شهر تاريخ السود الأميركيين.. كيف جاءت الفكرة؟ ومن صاحبها؟
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
تحتفل الولايات المتحدة في فبراير بـ"شهر تاريخ السود" للتذكير بالمكانة المهمة التي لعبها الأميركيون من أصل أفريقي في تاريخ الولايات المتحدة.
بدأ الاحتفال بمساهمات الأميركيين الأفارقة، في عام 1926، بأسبوع تاريخ "الزنوج"، باستخدام المصطلح الذي تم استبداله لاحقا بـ"السود" أو "الأميركيين من أصل أفريقي".
ويعتبر الاحتفال من بنات أفكار المؤرخ، كارتر وودسون، الذي كان يتطلع إلى اليوم الذي يتم فيه الاحتفال بإنجازات السود طوال العام.
ويُعرف وودسون، الذي ولد عام 1875 وتوفي عام 1950 بـ"أبو تاريخ السود" بسبب جهوده في إبراز الأدوار المهمة التي لعبها الأميركيون من أصل أفريقي.
أمضى وودسون طفولته في العمل بمناجم الفحم والمحاجر، بينما كان يتلقى تعليمه خلال فترة الدراسة الممتدة لأربعة أشهر فقط في العام في مدارس السود في ذلك الوقت، وفق "سي أن أن".
وفي سن الـ19، بعد أن علم نفسه أساسيات اللغة الإنكليزية والحساب، التحق وودسون بالمدرسة الثانوية، حيث أكمل منهجا مدته أربع سنوات في عامين.
وحصل على درجة الماجستير في التاريخ من جامعة شيكاغو، ثم حصل بعد ذلك على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد.
كان المؤرخ الأسود منزعجا بشكل خاص من تجاهل كتب التاريخ المدرسية للسود، فعمل هو على كتابة تاريخ الأميركيين السود في أميركا.
وللقيام بذلك، أنشأ "جمعية دراسة الحياة والتاريخ الزنجي"، وأسس "مجلة التاريخ الزنجي".
وتقول "موسوعة فيرجينيا" إنه كتب في مؤلفاته عن شخصيات رائدة من السود، في وقت كان يزعم بعض العلماء البيض أن الأميركيين من أصل أفريقي لا يستحقون الدراسة التاريخية.
واستند وودسون في العديد من أعماله إلى السجلات العامة والرسائل والخطب والفولكلور والسير الذاتية.
وفي عام 1926، أسس "أسبوع تاريخ الزنوج"، إذ كان يعتقد أن "إنجازات الزنجي الموضحة بشكل صحيح ستتوجه كعامل في التقدم البشري المبكر وصانع للحضارة الحديثة".
واختار الأسبوع الثاني من شهر فبراير للاحتفال بهذا الأسبوع لأنه يصادف عيدي ميلاد رجلين أثرا بشكل كبير على الأميركيين السود، وهما الرئيس، أبراهام لينكولن، الذي وقع على إعلان تحرير العبيد، وفريدريك دوغلاس، الذي قاتل ضد العبودية ثم أصبح مصلحا اجتماعيا بعد هروبه من الاسترقاق.
وقد أدى أسبوع التاريخ إلى ظهور مواد تعليمية في المدارس التي تضم طلابا من السود، ولكن العديد من المدارس التي كانت تطبق نظام الفصل العنصري، وكان تلاميذها من البيض، فلم يكن يتوفر لتلاميذها سوى القليل من المواد المتعلقة بالأشخاص السود البارزين.
وبعد مرور 50 عاما، وخلال الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية للولايات المتحدة، في عام 1976، حول الرئيس الأميركي، جيرالد فورد، هذا الأسبوع، إلى احتفال وطني مدته شهر أصبح اسمه "شهر تاريخ السود"، وقال حينذاك إن الوقت قد حان "لتكريم الإنجازات المهملة في كثير من الأحيان للأميركيين السود في كل مجال من مجالات السعي عبر تاريخنا".
والآن، يتم في هذه المناسبة إلقاء الخطابات وإقامة العروض. وتسلط المدارس الضوء على الأميركيين السود البارزين، مثل مارتن لوثر كينغ، وروزا باركس، وهما الآن من بين أكثر الشخصيات شهرة في التاريخ الأميركي.
ويقول المؤرخ، ماثيو ديلمونت، من جامعة دارتموث، لموقع Share America التابع لوزارة الخارجية الأميركية، إن جزءا كبيرا من نصوص التاريخ يركز بالفعل على تجارب الأميركيين البيض، وكان شهر تاريخ السود إضافة مهمة لرؤية ماضي البلاد من منظور مختلف. وأضاف: "إنك لا يمكن أن تفهم التاريخ الأميركي دون أن تفهم تاريخ الأميركيين السود".
وقال ديلمونت إن حركة "أرواح السود مهمة" واحتجاجات عام 2020 على عنف الشرطة أدت إلى اعتراف الأميركيين من جميع الأجناس والخلفيات بدرجة أكبر بتجارب الأميركيين السود.
وأضاف: "أصبح الأميركيون يفهمون أن تاريخهم أكثر ثراء وأكثر تعقيدا، وإن كان أقل إنصافا وتكريما بصفة عامة مما كانوا يعتقدون في وقت من الأوقات. وصار الباحثون الجدد يهتمون اهتماما أكبر بإسهامات وقصص الأميركيين المهمشين سابقا".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: من أصل أفریقی فی عام
إقرأ أيضاً:
تعلّم الرومانسيّة ودع عنك التاريخ
قبيل ظهر الجمعة وصلنا إلى قرية «كيبويني»، وهي على بُعد ستة كيلومترات من «المدينة الحجرية» التي سكَنّا فـيها. وكانت وجهتُنا «قصر السعادة» الذي بناه السلطان خليفة بن حارب بن ثويني عام 1915. وفور وصولنا استقبَلَنا الدليل القائم على القصر بامتعاض، لأنّ الوقت الآن غير مناسب للزيارة، فقد اقترب موعد صلاة الجمعة. قلتُ محاولًا التخفـيف من امتعاضه: «اذهب للصلاة، ودع تلك المرأة تشرح لنا». ردّ وقطراتُ ماء الوضوء تقطر منه: «هذه عملها محاسبة فقط».
دفعنا الرسوم المقررة بعد السؤال التقليدي الذي يتكرر فـي كلِّ مكان نذهب إليه: «هل أنتم ضيوف؟»، وتأتي الإجابة ذاتُها فـي كلِّ مرة: «نعم. نحن ضيوف». وأظن أنهم يكررون لنا السؤال دائمًا لأنهم لا يستطيعون أن يجزموا هل نحن من زنجبار أو من عُمان، خاصةً أننا نتحدّث لغتهم. أخذَنا الدليل إلى أقسام «قصر السعادة» المختلفة؛ والذي تبدو حالته جيدة بعد أعمال الصيانة التي أجريت له. أخبرنا أنّ الحكومة الزنجبارية استخدمت القصر فـي بعض المراسم الرئاسية، وجعلت منه مقرًّا لسكن رئيس الوزراء فـي سنة 1986 لفترةٍ وجيزة؛ ثم حُوِّلَ إلى متحفٍ وطني يستقبل الزوار ابتداءً من عام 2022م. أخبرَنا أيضًا أنّ القصر كان استراحة السلطان خليفة بن حارب فـي عطلات نهاية الأسبوع، بعيدًا عن ضوضاء المدينة. وما لم يخبرنا به أنه بعد أحداث عام 1964، استولى الانقلابيون على القصر واستخدموه مقرًّا لاجتماعاتهم الرسمية، وبعد سنواتٍ من الإهمال أقدمت حكومة زنجبار على ترميمه. تساءلتُ فـي قرارة نفسي: تُرى كيف هو شعور أحفاد السلطان خليفة بن حارب وهم يرون أموالهم وبيوتهم تُسرَق من أمام أعينهم وهم بلا حول ولا حيلة ولا قوة؟! ثُمَّ وسّعتُ التساؤل: بِمَ يُحِسّ يا تُرى أولئك الذين نُهبت أموالهم بغير حقّ من العُمانيين واليمنيين والهنود؟! مثل هذه المآسي تحدُث عادةً عندما تقلم أظافر العدالة التي أمر بها الله عز وجل فـي كتابه الكريم، إنها تخلِّف فـي الحلق طعمًا أمرَّ من العلقم، غير أنّ المظالم الفادحة ستظلّ كتابًا مفتوحًا يُقرأ على رؤوس الأشهاد فـي ذلك اليوم الذي لا ينفع فـيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وفـي ظلِّ هذه المظالم هناك من أعيد لهم بعض ممتلكاتهم بعد جهد جهيد. وقد حكى لي أحد هؤلاء أنّ الانقلابيين استولوا على عقار يعود لجدته، واستحلّوه سنين طويلة بغير وجه حقّ، وعندما أعيد لهم بعد ذلك الجهد، استغرق الأمر سنوات أخرى لبيعه (مضطرين) لأنّ العقار أصبح من حقِّ عشرات الورثة. والعقار حاليًّا يرمم من قبل المشتري الهندي ليصير فندقًا. ونستطيع أن نقيس هذا الأمر على أناس آخرين تعرضوا للنهب، وحين عادت ممتلكاتهم المنهوبة لم يستطيعوا الاستفادة منها بسبب التقادم؛ وهناك كثيرون استسلموا للأمر الواقع، مؤثرين الراحة بدلًا من صداع الرأس والجري هنا وهناك، لا سيما وأنّ الدلائل والشواهد تشير إلى أنّه لا أمل فـي عودة حقهم المسلوب. وقد قادني التساؤلات إلى أن أسأل نفسي: لماذا لا يشتري أحفاد السلطان خليفة بن حارب هذا القصر، طالما أنّ كلَّ شيء قابلٌ للبيع الآن؟!
فـي استراحة السعادة، شاهدنا المقتنيات الشخصية للسلطان خليفة وكامل الأثاث من أسرّة وكراسٍ وطاولات، وسمح لنا القائم عليها أن نلتقط صورة تذكارية فـي الكرسي السلطاني (كرسي العرش) الذي كان يترأس فـيه السلطان الاجتماعات، وبه شعاره الخاص. وكعادته استغل سيف الموقف فصوّر لقطات فـيديو نشرها فـيما بعد فـي حسابه فـي «إنستجرام» وفـي «تيك توك»، وكان لسليمان -كعادته أيضًا- تعليقاته اللطيفة واللماحة؛ فعندما رأى كرسيًّا خاصًّا مصممًا لشخصين يجلسان عليه متقابلين، بعدما وصفه الدليل بأنه «كرسي المحبة»، صرخ سليمان: «يا زاهر تعلّم الرومانسية وخلي عنك التاريخ».
أخبرني الباحث ناصر الريامي أنّ الأثاث الموجود فـي الاستراحة حاليًّا ليس هو الأثاث الأصلي للقصر، إذ إنّ معظم الأثاث الحالي منقول من «بيت العجائب» و«بيت الساحل»، بعدما تقرر غلقهما وحجب جمهور العامة عنهما منذ ما يربو على الثلاث سنوات؛ مخافةَ الانهيار بالكامل، بعد أن انهار جزء من «بيت العجائب»، ليعقب ذلك نقل أغلب أثاثهما إلى متحف استراحة السعادة (قصر كيبويني). وعليه؛ فإنّ هذا الوضع قد يُحدِث لبسًا لزوار المتحف، فـيظنون خطأً أنّ الأثاث المعروض هو ذاته الذي تزينت به الاستراحة فـي فترة السلطان المؤسس لها، ومن جلس على عرش زنجبار من بعده. وأنا شخصيًّا وقعتُ فـي الفخ، فظننتُ أنّ هذا أثاثُ القصر؛ لأنّ المرشد لم يشر إلى الموضوع، لا من قريب ولا بعيد.
هناك مقطع مصوّر يعرض نزول السلطان عبدالله بن خليفة بن حارب السُلّم وخلفه أخوه السيد حارب بن عبدالله، بينما يصطف بجانب السلّم ثلة من الشرطة تحية للسلطان. هذا المقطع لم أكن أعلم أنه مأخوذٌ من هذا القصر إلا بعد أن قرأتُ سلسلة المقالات التي كتبها الباحث ناصر الريامي عن القصور السلطانية فـي زنجبار، وإلا لكنتُ أخبرت سيف أن يلتقط لنا صورًا فـي السلّم نفسه للذكرى.
تجولنا فـي الاستراحة التي تتكون من ثلاثة طوابق. الطابق الأرضي به عدد من الغرف، خُصصت لمن يرافق السلطان من أفراد الأسرة المالكة، كما يشغلها الضيوف أحيانًا، وتوجد بجوار السُلّم غرفة للحارس مزودة بجهاز اتصال هاتفـي من النوع الكلاسيكي العتيق؛ فإذا ما قرر السلطان زيارة الاستراحة يجري الاتصال بالحارس وتنقل إليه التعليمات بتجهيزها لاستقبال جلالته وضيوفه. ومتى ما وصل السلطان يرفرف علم الدولة الأحمر على منارتها مربعة الشكل. أما عن المساحة الإجمالية لقصر السعادة فـيُقدِّرها الباحث محمد بن حمد العريمي ما بين ألفـين إلى ثلاثة آلاف متر مربع. ويعلّق العريمي على طريقة بنائه فـي مقال له فـي صحيفة «أثير» الإلكترونية بالقول: إنه «وعلى الرغم من عدم وجود المساحات الكبيرة التي تميّز القصور عادةً بسبب كونه قصرًا خاصًّا لاستراحة السلطان وقضاء إجازاته، إلا أنّ مكوناته وطريقة بنائه تنم عن ذوقٍ عالٍ فـي التصميم، وتشير إلى التقدم الحضاري الذي وصلت إليه زنجبار فـي تلك الفترة، ومسايرةِ حكامها للتطور الحاصل فـي العمارة والبناء. وقد اختير المكان بعناية حيث إنه مبنيٌّ على حافة الجبل ويطل بشكلٍ كامل على البحر».
هذه الإطلالة على البحر هي ما يجعل قصر السعادة من أجمل الأماكن التي تهفو النفوس لزيارتها أكثر من مرة، خصوصًا مع هدوء المكان، والمساحة الخضراء التي تحيط به من كلِّ جانب.
على كل حال، تركنا القائم على المتحف أو القصر أو الاستراحة ليلتحق بما تبقى من خطبة صلاة الجمعة، وواصلنا مسيرنا إلى «بيت المرهوبي» لنشاهد معلمًا آخر من معالم التاريخ العُماني فـي الشرق الأفريقي.
زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»