الجزيرة:
2025-04-28@22:36:31 GMT

مصر وإمكانية تطويق إثيوبيا في القرن الأفريقي

تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT

مصر وإمكانية تطويق إثيوبيا في القرن الأفريقي

بعدما أعلنت مصر في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، "انتهاء المسارات التفاوضية مع إثيوبيا بشأن سد النهضة؛ بسبب مماطلات الأخيرة، وتأكيد حقها المكفول بموجِب المواثيق الدوليّة للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر".

بات السؤال الذي يطرح نفسه عن الخِيارات المصرية في التعامل مع هذه الأزمة، خاصة أن الخيار التفاوضي لم يعد مجديًا بعد مفاوضات استمرّت 12 عامًا، فضلًا عن رفض إثيوبيا الخيار القانوني المتمثل في اللجوء إلى التحكيم، أو القضاء الدولي، ناهيك عن الصعوبة الشديدة للخيار العسكري، مع قرب امتلاء بُحيرة السد، ومن ثم فإنّ هذه الضربة العسكرية ستغرق العديد من المدن السودانية، وستكون لها آثار كارثية على السودان، وعلى مصر أيضًا.

الاتفاق الأخير مع أرض الصومال، يمكن فهمه في إطار السعي الإثيوبي لمزاحمة محاولة الهيمنة المصرية في البحر الأحمر، بعد مزاحمتها في الهيمنة المائية في حوض النيل من خلال سد النهضة

لكن ربما قدم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، من حيث لا يشعر، الفرصة لمصر لإمكانية تطويقه والضغط عليه في محيطه الإقليمي عبر دول الجوار-أو ما يسمى دول القرن الأفريقي- سواء بمعناه الضيق الذي يضم إثيوبيا والصومال وإريتريا وجيبوتي، أو بمعناه الواسع الذي يضم السودان، وجنوب السودان، وكينيا.

هذه الفرصة سنحت بعدما قام الرجل أوائل هذا العام بتوقيع مذكرة تفاهم مع جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها رسميًا حتى الآن، تقضي بحصوله على مساحة 20 كيلومترًا في محيط ميناء بربرة لمدة 50 عامًا، مقابل الاعتراف بجمهورية أرض الصومال، وحصولها على حصّة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية. وهو الاتفاق الذي قوبل بردود فعل غاضبة سواء من دول الجوار، أو حتى من القاهرة، أو من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، كما أنّ له العديد من التداعيات التي ربما برز بعضها على السطح حاليًا، وبعضها الآخر ربما يظهر لاحقًا.

 حيثيات القاهرة

ينبع الرفض المصري للاتفاق من اعتبارات عدة، ربما بعضها يتعلّق بفشل مفاوضات سد النهضة، وإرجاع ذلك لسياسة المماطلة الإثيوبية في عملية التفاوض، واتباع سياسة " الأمر الواقع"، لذا فمن المنطقي رفض القاهرة أيَّ اتفاق تبرمه إثيوبيا بعد فشل هذه المفاوضات، ناهيك عن أن هذا الاتفاق الأخير ربما يجد لأديس أبابا موطئ قدم على البحر الأحمر، الذي تعتبره مصر جزءًا هامًا من أمنها القومي، فضلًا عن كونه بُحيرة عربية، استطاعت توظيفها في حرب 1973 ضد إسرائيل، عندما تم إغلاقها أمام السفن المحملة بالنفط الإيراني والمتوجهة صوب إيلات .

وبالتالي، فإن هذا الاتفاق الأخير مع أرض الصومال، يمكن فهمه في إطار السعي الإثيوبي لمزاحمة محاولة الهيمنة المصرية في البحر الأحمر، بعد مزاحمتها في الهيمنة المائية في حوض النيل، من خلال سد النهضة، وما يليه من سدود أخرى على النيل الأزرق الذي يعد أحد أهم أنهار الهضبة الإثيوبية، ويشكل بمفرده 60 % من إجمالي المياه القادمة إلى مصر من إجمالي 85% من المياه القادمة من الهضبة.

لذا، وفي هذا الإطار، يمكن فهم رد فعل القاهرة " العنيف" على هذا الاتفاق، خاصة خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الصومالي، حيث أكد الرئيس السيسي أن: " مصر لن تسمح بأي تهديد للصومال أو أمنه، وأن الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال مرفوض من قبل الجميع… الصومال، كعضو في جامعة الدول العربية، له الحق في الدعم الدفاعي في إطار ميثاق المنظمة، لن نسمح بتهديد أمن إخواننا…محدش يجرب مصر".

كيفية التحرك المصري في القرن الأفريقي

يمكن القول؛ إن مصر أمام فرصة تاريخية، لمحاولة تشكيل تحالف إقليمي بقيادتها، يضم دول الجوار الإثيوبي، مستغلة حالة السخط العام لدى هذه الدول من الاتفاق الأخير، ومن ممارسات آبي أحمد بصفة عامة، لا سيما بعد هيمنته بصورة شبه مطلقة على مقاليد الأمور بعد الانتخابات الأخيرة عام 2021، والتحول من سياسة "صفر مشاكل" التي انتهجها في عامه الأول من الحكم " 2018 "، إلى سياسة إثارة المشاكل مع دول الجوار عبر سعيه لفرض الهيمنة الإثيوبية في الإقليم.

لذا ربما يكون المدخل الأول لمصر في هذا الشأن، هو تقويض التحالف الذي أسسه عام 2018 مع كل من الصومال، وإريتريا، لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، وتعزيز التنمية الاقتصادية:

فالصومال الآن يرغب في إثبات أحقيته في السيادة على كامل أراضيه، وعدم حصول أي اعتراف بأرض الصومال، لذا لم يقتصر الأمر على رفضه الاتفاق، والتصعيد ضد إثيوبيا، بل لجأ لخصوم أديس أبابا، فكانت أسمرا المحطة الأولى للرئيس حسن شيخ محمود "12 يناير/ كانون الثاني"، ثم القاهرة "21 يناير/ كانون الثاني. ونفس الأمر بالنسبة لإريتريا التي ترى أن هذا الاتفاق لن يأتي فقط على حساب موانئها التي تستخدمها إثيوبيا في عملية التصدير" مصوع وعصب"، لكن وهذا هو الأهم تخشى من إمكانية قيام آبي أحمد بمحاولة الاستيلاء على ميناء عصب من جديد في ظل طموحاته التوسعية من ناحية، وبعد البيان الصادر من الحكومة والذي يرى أن أديس أبابا فقدت منفذها إلى البحر" المنفذ الإريتري" نتيجة "خطأ تاريخي وقانوني" في إشارة إلى الموافقة عام 1991 على استفتاء استقلال أسمرا عن أديس أبابا، لذا وحسب البيان فإن "الحكومة الإثيوبية تعمل منذ سنوات "لتصحيح هذا الخطأ" .

ومما يزيد من تعقيد العلاقات بين الجانبين، رفض أسمرا اتفاق بريتوريا الذي وقعته إثيوبيا مع جبهة تيغراي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، لوقف الحرب، وما تردد من دعم أسمرا لجبهة فانو الأمهرية في حربها الأخيرة ضد النظام، علاوة على بداية التقارب "مجددًا" بين إريتريا والنظام المصري.

لذا فإن مصر يمكن أن تستغل هذه التطورات في محاولة تشكيل هذا التحالف مع كل من الصومال، وإريتريا، وربما كانت زيارة الرئيس الصومالي الأخيرة للقاهرة – والدعم المصري للصومال، وكذلك زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لأسمرا بعد انتهاء زيارة الرئيس الصومالي لها مباشرة، وتصريحاته بأن إثيوبيا "باتت مصدرًا لبث الاضطراب فى محيطها الإقليمي"- مؤشرًا على إمكانية حدوث تقارب بين الدول الثلاث حول رفض هذه الهيمنة الإثيوبية.

هذا التحالف " المقترح" يمكن أن يتوسع ليضم جيبوتي، التي تعد واحدة من أبرز المتضررين من الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال لاعتبارين؛ الأول أنه جاء بعد يومين فقط من الاتفاق الذي رعته بين الصومال وأرض الصومال،والذي نص على استئناف المفاوضات السياسية بين الطرفين مع التركيز على القضايا المصيرية" الانفصال أم الوحدة"، وهو ما يعني نسف جهود جيبوتي الدبلوماسية، ونسف فكرة المفاوضات، أما الاعتبار الثاني فهو أن هذا الاتفاق قد يضر بمصالح جيبوتي الاقتصادية، حيث يمر عبر أراضيها 95% من التجارة الخارجية الإثيوبية، وتحصل في مقابل ذلك على رسوم تتراوح بين مليارٍ ونصفٍ، وملياري دولار .

ومن ثم، فإنها تدرك أن آبي أحمد يسعى للبحث عن منافذ أخرى غير منفذها. ويبدو أن مصر تسعى منذ فترة لتوطيد العلاقات مع جيبوتي التي كان السيسي أول رئيس مصري يزورها في مايو/أيار 2021.

أما الدولة الخامسة التي يمكن أن تنضم إلى هذا التحالف فهي السودان، التي شهدت علاقتها توترًا مع أديس أبابا، خاصة في ظل دعم أديس أبابا لحميدتي في مواجهة البرهان والقوات المسلحة. أما الدولة السادسة المقترحة، فهي جنوب السودان المجاورة لإثيوبيا، حيث كان السيسي أول رئيس مصري يزورها أيضًا عام 2020، مؤكدًا عمق العلاقات بين البلدين. وتسعى مصر لإقناع جنوب السودان بعدم الانضمام للاتفاقية الإطارية الخاصة بحوض النيل "عنتيبي"؛ لاسيما بعد تصريحات وزير الري والموارد المائية بجنوب السودان، في 22 مارس/آذار 2013، بأن "بلاده لا تعترف باتفاقية عام 1959، وأنها التحقت بمبادرة حوض النيل، وفي طريقها لـ "عنتيبي". وهو نفس ما تسعى له مصر لإقناع أوغندا وكينيا وبوروندي، بعدم التصديق على اتفاقية "عنتيبي"، عن طريق مجموعة من المحفزات الاقتصادية

لكن يظل هذا التحالف المصري المقترح رهنًا بوجود خطة مصرية مدروسة بدقة وعناية، تسعى لإذابة الخلافات بين دول التحالف وبعضها البعض من ناحية، وقوة الحوافز المقدمة لها من ناحية ثانية، ومدى قبول هذه الدول التي تحتفظ أيضًا باتفاقيات اقتصادية وتجارية وأمنية مع أديس أبابا من ناحية ثالثة، وأخيرًا رد الفعل الإثيوبي المحتمل ضد هذه التحرّكات المصرية.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاتفاق الأخیر أرض الصومال هذا الاتفاق هذا التحالف دول الجوار أدیس أبابا سد النهضة ا الاتفاق من ناحیة آبی أحمد

إقرأ أيضاً:

إثيوبيا تسعى لاتفاق جديد مع صندوق النقد لدعم جهودها الاقتصادية

تسعى الحكومة الإثيوبية لتحقيق تقدم ملحوظ في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، وأعربت وزارة المالية الإثيوبية عن توقعاتها بالوصول إلى اتفاق أولي بشأن المراجعة الثالثة لبرنامج القرض المقدم من الصندوق خلال الأيام القليلة القادمة.

ويعد هذا التقدم جزءا من الجهود المستمرة لتعزيز الاقتصاد الإثيوبي في ظل التحديات المالية العالمية.

وفي تصريح لوكالة "رويترز"، أكد وزير المالية الإثيوبي، أيوب تيكلاين، أن إثيوبيا أحرزت تقدما ملحوظا في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي أوصى بها صندوق النقد الدولي. ومن أبرز هذه الإصلاحات تحرير العملة الوطنية، الذي ساهم في تحسين سعر الصرف، إلى جانب التحكم بمعدلات التضخم وزيادة احتياطيات النقد الأجنبي.

من جهته أبدى صندوق النقد الدولي تقديره للجهود التي تبذلها إثيوبيا في مجالات عدة، من بينها التحكم في التضخم، وزيادة الإيرادات من الصادرات، وتحقيق تحسن ملحوظ في احتياطياتها من النقد الأجنبي.

وأوضح الصندوق أن هذه الإصلاحات هي جزء من برنامج أوسع لتحسين الوضع الاقتصادي، بما في ذلك المراجعة المنتظمة للبرنامج الذي يدعمه الصندوق بقيمة 3.4 مليارات دولار.

 هيكلة ديون إثيوبيا

وفي السياق ذاته، تتواصل جهود إثيوبيا لتحسين وضعها المالي من خلال إعادة هيكلة ديونها. ففي عام 2021، اختارت البلاد إعادة هيكلة ديونها الخارجية بموجب إطار العمل المشترك لمجموعة العشرين، قبل أن تتخلف عن سداد سنداتها الوحيدة من اليوروبوند في ديسمبر/كانون الأول 2023.

إعلان

وفي مارس/آذار الماضي، توصلت الحكومة الإثيوبية إلى اتفاق مبدئي مع دائنيها الرسميين بشأن إعادة هيكلة ديون بقيمة 8.4 مليارات دولار، لكنها ما زالت في مواجهة صعوبة مع حاملي السندات الدوليين. في حين أن المحادثات في واشنطن مع بعض حاملي سنداتها الدولية البالغة قيمتها مليار دولار كانت مثمرة، ومن المتوقع أن تبدأ المحادثات الرسمية بشأن تفاصيل إعادة الهيكلة الصيف المقبل.

ويُنتظر أن تبدأ إثيوبيا في إجراء محادثات مع دائنيها، بما في ذلك حاملو السندات، هذا الصيف، بهدف التوصل إلى تسوية حول إعادة هيكلة ديون البلاد. ويُتوقع أن تشمل هذه المناقشات القضايا المتعلقة بالسيولة والقدرة على سداد الديون.

وتشير التقارير إلى أن الحكومة الإثيوبية بصدد إجراء محادثات مع البنوك الصينية لتأمين تمويل مشاريع بنية تحتية مهمة، ما يعكس التزام الحكومة بتطوير القطاعات الاقتصادية الحيوية في البلاد.

وتُعد هذه التطورات جزءا من إستراتيجية إثيوبيا لتعزيز وضعها المالي والاقتصادي في مواجهة التحديات المحلية والدولية. وتُعد المراجعة من قبل صندوق النقد الدولي خطوة أساسية نحو تعزيز استقرار الاقتصاد الإثيوبي وضمان استدامته في السنوات القادمة.

المراجعة من قبل صندوق النقد الدولي خطوة أساسية نحو تعزيز استقرار الاقتصاد الإثيوبي (رويترز) التحديات والآفاق المستقبلية

رغم التقدم المحرز في الإصلاحات، تواجه إثيوبيا تحديات كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بالديون وتوفير التمويل اللازم لتنفيذ مشاريع التنمية الضخمة. ومع ذلك، فإن الإجراءات الإصلاحية التي تتبعها الحكومة، إلى جانب الدعم الدولي من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، قد تساعد البلاد في تحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد.

وتُعد هذه الاتفاقيات خطوة مهمة نحو تسوية التحديات المالية التي تواجه إثيوبيا، وتعكس التزام الحكومة بتحقيق استدامة مالية وتنموية على المدى البعيد، وفق رويترز.

إعلان

مقالات مشابهة

  • نائب وزير الداخلية يستقبل سفير جمهورية الصومال لدى المملكة
  • نائب وزير الداخلية يستقبل سفير الصومال لدى المملكة
  • مباحثات سورية تركية للتعاون في المجال الصحي وإمكانية تشغيل مشافٍ في ‏دمشق وحلب ‏
  • إثيوبيا تسعى لاتفاق جديد مع صندوق النقد لدعم جهودها الاقتصادية
  • تحطيم 42 رقمًا قياسيًا في ماراثون لندن
  • السودانيون في إثيوبيا بين تحديات النزوح ومعيقات العودة إلى الوطن
  • الصومال تعلن مصرع 40 مسلحًا من حركة الشباب
  • الصومال: بدء تسجيل الناخبين
  • رسالة من القرن السابع عشر تنفي رواية "هجر شكسبير لزوجته"
  • رئيس إفريقية النواب يعلق على إعلان إثيوبيا اكتمال 98% من أعمال سد النهضة