باماكو تنشئ هيئة حوار بين الماليين
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
أنشأ رئيس المرحلة الانتقالية في مالي، رئيس الدولة، آسيمي غويتا، هيئة حوار مالي لتحقيق السلام، بعد إضفاء الطابع الرسمي على نهاية اتفاق السلام والمصالحة في مالي، الناتج عن اتفاق الجزائر، المبرم في عام 2015.
مع جماعات انفصالية مسلحة في الشمال بوساطة دولية وجزائرية، وفق مرسوم نشر مساء الجمعة.
هذه الهيئة الوطنية التي تحمل اسم “اللجنة التوجيهية للحوار المالي من أجل السلام والمصالحة الوطنية” تتولى “إعداد وتنظيم هذا الحوار”، حسبما جاء في المرسوم الذي وقعه رئيس المرحلة الانتقالية في مالي العقيد عاصمي غويتا.
وتتكون هذه اللجنة من رئيس ونائب رئيس ومقرر عام ونائب مقرر عام وأعضاء، وستكون مسؤولة مباشرة أمام رئيس المرحلة الانتقالية.
وبموجب المرسوم، يتولى رئيس اللجنة توجيه وتنسيق ومراقبة أنشطة هذه الهيئة ويقدم تقاريره إلى رئيس الفترة الانتقالية.
وينص المرسوم كذلك على أن الهيئة “تقوم أيضًا بوضع اختصاصات الحوار وعرضها للموافقة على الورشة الوطنية التي تنظمها”.
كما تتولى اللجنة “البرمجة والتنسيق والإشراف على مختلف الأنشطة الحوارية داخل البلاد وخارجها”.
ويأتي المرسوم المنشئ لهذه اللجنة بمثابة موافقة على إدانة سلطات باماكو لاتفاق السلام والمصالحة في مالي، الناتج عن عملية الجزائر، التي اعتبرت منذ فترة طويلة ضرورية لتحقيق الاستقرار في مالي، التي كانت فريسة لانعدام الأمن في عام 2012.
أعلن رئيس الحكومة تشوغيل كوكالا مايغا: “من الآن فصاعدا، هناك المزيد من المفاوضات خارج باماكو لم نعد نذهب إلى بلد أجنبي للحديث عن مشاكلنا.
وفي بيان صحفي، أشار الإطار الاستراتيجي الدائم، وهو تحالف من الجماعات المسلحة التي وقعت اتفاق 2015 قبل حمل السلاح مرة أخرى، إلى أنه أخذ علماً بقرار سلطات باماكو.
“هذا القرار يدعو إلى التشكيك تماما في جميع مبادئ” وحدة مالي المذكورة في اتفاق الجزائر، كما يؤكد المؤتمر الدول الأطراف الذي يدعو مكوناته إلى “مراجعة وتحديث أهداف كل منها لمواجهة هذا الواقع الجديد”.
أنهت الحكومة الانتقالية في مالي، يوم الخميس، اتفاق السلام والمصالحة في مالي، الموقع في عام 2015 بين السلطات والجماعات المتمردة في الشمال، بأثر فوري، وفقًا لبيان صادر عن الحكومة الانتقالية تلاه المتحدث باسمها العقيد على التلفزيون الوطني، عبد الله مايغا.
ويبرر هذا القرار، بحسب المتحدث باسم الحكومة، من بين أمور أخرى، التغير في وضع بعض الجماعات الموقعة على اتفاق السلام والمصالحة في مالي، والتي أصبحت جهات فاعلة إرهابية ويلاحقها النظام القضائي المالي، بعد ارتكابها جرائم، وأعلن مسؤوليته عن الأعمال الإرهابية.
وأكد العقيد مايغا أن الحكومة الانتقالية لاحظت “عدم إمكانية التطبيق المطلق لاتفاق السلام والمصالحة في مالي الناتج عن عملية الجزائر”، وبالتالي “تعلن انتهاءه بأثر فوري”.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحكومة الانتقالية في مالي باماكو
إقرأ أيضاً:
العدالة الانتقالية (2/2)
دائماً ما يثور الجدل حول أولويات تطبيق العدالة الإنتقالية في بلد ما في أعقاب الحرب ، هل العمل على تحقيق الهدوء والاستقرار بعد الحرب أولاً أم محاكمة منتهكي الحقوق ومرتكبي جرائم الحرب؟
علي كل فإن الداعي الأساسي للعدالة الانتقالية هو قدرتها علي ملاحقة المتورطين والتصدي للانتهاكات بكل أنواعها، ومعالجة آثارها ، وهو ما تعجز عنه -أحيانا – العدالة التقليدية.
ورغم حداثة فكرة العدالة الانتقالية نسبياً ، إلا أن عدة دول شهدت أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، أحداثاً مؤسفة، مما جعلها تستعين بالعدالة الانتقالية لتجاوز آثار تلك الأحداث ، ومن التجارب التي نتجت عن تطبيق العدالة الانتقالية في تلك الدول تكونت مرجعية دولية واضحة المعالم مثلما حدث في كل من الأرجنتين وتشيلي وجنوب أفريقيا وبيرو و السلفادور وغواتيمالا و الهندوراس والبرازيل وبوليفيا وبارغواي والاكوادور وبنما وكوستاريكا وكولومبيا ورواندا وسيراليون وأوغندا وبولندا والمجر و ليبيا وسوريا مؤخراً، وقد أعطت كل هذه التجارب ثراء في نهج التطبيق للعدالة الانتقالية على أرض الواقع.
والعدالة الانتقالية ليست نوعاً خاصاً من العدالة ، إنما هي مقاربة لتحقيق العدالة بعد فترات حرب أو قمع من أجل إحقاق الحق ، وهي حزمة ترتيبات بغرض تهدئة النفوس مما حدث من جرائم انتهاكات وتهيئتها لمرحلة جديدة ، و تتطلب أيضاً استقلال القضاء لتطبيق القانون وحماية الشهود وحماية إجراءات المحاكمة وإعلانها للجميع ولا توجد فيها حصانة لمجرم ولا تسقط العقوبات في الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب بالتقادم ، وذلك بغرض إعادة الثقة في الأجهزة العدلية والقانون ، وتتطلب أيضا تكوين لجان الحقيقة ولجان تقصي الحقائق ، ولجان المصالحة.
و بالإضافة لما سبق، هناك بعض الدول أخذت بالسرد الشفهي على أساس أن السرد وقول الحقيقة والاعتراف بالجرم من الجاني أداة لمداواة الجراح للضحايا و تحقيق المصالحة على أساس من العفو بين الأطراف ، وهذا في حد ذاته تحدٍ .
لكن التحدي الحقيقي للعدالة الانتقالية يكمن في التطبيق الصحيح والسليم لها وفق تلك التجارب بالأخذ بنتائجها الايجابية والبعد عن القصور أو السلبيات في التطبيق .
لذلك اهتم فقهاء القانون الدولي بتطوير مفهوم العدالة الانتقالية وأقبلوا على البحث بشغف شديد لما له من ألق فكري وجاذبية بحثية ، فظهرت عدة نظريات قديمة وآخرى حديثة ، منها نظرية (جون رولز) صاحب نظرية العدالة، والذي يرى أن العدالة الانتقالية هي القدرة على تأهيل الناس لأجل تجاوز محنة مر بها المجتمع ، وسعي المجتمع والسلطة معا إلى تجاوز هذه المحنة بتدابير سريعة ، بينما (امارتيا صن) وهو ( أمريكي من أصل هندي) أعطى للعدالة الانتقالية رؤية أوسع بقوله “إننا لا نحتاج لنظريات مثالية في تطبيق العدالة الانتقالية بل نحتاج إلى خطط وقوانين وتدابير (ممكنة) وبطريقة موضوعية لتجاوز المحنة”.
نتيجة لهذه النظريات الحديثة أقبلت الدول التي مرت بحروب طاحنة على الأخذ بالعدالة الانتقالية ومبادئها في متون قوانينها وذلك لرد الحقوق وجبر الضرر والتعويض للضحايا ،بل و (دسترة) بعض المبادئ كمبادئ دستورية لقطع الطريق على من يريد العودة للماضي المؤلم ، حدث ذلك في تجربة رواندا حيث تم إجراء اتفاق استدامة السلام والأمن، ولضمان ذلك اتفق على أن يكون المسار الحقيقي للبلاد نحو التعافي من الحرب؛ ونصّ تقرير مفوضية حقوق الإنسان على ضرورة عقاب مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وسن تشريعات بذلك ، وبناء نصب تذكاري لتخليد ذكرى ضحايا جرائم الإبادة الجماعية التي حدثت ، كما حددت خطة العدالة الانتقالية التي اعتمدت في 2019م معايير مشتركة لعمليات العدالة الانتقالية وتقدم مبادئ توجيهية حول كيفية استخدام الحكومات لهذه العمليات بشكل فعال لمساعدة الدول الأفريقية على تخطي ماض مؤلم .
وقد أكدت التجربة الرواندية على خطة العمل المشتركة للاتحاد الأفريقي على الالتزام المشترك بإدانة ورفض الإفلات من العقاب .
في قارة آسيا كانت تجربة كمبوديا حاضرة باستيلاء الخمير الحمر بزعامة (بول بوت) عام 1975م على السلطة ، حيث قتل حوالي مليون وسبعمائة ألف كمبودي بسبب الجوع والقتل الجماعي الذي ارتكبته هذه الجماعة، وفي العام 2006م قامت محاكم مختلطة مدعومة من الأمم المتحدة بمحاكمة كبار قادة الخمير الحمر لمسؤليتهم عن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي وقعت ووضع قوانين تمنع العودة لمربع العنف والحرب مرة اخرى .
من هذه النماذج يصبح السؤال الذي يطرح حين التطبيق، هل هي عدالة انتقالية أم سياسة انتقالية ؟؟
في كل الأحوال فالفهم الصحيح للعدالة الانتقالية يتبعه تطبيق صحيح حتى يمكن الوصول إلى نتائج مرضية، من حالة الاحتلال إلى الاستقلال ومن حالة الاستبداد إلى الحرية ومن وضع جبر الضرر إلى مرحلة المصالحة وتجانس المجتمع وتهيئة الجميع للعبور لمرحلة البناء والتنمية.
وهذا يقتضي أن تحدث خطوات أساسية
1/ القبض على المتورطين في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وتوجيه التهم لهم .
2/إعلاء النزاهة ومحاربة الفساد في أجهزة الدولة .
3/الإشراف على إنشاء آليات وطنية للعدالة الانتقالية بغرض العفو والمصالحة وبناء دولة القانون .
4/الإصلاح القانوني والدستوري للدولة وتفعيل الأجهزة العدلية الوطنية.
5/نزع السلاح من المدنيين الذين مروا بتجربة الحرب المريرة .
6/الاهتمام بتقديم رسالة إعلامية وطنية تحمل مبادئ العدالة الانتقالية لتوطيد دعائم و ثوابت المجتمع والدعوة للمصالحة الوطنية والبعد عن العنف و تأجيج الصراعات وإنهاء حالة العداء وانعدام الثقة بين مكونات المجتمع مع الاعتراف بحق الضحايا وتعويضهم .
في كل التجارب الدولية للعدالة الانتقالية كان السعي دائما نحو الوضع المستقر والعمل على بناء المجتمع والدولة معاً وتحقيق التنمية والأمن والأمان ، وطي صفحة الماضي المؤلم .
لكن ،، ماذا عن بلادنا ؟ هل يحتاج السودان (لعدالة انتقالية) بعد فترة الحرب المريرة التي خاضها ويخوضها الجيش والشعب معا ؟
ما شكل ونوع العدالة الانتقالية المطلوبة ، والتي تصلح للسودان وشعبه ؟
في كل الأحوال، لا تبنى الأوطان إلا بأيدي أبنائها ، ولا تضمد جراحها إلا بالسلام والأمن والأمان
.د.إيناس محمد أحمد
إنضم لقناة النيلين على واتساب