التضليل في محاولة تغيير الموضوع من حكم المحكمة إلى الأونروا
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
تكره إسرائيل المنظمات الدولية، إلا إذا سيطرت عليها. إنها تكره الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأنها تمثل العالم وهي تكرهه. وتكره مجلس الأمن الدولي لأن فيه روسيا والصين ودول أخرى لا تراها جديرة بالتمثيل فيه، وتستعين بالفيتو الأمريكي لوقف قراراته ضدها. وتكره اليونسكو لأنها تذكّر العالم باغتصاب إسرائيل تاريخ فلسطين وأرضها وحضارة شعبها.
ناليدي بندور وزيرة خارجية جنوب افريقيا ميزت بين نوعين من الدبلوماسية إزاء حرب غزة، الأول هو ما يمكن أن نطلق عليه «دبلوماسية المتفرجين»، والثاني هو ما يمكن أن نطلق عليه «الدبلوماسية النشيطة». وقد اختارت جنوب افريقيا النوع الثاني، لأنها رأت استحالة أن تكتفي بإصدار البيانات وإلقاء الخطب، وهو ما يمثل عرض بضاعة مكررة في سوق بائرة، ولم تقبل أن تتخذ موقف المتفرجين إزاء جريمة إبادة جماعية تعرض لها شعبها خلال سنوات الكفاح ضد نظام التفرقة العنصرية، الذي فرضه الأوروبيون البيض على الأفارقة. وتعني الدبلوماسية النشيطة استخدام المعطيات القائمة كافة، بما فيها المنظمات الدولية من أجل الانتصار للحق، موقف جنوب افريقيا جاء على عكس الدول العربية، بما فيها المتضررة مباشرة من حرب غزة، التي اختارت لنفسها ممارسة «دبلوماسية المتفرجين» العقيمة.
يحمل قرار محكمة العدل الدولية إدانة ضمنية لإسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيناليوم يجتمع مجلس الأمن الدولي لمناقشة قرار محكمة العدل الدولية، بناء على طلب الأمين العام، الذي أحال القرار للمجلس فور صدوره، وطلب الجزائر التي تمثل المجموعة العربية، حيث تقدمت هي أيضا بطلب مناقشة القرار في مجلس الأمن. ولا يوجد حتى وقت كتابة هذه السطور مشروع قرار للتصويت عليه بخصوص الإجراءات التنفيذية للحكم، ما يعني أن المناقشة يمكن أن تسفر عن إصدار بيان يعيد التأكيد على ما جاء في حكم المحكمة، ويؤكد أنه ملزم واجب النفاذ. هذه الخطوة بنقل قرار محكمة العدل الدولية للمناقشة في مجلس الأمن، تحمل قيمة معنوية، وتعزز النقاش الدائر بشأن ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، لكن ما يضيف أسنانا أو مخالب إلى الحكم هو، إصدار قرار بواسطة مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار فورا، وتشكيل قوة دولية لحفظ السلام، باعتبار أن ذلك يمثل الشرط المسبق لتنفيذ ما جاء في حكم المحكمة.
حرب غزة والهولوكوست
جاء صدور قرار محكمة العدل الدولية الذي يحمل إدانة ضمنية لإسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، في اليوم السابق للاحتفال السنوي بذكرى الهولوكوست، وهو اليوم الذي يتذكر فيه العالم مذابح النازي ضد اليهود في أوروبا. هذه المصادفة التي تجمع بين اتهام إسرائيل بارتكاب مذابح إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وذكرى الهولوكوست تذكِّر العالم بأن الضحية قادرة على ممارسة دور الجلاد، وأن إسرائيل في هذه الحالة تمارس دور الجلاد على شعب بريء احتضن اليهود وعاش معهم آلاف السنين، وليس له أي ذنب على الإطلاق في المذابح التي ارتكبها أوروبيون ضد اليهود. قد تشعر ألمانيا على سبيل المثال بالذنب تجاه اليهود بسبب النازي، لكن هذا أدعى بها أن تعمل لمنع جرائم الإبادة الجماعية وليس تأييدها، ذلك لأن التاريخ لم يتوقف عند الهولوكست، ويجب عدم السماح لإسرائيل أو تأييدها في ارتكاب مذبحة ضد شعب آخر، اغتصبت أرضه وشردته وتحاول الآن إبادة هويته تماما. في هذا السياق فإن حكم محكمة العدل الدولية يكتسب دلالة رمزية قوية لأن صدوره جاء عشية ذكرى الهولوكوست. ويبدو لي أن هذه المصادفة التي جمعت بين الحكم وذكرى الهولوكوست كانت واحدة من الأسباب وراء إعداد خطة سياسية وإعلامية مشتركة مضادة، تبنتها إسرائيل والولايات المتحدة من أجل تقليل الضرر الذي لحق بإسرائيل من القرار. وقد تم إعداد هذه الخطة المضادة بمهارة فائقة لتحقيق هدفين في آن واحد. الهدف الأول هو الطعن في مصداقية الأمم المتحدة ومنظماتها، ومنها محكمة العدل الدولية. والهدف الثاني هو تغيير موضوع الخطاب العام في الإعلام العالمي، عن طريق إغراقه في مناقشة قضية أخرى غير حكم محكمة العدل الدولية. «تغيير الموضوع» هو تكتيك تقليدي في السياسة على كل المستويات، للهروب من مناقشة موضوع لا يريد أحد الأطراف مناقشته، فيشغل العالم بموضوع آخر غير الموضوع المطلوب التهرب منه. ويتم استخدام تكتيك «تغيير الموضوع» على نطاق واسع بواسطة الحكومات والأجهزة التي تسعى لتضليل الرأي العام والتغطية على فشلها أو جرائمها. وهناك وسائل كثيرة يتم استخدامها لتحقيق الغرض من تغيير الموضوع، تصل إلى حد افتعال جرائم، أو خلق أحداث تؤدي إلى صرف الرأي العام العالمي عن الموضوع الرئيسي. وقد بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي باتهام قضاة محكمة العدل الدولية بالعداء للسامية، كما اتهم العالم كله قائلا، إنه رغم مرور عقود على الهولوكوست، فإن حكم المحكمة يثبت أن العالم لم يتعلم بعد الدروس التي ينطوي عليها. واستخلص من ذلك أن إسرائيل تواجه خطرا وجوديا، ليس من «الإرهاب» فقط، ولكن أيضا من هؤلاء الذين يقدمون وصفة تمهد لارتكاب هولوكست جديد بواسطة الفلسطينيين! وانتشرت في تصريحات نتنياهو والمسؤولين الأمريكيين عبارات متشابهة المعاني، تؤكد أن حق إسرائيل في الدفاع نفسها يعلو على التزامها بقواعد القانون الدولي، وأن نزعة العداء للسامية منتشرة في المنظمات الدولية، وأن حكم محكمة العدل الدولية منعدم القيمة، لأنه يدعو إسرائيل للالتزام بالقانون الدولي، بينما هي ملتزمة به إلى أقصى حد. ووصل الأمر إلى أن جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي قال، إن الولايات المتحدة لا ترى في ما تفعله إسرائيل في غزة ما يخالف قواعد القانون الدولي، أو يدل على أنها ترتكب جرائم إبادة جماعية، وإن سياسة إسرائيل في الحرب هي تقليل عدد الضحايا المدنيين بقدر ما تستطيع، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بما يكفي. الولايات المتحدة ترى ما لا يراه العالم، وما لم يره قضاة محكمة العدل الدولية. ونتوقع أن يكون ذلك هو خط الولايات المتحدة اليوم في مناقشة قرار محكمة العدل الدولية.
كراهية إسرائيل للأونروا
وللطعن في مصداقية العمل الذي تقوم به منظمات الأمم المتحدة في غزة، تم تنشيط الادعاء بأن بعض موظفي منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» شاركوا في عملية «طوفان الأقصى». وقدمت إسرائيل بالفعل أسماء عدد من الموظفين الذين ادعت أنهم قاموا بدور في العملية، كما قدمت شهادة نسبتها إلى واحدة من المحتجزات، ممن تم الإفراج عنهن قالت فيها إنها تم احتجازها في مسكن لواحد من العاملين في «الأونروا». وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة تجري تحقيقا بشأن هذه الادعاءات، وقامت بالفعل خلال التحقيق بوقف المدعى عليهم وفصلهم من العمل، وقالت إن من يثبت مشاركته في العملية ستتم محاكمته جنائيا، فإن الولايات المتحدة فجرت قنبلة سياسية في الموضوع بإعلان توقفها عن تمويل «الأونروا»، وأرفقت قرارها بدعوة الدول الغربية إلى أن تحذو حذوها، فانضم إليها بالفعل حتى وقت كتابة هذه السطور عشر دول، أعلنت التوقف عن تمويل منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين. ما قامت به الولايات المتحدة والدول التي انضمت إليها يمثل عقابا جماعيا ضد اللاجئين الفلسطينيين جميعا، على النسق نفسه الذي بمقتضاه تقوم إسرائيل بأعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، بزعم الحرب على حماس، ذلك أن «الأونروا» هي التي تقدم الدعم الإنساني الأساسي للفلسطينيين، وفي حال جفاف مواردها المالية فإن دورها سينتهي وتتوقف عن العمل في الأسابيع القليلة المقبلة، وهو ما تسعى إليه إسرائيل. إسرائيل لا تريد بقاء الأونروا لأنها شريان بقاء الفلسطينيين في المخيمات، الأونروا هي التي تقدم الغذاء والكساء وخدمات التعليم والرعاية الاجتماعية وغير ذلك من سبل الحياة الأساسية. وفي موتها يسهل تهجير مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين من أرضهم بسهولة لأن حياتهم فيها ستكون مستحيلة.
المصدر: القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين غزة الأونروا فلسطين غزة الاحتلال الأونروا مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قرار محکمة العدل الدولیة اللاجئین الفلسطینیین الولایات المتحدة إبادة جماعیة ضد جنوب افریقیا حکم المحکمة مجلس الأمن إسرائیل فی حرب غزة
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تعلن استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
قال ستيفان دوجاريك، متحدث الأمم المتحدة ، إن الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو جوتيريش، أعرب عن احترامه لاستقلالية المحكمة الجنائية الدولية، وفقا لما أوردته وكالة الانباء الفلسطينية "وفا".
استشهاد فلسطينيان وإصابة آخرين جراء قصف الاحتلال منزلا جنوب غزة الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفرادجاء ذلك في مؤتمر صحفي، الليلة، علق فيه على مذكرتي الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت.
وردا على سؤال عما إذا كان هناك احتمال لاعتقال نتنياهو إذا حضر اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025، قال دوجاريك: "فرقنا الأمنية ملزمة بحمايتنا وحماية المبنى، وليس اعتقال أي شخص".
وفيما يتعلق بكيفية تأثير صدور مذكرة اعتقال بحق شخص ما على مشاركته في اجتماعات الأمم المتحدة، قال دوجاريك إن هذا الوضع يتعلق بالبلد الذي تقام فيه فعاليات المنظمة الدولية.
ويوم أمس الخميس، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال دوليتين بحق نتنياهو وغالانت، بتهم تتعلق بـ"ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" خلال حرب الإبادة المتواصلة على غزة منذ 413 يوما.
وقالت المحكمة، في بيان إن "الغرفة التمهيدية الأولى رفضت الطعون التي تقدمت بها إسرائيل بشأن الاختصاص القضائي، وأصدرت مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت".
وحث المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الدول الأعضاء وغير الأعضاء في المحكمة على التعاون بشأن مذكرات الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو وغالانت، في الوقت الذي أكدت فيه العديد من دول العالم احترامها لدور المحكمة واستقلاليتها.
وفي 20 مايو الماضي، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بغزة منذ السابع من أكتوبر 2023.
كما طلب خان مرة أخرى في أغسطس الماضي، من المحكمة سرعة إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
وخلّفت حرب الإبادة جماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبنا في قطاع غزة خلفت أكثر من 148 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.