السومرية تفكك قرارا حكوميا عن الدفع الالكتروني.. كيف سيخدع التاجر المواطن والدولة بوقت واحد؟
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
السومرية نيوز- خاص
في الجلسة الاعتيادية لمجلس الوزراء التي عقدت يوم امس الثلاثاء، تضمنت قرارات المجلس مجموعة من القرارات المتعلقة بالدفع الالكتروني في العراق والتشجيع عليه، لكن احد القرارات المتخذة قد يتضمن "ثغرة" يستثمرها التجار لينتفع من المواطن والدولة في آن واحد وبشكل مضاعف، فيما تقدم السومرية نيوز في هذا التقرير قراءة ومراجعة للقرار وتفسيره.
القرارات تضمنت اعفاء المواطنين او "مشتري السلع والخدمات" من عمولة الدفع الالكتروني، لكن ليس الغاء العمولة لانها أجور خدمات الدفع الالكتروني لا يمكن الغاؤها، بل ابقائها وتحميلها على البائع، حيث تضمن قرار مجلس الوزراء انه "يتحمل القابض، عمولات الدفع الإلكتروني من القطاعين الخاص والعام ولا يتحمل الدافع أي عمولات للدفع الإلكتروني".
لكن ماذا بالمقابل؟، يكمل القرار إن الحكومة ستتحمل نصف ما سيتحمله القابض من عمولات، في خطوة تخفف من "خسارة" قابضي الأموال من تجار وبائعين ومقدمي خدمات، لكن الحكومة لن تدفع هذه الـ50% الى التاجر او القابض بل تعوضه إياها بطريقة أخرى.
حيث يكمل القرار بعد ان يتحمل القابض عمولات الدفع الالكتروني، تقوم الحكومة بتعويض نسبة (50%) من عمولات الدفع الإلكتروني التي يدفعها القابض (التاجر أو صاحب العمل وجهات القطاع الخاص كافة).
لكن القرار اشترط، ان هذه الـ50% التي تتحملها الدولة، لن ترجعها كأموال كاش الى القابض الذي دفع عمولات زبائنه، بل ستخفضها من الضرائب او أي أموال يجب ان يدفعها صاحب المال الى الدولة، حيث يقول نص القرار: "تقوم الحكومة بتعويض نسبة 50% من عمولات الدفع الالكتروني الذي يدفعها القابض، على أن يتم استخدامها في دفع التزامات القابض للدولة بالدفع الإلكتروني حصرًا، كتجديد الرخص ودفع الضرائب والكمارك والرسوم والأجور البلدية وأجور الكهرباء وكل ما بذمته للدولة، ولا يمكن استردادها نقدًا في أي حال من الأحوال".
*ماذا يعني ذلك؟
في مثال توضيحي، فأن صاحب شركة تبيع الأثاث على سبيل المثال، كان يبيع للزبون سلعة او حاجة يبلغ ثمنها مليون دينار عراقي، وقرر الزبون الدفع الكترونيا، سيكون على صاحب شركة الأثاث ان يتحمل عمولة الدفع، مايعني ان المشتري لن يدفع اكثر من مليون دينار، اما العمولة التي قد تبلغ الف او 5 الاف دينار حتى، سيقوم صاحب الشركة البائع بتحملها من جيبه إلى شركة الدفع الالكتروني او المصرف.
لكن تكرار هذه العملية مع جميع الزبائن، سيجعل صاحب الشركة يدفع أموالا طائلة من أرباحه إلى شركات الدفع الالكتروني.
وعلى سبيل المثال، اذا افترضنا ان في نهاية الشهر، وجد صاحب الشركة ان مجموع العمولات التي دفعها بدلا عن زبائنه، ستبلغ مليوني دينار عراقي، ستقوم الدولة بتعويضه بمليون دينار أي تتحمل 50% من العمولة التي تحملها، لكن الدولة لن تعطي صاحب الشركة هذا المليون دينار كاش، بل ستقوم بتخفيضه من الالتزامات المالية كالضرائب او الرسوم او أي شيء يجب ان يدفعه للدولة.
*كيف سيكون التلاعب؟
لكن العملية بالمجمل، ستكون "مزعجة ومغرية" للتاجر بوقت واحد، فهي مزعجة من ان يتحمل عمولات الدفع الالكتروني بدلا عن زبائنه، وكذلك مغرية لانه سيحصل على امتيازات من الدولة، خصوصا اذا كان بامكانه الحصول على هذه الامتيازات والتخفيضات من الضرائب والرسوم بالفعل دون ان يتعرض للخيار المزعج المتمثل بتحمل عمولات زبائنه.
يعني، ان التجار قد يقومون برفع أسعار البضائع او السلع او الخدمات التي يقدمونها حتى لو بمقدار بسيط، وذلك لتكون هي بمثابة "اخذ العمولة بشكل مسبق وتحميلها على الزبون لكن باعتبارها ضمن ثمن السلعة وليس عمولة".
وبنفس الوقت، سيحصل التاجر او البائع، على تخفيض نصف التزامته المالية الى الدولة، دون ان يدفع دينارا واحدا، حيث انه سيذهب في نهاية الشهر ليبلغ الدولة انه دفع مليوني دينار مثلا كعمولات بدلا من زبائنه، لكنه في الحقيقة، حصل على هذه المليونين مسبقا من خلال رفع ثمن السلع على الزبائن، وبنفس الوقت سيحصل على تخفيض التزاماته تجاه الدولة من ضرائب ورسوم إلى النصف تماما.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: الدفع الالکترونی عمولات الدفع صاحب الشرکة
إقرأ أيضاً:
القوة الخفية التي هزمت حميدتي ..!
منذ انطلاق الرصاصة الأولى في الخرطوم يوم 15 أبريل 2023، كان واضحاً أن محمد حمدان دقلو (حميدتي) لم يقرأ المشهد العسكري والسياسي جيداً، أو قرأه بعين الوهم لا ببصيرة الواقع وبواطن الحقائق.
راهن الرجل على انقلاب خاطف وسريع يمكنه من وضع السودان في قبضته، لكنه لم يدرك طبيعة القوة الخفية في الدولة السودانية، تلك الدولة التي تبدو في ظاهرها ضعيفة ومفككة وآيلة للزوال، وذات مؤسسات هشة قابلة للانهيار السريع، لكنها أثبتت مراراً أن لديها عناصر قوة خفية لا تظهر إلا في مواجهة التحديات الكبرى.
عناصر القوة الخفية في الدولة السودانية:
• قوة المجتمع في التناصر والتعاضد ومقاومة الظلم والعدوان.
• قوة المؤسسات العسكرية والأمنية في تراكم خبراتها، وعمق تأهيلها المهني ، وروح الثبات والصبر على تحقيق الأهداف، وهي سمات تميز ضباطها وجنودها.
• قوة وجسارة الشباب بمختلف انتماءاتهم السياسية في مواجهة التحديات والمخاطر، سواء في الحروب أو التظاهرات.
• مستوى الوعي السياسي القادر على فضح النوايا الشريرة المغطاة بالشعارات التجميلية.
• العمق التاريخي لنضالات الشعب السوداني، الممتد منذ الممالك المسيحية، مروراً بمملكة الفونج، والثورة المهدية، واللواء الأبيض.
ما فعلته قوات حميدتي أنها استفزت مكامن القوة الخفية في الدولة السودانية، فوجدت نفسها في مواجهة مختلف الطيف القبلي والجهوي والثقافي والسياسي والعسكري. ونتيجة لذلك، تشكّل تيار وطني عريض وغير مسبوق، عابر للانتماءات.
هذا التيار الوطني ضمّ:
• شيوخ ورجال الدين والطرق الصوفية مثل عبد الحي يوسف، شيخ الزين محمد أحمد، شيخ الكباشي، والمكاشفية، والختمية والجماعات السلفية ، وقساوسة كنيسة ماري جرجس وغيرهم.
• الفنانات مثل ندى القلعة، إيمان الشريف، ميادة قمر الدين وغيرهن.
• المفكرين من مختلف التيارات، من الإسلاميين مثل أمين حسن عمر، عبد الوهاب الأفندي، التجاني عبد القادر، وحسن مكي، إلى اليساريين والليبراليين مثل البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، د. محمد جلال هاشم، د. عشاري أحمد محمود، د. معتصم الأقرع، د. صلاح بندر، والروائي عبد العزيز بركة ساكن وغيرهم.
• المقاتلين من الحركات المسلحة في دارفور، وقوات “كيكل”، و”برأوون”، و”غاضبون”، و”المستنفرين”، وشباب الأقباط، و”ميارم الفاشر”، و”مرابطات الشمالية ونهر النيل”، والشيخ موسى هلال.
كل هؤلاء وغيرهم تصدوا لحماية الدولة السودانية والدفاع عن وجودها.
حميدتي، الذي كان بالأمس شريكاً في السلطة، متمتعاً بقوتها ونفوذها، ظن أنه قادر على اختطاف الدولة، لكنه نسي أن القوة وحدها لا تكفي، وأن شرعية البندقية لا تدوم طويلاً. فالرهان على الدعم الخارجي، والتحالفات المصلحية، واستراتيجية “الأرض المحروقة”، لن يحقق له أهدافه، بل سيؤدي إلى عزله وإنهاء وجوده في الفضاء العام.
فشل مشروع انقلاب حميدتي على الدولة السودانية لم يكن مفاجئاً، بل كان حتمياً، لأن أي انقلاب يفتقر إلى عمق سياسي، ورؤية استراتيجية، وحاضنة شعبية، لا يعدو كونه مغامرة متهورة باهظة التكلفة.
منذ اللحظة الأولى، كان واضحاً أن حميدتي يخوض معركة بلا غطاء وطني، وبلا ظهير سياسي يمتلك الخبرة والذكاء، وبلا أفق بعيد. اعتمد على القوة اللحظية العارية، لكنه واجه الحقيقة القاسية: القوة الخفية في المجتمع كانت أكبر من قوته العسكرية.
اليوم، وبعد ما يقارب العامين من الحرب، لم يبقَ لحميدتي سوى أطلال مشروع متهالك، وتحالفات تتآكل، وساحة تتسع لنهاية مأساوية.
فالتاريخ لا يرحم من ظنوا أن البنادق تصنع شرعية، ولا يغفر لمن توهموا أن الدعم الخارجي وحده يمكنهم من حكم الأوطان.
ضياء الدين بلال
إنضم لقناة النيلين على واتساب