المقاومة في الضفة أمام سيناريوهات صعبة
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
تشبه الحالة العامة في الضفة الغربية اليوم تلك الحقبةَ التي سادت بين عامَي 1967 و1987، فإرهاصات التحول والعودة إلى الجذور اليوم في الضفة تشبه تلك التي سادت عشية الانتفاضة الأولى عام 1987، بينما تتشابه حالة الانتكاسة العامة وضعف المقاومة في الضفة مع تلك السنوات ما بين نكسة 1967 والانتفاضة الأولى.
كانت الفترة بين النكسة والانتفاضة الأولى هادئة إلى حد كبير في الضفة الغربية التي عايشت صدمة الاحتلال المفاجئ، وهزيمة الجمع العربي النكراء.
اعتبر ذلك سلوكًا طبيعيًا لمجتمع كان عليه أن يستوعب صدمة النكسة، حين خرج الناس في بعض البلدات ليستقبلوا الدبابات القادمة إليهم ظنًا أنها دبابات عربية ليتفاجؤُوا بأنها إسرائيلية، وأن جيش الاحتلال احتاج فقط لعبور الطريق من أجل احتلال الأرض؛ فلا العرب أعطوهم السلاح ليقاتلوا ولا هم قاتلوا بجيوشهم كما كان مأمولًا؛ ولكي لا يتم تحميل الناس أكثر مما تحتمل في تلك الفترة، يكفي الإشارة إلى أن أعظم إرباك قام به المجتمع للمشروع الصهيوني، هو أنهم لم يرحلوا عن مدنهم وقراهم كما جرى في حرب عام 1948، وهو ما لم تستطع المؤسسة الصهيونية ابتلاعه حتى اليوم.
برز في السنوات الأخيرة جيل جديد متمرد يمتاز بشراسته ورفضه الواقعَ، ويحاول جسر الهوّة بين الأصيل والطارئ، محبًا للمقاومة، لكنه لا يمتلك الخبرات الكافية، يتصرف بعفوية ولا يمتلك إمكانات التسليح الجيد
احتاجت الضفة الغربية وقطاع غزة بعد النكسة عقدين كاملين حتى أخذتا زمام المبادرة، فكانت الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة)، التي اعتبرت أعظم حراك شعبي تحرري في القرن العشرين. ثم جاءت مرحلة السلطة الفلسطينية، فانتفاضة الأقصى، لكن المرحلة الأخطر هي المرحلة التي تلت نهاية انتفاضة الأقصى، وهنا بدأت حالة التمايز بين واقع المقاومة في الضفة الغربية، وواقعها في قطاع غزة.
يكمن أحد الفروق الجوهرية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، في أن نهاية انتفاضة الأقصى شملت انسحابًا إسرائيليًا من القطاع عام 2005، كما أن المقاومة في غزة راكمت كمًا ونوعًا منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 وحتى يومنا هذا، وساعد على ذلك سيطرة حركة حماس على مقاليد الأمور في غزة منذ العام 2007. بينما سادت في الضفة الغربية حالة شبيهة بحالة ما بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967، وحالة ما قبل نكبة عام 1948، حيث تم تجريدها من كل مقومات القوة العسكرية والمجتمعية وكل عوامل المَنعة.
عملت سلطات الانتداب البريطاني في الفترة من 1936 وحتى 1947 على قتل وإبعاد وسجن كل النخبة المقاومة في فلسطين التي أُنهكت وتم تصفيتها في إطار ملاحقات ما بعد ثورة 1936، فلما جاءت النكبة كان المجتمع منهكًا، وقيادته المقاومة بين قتيل وسجين ومبعد؛ تمامًا كما هو حال الضفة الغربية عشية نهاية انتفاضة الأقصى والتي تم إعادة هندسة السلطة الفلسطينية فيها بعد انتخاب الرئيس محمود عباس عام 2005 بشكل أنهى كل مظاهر المقاومة المسلحة، وأدخل المجتمع في نمط حياة استهلاكي لا يتلاءم مع واقع شعب تحت الاحتلال.
تقف الضفة اليوم على صفيح ساخن مشابه لعتبة عام 1967، وكأن عقدَي ما بعد النكسة مشابهان للعقدين الأخيرين؛ لتتأهب لمرحلة جديدة بدأت منذ سنتين ونصف بحالات المقاومة المتفرقة في الضفة الغربية والعمليات الفردية الجريئة، رغم أنَّ "طوفان الأقصى" كشف أكثر عن هشاشة وضعف هذه الحالة لظروف موضوعية وذاتية معروفة.
تسعى دول الإقليم بكل قوة فيما تتشارك معها القوى الدولية والسلطة الفلسطينية ذات التوجه لضرورة الحفاظ على سياسة الوضع القائم في الضفة الغربية، وعدم انخراطها بشكل فاعل في المقاومة مع غزة، فيما أعادت إسرائيل تصنيف الحدود مع الأردن على أنها حدود ساخنة أمنيًا لمنع تهريب السلاح إلى الضفة، ورغم نجاحهم في تحييد الضفة حتى الآن فإنَّ استمرار ذلك مشكوك فيه.
كشفت معركة "طوفان الأقصى" عمق حالة السوء التي تمر بها الضفة الغربية التي لم تغادرْ بعدُ، وإن كانت في طريقها لمغادرة دائرة الاغتراب التي دخلتها في المرحلة الفياضية وما تلاها (تولى رئيس الوزراء السابق سلام فياض رئاسة الوزراء من 2007-2012) والتي تم هندستها وفق سياسات النيوليبرالية الجديدة والبنك الدولي، وبما يتوافق مع متطلبات الرباعية الدولية للسلام الاقتصادي، ومرحلة الرئيس محمود عباس الذي لا يؤمن مطلقًا بالمقاومة المسلحة، وهو مسكون أكثر من اللازم بمرارة الخوف من الفشل والتفوق الإسرائيلي في علاقاته التاريخية مع الفلسطينيين.
ارتفعت في هذه الفترة الممتدة من 2005-2023 مستويات الدخل بشكل كبير في الضفة الغربية، لا يعود ذلك لسياسات السلطة الاقتصادية، ولكن لسياسات نتنياهو في السماح بعمل نحو 200 ألف عامل من الضفة في الداخل ضمن سياسة الاحتواء.
تم مقابل هذا الهدوء المجاني في الضفة خلال العقدين الماضيين، تقديمُ الضفة الغربية على طبق من ذهب للمستوطنين الذين أحكموا سيطرتهم التامة على الواقع المعاش في الضفة الغربية بكل تفاصيله، وزحفوا أكثر مما كانوا يحلمون، ولم يبقَ لهم من إجراء فعلي يقومون به لإكمال مشروعهم في الضفة سوى الإعلان الرسمي عن ضم الضفة الغربية، علمًا أن الضم الفعلي قد تم.
أسهمت هذه الفترة في تفكيك حاضنة المقاومة في الضفة الغربية، فلا الضفة قاومت بالسلاح، ولا قاومت شعبيًا، وكل شعارات المقاومة الشعبية لم تكن سوى وقفات تذكارية لالتقاط الصور، باستثناء بعض الفواعل الشعبيين الجادين محدودي التأثير؛ إذ إن للمقاومة الشعبية التي يتم ترديدها رسميًا قواعد واستحقاقات لم نرَ أيًا منها في الضفة الغربية طيلة العقدين الماضيين.
أمام كل ذلك، برز في السنوات الأخيرة جيل جديد متمرد يمتاز بشراسته ورفضه الواقعَ، ويحاول جسر الهوّة بين الأصيل والطارئ، محبًا للمقاومة، لكنه لا يمتلك الخبرات الكافية، يتصرف بعفوية ولا يمتلك إمكانات التسليح الجيد، فغالبية العمليات الجريئة في الضفة كانت فردية الطابع، وتتم بسلاح بدائي مصنّع محليًا يخذل صاحبه بعد عدة طلقات، فتكون النتائج متواضعة.
توصف المقاومة في الضفة بأنها لا راعيَ لها، صحيح أنَّ كثيرًا من المجموعات خاصة شمال الضفة الغربية تتلقّى دعمًا وتمويلًا من حركات المقاومة، لكن حركات المقاومة ما زالت عاجزة عن بناء بنية تحتية تراكم فعلًا للمقاومة في الضفة، لا سيما أنَّ سياسة جزّ العشب الإسرائيلية تستخدم قبضة حديدية مبالغ فيها، مقارنة بقدرات مقاومي الضفة؛ حتى لا تسمح لهم بالتراكم، بينما تحافظ السلطة الفلسطينية على التنسيق الأمني الذي يضمن لها بقاءها، وتعتبر هذه المجموعات مهددًا لسيطرتها.
يفاقم الحالة ضعفًا وهْنُ الحاضنة الشعبية الداعمة في الضفة وهشاشتها؛ نتيجة إعادة هندسة المجتمع في العقدين الماضيين، ما جعل العلاقة بين الضفة وغزة في هذه الحرب توصف بعلاقة الخِذلان، حيث لا يوجد وصف آخر يليق بهذه الحالة.
تقف المقاومة في الضفة الغربية وَفق هذه التحديات أمام سيناريوهات صعبة، فحالة الحيادية السلبية العامة والمقاومة العشوائية الضعيفة باتت غير مقنعة، لكن اللافت أنها تتطور باتجاه أن تكون متمرسة أمام تصميم جيل شاب على إحداث التحول؛ يساعد على ذلك طول أمد المعركة في قطاع غزة، وازدياد عنف المستوطنين وجيش الاحتلال في الضفة، والقرصنة في حجب أموال الضرائب الفلسطينية، ومنع دخول العمال، حيث لا يترك ذلك مجالًا سوى للانفجار.
سيغلق ملف الحرب على غزة في لحظة ما، عندها ستبدأ مرحلة الأسئلة الصعبة في الضفة الغربية وصراع المسارات، ومع عدم الخوض كثيرًا في ذلك، فإن التقديرات لا تشير إلى العودة إلى الاستقرار الذي تحاول القوى المختلفة إعادة ضبط الضفة حوله، يوجد شيء مختلف لا يحتاج إلى كثير ذكاء من أجل قراءته في جيل الشباب والتغيرات التي أحدثها "طوفان الأقصى" فيه.
سيفرض ذلك التحول نفسه بأشكال أكثر عنفًا، ولأن التاريخ وإن تشابهت أحداثه فإنها لا تتطابق فإنَّ نهاية هذين العقدين الهادئين في الضفة سيتمخض عنها حالة جديدة لا هي الانتفاضة الأولى ولا هي انتفاضة الأقصى الثانية، لكن تحديد ملامحها مرتبط بنتائج الحرب على غزّة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة المقاومة فی الضفة فی الضفة الغربیة انتفاضة الأقصى لا یمتلک
إقرأ أيضاً:
الضفة بين مطرقة الاحتلال وسندان السلطة.. تدمير وتهجير وحرمان
ما إن تم الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة، إلا أُعلنت الحرب على مخيمات وبلدات ومدن الضفة الغربية، ليس لأن الاحتلال فشل في غزة في تحقيق أهدافه فحسب، بل لشن مرحلة أخرى من حرب الإبادة الشاملة ضد الشعب الفلسطيني.
الغريب في الأمر، أن السلطة كانت قد بدأت تمهيدا وكأنه تمهيدٌ مدفعي قبل تقدم القوات لبدء الحرب العدوانية من قبل الجيش الإسرائيلي اللاأخلاقي، هذا التمهيد الذي تم تحت ذريعة مواجهة -ما وُصفوا من قِبل الناطق باسم الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب- "الخارجين عن القانون"، وضرورة القضاء عليهم كونهم "ينفذون أجندات خارجية". والأغرب من ذلك، هو الصمت المدوّي ليس للسلطة فحسب، بل للعالم كله عما يجري من تدميرٍ ممنهجٍ للشاهد على نكبة عام 1948ورمز قضية اللاجئين وحق العودة مخيمات طولكرم وجنين ونابلس والخليل، والصمت أيضا على تهجير نحو 90 في المئة من السكان هناك بدعوى تفكيك خلايا المقاومة وتدمير قدراتها القتالية، حتى أصبح المشهد يشبه إلى حد كبير مشاهد الدمار في غزة ومشاهد الاقتحام والاعتقال والتنكيل بالأهالي وقتل المدنيين بدم بارد، كما حدث أن قُتلت أم وجنينها وأُصيبَ زوجها بجروحٍ خطرة، وإطلاق النار على عائلة في سيارتها واستشهاد الأب، وكذلك قنص شاب في طريقه إلى بيته و قتل فتاة أمام باب منزلها وكذلك الطفلة رميس عموري.
تدميرٍ ممنهجٍ للشاهد على نكبة عام 1948ورمز قضية اللاجئين وحق العودة مخيمات طولكرم وجنين ونابلس والخليل، والصمت أيضا على تهجير نحو 90 في المئة من السكان هناك بدعوى تفكيك خلايا المقاومة وتدمير قدراتها القتالية، حتى أصبح المشهد يشبه إلى حد كبير مشاهد الدمار في غزة ومشاهد الاقتحام والاعتقال والتنكيل بالأهالي وقتل المدنيين بدم بارد
ولقد اتخذت الحرب العدوانية أشكالا حديثة باستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لاختيار وضرب الأهداف، كما استُخدمت منظومات حديثة للتنسيق بين الوحدات البرية والجوية، كما أعلن عن ذلك مسؤول في الجيش الإسرائيلي كما تعمّد جيش الإحتلال تغيير معالم المخيم بفتح شوارع شبيهة بشوارع محور نيتساريم ضمن المناطق السكنية ذات البيوت المتلاصقة فيما تسمى "شوارع الاستيطان"، تمهيدا لإقامة بؤر استيطانية، وتجنب زرع العبوات الناسفة بعد هدم ونسف العشرات من المنازل، وتخريب وتدمير البنى التحتية والمرافق العامة، بذات الأسلوب الذي استُخدم في غزة لجعل هذه المناطق غير صالحة للعيش وتعميق معاناة السكان، وبالتالي دفعهم إلى التهجير القسري تحت وطأة القذائف، وعمل الجرافات وتقدم الدبابات والأعمال الثأرية والانتقامية من المدنيين.
ويُذكر أن عملية "السور الحديدي" تهدف كما هو مُعلنللقضاء على جيوب المقاومة وخلاياها وقدراتها العسكرية، وتدمير المخيم باعتباره خزان الثورة البشري ووقودها، والذي يشكل الشاهد على قضية اللاجئين وحق العودة؛ القضية التي طالما شكلت أرقا لكافة الحكومات الإرهابية المتعاقبة في الكيان.
إن عملية التهجير هذه تُعتبر عملية تطهير عرقي وجريمة حرب بحسب القانون الدولي الإنساني ؛ الأمر الذي يضع العالم كله أمام مسؤولياته لمواجهة استحقاقات هذه الجريمة الجديدة، ويضع السلطة الفلسطينية أمام مسؤولياتها الوطنية ليس بالتحرك السياسي والدبلوماسي فحسب، بل بالكف عن صمتها وتنسيقها الأمني والعسكري مع قوات الاحتلال، ووضعها أمام استحقاق حماية شعبنا من مجازر الإبادة الجماعية وحصار التجويع والتعطيش الذي امتد لنحو الشهر حتى الآن.
من جهة أخرى، إن هذا الوضع الكارثي في الضفة يستدعي من السلطة في المقام الأول تعزيز صمود أهلنا، خاصة أسر الشهداء والأسرى والجرحى، بدلا من قطع رواتبهم ومخصصاتهم وحجب تكاليف العلاج عن معظم الجرحى تحت ذريعة عدم توفر السيولة النقدية والأموال الكافية، وكأن السلطة بذلك تتذرع بعدم قدرتها على توفير المال من مصادر أخرى، أو من حساب ميزانيات الوزارات الأخرى التي تشهد فسادا واضحا، وإذا كان الهدف ترشيد الاستهلاك فيجب ألا يكون على حساب هذه الفئة التي دفعت من ثمن حياة أبنائها وزهرة شبابهم.
لعله من المفيد هنا التذكير بأن هذه الإجراءات كانت قد اتُخذت من قبل السلطة بحق أسر الشهداء والأسرى والجرحى في غزة، منذ أكثر من عام. ويُذكر بحسب تقارير تم الحصول عليها من وزارة مالية السلطة؛ رفضها الاعتراف بالشهداء الذين سقطوا في "معركة الفرقان" عام 2009 وعددهم 1800 شهيد، ورفضها الاعتراف أيضا، بشهداء "معركة العصف المأكول" عام 2014 وعددهم 2500، وكذلك عدم الاعتراف بأسرى "صفقة شاليط" عام 2011 بحجة أنهم ينتمون إلى "حركة حماس"، ولم تعترف سوى بالجرحى الذين تلقوا العلاج في الضفة والقدس.
إن هذا السلوك اللاوطني، وهذا القرار الذي أصدره رئيس السلطة لا يصب إلا في خدمة الاحتلال؛ الذي يسعى دائما إلى إطفاء جذوة المقاومة ومطاردة المقاومين والانتقام من أسرهم ومن حاضنتهم الشعبية، وما يجري الآن في مخيمات جنين وطولكرم ونابلس والخليل وبلدات هذه المدن إلا تأكيد على هذه الحقيقة، وكأنه العقاب "لجريمة مقاومة الاحتلال" بدلا من تكريم من دفعوا دمهم وحياة أبنائهم ومستقبلهم للدفاع عن شعبهم وقضيتهم.
ألا يستدعي كل ما يجري من تطورات خطيرة في الضفة الغربية تحديدا؛ تحركا من جانب السلطة والكف عن عمليات التمهيد الأمنية للقوات الإسرائيلية والانخراط مع فصائل المقاومة؛ لإنقاذ المشروع الوطني ومواجهة خطط التهجير والتطهير العرقي وحماية شعبنا الفلسطيني؟
إن ما صدر من بيانات عن الهيئات والشخصيات والقوى، والفصائل الوطنية من شجبٍ واستنكارٍ لهذا القرار، يؤكد خطورته على صمود أهلنا في مواجهة آلة الحرب العدوانية، ويؤكد حق أُسر المناضلين بما خصصته لهم مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ولا يحق لفرد أو سلطة إلغاؤه إلا بالعودة إلى هذه المؤسسات. إن رئيس هيئة شؤون الأسرى قدورة فارس لا يستحق العقاب على "جريمة البوح بالحقيقة والحق".
إن هذا التماهي مع سلوكات وممارسات قوات الاحتلال، يعتبر استكمالا لمشروع ترامب، الذي لا يهدف فقط إلى تهجير سكان غزة، بل إلى تهجير سكان الضفة الغربية؛ على اعتبار أن "إسرائيل تملك مساحة صغيرة" كما صرّح. وما توسيع الحملة المسعورة التي قام بها الجيش الإسرائيلي في كافة أنحاء الضفة الغربية، وأشرف عليها نتنياهو ووزير دفاعه كاتس، واعتراف الأخير بأنه تم تهجير 40 ألفا من مخيم جنين وطولكرم ونور شمس، وأن الجيش سيقيم له مواقع بالضفة لعامٍ كامل، إلا تأكيد على هذا المشروع الذي يعتبر الضفة جزء من أراضي يهودا والسامرة والتي طالما تحدث عنها أركان إدارة ترامب.
إن إدخال الدبابات، واستخدام الطائرات الحربية والمروحيات -الذي لم يتم منذ انتفاضة 2002- ورفع المساءلة القانونية عن ممارسات جنود الاحتلال المرتقبة، إنما يحمل دلالات عديدة على أن ما يجري ليس حملة عسكرية فقط بل هناك مشروعٌ سياسي مدعوم أمريكيا من الرئيس ترامب يجري تنفيذه بالقوة العسكرية المفرطة ويهدف -كما ذكرنا آنفا- إلى ضم شمال الضفة كمرحلة أولى تمهيدا لضم كافة أنحاء الضفة، ويرافق ذلك عملية تطهير عرقي وارتكاب المزيد من المجازر أسوة بما تم في غزة.
وعليه، ألا يستدعي كل ما يجري من تطورات خطيرة في الضفة الغربية تحديدا؛ تحركا من جانب السلطة والكف عن عمليات التمهيد الأمنية للقوات الإسرائيلية والانخراط مع فصائل المقاومة؛ لإنقاذ المشروع الوطني ومواجهة خطط التهجير والتطهير العرقي وحماية شعبنا الفلسطيني؟
إن تحطيم مطرقة الاحتلال لا يتم إلا بتشكيل جبهة عريضة من فصائل المقاومة كافة ومن القوى والهيئات الشعبية، وبتحوّل سندان السلطة إلى مطرقةٍ مقاومةٍ تقضُّ مضاجع ورؤوس المحتلين الطامعين بأرضنا وحق شعبنا الفلسطيني.
[email protected]