حادثة جسر ماركو بولو.. شرارة أشعلت حربا بين الصين واليابان
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
حادثة جسر ماركو بولو هي معركة حدثت بين الجيشين الصيني والياباني عام 1937 نتيجة توسع اليابان في الأراضي الصينية وضجر السكان من تزايد أعداد الجنود اليابانيين في الصين، فنشب خلاف أدى إلى إطلاق نار عند الجسر تطور إلى حرب بين الجانبين استمرت 8 سنوات وشارك فيها نحو 10 ملايين جندي من الجانبين، وأسفرت عن سقوط أكثر من 22 مليونا من الضحايا، معظمهم من المدنيين الصينيين، ووصل عدد ضحايا اليابان نحو 2.
1 مليون، بينما فقد الجانب الصيني 3.2 ملايين.
بعد استيلاء الإمبراطورية اليابانية على مقاطعة منشوريا (شمال شرق الصين) عام 1931، وتشكيل حكومة مانشوكو الموالية لها، أرادت التوسع واحتلال مزيد من الأراضي في الصين وجنوب شرق آسيا.
تململ القوميون الصينيون من تزايد أعداد القوات اليابانية، بما يزيد على الحصة المتفق على وجودها على خطوط السكك الحديدية بين بكين وميناء تيانجين، وذلك حسب "بروتوكول الملاكمين"، الذي أبرم عام 1901 بين الصين ومجموعة الدول الثماني (بريطانيا والنمسا والولايات المتحدة واليابان وروسيا والمجر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا).
صورة لأعضاء الحزب الشيوعي الصيني التقطت عام 2022 (أسوشيتد برس)وقد وُضع هذا البروتوكول بعد "تمرد الملاكمين"، الذي قامت به مجموعات من الفلاحين الصينيين المنتشرين في مناطق شمال الصين، الذين يعتمدون على أساليب الإعداد الروحي والبدني والفنون القتالية القديمة للدفاع عن النفس.
بدأ التمرد أواخر القرن التاسع عشر، وكان موجها ضد القوى الإمبريالية الغربية بالإضافة إلى اليابان، فرأى المتمردون أن القوى الغربية تعبث بالنسيج البوذي في البلاد عن طريق نشاط المبشرين المسيحيين الغربيين، الذين استطاعوا بالفعل تغيير ديانة الملايين من الصينيين إلى المسيحية، كما رأوا أن اليابان تسعى للاستحواذ على نفوذ تجاري واقتصادي في الصين.
وخلّف التمرد خسائر بشرية كبيرة في صفوف المتمردين والصينيين المسيحيين، وفي أعداد محدودة من القوة الدولية التي تشكلت بقيادة الجنرال البريطاني ألفريد غاسلي، وسميت "تحالف الأمم الثماني"، وبلغ تعدادها 54 ألف جندي معظمهم من اليابان، بالإضافة إلى روسيا وبريطانيا وفرنسا وأميركا وألمانيا والنمسا والمجر.
دخلت القوة الدولية بكين عاصمة الإمبراطورية الصينية أغسطس/آب 1900، وفي السابع من سبتمبر/أيلول 1901 أجبرت هذه القوى الصين على التوقيع على معاهدة "الملاكمين"، التي تعهدت الصين بموجبها بدفع 333 مليون دولار لتحالف الدول الثماني، إضافة إلى التعهد بإعدام 10 من كبار قيادات التمرد.
زوار يتأملون صورا من زمن الحرب عرضت على جسر ماركو بولو في الذكرى الـ70 للحرب (رويترز) بداية الحربفي ليلة السابع من يوليو/تموز 1937، عبرت فرقة عسكرية يابانية متمركزة عند منطقة "فنغت" الحدود للقيام بتمرين عسكري، واستُهدفت هذه الفرقة بطلقات نارية أسفرت عن اندلاع مناوشات قرب وانينغ على بعد 16 كيلومترا جنوب غرب بكين.
ومع عودتهم إلى مناطقهم، تنبّه اليابانيون لغياب الجندي شيمورا كيكوجيرو، فأرسلوا إلى المسؤول العسكري الصيني في المنطقة وطالبوه بالسماح لهم بدخول وانينغ للبحث عن زميلهم المفقود، وعندما رفض الصينيون ذلك، باشر اليابانيون بحشد مزيد من القوات قرب وانينغ وراسلوا المسؤول العسكري الصيني مجددا وهددوه بتدخل عسكري وشيك.
وردا على ذلك، أمر قائد فرقة المشاة الصينية الـ37 الجنرال فينغ زهييان القوات المرابطة قرب وانينغ بالتأهب استعدادا للتصدي إلى هجوم ياباني محتمل.
وفي خضم هذه الأحداث، تفاجأ الجميع في الجانب الياباني بعودة زميلهم شيمورا كيكوجيرو إلى موقعه سليما، مؤكدا أنه تاه وضل طريقه عن سير الجيش الياباني.
صينيون يعبرون فوق جسر ماركو باولو (أسوشيتد برس)ولم تكن عودة شيمورا كيكوجيرو كافية لوقف الأزمة، إذ تواصَل التصعيد بين اليابانيين والصينيين وبلغ نقطة اللاعودة.
وفي الساعة الخامسة صباح اليوم التالي، فتحت إحدى فرق القوات الصينية النيران على الجنود اليابانيين المتمركزين عند جسر ماركو بولو وموقع السكة الحديدية القريبة.
في الأثناء، لاحظ العمدة وانغ لنغزاي تجمهرا كبيرا للقوات اليابانية حول وانينغ تزامنا مع عودته للمدينة عقب جولة من المفاوضات. وبعد 5 دقائق فقط، شاهد العمدة سقوط قذائف مدفعية صينية على الجانب الياباني.
ولاحقا تطورت هذه الأحداث، التي عرفت تاريخيا بأحداث جسر ماركو بولو، وتحولت إلى نزاع عسكري موسع بين الصين واليابان استمر أكثر من 8 سنوات وأسفر عن سقوط ملايين الضحايا.
وكانت هذه الحادثة بداية حرب المقاومة الصينية الكاملة النطاق ضد العدوان الياباني، فقد احتلت اليابان منطقة منشوريا الغنية بالموارد شمال شرق الصين، مطلع عام 1931.
طوق نجاة للحزب الشيوعيمثّلت هذه الحادثة طوق النجاة الحقيقي والحيوي للحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونغ، فقد كان هذا الحزب الناشئ الصغير محارَبا بشدة من قبل الأحزاب القومية الصينية، ومحاصَرا في مناطق محدودة في شمال غرب الصين.
وكان الزعيم القومي ورئيس حكومة منشوريا، شيانغ كاي شيك، قد رفض في البداية خطورة حادثة جسر ماركو بولو، ولم يكن مستعدا للسماح للقوات الشيوعية بالعمل تحت قيادة مستقلة.
ولكن في نهاية يوليو/تموز 1937، ومع تفاقم الوضع، وافق على إعادة تنظيم القوات الشيوعية، لتكون جيشا شرعيا تحت قيادة مستقلة مقابل انتشارها السريع ضد القوات اليابانية في الشمال.
وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه، وافق شيانغ على الإعلان عن تشكيل جبهة موحدة، في اعتراف فعلي بشرعية الحزب الشيوعي وحكومته، وسيطرته الشرعية على مناطق معينة، وذلك في محاولة لتسريع نشر القوات الشيوعية ضد اليابانيين. وقد سهل هذا الأمر إلى حد كبير التوسع اللاحق للحزب الشيوعي الصيني.
زعيم الحزب الشيوعي الصيني وزعيم الثورة الصينية "ماو تسي تونغ" (غيتي)وبمجرد أن حصل الشيوعيون على التنازلات الرئيسية، بما في ذلك الوعد بالحصول على الشرعية، تحولت الإستراتيجية العسكرية إلى عمليات حرب العصابات في الجبال، في محاولة للحفاظ على القوة العسكرية للحزب وتعزيزها في مواجهة الأحزاب القومية.
وقد اقترنت هذه الإستراتيجية بجهد هائل لتجنيد أعضاء جدد في التنظيم، وتمكن الحزب الشيوعي الصيني نتيجة لذلك من زيادة عضويته من نحو 30 ألفا في بداية الحرب إلى نحو 800 ألف بحلول عام 1940، بينما شكل جيشا قوامه نحو 500 ألف جندي.
احتلال شانغهاي ومذبحة نانجينغفي أوائل أغسطس/آب 1937، حاولت المقاومة الصينية في شانغهاي وضواحيها إيقاف التقدم السريع للقوات اليابانية، من أجل إعطاء مزيد من الوقت للحكومة المركزية لنقل الإمدادات الدفاعية إلى الداخل الصيني، واستطاع الصينيون تكبيد اليابانيين بعض الخسائر. وشارك في معركة شانغهاي نحو مليون جندي من الطرفين.
صورة حديثة لمدينة شنغهاي (غيتي)لكن المرحلة الثانية من المعركة، بين نهاية أغسطس/آب حتى أكتوبر/تشرين الأول، شهدت إنزالا برمائيا للقوات اليابانية وضربات مركزة بالطيران والقوة البحرية والمدفعية البرية، ودارت معارك طاحنة بين القوتين، إلى أن انسحبت المقاومة الصينية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 1937، وسقطت شانغهاي وما حولها في يد اليابانيين.
في أواخر عام 1937 وخلال 6 أسابيع، قتلت القوات اليابانية مئات الآلاف من العسكريين والمدنيين في مدينه نانجينغ الصينية، في حادثة تعرف باسم "مذبحة نانجينغ".
ودخلت المدينة قوات الجيش الياباني بقيادة الجنرال ماتسوي إيوان يوم 13 ديسمبر/كانون الأول، وقتلت آلافا من الجنود الصينيين وذُبِحت أسر بأكملها، واغتصبت النساء، وظلت الجثث مبعثرة في الشوارع، ونُهِب وأُحرِق ثلث مباني المدينة.
مرحلة الحسم وتحرير منشوريابدأ الجيش الياباني في أوائل عام 1940، بعد أن رأى تضخم صفوف الشيوعيين، في إجراء عمليات تمشيط عسكرية للريف، لا سيما في الشمال، في محاولة لاقتلاع الجيش الأحمر وأنصاره. وردا على ذلك، قرر الشيوعيون التحول إلى إستراتيجية جديدة عرفت بهجوم الأفواج الـ100.
خط سكة حديدية حديث في إحدى مقاطعات الصين (غيتي)وكان هذا الهجوم حملة منسقة واسعة النطاق ضد المدن التي تسيطر عليها اليابان وخطوط السكك الحديدية. بينما نجح الهجوم في إتلاف بعض البنية التحتية والقواعد اليابانية، ولكن الدمار الذي أحدثه اليابانيون في ردهم الانتقامي أكبر بكثير.
وقد استفاد الشيوعيون من الثغرات التي تركها اليابانيون، بعد سحب بعض قواتهم المنتشرة في الصين إلى جبهات أخرى في المحيط الهادي، وتحولوا إلى الموقف الهجومي وبسطوا سيطرتهم على طول خطوط السكك الحديدية والمدن الصغيرة.
أصدرت قيادة الحزب الشيوعي الصيني في يانان تعليمات للتحضير للعمليات السوفياتية ضد اليابان وعودة شمال شرق البلاد منشوريا إلى السيطرة الصينية. ودعا بيان صدر في العاشر من أغسطس/آب 1945 إلى النزع الفوري لسلاح القوات اليابانية والاستيلاء على المدن ووسائل النقل في حالة استسلام اليابان الذي كان يرجَح حدوثه بشكل متزايد.
وفي اليوم التالي، أصدر مقر الحزب تعليماته للجيش الأحمر بالتقدم نحو الشمال الشرقي. وخلال هذه الفترة الحاسمة، تمكن الحزب الشيوعي الصيني، بفضل دعم وحماية الاتحاد السوفياتي، من إيجاد موطئ قدم راسخ في الشمال الشرقي.
الخسائر البشريةأسفرت هذه الحرب عن سقوط أكثر من 22 مليونا من الضحايا معظمهم من المدنيين الصينيين، وقد شارك فيها نحو 10 ملايين جندي من الجانبين، ووصل عدد ضحايا اليابان نحو 2.1 مليون، بينما فقد الجانب الصيني 3.2 ملايين. وأصبحت هذه الحرب واحدة من الأمثلة على جرائم الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی الصینی فی الصین أغسطس آب
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد الصيني.. عام آخر من التحديات مع بوادر لتحفيز محلي
سلطت صحيفة "إيكونوميست" الضوء على توقعات قاتمة للاقتصاد الصيني لعام 2025 في تقرير جديد لها، مع التركيز على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات جريئة لتحفيز الطلب المحلي وتجاوز العوائق الاقتصادية.
التقرير، الذي تم إعداده بعد انعقاد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي للصين، يشير إلى أن البلاد تواجه تباطؤًا اقتصاديا متزايدا وسط تهديدات جديدة بفرض تعريفات جمركية أميركية تصل إلى 60%.
تحديات قائمة وأخرى وشيكةوفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 3% فقط مقارنة بالعام السابق، مع تضخم محدود عند 0.2%.
تعكس هذه الأرقام -وفق إيكونوميست- التردد المزمن لدى المستهلكين الصينيين الذين لم يستعيدوا ثقتهم منذ أزمة كوفيد-19 عام 2022.
ومع تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية إضافية على المنتجات الصينية، تشير تقديرات "سيتي غروب" إلى أن هذه الإجراءات قد تقلّص معدل النمو الاقتصادي في الصين بمقدار 2.4 نقطة مئوية.
مبيعات التجزئة ارتفعت بنسبة 3% فقط مقارنة بالعام السابق مع تضخم محدود عند 0.2% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (غيتي) تأثير محدود لتحفيزات سابقةوعلى الرغم من الجهود التحفيزية السابقة مثل خفض أسعار الفائدة ومتطلبات الاحتياطي البنكي، فإن الطلب على الائتمان بقي ضعيفًا، بحسب الصحيفة. وشهدت محاولات الحكومة لدعم السوق العقاري، بما في ذلك قروض مخفضة بقيمة 300 مليار يوان (42 مليار دولار)، إقبالاً محدودا بنسبة لا تتجاوز 15% حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
إعلانوتعود التحديات الحالية جزئيًا إلى الإفراط في التحفيزات السابقة التي أدت إلى ارتفاع الديون وتضخم القطاع العقاري، إذ اعتمدت الصين في عام 2012 سياسات إصلاح هيكلي تركز على تقليل الفائض الصناعي وخفض ديون الشركات، لكنها قيدت أيضًا المرونة المالية خلال التباطؤ الحالي.
وتشير دلائل جديدة إلى تغيير في السياسات الصينية، ففي نوفمبر/تشرين الثاني السابق، أعلنت وزارة المالية عن إصدار سندات إضافية بقيمة 10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار) لخفض التكاليف على الحكومات المحلية.
ومن المتوقع أن يتم تحرير حوالي 1.2 تريليون يوان (168 مليار دولار) في عام 2025 لدعم النمو الاقتصادي. كما أولى مؤتمر العمل الاقتصادي اهتمامًا خاصا بزيادة الاستهلاك المحلي، متجاوزًا هدف شي جين بينغ الأساسي لتحسين التصنيع.
إجراءات لتحفيز الاستهلاكوأظهرت السياسات التحفيزية بعض النتائج الإيجابية في السوق العقاري، حيث ارتفعت مبيعات العقارات السكنية الجديدة في نوفمبر/تشرين الثاني السابق لأول مرة منذ ثلاث سنوات.
ومن المتوقع أن تواصل الحكومة برامجها لدعم استبدال الأجهزة المنزلية، والتي ساعدت في رفع مبيعات هذه المنتجات بنسبة 22% خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، تعتزم الحكومة زيادة المعاشات ودعم التأمين الصحي لتشجيع المواطنين على الادخار بدرجة أقل وإنفاق المزيد، حسبما ذكرته الصحيفة.
وفقًا لتقديرات "غولدمان ساكس"، قد يرتفع العجز المالي العام للصين إلى نحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025.