الناجون من معتقلات “الدعم السريع” الخارج مولود والداخل مفقود
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
في نهاية أغسطس العام الماضي تم اعتقال أسامة الحسن من حي غزة شمال سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية جنوب الخرطوم حيث يسكن، بواسطة “قوات الدعم السريع”، يقول أسامة المهندس الزراعي (٤٠) عاماً ل( المحقق) :” اعتقلوني بتهمة أني أقاتل مع الجيش، في حين أنهم وجدوني بمنزلي الذي رفضت أن أغادره، لم يجدوا بطرفي أي سلاح ولكن ذلك لم يكن كافياً لمنعهم من تعذيبي ” ، ويروي أسامة أن المجموعة التي ألقت القبض عليه من متمردي قوات الدعم السريع ربطت عينيه بقطعة قماش مزقت من ملابسه وكذلك ربطت يديه ورجليه وألقي على ظهر عربة دفع رباعي مكشوفة من الخلف ( تاتشر) كانت تقف أمام منزله، في بداية الأمر لم يستطع أسامة حينها تحديد الوجهة التي ذُهب بهم إليها ، حيث وجد عدداً من المعتقلين معه في السيارة، ويوضح :” لم نتبادل الحديث في السيارة، بدأنا نتحدث بعد أن تم إدخالنا إلى مبنى من عدة طوابق حيث أوقفونا في صف واحد، وقسموا الصف إلى نصفين بغرفتين كل غرفة فيها ما يقارب الثلاثين شخص وفوراً بدأ التعذيب بالتناوب في غرفة مخصصة للتعذيب.
ويضيف أسامة:” بعد مرور عدة أشهر من حادثة اعتقالي وتعذيبي لا أشعر أني بخير، أواجه صعوبة في النوم، التعذيب الذي تعرضت له خلّف جروحاً في نفسي لن تُشفى “.
وكانت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري قد أعلنت عن اختفاء عدد (٦٦٦) رجلاً في عدة مدن سودانية كان للمختفين من ولاية الخرطوم النسبة الأكبر بواقع اختفاء (٦٥٦) رجلاً منها خلال الفترة ما بين ١٥ أبريل وحتى ١٥ اكتوبر ٢٠٢٣ حيث فتحت المجموعة بمساعدة قانونيين عدد ( ٤٤٦ ) بلاغ اختفاء بنيابة ود مدني بولاية الجزيرة ، وقالت المجموعة في تقريرها الذي نشر نهاية العام الماضي وحصلت “المحقق” على نسخة منه إن التقرير الذي أطلق عليه عنوان ( مثلث برمودا) رصد سلسلة الانتهاكات كالخطف والاحتجاز والاختفاء القسري دون أن تعلم أسر المختطفين مكان الاحتجاز ولم يسمح لهم بالاتصال بأسرهم ولم تعلن أي جهة من طرفي الصراع مسؤوليتها عن اختفائهم، وكانت المجموعة قد تلقت شكوى من سيدة تفيد باقتياد مجموعة ترتدي زي قوات الدعم السريع – على حد تعبير البيان – لابن عمها من أمام منزله بالخرطوم إلى جهة غير معلومة منذ ١٥ أغسطس ولم يعرف مكانه حتى تاريخ نشر التقرير .
أما الطالب بالسنة الأخيرة بكلية الطب معتز عدلان يروي التفاصيل الدقيقة لتعذيبه من قبل “قوات الدعم السريع” التي ألقت القبض عليه يوم ٢٥ ديسمبر الماضي بعد أن أنزلته من حافلة المواصلات التي كان يستغلها بمحطة صابرين بأم درمان اشتباها بأنه “مستنفر” يقول عدلان :” تم صعقي بالكهرباء، تم ربطنا بمراوح الهواء من العنق ودفع أجسادنا المعلقة، خلعوا عنا غطاء أعيننا لكي نرى كيف يعذبون الآخرين، تم ضربي ضرباً مبرحاً بكل أجزاء جسدي ورأسي، كنت أفقد الوعي أحياناً كثيرة ولساعات طويلة، إذا كنت اعترفت لهم أني أعمل مع الاستخبارات أو مستنفر لكانوا أوقفوا تعذيبهم لي ، سؤالهم الذي لم أسمع غيره : أنت أبولده (ضابط أو عسكري بالجيش ) أم مستنفر؟، قضيت ثمانية أيام بمكان حيث ربطوا عيني و يدي في مكان لا تطل عليه الشمس فقط تسمع صوت المتخصص في تعذيبك، وثمانية أيام أخرى قضيتها في مكان آخر نقلنا إليه، وبقية الأيام لم أحصيها كنت قد بدأت أفقد قواي و أهذي بكلام غير مفهوم، لم أكن واثقاً من أني سأعيش لأروي قصتي ؟”. يقول عدلان إنه لم يكن يسمح لهم بالاستحمام أو بالذهاب إلى دورات المياه، ووضعت لهم مياه الشرب في وعاء كبير مسطح ( طشت غسيل) قديم تحيط القذارة بكل حوافه أما أن نستخدم أيدينا لحمل الماء إلى أفواهنا، وكنا نستصعب الأمر من شدة التعذيب، أو نشرب من الوعاء مباشرة بأفواهنا، رأيت شباباً كثيرين لا علاقة لهم بالجيش أو المستنفرين اعترفوا أنهم مستنفرين ليوقفوا عنهم التعذيب، وبالفعل يتوقفوا عن تعذيبهم ويسمحون لهم بالاستحمام ومكالمة أسرهم ويذهبون بهم إلى مبنى الاستخبارات إلا أنهم رغم التعهد بإطلاق سراحهم لكنهم ما زالوا رهن الاعتقال، ويشير عدلان إلى أنه قابل أثنين من دفعته في الكلية وآخر من الدفعة التي أمامهم وهو طبيب الآن اعترف بأنه مستنفر حيث لم يتحمل التعذيب وذُهب به إلى رئاسة الاستخبارات التابعة لمتمردي قوات الدعم السريع، ويعتقد عدلان أن المقرات التي اعتقل فيها كانت في السابق تتبع لجهاز الأمن والمخابرات الوطني استولى عليها الدعم السريع. وبعد ثلاثة أسابيع أمر قائد مقر التعذيب أن يلقى بعدلان خارجه قائلاً لجنوده :” ألقوه بعيداً، إذا بقي هنا سيموت ويتعفن “. عدلان رغم أنه غادر المعتقل منذ حوالي الأسبوع إلا أن قدماه ما زالتا متورمتين ويعاني من آلام في الصدر والرقبة ، و لا يدري كيف يمكنه أن يجلس لامتحاناته النهائية التي أعلن عن بدايتها في الأسبوع الثاني من فبراير المقبل.
ويجرم القانون الوطني السوداني الاختطاف في المادة (١٦٢) والحجز غير المشروع في المادة (١٦٤) والاعتقال غير المشروع في المادة (١٦٥) والجرائم ضد الإنسانية المادة (١٨٦) الفقرة (ن) من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١م .
فيما عَرّفت الاتفاقية الدولية للأشخاص المختفين قسرياً والتي اعتمدتها في 23 ديسمبر 2010 الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 47/133 ، عرفت بأنه يقصد ب ”الاختفاء القسري“ الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون، ونصت المادة (١) من الاتفاقية بأنه لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري.
ونصت المادة (٢) بأنه لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري. وتشكل ممارسة الاختفاء القسري العامة أو المنهجية وفقاً للمادة (٥) من الاتفاقية جريمة ضد الإنسانية كما تم تعريفها في القانون الدولي المطبق وتستتبع العواقب المنصوص عليها في ذلك القانون. كما نصت اتفاقية مناهضة التعذيب
في المادة (٢) البند (٢) بأنه لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلى أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب.
ونص البند (٣) بأنه لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب. وكذلك نص ميثاق روما الأساسي لسنة ٢٠٠٢ في مواده (٦,٧,٨) .
وفي الكلاكلة القبة داهمت مجموعة من متمردي قوات الدعم السريع منزل الحاج سيد حسن ، وألقت القبض على أربعة من أبنائه بحجة أن اشقاءهم ضباط بالجيش السوداني ، لم يسمح لهم بارتداء ملابسهم وربطت أعينهم وأيديهم وأرجلهم وألقوا على ظهر عربة وهم يضربونهم بمؤخرة السلاح على ظهورهم ويوجهون لهم الإساءات، يتولى الشقيق الأصغر أزهري رواية قصتهم ل( المحقق) ويقول:” بعد أن حملونا على ظهر العربة بدأوا في تصويرنا وهم يهتفون بهسيتريا : قبضنا أبولده أب قاش، العربة جابت سوق اللفة بأكمله وهم يهتفون ويصوروننا، في النهاية ذهب بنا إلى قسم شرطة أبو آدم جنوب الخرطوم لمقابلة المستشار تبعهم ورغم أنه اقتنع بما قلناه إلا أنهم لم يأبهوا بتوجيهاته بإطلاق سراحنا فوراً ، و ألقوا بنا خلف القضبان حيث وجدنا أعداداً كبيرة من الشباب ورجال كبار في السن صعقوا بالكهرباء، ووضع في ركن الزنزانة جوال يفيض بكل أنواع الحبوب المخدرة فقط عليك أن تختار لتسكن الآمك بعد الضرب المبرح الذي تعرضنا له وعدم السماح لنا بالذهاب إلى دورات المياه أو التحدث مع أهلنا “.
وكانت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري قد أشارت في تقريرها إلى أن معظم أقسام الشرطة والنيابة والمحاكم تحولت إلى ثكنات عسكرية حيث أفاد لهم أحد الضحايا بأنه كان محتجزاً بحراسة قسم الشرطة الكائن بمنطقة الفتيحاب دون علم ذويه مما دفع بأسرته إلى اللجوء إلى وسائل التواصل الإجتماعي وتم الإفراج عنه بعد شهر ونصف .
المحقق : نعمة النيل
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الاختفاء القسری فی المادة
إقرأ أيضاً:
السودان: قوات الدعم السريع تصفي 11 مواطناً في سنجة وتمنع الأهالي من المغادرة
وفقاً لشهادات بعض الناجين، فإن قوات الدعم السريع منعت المواطنين من مغادرة سنجة، وجندت قسراً العديد من الشباب والأطفال للقتال في صفوفها..
التغيير: الخرطوم
أعلنت شبكة أطباء السودان أن قوات الدعم السريع قتلت أحد عشر مواطناً في مدينة سنجة بولاية سنار، أثناء محاولتهم الخروج من المدينة.
ووفقاً لشهادات بعض الناجين، فإن قوات الدعم السريع منعت المواطنين من مغادرة سنجة، وجندت قسراً العديد من الشباب والأطفال للقتال في صفوفها، فيما يعاني السكان من نقص حاد في المواد الأساسية، بما في ذلك الأدوية والغذاء، في ظل حصار خانق فرضته القوات.
تأتي هذه التطورات وسط تصاعد النزاع في السودان منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023.
وأدى الصراع إلى تهجير مئات الآلاف من المواطنين، وإلى تفاقم أزمة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بأنها إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
في سنجة ومدن سودانية أخرى، أصبحت القيود على حركة السكان والتجنيد القسري ظواهر متكررة ، تزيد من معاناة المواطنين المحاصرين في مناطق القتال.
وأعربت شبكة أطباء السودان عن إدانتها الشديدة لهذا “التصعيد الوحشي” من قبل قوات الدعم السريع، واصفةً ما جرى في سنجة بأنه “جريمة ضد الإنسانية”.
وطالبت الشبكة المجتمع الطبي الدولي والمنظمات الإنسانية بضرورة التدخل السريع لتقديم المساعدات اللازمة، وبتحرك حاسم لوقف الانتهاكات المستمرة التي يواجهها المدنيون في مناطق النزاع.
كما ناشدت الشبكة الجهات الدولية الضغط لفتح ممرات إنسانية آمنة، تسمح بتوصيل الإغاثة الطبية وتخفيف معاناة المدنيين الذين يواجهون ظروفاً قاسية، في ظل غياب شبه كامل للخدمات الصحية وموارد الغذاء.
تُعد هذه الحادثة الأخيرة دليلاً جديداً على تدهور الحالة الإنسانية والأمنية في السودان، في وقت تتعالى فيه أصوات منظمات حقوق الإنسان والدول الغربية مطالبةً بوقف تصاعد العنف وتقديم الدعم العاجل للمتضررين.
الوسومانتهاكات الدعم السريع حرب الجيش والدعم السريع مدينة سنجة