الدماء الزكية فداءً للقضايا العادلة
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
يتعرض اليمن اليوم لعدوان هجمي وحشي وبربري من قبل التحالف الصهيوني الذي تقوده أمريكا، صحيح أن الأسلحة والجنود والتمويل من أمريكا ومن تحالف معها، لكن الأهداف هي حماية الكيان الصهيوني وإفساح المجال له لكي يجهز على المستضعفين من أبناء فلسطين أطفالا ونساء وشيوخا وحتى الأرض سيتم تدميرها بفعل الآثار المدمرة للأسلحة المستخدمة لإحداث أكبر ضرر بالإنسان والحيوان والأرض، وهكذا لم تعد أرض فلسطين مسرحا للإجرام الصهيوني الأمريكي فحسب، بل إن اليمن تشهد اليوم عدوانا همجيا بسبب مواقفها الداعمة للحق والعدالة والإنسانية.
لقد كشفت الأحداث أن أمريكا سقطت وأسقطت شعاراتها البراقة الخادعة والزائفة مثل حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية وأصبحت تمثل التوجه الإجرامي بدون حياء أو خجل، وهذا السقوط ليس مستغربا عليها ولا على الحلف الذي شكلته وجعلته عنوانا تتحرك تحته، ويشبه فعلها اليوم “اليوم” ما فعلته الإمبراطورية الإنجليزية التي غابت عنها الشمس عندما جاءت إلى عدن وأغرقت سفنها وتذرعت بذلك الاحتلال جنوب اليمن، أما اليوم فقد اتخذت من أمريكا قائدا لها تتحرك تحت سلطانه وهيلمانه، لقد مارست أمريكا خيارات إخضاع اليمن على مدى السنوات الماضية، مستعينة بطابور من المتعاونين معها، لتحريم اقتناء الأسلحة وتدمير الأسلحة النوعية التي قد تمتلكها بعض القبائل والوجاهات الاجتماعية، وتم تدمير أساسات الدفاع الجوي واغتيال قيادات القوات المسلحة الجوية والطيران، وحينما اطمأنت لذلك أوعزت إلى وكلائها في المنطقة بشن الحرب لتدمير قدرات وإمكانيات اليمن في الزراعة والصناعة والمدارس والطرقات وكل أساسات البنية التحتية، وقبل ذلك تدمير القدرات العسكرية والبرية والبحرية والجوية، حتى أن إعلان بدء الهجوم تم من العاصمة الأمريكية ولكن بلسان عربي وفكر ومنهج إجرامي يجمع بين العمالة والخيانة والخسة والوضاعة.
وبينما اختارت اليمن الانحياز للمبادئ والقيم الإنسانية العادلة وأولاها وأهمها إزالة التدخلات الأمريكية وتحقيق الاستقلال للقرارات السياسية من الهيمنة والتبعية، وثانيها مناصرة القضايا العادلة وأولاها قضية ومظلومية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة والتهجير من قبل العصابات الإجرامية الصهيونية والحلف الصليبي الداعم والمناصر لها، هنا نجد أن أمريكا اختارت العمل ضد كل المبادئ والقيم الإنسانية، فلم تكتف بما قام به الوكلاء عنها في إجرامهم ضد اليمن على مدى الثمان السنوات الماضية، بل ها هي اليوم تواصل مشوار الإجرام ولكن مع اختلاف بسيط في اللغة، أما الفكر والتوجه فهو ذاته فكر إجرامي الأول ينطق بلسان الضاد، والثاني بلغة أجنبية، أما الأسلحة فهي ذاتها، وأما الأهداف فهي ذاتها ضرب المنشآت الحيوية، وتحطيم مكتسبات اليمن التي بناها بجهود أبنائه وبسواعدهم وإمكاناتهم، كان الأعداء يحلمون أن يظل اليمن عاجزا معتمدا على الخارج في كل شؤونه السياسية والاقتصادية والعسكرية، فرضوا الحصار البري والبحري، ولكن اليمن لم يستسلم لذلك، صنع الصواريخ والمسيَّرات ودافع عن نفسه وعن أمته ودينه وفرض معادلة إنهاء الإجرام ومواجهة المجرمين وعمَّد كل ذلك بالدماء الزكية الطاهرة للشهداء الذين دافعوا عن اليمن واستقلاله وسيادته وعن مظلومية أبناء فلسطين في أرض الرباط ومسرى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وها هو اليوم يقدم الأثمان الغالية في سبيل نصرة اخواننا وأشقائنا في أرض فلسطين.
وعلى العكس عن ذلك نجد صهاينة العرب يمدون المجرمين، ويساعدونهم بكل إمكانيات أمتهم لأجل إتمام الولاء، وتحقيقا للمشروع المشترك في السيطرة والاستئثار بخيرات أوطانهم تحت الحماية الأمريكية والصهيونية، ولم يعتبر هؤلاء بماضي المجرمين الذين تحالفوا مع أمريكا ومع المجرمين ضد أوطانهم، لقد كانت تسحقهم عندما يصبح وجودهم عبئا عليها.
فهي لا تحترم ولا تراعي إلا مصالحها قبل كل شيء وقبل كل ذلك مصالح الصهيونية العالمية، حتى أنها تقدم مصالح اليهود على مصالح أمريكا إذا تعارضت معها وهو ما جعل كثيراً من ساستها يقولون إن إدارة أمريكا في يد اليهود الصهاينة، وأن القرار الأمريكي استولى عليه الصهاينة، وبينما تدعم أمريكا إسرائيل، فهناك طوائف من اليهود يدعمون فلسطين ويخرجون في مظاهرات، منددين بإجرام اليهود أنفسهم، ما يؤكد أن الصهاينة الأمريكيين هم من يقودون إسرائيل والصهاينة اليهود يقودون أمريكا.
ماذا تريد أمريكا من إجرامها؟
لم تكتف أمريكا بدعم الصهاينة بجيشها وأسلحتها وأموالها وسياستها، بل ذهبت لتحارب بدلا عنها، فها هي تشن غاراتها على الشعب اليمني من أجل أن تمنعه عن القيام بواجبه في إسناد القضية الفلسطينية، فمنع مرور سفن الامداد للمجرمين يعد في نظر المجرمين خطيئة تستوجب شن الحرب وتشكيل تحالف من أجل ذلك، أما منع الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية فسلوك لا غبار عليه، لقد تحققت مقولات الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي –رحمة الله عليه- “إن أمريكا هي الشيطان الأكبر، وهي الشر بعينه- لأنها تصف وتصنف الإنسان الأعزل بالإرهاب- أما من يملك السلاح ومن يصنعه ومن يستخدمه ضد الآخرين، فليس إرهابياً، حتى وإن قتل الآلاف من الضحايا الأبرياء”، إنه لشرف عظيم أن تصفنا وتصنفنا أمريكا- بأننا إرهابيون لأننا نوقن عند ذلك أننا على الطريق الصحيح.
إن قوة أمريكا وجبروتها لا تساوي شيئاً، طالما أن هناك إيماناً راسخاً بالله ورسوله وهناك قيادة إيمانية تتحرك على هدي من القرآن يمثلها السيد العلم قائد الثورة عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- الذي اختار الوقوف إلى جانب مظلومية إخواننا في أرض فلسطين وهو موقف سجله التاريخ في أنصع صفحاته، كما سجل مواقف الخزي والعار بحق كل الحلف الصهيوني الأمريكي والخونة والعملاء في الداخل والخارج، وصدق الله القائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ) المائدة (54).
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
التفرقة والوحدة: دروسٌ من توحد اليهود وصراعات الأُمَّــة
شاهر أحمد عمير
على مر التاريخ، عرف اليهود بخلافاتهم الداخلية التي تشمل صراعات سياسية ودينية واجتماعية، إلا أن المثير للتأمل هو قدرتهم على تجاوز هذه الخلافات عندما يتعلق الأمر بمصالحهم المشتركة أَو التهديدات التي تواجه وجودهم.
في مواجهة الأُمَّــة الإسلامية والعربية، يظهر اليهود كتلة واحدة، يتحدون ضد كُـلّ ما يعتبرونه تهديدًا لمشروعهم، متناسين اختلافاتهم الأيديولوجية والسياسية.
هذا الواقع يحمل درسًا مهمًا للأُمَّـة الإسلامية والعربية، التي تعاني من التفرقة والتشتت في وقت هي بأمسّ الحاجة فيه إلى الوحدة والتماسك؛ فالتحديات التي تواجهنا كأمة، سواء أكانت سياسية أَو اقتصادية أَو عسكرية، تتطلب منا أن نتجاوز خلافاتنا الداخلية، ونتوحد خلف قضايا مصيرية تجمعنا، مثل القضية الفلسطينية والصراعات التي تهدّد وجود الأُمَّــة وهويتها.
من الواضح أن اليهود يدركون جيِّدًا أن قوتهم تكمن في وحدتهم أمام عدوهم المشترك، في المقابل، نجد أن العديد من الدول العربية والإسلامية تغرق في نزاعات داخلية، وتنساق وراء أجندات أجنبية تسعى لتفتيت الصف الإسلامي والعربي، هذه النزاعات لا تخدم إلا أعداء الأُمَّــة، الذين يستغلون انقساماتنا لإضعافنا والسيطرة على مقدراتنا.
إن ما يحدث اليوم في العالم الإسلامي والعربي هو انعكاس لغياب الرؤية المشتركة وافتقاد الأولويات؛ فما الذي يمنع الأُمَّــة من أن تتوحد أمام مشاريع الهيمنة والاحتلال كما يفعل أعداؤها؟ لماذا نظل أسرى لخلافات عابرة وتنافسات ضيقة بينما تهدّدنا قوى كبرى تستهدف كياننا بالكامل؟
لقد أثبتت التجارب أن الوحدة قوة لا يُستهان بها، وأن الأمم التي تدرك أهميّة التكاتف وتعمل على بناء جبهتها الداخلية هي التي تنتصر في النهاية، وَإذَا كنا نريد مستقبلًا أكثر أمانًا وعدالة لأمتنا، فعلينا أن نبدأ بالتعلم من أعدائنا، ونتخذ من وحدتهم عبرة نستلهم منها خطواتنا المقبلة.
إن الدعوة للوحدة ليست مُجَـرّد شعار، بل هي واجب ومسؤولية على عاتق كُـلّ فرد وكلّ دولة في الأُمَّــة الإسلامية؛ فلا يمكن مواجهة التحديات الكبيرة إلا بروح جماعية وإرادَة واحدة، نحن بحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين الشعوب والأنظمة، ووضع مصلحة الأُمَّــة فوق كُـلّ اعتبار.
فكما يتجاوز اليهود خلافاتهم في سبيل تحقيق أهدافهم، علينا نحن أَيْـضًا أن ننهض من سباتنا ونرتقي فوق نزاعاتنا الصغيرة، ونعيد للأُمَّـة مجدها وقوتها؛ فالأعداء متربصون، والمستقبل لا ينتظر من يتردّد أَو يتخاذل.
لنجعل من اختلافاتنا مصدرًا للتكامل، ومن وحدتنا طريقًا للنصر، لنتعلم من التاريخ ونصنع مستقبلًا يليق بأمتنا وهويتنا.