الجماعات المتأثرة بها.

يزيد من خطورة هذا الاستغلال وجود بنى وهياكل اجتماعية كالقبائل والعشائر جاهزة للتعبئة على خلفية التوترات الناتجة عن الصراع على الموارد كالأرض، حيث تذهب بعض الدراسات إلى أن 3 أرباع جميع الصراعات المجتمعية في أفريقيا بين عامي 1989 و2011 تضمنت الأرض كمصدر مهم للتنافس.

وفي هذا السياق تلجأ النخب المحلية إلى التعاون مع الساسة والمسؤولين في الدولة؛ وهو ما يؤدي إلى تعميق وزيادة حدة الصراعات المجتمعية من خلال دعم أحد الأطراف على حساب الآخر.

ولاحظت ورقة منشورة عام 1998 في مجلة "الأمن الدولي" الأميركية وجود روابط بين ندرة الموارد والصراعات المجتمعية والنخب الوطنية في كينيا، حيث عمل نظام الرئيس الأسبق دانيال أراب موي في أوائل تسعينيات القرن المنصرم على تشويه الجهود الداعية إلى التحول الديمقراطي من خلال تنظيم العنف العرقي بين الجماعات الرعوية والمزارعين من الجماعات العرقية الأخرى الذين انتقلوا إلى الأراضي الرعوية التقليدية، مستغلا المظالم المتعلقة بالتضاؤل الحاد في مساحة الأراضي الصالحة للزراعة.

القارة السمراء تضم 37% من البدو في العالم (أسوشيتد برس) تغير المناخ وأشياء أخرى

رغم تشكيك بعض الباحثين حول الرابط المباشر بين تغير المناخ والصراعات، فإن الكثير من الدراسات في السنوات الأخيرة رصدت كيفية تأثير تداعيات هذا التغير في مشهد صناعة العنف، حيث يبدو تفاعلها واضحا مع عوامل أخرى مرتبطة بالمعضلات المزمنة والاختلالات البنيوية التي تعانيها أقطار القارة السمراء.

فكثير من الدول الأفريقية تقاسي مزيجا من المشكلات التي تتنوع بين الوصول المحدود أو غير المتكافئ إلى الموارد الطبيعية، والتوترات المجتمعية على أسس مختلفة، والفقر وعدم المساواة الاقتصادية، كما أدى ضعف قدرة مؤسسات الدولة على بسط الأمن بمعناه الواسع للمواطنين، إلى جانب الفساد السياسي والإداري، إلى حكم غير فعال، وممارسات غير ديمقراطية، وانعدام الثقة في سلطة الدولة وشرعيتها، وحركات التمرد.

كل ما سبق أدى إلى عجز الدولة عن وضع الخطط والإستراتيجيات الملائمة للتكيف مع التغيرات المناخية وتوفير الأدوات الأساسية للمواطنين للتغلب على تداعياتها الحادة، وهو ما يخلق البيئة الخصبة لتحويلها إلى محفّز للجوء إلى العنف.

وبينما قد لا تفسِّر الهجرة الناتجة عن التغير المناخي وحدها اندلاعَ الصراع في منطقة ما دون أخرى، فإن ترافقها مع الحوكمة غير الرشيدة والفساد المؤسسي والهشاشة الأمنية والتوترات المجتمعية يجعلها مكونا فاعلا ضمن هذا المزيج المولِّد للصراعات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التغیرات المناخیة القارة السمراء تغیر المناخ على الموارد الناتجة عن وهو ما

إقرأ أيضاً:

المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض: لقاح جدري القرود آمن تماما ولم يتسبب في حالات وفاة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 أكد جون كاسيا رئيس المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، التابع للاتحاد الإفريقي أن لقاح جدري القرود آمن تماما حيث تم استخدامه بالفعل في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، كما تم تطعيم سكان رواندا، ولم يتسبب اللقاح في حالات وفاة، بل على العكس من ذلك، بدأت حالات الإصابة بالتراجع.. داعيا جميع السكان الأفارقة المعنيين إلى تلقي التطعيم.
وقال كاسيا - في حوار لـ"راديو فرنسا الدولي" - "إن الكونغو الديمقراطية تلقت 200 ألف جرعة من الاتحاد الأوروبي، و50 ألف جرعة من الحكومة الأمريكية و15 ألفا من جافي (التحالف العالمي للقاحات والتحصين)".. مشددا على أهمية التطعيم في الحد من تفشي المرض.
وأوضح كاسيا أنه تم توقيع وثيقة ثلاثية، بين فرنسا والمراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها والاتحاد الأوروبي، لتوريد لقاحات جدري القرود، وقد حددت الحكومة الكونغولية المناطق التي ستكون لها الأولوية في التطعيم مثل جنوب كيفو وسانكورو.. مشيرا إلى أنه تم رصد عدد كبير من حالات الإصابة في عاصمة الكونغو الديمقراطية (كينشاسا)، وبالتالي سيخضع السكان هناك أيضا للتطعيمات، واعتبر ان الأشخاص المصابين، وأولئك الذين هم على اتصال بهم ستكون لهم الأولوية.
وأضاف كاسيا "أنه يتعين لقطع سلسلة انتقال العدوى، تطعيم الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بفيروس جدري القرود، وخاصة الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة وكذلك النازحين".. مشيرا إلى أن جنوب كيفو وحدها بها أكثر من مليون نازح وقد ظهرت بالفعل حالات إصابة بينهم.
ولفت كاسيا إلى أن اللقاح مثل أي دواء من الممكن أن يكون له آثار جانبية ويتم العمل على تقليلها في التصنيع ومراقبة الأشخاص الذين تلقوا اللقاح أيضا. 
وتابع "إن المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها ستبذل قصارى جهدها بالعمل مع الحكومات والشركاء لحماية صحة الأفارقة".
جدير بالذكر أنه تم الليلة الماضية إطلاق حملة التطعيم ضد فيروس جدري القرود في جمهورية الكونغو الديمقراطية في جوما بشمال كيفو.
 

مقالات مشابهة

  • «معلومات الوزراء» يكشف مسببات التغير السريع في المناخ
  • المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض: لقاح جدري القرود آمن تماما ولم يتسبب في حالات وفاة
  • سببه حادثة قتل قديمة.. نزاع عشائري عنيف يتسبب بحرق منازل جنوبي العراق
  • تحت رعاية ذياب بن محمد بن زايد.. “ود العالمية لتنمية الطفولة المبكرة” تناقش تأثير التغير المناخي على تنمية الطفولة المبكرة
  • «ود العالمية لتنمية الطفولة المبكرة» تناقش تأثير التغير المناخي على تنمية الطفولة المبكرة
  • قمة الاقتصاد الأخضر تحدد الأجندة العالمية للعمل المناخي
  • حدث فلكي في الـ 5 من أكتوبر يتسبب بانقطاع الاتصالات.. ما القصة؟
  • ميسي قد يتسبب في أزمة بين رونالدو وتاليسكا.. صورة
  • «ود العالمية لتنمية الطفولة المبكرة» تناقش تأثير التغير المناخي على تنمية الطفولة المبكرة
  • خبير: ضرب إسرائيل لمصافي نفط إيران قد يتسبب في اندلاع حرب إقليمية