وقف تمويل الأونروا استكمال للسقوط الأخلاقي
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
زيادة الضغوط السياسية والاقتصادية على وكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة، بوقف تمويلها من بعض الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وأستراليا وفنلندا وايطاليا وسويسرا وهولندا والسويد واليابان، بمزاعم اسرائيلية جديدة عن اشتراك 12 من العاملين بالوكالة في غزة في عملية "طوفان الأقصى"، يعيدنا لسلسلة من المزاعم الإسرائيلية والأمريكية التي ترى في الوكالة وعملها ووجودها تذكير المغتصب الصهيوني بجريمته الكبرى (النكبة) بحق الشعب الفلسطيني عام 1948، وأن تصفية عمل الوكالة هو أحد الأهداف التي عملت عليها الإدارة الأمريكية السابقة، في عهد دونالد ترامب، عندما أخذت قرار وقف التمويل كليا عن الأونروا في آب/ أغسطس 2018، وكان الهدف الرئيس من ذلك يتماشى مع صفقة القرن التي وضعتها إدارة ترامب في سياق التفاهم الأمريكي الإسرائيلي على تصفية حق اللاجئين.
وقف التمويل يتسبب بالضرر المباشر للفلسطينيين، ولا يقف عند حدود وقف المساهمة المالية، بقدر الضغط على تفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني. ولا ريب أن هناك بعض التأثير النسبي في بث روح اليأس لكسر إرادة الشعب الفلسطيني بمقاومته لمشاريع التصفية والإبادة، وعلى اعتبار أن الهجمة الصهيونية لم تتوقف على الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ووصفه بأنه معادٍ للسامية ويعمل كبوق لحركة "حماس"؛ وقف التمويل يتسبب بالضرر المباشر للفلسطينيين، ولا يقف عند حدود وقف المساهمة المالية، بقدر الضغط على تفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني. ولا ريب أن هناك بعض التأثير النسبي في بث روح اليأس لكسر إرادة الشعب الفلسطيني بمقاومته لمشاريع التصفية والإبادةعندما انتقد جرائم الاحتلال وقتل الأطفال والنساء، فكانت أجواء استهداف أعمال الوكالة الدولية ومقراتها في قطاع غزة بضربات مباشرة تستند لأكاذيب صهيونية مفضوحة، وذلك على إثر القصف الذي أودى بحياة الآلاف من الفلسطينيين الذين احتموا بمقرات المنظمة الدولية من مدارس ومستوصفات ومؤسسات، وقد أصبحت عاجزة عن تقديم العون للاجئين والنازحين في القطاع.
وحال مقرات وكالة الأونروا لن يكون أفضل حالا من المشافي وكل البنى التحتية، التي تعرضت للتدمير تحت ذريعة وجود أنفاق تحتها، أو اعتبار من نزح إليها هم عائلات المقاومين كما تزعم الرواية الصهيونية.
لا يمكن قراءة خطوة تعليق المساهمة المالية للأونروا، سوى خدمة لسياسات الاحتلال الاسرائيلي، والتي عبّر عنها وزير خارجية الاحتلال، يسرائيل كاتس، بأن إسرائيل تهدف إلى ضمان "ألا تكون الأونروا جزءا من المرحلة" التي تلي الحرب، مضيفا أنه سيسعى إلى حشد الدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأطراف مانحة أخرى رئيسية.
وقف تمويل الأونروا يمثل جريمة جديدة على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين الذي يئن من عدوان الاحتلال وجرائمه، والتوقيت الآن، في ذروة الكارثة الفلسطينية، يخدم جرائم الإبادة، التي منها جريمة تجويع السكان المدنيين بعد حصارهم وقصفهم بشكل وحشي، وكمقدمة لتسهيل خطوة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين في بقية دول اللجوء، من خلال الدفع بوقف التمويل وإنهاء الخدمات التي تقدمها الأونروا في مناطق عملياتها الخمس في لبنان والأردن وسوريا وقطاع غزة، ولأن وجود الوكالة يمثل عقبة في وجه مشاريع سياسية تهدف لتصفية القضية الفلسطينية، بسبب المسؤولية الأممية الأخلاقية والسياسية المترتبة على إنشاء الأونروا عقب النكبة الفلسطينية.
ذريعة الممولين للأونروا بوقف التمويل، تستند لمزاعم إسرائيلية لم يتم التحقق منها، وبغض النظر عن السبب وعدد "المتورطين" 12 شخصا من أصل 30 ألف عامل، كما ادعى الاحتلال والممولين، فإن السؤال عن جريمة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين هي التي تستحق الوقوف عندها، وتعليق المفوض العام للأونروا "فيليب لازاريني" بالتعبير عن صدمته و"تشديده على أن قرارات وقف التمويل تهدد العمل الإنساني الجاري حاليا في المنطقة خاصة في غزة"، وتأكيده أنه لم يكن الفلسطينيون في قطاع غزة بحاجة إلى هذا العقاب الجماعي الإضافي" في ذروة العدوان؛ يؤكد مجددا سياسة النفاق الغربي والأمريكي من معاناة الفلسطينيين.
التحدي الناجم عن قرار وقف تمويل الأونروا الذي اتخذته بعض الدول الغربية، وعن كيفية الحفاظ على ضمان وصول المساعدات للفلسطينيين أثناء الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، ورفض مقايضة هذه المساعدات بفرض شروط مهينة ومذلة على الضحايا، ومنها الاستسلام الجماعي الذي تحاول الإدارة الأمريكية والمؤسسة الصهيونية فرضه بحصار مضاعف، يفرض مجموعة أخرى من المسؤوليات العربية والدولية لمواجهتها. وسرعة رد رئيس المجلس النرويجي للاجئين "يان إيغلاند" بأن خطوة تعليق المساهمة بالتمويل تهدف لإحداث مجاعة مركبة للأطفال والنساء والعائلات في غزة، تعني أن العمل الانساني سينهار ويزداد تعقيدا، ووصفها البعض الآخر بأنها انحطاط أخلاقي لمعاقبة من يتعرض للتدمير الشامل.
اعتماد سياسة الضغط على الأونروا يعيد للواجهة الخطط الأمريكية والإسرائيلية لتصفية هذه المؤسسة الدولية المعنية بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والتي لطالما ذكّرت الاحتلال وداعميه بجريمتهم الكبرى
ما يجب العمل عليه سياسيا، تكثيف استثنائي لخطورة الخطوة التي أقدمت عليها بعض الدول الغربية بتعليق المساهمة بتمويل الأونروا. ويبقى السؤال عن المساهمة العربية في التمويل والحاجة لزيادتها، لأن هناك فئات واسعة من اللاجئين الفلسطينيين في غزة تعتمد على المساعدة المقدمة من الوكالة، وإيجاد بدائل سريعة لسد النقص لتوفير مقومات صمود المجتمع الفلسطيني، أما التلطي وراء أعذار المؤسسة الصهيونية بوقف المساهمة بالتمويل، فيعني مساهمة مباشرة بحرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم بعدما اعتبر جيش الاحتلال كل المؤسسات الإغاثية الصحية والإنسانية والتعليمية أهدافا "مشروعة" له لتدميرها وقتل العاملين فيها، وتمثل عمليا مشاركة صريحة في حرب الإبادة على الفلسطينيين وتطبيق سياسة العقاب الجماعي عليهم وبما يحاكي سياسة الاحتلال وعدوانه عليهم.
أخيرا، اعتماد سياسة الضغط على الأونروا يعيد للواجهة الخطط الأمريكية والإسرائيلية لتصفية هذه المؤسسة الدولية المعنية بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والتي لطالما ذكّرت الاحتلال وداعميه بجريمتهم الكبرى، ومن يُضفي عليها الطابع السياسي هي نفس الدول التي تعمل على تسييس أعمالها الهادفة إلى توفير مناخات من الإحباط واليأس، والتعجيل بتأزيم خانق على غزة للتخلص من مشكلة اللاجئين والمرتبطة بنكبتهم وحقهم بالعودة.
twitter.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اللاجئين الفلسطينيين غزة المساعدات فلسطين غزة مساعدات لاجئين الأنروا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اللاجئین الفلسطینیین الشعب الفلسطینی وقف التمویل الضغط على فی غزة
إقرأ أيضاً:
الاحتلال الإسرائيلي يواصل حربه على مخيمات الفلسطينيين شمال الضفة.. 40 ألف نازح
منذ 100 يوم يواصل الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين شمال الضفة الغربية المحتلة التي انطلقت من مخيم جنين في 21 كانون الثاني/ يناير.
العملية العسكرية التي أطلق عليها الجيش اسم "السور الحديدي" حولت مخيم جنين بمحافظة جنين ومخيمي طولكرم ونور شمس بمحافظة طولكرم إلى مدن أشباح، وأسفرت عن استشهاد 52 فلسطينيا منذ 21 كانون الثاني/ يناير، وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.
ودمر الجيش منذ بدء العملية مئات المنازل وأجبر نحو 40 ألف فلسطيني على النزوح من منازلهم، وفق بيانات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
ووفق "نادي الأسير الفلسطيني" فإن الجيش شن منذ 21 كانون الثاني/ يناير حملة اعتقالات واسعة بالمحافظتين أسفرت في جنين عن اعتقال 600 شخص، وفي طولكرم عن 260، يشمل ذلك من يُعتقل ويُفرج عنه لاحقا.
ويقول خبراء إن العدوان الإسرائيلي تسبب بتغيير جغرافية المخيمات عبر هدم منازل وشق طرقات فيها.
بداية العملية
بدأ العدوان ظهر 21 كانون الثاني/ يناير في مخيم جنين بقصف نفذه الجيش الإسرائيلي بمسيرات قتل خلالها 12 فلسطينيا خلال يومين وأصاب نحو 40 آخرين.
واصل الجيش عمليته التي شملت أحياء وبلدات مجاورة تزامنا مع فرض حصار بمنع دخول المخيم.
وبحسب بيانات وزارة الصحة، أسفرت العملية بمحافظة جنين حتى اليوم الأربعاء عن استشهاد 39 فلسطينيا وإصابة عشرات.
وتشير تقديرات رسمية أن جميع منازل ومنشآت المخيم تعرضت لضرر كامل أو جزئي جراء العدوان الإسرائيلي والتدمير والتجريف المتواصلين.
وقالت بلدية جنين إن 800 وحدة سكنية بالمدينة تعرضت لضرر جزئي، بالإضافة إلى هدم الجيش 15 مبنى في المدينة، وتركزت أغلبية الأضرار في المباني والمساكن على الحي الشرقي وحي الهدف.
في السياق، قال مراقبون إن "إسرائيل" تستنسخ تجربة الإبادة الجماعية التي تمارسها بقطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث شهد مخيم جنين في 21 شباط/ فبراير نسف 21 منزلا، وفق شهود عيان.
عمليات النسف هذه مارسها الجيش في غزة في عملية وصفها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بسياسة "إبادة المدن" لفرض التهجير القسري والدائم على الفلسطينيين ومنع عودتهم إلى أراضيهم ومنازلهم، وفق بيان نشره في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
كما شق جيش الاحتلال الإسرائيلي طرقا واسعة في المخيم قسمته إلى مربعات، في عملية قال خبراء فلسطينيون للأناضول إنها تستنسخ شق محور "نتساريم" الذي فصل شمال قطاع غزة عن وسطه وجنوبه.
وصعد الجيش من عملياته العسكرية بمدينة جنين ومخيمها حيث اقتحمهما بدباباته في 23 شباط/ فبراير وذلك لأول مرة منذ عام 2002.
فيما نصب في 23 نيسان/ أبريل الجاري بوابات حديدية على كافة مداخل المخيم المغلقة بسواتر ترابية في خطوة يقول الفلسطينيون إنها تسعى لفصل المخيم عن المدينة.
وبسبب استمرار العملية، تواصل العائلات الفلسطينية نزوحها القسري من المخيم، وتشير تقديرات البلدية أن عدد النازحين من المخيم والمدينة تجاوز 22 ألفا.
توسيع العملية
وفي 27 كانون الثاني/ يناير وسّع الجيش الإسرائيلي عدوانه إلى محافظة طولكرم حيث قُتل 5 فلسطينيين في حينه، فيما وصل في 9 شباط/ فبراير لمخيم نور شمس شرق المدينة.
وأسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل حتى الأربعاء عن استشهاد 13 فلسطينيا بينهم طفل وسيدتان، إحداهما حامل، بالإضافة إلى إصابة واعتقال عشرات، وفق بيانات رسمية.
كما تسببت العملية بنزوح قسري لأكثر من 4200 عائلة من مخيمي طولكرم ونور شمس، تضم أكثر من 25 ألف مواطن، إلى جانب مئات المواطنين من الحي الشمالي والحي الشرقي للمدينة بعد الاستيلاء على منازلهم وتحويل عدد منها لثكنات عسكرية، بحسب محافظة طولكرم.
وخلف العدوان خلف دمارا كبيرا في البنى التحتية والمنازل والمحال التجارية والمركبات، التي تعرضت للهدم الكلي والجزئي والحرق والتخريب والسرقة من قوات الجيش.
وقال نهاد الشاويش، رئيس اللجنة الشعبية بمخيم نور شمس إن الجيش سرق مقتنيات النازحين التي بقيت في منازلهم وعجزوا عن اصطحابها معهم.
وتظهر الأرقام الرسمية أن الجيش الإسرائيلي دمر 396 منزلا بشكل كامل، و2573 بشكل جزئي في مخيمي طولكرم ونور شمس إضافة إلى إغلاق مداخلهما وأزقتهما بالسواتر الترابية.
وفي 21 شباط/ فبراير، اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أحد المنازل في مخيم طولكرم بعد ساعات من خطوة مماثلة أقدم عليها وزير الدفاع يسرائيل كاتس.
ونشرت هيئة البث العبرية الرسمية صورة لنتنياهو وعدد من ضباط الجيش الإسرائيلي وهم داخل منزل فلسطيني في مخيم مدينة طولكرم.
مخيما الفارعة وطمون
في 2 شباط/ فبراير، وسّع الجيش الإسرائيلي عدوانه ليصل بلدة طمون ومخيم الفارعة بمحافظة طوباس، لينسحب بعد 7 أيام من طمون، فيما انسحب من مخيم الفارعة بعد 10 أيام.
ولأول مرة استخدم الجيش الإسرائيلي مدرعات من نوع "إيتان" في عملياته البرية، حيث رصدت في بلدة طمون قبل أن تستخدم في عدة مواقع في شمال الضفة الغربية لاحقا.
وبالتوازي مع حرب الإبادة الجماعية في غزة صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 958 فلسطينيا، وإصابة قرابة 7 آلاف، إضافة إلى تسجيل 16 ألفا و400 حالة اعتقال، وفق معطيات فلسطينية.