كست وجهه غمامة من اليأس والحزن بعدما قرأ منشور لابنه على مواقع التواصل الاجتماعى، يحمل فيه القيادة السياسية وحدها مسؤولية الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها مصر حالياً..
دخل الابن على أبيه فأزعجه حال أبيه، وسأله عن سبب غمامة اليأس والحزن التى تكسو وجهه.
الابن: ( منزعجاً).. مالى أراك يا أبتى مهموماً حزيناً؟!
الأب: (بانكسار).
الابن: (بتنهيدة).. حمداً لله، حسبت أنك تمر بوعكة صحية.. وأضاف: ألا تعلم يا أبتى أن معظم ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعى لا يمت للواقع بصلة فى كثير من الأحيان، لسبب بسيط وهو أن هؤلاء هواه وليسوا خبراء، والقرار الصحيح لا يصنعه الهواه بل يصنعه الخبراء.. ثم (تساءل).. وما الذى أزعجك يا حجوج وعكر عليك صفو مزاجك؟
الأب: وبما أنك اعترفت بأن القرار الصحيح يصنعه الخبراء وليس الهواه، دعنى أسألك سؤال وهو، هل هجومك على القيادة السياسية وقد حملتها كذباً وزوراً فى منشورك على مواقع التواصل الاجتماعى بأنها المسؤولة مسؤلية كاملة عن الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد.. هل هذا الاتهام نابع من عقل يدرك وقلب يبصر؟!
الابن: الجميع يتحدث بنفس الكلام.
الأب: ترديد ما تسمعه دون أن تمرره على عقلك يجعلك أسيراً لهؤلاء دون أن تدرى ومن ثم تنفذ مخططاتهم الشريرة ضد الوطن.. يا ولدى حينما تريد أن تكتب فى موضوع يجب أن يكون لديك أكبر قدر من المعلومات وأن تنظر إلى الصورة من جميع زواياها الأربع وليس زاوية واحدة، يا ولدى، الكاتب يولد بعد سنوات من الكتابة وقبلها من القراءة، والكاتب السوي في النهاية ليس ولا يجب أن يكون موقعا لقلب الحقائق، بقصد تضليل الناس لحسابه أو لحساب غيره، ولتعلم يا ولدى أن الكاتب وإن كان ليس قاضياً إلا أنه يجب أن يتسلح بضمير القاضى.. (وبعد لحظة صمت قال) يا ولدى، فالأزمة عالمية وضاغطة على كل الطبقات وليس طبقة بعينها كما كتبت فى منشورك هذا، يا ولدى إن قيادتنا السياسية وطنية ومخلصة إلى أبعد الحدود لهذا البلد، ولكن الأزمة الأقتصادية التى تمر بها بلادنا الحبيبة مصر لها أسبابها الخارجية وأسبابها الداخلية، فأما عن أسبابها الخارجية الخارجة عن إرادة الدولة فهى الحرب الروسية الأوكرانية، وبؤر التوتر التى تحيط بمصر من جميع الاتجاهات، وتحويلات المصريين بالخارج التى لم تعد تصل مصر لأسباب الكل يعرفها، فضلا عن التوترات الحالية عند باب المندب بما أثر سلباً على حركة العبور بقناة السويس، و٩ مليون من الأشقاء العرب الذين تستضيفهم مصر على أراضيها، فمصر اللى موش عجباك عاجبة السوريين والسودانيين والليبين والفلسطينين والتونسيين، لأنها الدولة الوحيدة حالياً فى المنطقة التى تنعم بنعمة الأمن والأمان، فالأمن والأمان هى الأولوية الأولى لأى مجتمع ثم تأتى بعد ذلك الأولويات الأخرى، وأما عن الأسباب الداخلية فيتمثل فى شيئ واحد وهو جشع المستوردين وكبار التجار على حساب المواطن البسيط ليسخط على الدنيا بما فيها، ولا يجد أمامه سوى الصراخ فى وجه الحكومة والرئيس السيسى، ثم ( ملأت عيناه مسحة حزن وهو يقول) لك الله يا مصر فالكل يحاول النيل منك.
الابن: وماذا عن دور الجهات الرقابية يا أبتى؟
الأب: وماذا عن دورك أنت؟ ألست عليك أيضا مسؤولية ابلاغ الجهات الرقابية عن كل من تعرف أنه مستغل أو محتكر؟
الابن: إذا كانت الدولة تعانى من نقص فى العملة الصعبة، وبما أن السائح الذى يزور مصر يدفع للمؤسسات السياحية بالعملة الصعبة، فلماذا لا تفرض الحكومة على تلك المؤسسات أن تدفع ما عليها من مستحقات للدولة بالعملة الصعبة؟
الأب: قلنا أن القرار الصحيح يصنعه الخبراء، وكلامنا مجرد رأى وفارق كبير بين الرأى والقرار، ونتمنى أن يكون رأيك هذا محل دراسة من قبل الخبراء.
الابن: وحتى يدرس الخبراء هذا الرأى.. ماذا يجب علينا فعلة نحن المواطنين للتغلب على موجة الغلاء هذه؟
الأب: هناك قاعدة اقتصادية تقول أن الارتفاع غير المبرر فى الأسعار يعقبه هبوط مبرر وهذا لن يتأتى إلا بتغيير نمط استهلاكنا، إما بالاستغناء أو البحث عن بدائل أو تقليل كميات، ومن ثم يحدث فائض وبالتالى ينخفض مستوى التضخم، فالمستهلك هو الر قم الصعب فى المعادلة يا ولدى، واطمئن يا ولدى فكل ما يثار ضد مصر واقتصادها هو زوبعة فى فنجان سرعان ما تهدأ، فكون أن الدولة تسدد ما عليها من أقساط فهذا دليل عن قدرة اقتصادنا على الصمود أمام كل الأزمات.
الابن: أرجو ألا تكون غاضباً منى يا أبتى بسبب هذا المنشور.
الأب: لست غاضباً يا ولدى، فحديثك عن الأزمة التى تمر بها البلاد مشروع وقلقك على المواطن مفهوم، لكن المشكلة تكمن فى غياب المعلومات الحقيقية التى لا يقدمها الاعلام الدعائى لا المعلوماتى للرأى العام بما أغرق الناس فى الرغى العام، فالمسألة يا ولدى تتلخص فى أن مواردنا المتاحة لا تلبى احتياجاتنا المباحة، لهذا تقوم الدولة بمئات المشروعات فى جميع المجالات لتتوازن ايرادتنا مع احتياجاتنا، ثم إننا جزء من عالم يعانى الأزمات الاقتصادية المتوالية بما أثر على اقتصادنا بدءًا من الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٩، ثم توالت الأزمات الاقتصادية الداخلية بأحداث يناير بخسائرها العالية، وبينما بدأنا ننطلق نحو التنمية وإعادة البناء واجهتنا أزمة كورونا بما ألحق بنا خسائر عالية، ثم جاءت أزمة التضخم العالمى بما رفع جميع أسعار السلع والخدمات فى العالم، وتلتها أزمة الحرب الروسية الأوكرانية كما قلت لك سابقاً..
وأردف الأب قائلا: فكم واجه الشعب المصرى من حروب وتحديات ومؤامرات وأزمات، وضحى وصبر لينتصر عليها.. وانتصر بعون الله وهذه الأزمة حتما ستمر مثلما مرت كل الأزمات بوعى وإرادة شعبنا الطيب.
الابن: (قبل رأس أبيه، واعتذر على منشوره على مواقع التواصل الاجتماعى وقال): من الآن يا أبتى سأكتب باخلاص عن قضايا وطنى العربى وخصوصا مصر وفلسطين، وسأجعل صورة مصر ورموزها فى مقالاتى ومنشوراتى جميلة التقاطيع، كصوره حبيبتى التى أحن دائماً إلى رؤيتها.
نعم، سأكتب باخلاص عن قضايا وطنى كاخلاصى لحبيبتى.. حبيبتى التى سيبقى حبها فى قلبى حتى يأكل البياض سواد شعرى.. حتى يتجعد وجهى وينحنى ظهرى وتتساقط كل أسنانى، ويصبح الدواء صديقى والعكاز قدمى الثالثة.
ليس هذا فحسب، بل سيبقى حبها فى قلبى حتى يسلب ملك الموت روحى وأصير جثة هامدة لا تتحرك، .
الأب: (بصوت حنون).. أرى أن هذا الفيضان من المشاعر يعكس قلب محب بصدق وإخلاص.
الابن: ولم لا يا أبتى، (ثم صمت قليلا وقال).. لقد بحثت كثيراً عن نصفى الآخر ولم أجد من يكمله مثلها.. فقد سلبت عقلى وقلبى وتركتىنى فى حيرة لا أهتدِ، فهى الأفضل، وهى الأقرب، وهى حياتى ونبض قلبى، وأنا لا أستطيع أن أصف كيف ينبض قلبى حينما أراها، فهى نبض قلبى الذى لا أحيا بدونه، فلم يكن حبى لها صدفة، بل هو رحمة من الله بقلبى، ومجرد التفكير بأنها موجوده كافيا لأن يغمر روحى بفيض من الهناء، وسأمكن وطنى من قلبى كما تمكنت حبيبتى من قبل أن تبنى لنفسها قلعة كبيرة داخل قلبى، واحتلت كل مشاعرى، لأنها حلمى إلى الأبد، وسيكون تنمية بلدى وازدهار اقتصادها حلمى حتى ألقى ربى.
الأب: (مبتسماً).. أطال الله فى عمرك وعمر حبيبتك يا ولدى، وبارك عليكما وجمع بينكما فى خير، وجعلكما ذخراً لوطننا الحبيب مصر.
الابن: اللهم آمين يا رب العالمين.. (قالها وهو يقبل رأس أبيه).
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: على مواقع التواصل الاجتماعى
إقرأ أيضاً:
القراءة في عقل الأزمة
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الأزمات و التحديات التي تواجه القوى السياسية، تعد أهم الاختبارات التي تواجه العقل السياسي، و هي التي تبين إذا كان العقل السياسي سليما قادارا على تجاوزها، أم به من العلل التي تعجزه أن يقدم مبادرات يتجاوز بها هذه الأختبارات، و إذا كان العقل معلولا تجده يبحث عن تبريرات يداري بها هذا العجز.. و علة العقل السياسي ظهرت في أول أختبار مرت به، عندما سلم ذات العقل المعلول قيادة الجيش السلطة طواعية عام 1958م، خوفا من نتائج الصراع السياسي مع الآخرين باعتباره حلا يمكن تجاوزه بدخول عامل جديد في الصراع على السلطة، أهمل العقل دراسة هذه الواقعة و نتائجها إذا كانت سالبة أو إيجابية، ثم تكررت التجربة في 1969م و أيضا إهملت تماما، و أيضا في 1989م، كلها تجارب ماذا كان دور القوى السياسية حيال هذه التجارب، هل استطاعت أي قوى سياسية يسارا أو يمينا كانت، أن تقدم نقدا لهذه التجارب لكي تستفيد منه القوى السياسية الأخرى.. أم أهملت نقد التجارب؟.. الأهمال نفسه يبين أن العقل السياسي في أعمق مراحل الأزمة التي عجز أن يتجاوزها..
إذا عرجنا إلي الشعارات التي ترفعها القوى السياسية بكل مدارسها الفكرية "لعملية التحول الديمقراطي" في البلاد، من هي القوى السياسية التي استطاعت أن تكون مقنعة للشعب بأنها تعد مثالا للديمقراطية داخل مؤسستها أو خارجها من خلال إنتاجها الفكري و الثقافي الذي يقنع الجماهير بأنها بالفعل جادة قولا و فعلا في تنزيل الشعار لأرض الواقع الإجتماعي.. الديمقراطية فكر و ثقافة و قوانين و سلوك و ممارسة يومية و ليست شعارات تزين بها الخطابات السياسية.. و الذي يحصل في الساحة السياسية هو صراع ليس من أجل توعية و تثقيف الجماهير بالديمقراطية، أنما صراع بهدف الإستحواز على السلطة بأي ثمن كان..
الآن هناك البعض يرفع شعار البحث عن " طريق ثالث" رغم أن الذين يرفعون هذا الشعار هم من الذين ظلوا يدعمون " الميليشيا" و هم الذين اقنعوها بأن تقوم بالانقلاب، كما قال قائد الميليشيا أن أصحاب " الاتفاق الإطاري" كانوا وراء اشعال الحرب.. بعض من هؤلاء يرفعون شعار " الطريق الثالث" و لم يعرفوا الآخرين ما هو المقصود بهذا الشعار؟ ما هو التصور " للطريق الثالث" الذي يجب أن يتجاوز الحرب، و أيضا الأزمة السياسية التي تعيشها القوى السياسية، العقل المأزوم هو الذي يعلق انتاجه السياسي بالشعار، و لا يستطيع أن يقدم أطروحات فكرية تخدم الشعار الذي يرفعه، هؤلاء هم الذين عطلوا عقولهم طواعية، و اعتمدوا على شخص واحد يفكر نيابة عنهم، و عندما رحل مفكرهم، و جدوا انفسهم أمام تحديات عجز عقلهم التعامل معها..
أن الذين اعتقدوا أن الأزمة التي تعيشها البلاد أنها بسبب " الكيزان و الفلول" هؤلاء أنواع البعض منهم يحاول أن يغطي علاقته بالنظام السابق في اعتقاد أن تركيزه على ذلك سوف سغطي أفعاله، و البعض الأخر بسبب العجز الثقافي و الفكري الذي يعاني منه، أعتقادا أن التركيز على هذا الخطاب سوف يجعله من الذين يطلق عليهم " قوى تقدمية" رغم أن هذه الثقافة قد قبرت كما قبرت الحرب الباردة، و هؤلاء سدنة الأفكار التي تجاوزتها البشرية في مسيرتها التاريخية.. و أخرين يتعلقون بأهداب الخارج ليشكل لهم رافعة للسلطة، و يعتقدون كلما كانوا اشدا بأسا على الكيزان و الفلول " كانوا مقنعين لهذا الخارج بأنهم رجال مرحلة لهم، و هناك الذين يعتقدون أن " الكيزان و الفلول" جزء من الأزمة التي تعيشها كل القوى السياسية، و بالتالي معالجتها تأتي من المعالجة العامة للأزمة السياسية في البلاد...
أن الحرب التي يشهدها السودان هي أعلى مراحل الأزمة السياسية، و هي أزمة العقل السياسي، الذي بدأ يتراجع منذ أن بدأت القوى السياسية تبحث عن حلول للأزمة داخل المؤسسة العسكرية.. أن تحدث فيها أختراقا لكي تقوم بانقلاب عسكري يسلمها السلطة، و الغريب كل القوى السياسية التي أحدثت انقلاب بواسطة عسكريين عجزوا أن يستلموا منهم السلطة.. و حتى الآن لم يبينوا لماذا فشلوا في ذلك.. ما عدا إفادات الدكتور الترابي لأحمد منصور في " قناة الجزيرة" البقية تعلقت " بالنكران و الهروب" الحرب و فشل نقد السياسسين للتجارب السابقة تمثل أعلى درجات أزمة العقل السياسي، و هناك الأمارات التي تدخلت بشكل سافر في الأزمة لكي تحولها لمصلحتها، و استطاعت أن تتاجر في الاستحوا ز على عقول الأزمة في السودان، لعل تنجح مؤامرتها على البلاد، و من وراءها مثل بريطانيا و أمريكا و الايغاد و الاتحاد الأفريقي و بقية المنظمات الإقليمية.. هل تستطيع القوى الجديدة التي سوف تفرزها الحرب أن تدرك دورها و مسؤوليتها السياسية، و تقدم أطروحات سياسية و أفكار تخلق بها واقعا جديدا، و أيضا تتجاوز بها الأسباب الحقيقية التي أدت للأزمة و تنشل العقل السياسي منها.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com