الدماء الزكية فداءً للقضايا العادلة
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
يتعرض اليمن اليوم لعدوان هجمي وحشي وبربري من قبل التحالف الصهيوني الذي تقوده أمريكا، صحيح أن الأسلحة والجنود والتمويل من أمريكا ومن تحالف معها، لكن الأهداف هي حماية الكيان الصهيوني وإفساح المجال له لكي يجهز على المستضعفين من أبناء فلسطين أطفالا ونساء وشيوخا وحتى الأرض سيتم تدميرها بفعل الآثار المدمرة للأسلحة المستخدمة لإحداث أكبر ضرر بالإنسان والحيوان والأرض، وهكذا لم تعد أرض فلسطين مسرحا للإجرام الصهيوني الأمريكي فحسب، بل إن اليمن تشهد اليوم عدوانا همجيا بسبب مواقفها الداعمة للحق والعدالة والإنسانية.
لقد كشفت الأحداث أن أمريكا سقطت وأسقطت شعاراتها البراقة الخادعة والزائفة مثل حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية وأصبحت تمثل التوجه الإجرامي بدون حياء أو خجل، وهذا السقوط ليس مستغربا عليها ولا على الحلف الذي شكلته وجعلته عنوانا تتحرك تحته، ويشبه فعلها اليوم “اليوم” ما فعلته الإمبراطورية الإنجليزية التي غابت عنها الشمس عندما جاءت إلى عدن وأغرقت سفنها وتذرعت بذلك الاحتلال جنوب اليمن، أما اليوم فقد اتخذت من أمريكا قائدا لها تتحرك تحت سلطانه وهيلمانه، لقد مارست أمريكا خيارات إخضاع اليمن على مدى السنوات الماضية، مستعينة بطابور من المتعاونين معها، لتحريم اقتناء الأسلحة وتدمير الأسلحة النوعية التي قد تمتلكها بعض القبائل والوجاهات الاجتماعية، وتم تدمير أساسات الدفاع الجوي واغتيال قيادات القوات المسلحة الجوية والطيران، وحينما اطمأنت لذلك أوعزت إلى وكلائها في المنطقة بشن الحرب لتدمير قدرات وإمكانيات اليمن في الزراعة والصناعة والمدارس والطرقات وكل أساسات البنية التحتية، وقبل ذلك تدمير القدرات العسكرية والبرية والبحرية والجوية، حتى أن إعلان بدء الهجوم تم من العاصمة الأمريكية ولكن بلسان عربي وفكر ومنهج إجرامي يجمع بين العمالة والخيانة والخسة والوضاعة.
وبينما اختارت اليمن الانحياز للمبادئ والقيم الإنسانية العادلة وأولاها وأهمها إزالة التدخلات الأمريكية وتحقيق الاستقلال للقرارات السياسية من الهيمنة والتبعية، وثانيها مناصرة القضايا العادلة وأولاها قضية ومظلومية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة والتهجير من قبل العصابات الإجرامية الصهيونية والحلف الصليبي الداعم والمناصر لها، هنا نجد أن أمريكا اختارت العمل ضد كل المبادئ والقيم الإنسانية، فلم تكتف بما قام به الوكلاء عنها في إجرامهم ضد اليمن على مدى الثمان السنوات الماضية، بل ها هي اليوم تواصل مشوار الإجرام ولكن مع اختلاف بسيط في اللغة، أما الفكر والتوجه فهو ذاته فكر إجرامي الأول ينطق بلسان الضاد، والثاني بلغة أجنبية، أما الأسلحة فهي ذاتها، وأما الأهداف فهي ذاتها ضرب المنشآت الحيوية، وتحطيم مكتسبات اليمن التي بناها بجهود أبنائه وبسواعدهم وإمكاناتهم، كان الأعداء يحلمون أن يظل اليمن عاجزا معتمدا على الخارج في كل شؤونه السياسية والاقتصادية والعسكرية، فرضوا الحصار البري والبحري، ولكن اليمن لم يستسلم لذلك، صنع الصواريخ والمسيَّرات ودافع عن نفسه وعن أمته ودينه وفرض معادلة إنهاء الإجرام ومواجهة المجرمين وعمَّد كل ذلك بالدماء الزكية الطاهرة للشهداء الذين دافعوا عن اليمن واستقلاله وسيادته وعن مظلومية أبناء فلسطين في أرض الرباط ومسرى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وها هو اليوم يقدم الأثمان الغالية في سبيل نصرة اخواننا وأشقائنا في أرض فلسطين.
وعلى العكس عن ذلك نجد صهاينة العرب يمدون المجرمين، ويساعدونهم بكل إمكانيات أمتهم لأجل إتمام الولاء، وتحقيقا للمشروع المشترك في السيطرة والاستئثار بخيرات أوطانهم تحت الحماية الأمريكية والصهيونية، ولم يعتبر هؤلاء بماضي المجرمين الذين تحالفوا مع أمريكا ومع المجرمين ضد أوطانهم، لقد كانت تسحقهم عندما يصبح وجودهم عبئا عليها.
فهي لا تحترم ولا تراعي إلا مصالحها قبل كل شيء وقبل كل ذلك مصالح الصهيونية العالمية، حتى أنها تقدم مصالح اليهود على مصالح أمريكا إذا تعارضت معها وهو ما جعل كثيراً من ساستها يقولون إن إدارة أمريكا في يد اليهود الصهاينة، وأن القرار الأمريكي استولى عليه الصهاينة، وبينما تدعم أمريكا إسرائيل، فهناك طوائف من اليهود يدعمون فلسطين ويخرجون في مظاهرات، منددين بإجرام اليهود أنفسهم، ما يؤكد أن الصهاينة الأمريكيين هم من يقودون إسرائيل والصهاينة اليهود يقودون أمريكا.
ماذا تريد أمريكا من إجرامها؟
لم تكتف أمريكا بدعم الصهاينة بجيشها وأسلحتها وأموالها وسياستها، بل ذهبت لتحارب بدلا عنها، فها هي تشن غاراتها على الشعب اليمني من أجل أن تمنعه عن القيام بواجبه في إسناد القضية الفلسطينية، فمنع مرور سفن الامداد للمجرمين يعد في نظر المجرمين خطيئة تستوجب شن الحرب وتشكيل تحالف من أجل ذلك، أما منع الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية فسلوك لا غبار عليه، لقد تحققت مقولات الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي –رحمة الله عليه- “إن أمريكا هي الشيطان الأكبر، وهي الشر بعينه- لأنها تصف وتصنف الإنسان الأعزل بالإرهاب- أما من يملك السلاح ومن يصنعه ومن يستخدمه ضد الآخرين، فليس إرهابياً، حتى وإن قتل الآلاف من الضحايا الأبرياء”، إنه لشرف عظيم أن تصفنا وتصنفنا أمريكا- بأننا إرهابيون لأننا نوقن عند ذلك أننا على الطريق الصحيح.
إن قوة أمريكا وجبروتها لا تساوي شيئاً، طالما أن هناك إيماناً راسخاً بالله ورسوله وهناك قيادة إيمانية تتحرك على هدي من القرآن يمثلها السيد العلم قائد الثورة عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- الذي اختار الوقوف إلى جانب مظلومية إخواننا في أرض فلسطين وهو موقف سجله التاريخ في أنصع صفحاته، كما سجل مواقف الخزي والعار بحق كل الحلف الصهيوني الأمريكي والخونة والعملاء في الداخل والخارج، وصدق الله القائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ) المائدة (54).
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
على خطى السعودية.. أمريكا في اليمن إجرام وتخبط وهزيمة [الحقيقة لا غير]
يمانيون../
تتزايد البراهين والأدلة يومًا بعد يوم على مدى الارتباك والعجز الذي يعيشه العدو الأمريكي في مواجهته للشعب اليمني العظيم، الذي يتميز بقوة إيمانه وثباته وإرادته القوية.
العدوان الأمريكي المستمر على العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات اليمنية لا يعكس سوى حقيقة واحدة، هي الفشل الكبير الذي يدفع العدو الأمريكي إلى الوقوع في مأزق حقيقي أمام هذا الشعب، الذي يجسد من خلال موقفه الديني والأخلاقي والإنساني تجاه غزة موقفًا ومثالًا فريدًا في تاريخ الإنسانية.
وبسبب جهل العدو الأمريكي لطبيعة الشعب اليمني وقوة عزيمته وصمود أبنائه، يواصل شن غاراته العدوانية على الأحياء السكنية في صنعاء، مستهدفًا منازل المدنيين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالأهداف الأمريكية المعلنة في اليمن.
لذا، فإن العدوان الأمريكي، خاصة في ظل إدارة المجرم ترامب، يمر بنفس الظروف التي واجهها العدو السعودي في عام 2015، عندما شن عدوانًا غاشماً جائرًا على الشعب اليمني، متجاهلًا صمود اليمنيين ومطمئنًا إلى تفوقه العسكري وقدرته الاقتصادية وعلاقاته الدولية.
وفي الوقت الحالي، يرتكب العدو الأمريكي نفس الخطأ الذي ارتكبه العدو السعودي سابقًا، والذي سيؤدي إلى عواقب وخيمة، وهو الخطأ المتمثل في التقليل من شأن الشعب اليمني وتضحيات أبنائه، والاعتقاد الخاطئ بأن طرق القوة والتصلب والوحشية، إلى جانب الغارات العدوانية والتدمير، ستكسر إرادة الشعب اليمني وتجبر أبنائه على الخضوع ورفع راية الاستسلام أمام العدوان الأمريكي والإسرائيلي.
تشكل الجرائم التي يرتكبها العدوان الأمريكي في العاصمة صنعاء وكافة المحافظات اليمنية جانبًا آخر من مظاهر الإجرام الوحشي الأمريكي، وتعكس حالة الفوضى والتخبط التي تعاني منها الولايات المتحدة، والتي لا تؤدي إلا إلى المزيد من الفضائح والانكسارات. ولا شك أن دماء الشهداء لن تذهب سدى، حيث تواصل قواتنا المسلحة تقويض هيبة هذه الإمبراطورية الظالمة، وتعليمها دروسًا قاسية في البحر وفي جميع الاشتباكات مع قطعها البحرية والعسكرية، حتى بلغت مرحلة الانهيار والفشل، وهو ما يؤكده الواقع على أرض الميدان. وهذا ما يشهد به جميع الخبراء المهنيين في العالم، بما فيها تقييمات العدو الأمريكي نفسه، حول نتائج العدوان الأمريكي على اليمن.
هذا وزير خارجية المجرم ترامب، الذي يعاني من خيبة أمل وإحباط مماثل لرئيسه، أشار إلى أن العدوان على اليمن يُعتبر خدمةً للعالم. هذا التصريح يعكس محاولة ليّ ذرائع المجتمع الدولي واستعطافه للوقوف بجانب العدو الأمريكي، ويُذكرنا ذلك بخطاب العدو السعودي الذي كان يبرر عدوانه على اليمن بحجة الدفاع عن العالم.
لقد كشفت دولة العدوان أمريكا من خلال عدوانها على الشعب اليمني للعالم فشلاً ذريعًا يفوق توقعات الكثيرين. فكلما ارتكب العدو الأمريكي جريمةً ضد المدنيين أو استهدف منشأةً مدنيةً أو مؤسسةً حكوميةً في اليمن، انكشفت حقائقه أكثر وتهاوت مكانته، ليس فقط من الناحية الأخلاقية، بل أيضًا من الناحية العسكرية والأمنية. وبفضل الله تعالى، فإن تصرفات هؤلاء المجرمين والإرهابيين الأمريكيين تدل على أنهم لا قيمة لهم، وهي حقًا كما وصفها الشهيد القائد -رضوان الله عليه– “أن أمريكا قشة”.
لكن عندما يقف أصحاب الحق بثباتٍ وإيمانٍ وقرارٍ حازم، يصبح الباطل ضعيفًا أمامهم، كما هو حال أمريكا اليوم في مواجهة الشعب اليمني. فالباطل لا يستمر ولا يثبت، على عكس أصحاب الحق والقضايا العادلة الذين هم سند القوة والديمومة.
كان المجرم ترامب، الذي يُعتبر مجرمًا، يسخر من إدارة بايدن وينعتها بالفشل، أما اليوم فقد أصبح المجرم ترامب نفسه موضوع سخرية أكثر منه، وذلك بسبب كثرة تهديداته. إذ تحول المجرم ترامب إلى مجرم وقاتل وفاشل في نظر العالم، الذي يشاهد يوميًا جرائمه ضد النساء والأطفال في غزة واليمن.
وكان يُقال إن المجرم ترامب كان يطمح للفوز بجائزة نوبل للسلام، راغبًا في جعل ولايته الأخيرة، أو ولايته هذه، رمزًا للحضارة الغربية والإنسانية، متعهدًا بإنهاء النزاعات والحروب. لكنه سقط في بداية ولايته الرئاسية الثانية، التي لم تمضِ عليها إلا بضعة أشهر قليلة، حيث يعيش حالة من الارتباك واليأس، ما دفعه إلى استهداف المنازل والأسواق والموانئ، وحتى السفينة “جلاكسي” في عرض البحر.
تشير الجرائم التي ارتكبها العدوان الأمريكي في العاصمة صنعاء بحق المدنيين إلى فشل العدوان الأمريكي المستمر وتخبطه المتواصل، كما تُبرز حجم الحقد الذي يكنّه العدو الأمريكي الذي يسعى للانتقام من الشعب اليمني، الذي لا تزيده هذه الجرائم إلا صلابة وعزيمة وإصرارًا على المواجهة والثبات والصمود. ولن يثنيه ذلك عن مواقفه الإنسانية والدينية والتاريخية تجاه غزة.
إن تضحيات وصبر الشعب اليمني في هذه المرحلة الحاسمة سيكون لهما أثر يعود بالنصر على المظلومين، وبالهزيمة والخسران على الظالمين. وتداعيات وأثر العدوان الأمريكي على اليمنيين تظهر كيف أن هذه الجرائم تعود بالسوء والخسارة على من يقترفها، كما حدث مع العدوان السعودي في جولة العدوان الأمريكية السابقة التي لم تحقق أي هدف، رغم ما ارتكبه من قتل النساء والأطفال وتدمير المنازل والمنشآت المدنية والحكومية.
وعلى الرغم من ذلك العدوان، تحوّل اليمنيون إلى بركان من الغضب في صدورهم، وزاد من وعيهم وحماسهم ونشاطهم للبحث عن وسائل القوة والمواجهة مع أولئك الأعداء والمجرمين، الذين لا يردعهم إلا الشجاعة والقوة والثبات والحضور الدائم في ساحات وميادين الجهاد في سبيل الله.
هناك فرق جوهري بين أن تتلقى الأذى من عدوك، وبين أن تضحّي وتواجه الألم بينما يُدمّر بيتك أو مصدر رزقك وأنت في موقع الجهاد ومواجهة العدو، تهاجمه بكل قوتك وتُعلّمه دروساً في الشجاعة والكرامة، تسقط هيبته أمام الأنظار، وتُلحِق به خسائر كبيرة على الأصعدة العسكرية والمادية والمعنوية.
بينما الاستسلام والخنوع لا يضمنان لك الحماية من العدو، فالتضحية في سبيل الجهاد هي فترة تكون مليئة بالصبر والكفاح، يتبعها النصر المؤزر، حينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. أما إذا رضيت بالهروب من تحمل المسؤولية، فستخسر بلا نهاية، وضحاياك ستكون دون فائدة أو تحقيق أهداف.
كيف تؤثر مشاهد الطفولة والشهداء والجرحى على شعوب العالم كله، وهم يدركون أن اليمني يقدم هذه التضحيات نتيجة مواقفه الداعمة لغزة، ونتيجة إصرار شعب اليمن على تثبيت هذا الموقف مهما بلغت التضحيات وقسوة العدوان الأمريكي؟.
هذا الموقف له أثر عميق في نفس ووجدان الملايين من شعوب العالم، ولذلك تنطبق على جرائم العدوان الأمريكي بحق الشعب اليمني الآية الكريمة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
المجرم ترامب ومن يقف خلفه من المنافقين من أبناء الأمة يعتقدون أن جرائم العدوان الأمريكي بحق المدنيين ستعوض إخفاقاتهم العسكرية، وأن هذه الجرائم ستساعدهم في تحقيق أهدافهم، من بينها إرهاب الشعب اليمني وإجباره على الاستسلام ورفع راية الهزيمة أمام العدوان الأمريكي والإسرائيلي وعملائهم وأدواتهم ومرتزقتهم، وهذا تصور خاطئ تمامًا.
ومن لا يعرف طبيعة الشعب اليمني، عليه أن يعود للدراسة الدقيقة لتجربة العدوان السعودي على اليمن التي دامت تسع سنوات، والتي لا تزال حية في الذاكرة وقريبة الوقت، كما بيّن ذلك الشهيد القائد ـــ رضوان الله عليه ـــ إذا كنت تسير في طريق الحق، حتى عدوك حين يتصرف ضدك بأي فعل، رغبةً في إيذائك، قد ينتهي به الأمر إلى إفادتك من حيث يعتقد أنه يضرك، وبطريقة غير مقصودة.
لذلك، لنتأمل حجم الدعم والوقوف الشعبي العربي، الإسلامي والدولي تجاه اليمن في المراحل السابقة، حيث لم يكن موقف اليمن إلى جانب غزة آنذاك قد بلغ هذه الدرجة من التضحية والعطاء. فقد كان الشعب اليمني حينها لا يزال في طور المشاركة بالمظاهرات والمواكب الجماهيرية الكبيرة، إضافة إلى العمليات العسكرية التي تشكل الركيزة الأساسية لهذا الموقف.
أما الآن، فإن العالم بأجمعه، شعوبًا وأممًا، يراقب اليمنيين الذين تطوروا في عطائهم وإخلاصهم وجديتهم بشكل واضح في موقفهم الراهن. بالرغم من تعرض منازلهم للقصف واستشهاد أطفالهم ونسائهم، يؤكدون تمسكهم بفداء غزة ولن يتراجعوا عن مواقفهم الثابتة.
قال تعالى: [وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ]، إنَّ التضحيات التي يقدمها الشعب اليمني، والتي عبر عنها الجرحى المتأثرون بالعدوان الأمريكي، ترتقي بمكانتهم عند الله فوق مكانة الذين يقتصر عطاءهم على مجرد مشاركة الطعام والشراب، وفق ما جاء في كتاب الله العزيز عن عظمة المُنفقين.
على مدار عام ونصف من الدعم والإسناد اليمني لغزة، حاول البعض التشكيك والتشويش، بل وتعمد بعضهم السخرية بالقول إن ما قدمه اليمن لغزة هو مجرد استغلال. هذا هو سلوك العملاء والمرتزقة الذين يسعون إلى تشويه الموقف اليمني الحقيقي.
لكن الجرائم الأمريكية، والمشاهد المروعة لقصف المنازل والأسواق والمقابر، وألم الضحايا والشهداء، قد صنعت صورة أوضح وأصدق عن الشعب اليمني في وعي الشعوب حول العالم، أكثر مما كان عليه قبل العدوان الأمريكي.
إن دولة العدوان أمريكا من خلال جرائمها تُثبت للعالم أن الشعب اليمني يتميز بالإخلاص والثبات والصدق والكرامة والنقاء، وأنه لا نظير له عبر التاريخ البشري. كما تؤكد أن اليمن لا يتاجر بمعاناة غزة كما يزعم العملاء والمنافقون.
لقد زاد احترام العالم وتقديره للموقف اليمني خلال عام ونصف، واليوم في خضم الجرائم الأمريكية، بات الناس أكثر إيماناً ومحبةً للشعب اليمني. ولهذا، فإن التضحيات التي يقدمها الشعب اليمني لها أثر كبير يتجاوز مجرد التعاطف، إذ أصبحت اليوم سبباً في إيقاظ واستنهاض أحرار الأمة وكافة شعوب العالم، وتوحيد صفوفهم حول اليمن وموقفه وقيادته، وأضحى الشعب اليمني، بصموده ودعمه لغزة، مصدر إلهام وحافز لمن لا يزال يملك نبض الحياة في جميع أنحاء العالم.
بعون الله تعالى وإرادته، يكون المذنب والمجرم قد أتم كامل ذنوبه وتراكمت عليه الذنوب، ونضجت جرائمه التي تؤدي إلى سقوطه، فلا يبقى سوى السبب الذي يهيئه الله لإسقاطه والقضاء عليه. لذا فإن الأبطال المؤمنين الثابتين الشجعان هم الذين يتحقق على أيديهم تنفيذ الوعد الإلهي بسقوط الطغاة والمجرمين، وهذا من السنن الإلهية الثابتة في هذا الكون.
لقد تصاعد ظلم أمريكا وارتكبت المزيد من الجرائم، وأصبحت مكروهة في نظر العالم، ولهذا فإن العدوان والجرائم الأمريكية بحاجة إلى موقف أبر هيمي مستوحى من موقف نبي الله إبراهيم عليه السلام، إذ قال لأبيه وقومه: “ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟” فقد كان قومه يعبدون الأصنام كما يعبد البعض أمريكا في يومنا هذا.
فأجاب قوم إبراهيم: (جَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ)، لم يكن هناك مجال لتغيير النظام العالمي في ذلك الزمان، فأجابهم إبراهيم: (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاوْكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). وفي هذه الأيام، أيّ ضلال أعظم من طاعة أمريكا والولاء لها ولليهود، الذين يرتكبون أبشع الجرائم في غزة وغيرها.
كان موقف سيدنا إبراهيم حازماً وقوياً بلا تردد، حيث أعلن قاطعاً: (وَتَاللّٰهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) أي: سأقضي على أصنامكم. وهذا هو الموقف الإبراهيمي الذي يجسده شعب اليمن في وجه إمبراطورية الظلم والجرائم واستعباد البشر، أمريكا التي ورثت تاريخاً طويلاً من الإجرام والظلم.
لذا، فإن من يواجه دولة العدوان أمريكا في هذا العصر يحمل راية الحق التي تعتبر امتداداً لرسالات الأنبياء عبر التاريخ، وهذا ما يجسده الشعب اليمني كحامل لهذه الراية.
لا بد للشعوب العربية والإسلامية من اتخاذ موقف واضح تجاه جرائم ومجازر العدو في غزة، وإذا تأخرت في ذلك فإنها معرضة للخزي في الدنيا والعقاب في الآخرة. ولهذا، فإن هناك بعض التفسيرات الدينية المغلوطة التي ساهمت في ترسيخ موقف الضعف والهوان بين المسلمين، معتبرةً ذلك زهدًا في الدنيا وطاعةً لله، وهو فهم يرفضه القرآن الكريم.
والأمر نفسه كما قال الشهيد القائد -رضوان الله عليه- إن الذل والهوان في الدنيا الناتج عن التقصير يؤدي إلى عذاب في الآخرة، لأن المؤمن يجب أن يكون قويًا وكريمًا، فهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وعلى المؤمن أن يجسد في حياته قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
في ظل ما نشهده حالياً من تخاذل عربي تجاه قضية غزة وفلسطين، يتضح حجم الأزمة الخطيرة التي تواجهها أمتنا، والتي قد تكون قد وصلت إلى نقطة نهايتها، وقد يُستبدل الله بها بأمة أخرى. وبناءً عليه، دخلت الأمة في مرحلة من العقاب الإلهي، حيث تُسَلَّط عليها أعداؤها ليعذبوها أشد العذاب.
لذا فإن ما يحدث في واقع المسلمين اليوم أمر غير طبيعي، فالشعوب التي تفتقر إلى الدين تعيش في حياتها بحرية، تدافع عن نفسها، وتبني اقتصادها ومستقبلها، بينما واقع المسلمين والعرب مخزٍ ومزرٍ إلى أقصى الحدود.
عباس القاعدي| المسيرة