مفهوم «حقوق الإنسان» يستند إلى مفهوم «الحق»، ومفهوم الحق يعد مفهومًا مركزيًّا في الفكر الفلسفي منذ نشأته، حتى إن الفلسفة لدى عامة الناس باتت تُعرَف بأنها البحث في الحق والخير والجمال، باعتبار أن هذه المفاهيم الثلاثة هي المفاهيم الأساسية الكبرى في الفلسفة. غير أن مفهوم الحق عند قدماء فلاسفة اليونان ظل مرتبطًا بالبحث الميتافيزيقي في معنى الخير والعدالة، وظل في العصر الوسيط مرتبطًا بالدين، أعني بمفهوم الحق الإلهي؛ ولذلك فإنه حتى العصر الحديث لم يكن الفكر الفلسفي يُعنى بحقوق الإنسان.
وبوجه عام يمكن القول إن مفهوم «حقوق الإنسان» لم يكن مطروحًا قبل العصر الحديث. لقد نشأ هذا المفهوم رسميًّا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1789؛ ومنذ ذلك الحين بدأ هذا المفهوم يتنامى ويتسع، لا في مجال الفلسفة وحسب، وإنما أيضًا في مجال العلوم السياسية والاجتماعية. وقد كان هذا التحول نتاجًا لتحول في البحث والفكر من الاهتمام بالطبيعة والكون إلى البحث في الإنسان ورؤيته لنفسه وللعالم. وقد امتد مجال البحث في حقوق الإنسان فيما وراء البحث النظري، بحيث أصبح أداةً للنضال السياسي، والدفاع عن حقوق الناس في مواجهة تعسف الدول واستبدادها، بل إن مراعاة حقوق الإنسان -كما جاءت في المواثيق الدولية- أصبح يُنظَر إليها باعتبارها معيارًا لتقييم الأزمات السياسية والاجتماعية في الدول؛ ومن ثم باعتبارها معيارًا لقياس مدى تقدم الدول أو تخلفها!
وبصرف النظر عن أن مسألة حقوق الإنسان قد امتدت إلى البحث في مسائل حقوق الحيوان والبيئة، ولكل منها إشكالياتها الخاصة بها -بصرف النظر عن هذا، فإن مسألة حقوق الإنسان نفسها تنطوي على إشكالياتها الخاصة التي ينبغي أن نكون على وعي بها؛ وهذه الإشكاليات يمكن إجمالها فيما يلي:
ينبغي أن نلاحظ أولًا أن حقوق الإنسان لا يمكن اختزالها في مجموعة من المطالب مثل الحق في الغذاء والعلاج والتعليم والحياة الآمنة؛ لأن مفهوم الحق له معنى أسبق من ذلك وأكثر عمقًا: ذلك أن حقوق الإنسان تتعلق في المقام الأول بالحق في الحرية؛ إذ إن الحرية هي ماهية الوجود الإنساني؛ فالإنسان ليس «حيوان عاقل» كما تصوّر أرسطو، وإنما هو وجود أصبح يعي ذاته حينما أصبح يعي أنه موجود حر؛ وبذلك فإن الحرية هي الشرط الأول لحقوق الإنسان.
حينما نطرح مسألة القيم والخصوصيات الثقافية فيما يتعلق بمسألة الحرية التي تقتضيها حقوق الإنسان؛ فإن هناك تساؤلات عديدة تفرض نفسها علينا، من قبيل: ما معنى الحرية أصلًا؟ وهل هذه الحرية مطلقة؟ وماذا لو تعارضت هذه الحرية مع قيم وثقافة شعب ما؟ هل هناك معنى عام للحرية يتجاوز كل القيم والخصوصيات المرتبطة بشعب ما؟ هل الحرية تعني التحرر من كل شيء بصرف النظر عن أي شيء، أعني بصرف النظر عن الهويات والخصوصيات الثقافية؟! إن الحرية بمعنى التحرر من كل شيء بإطلاق هي مفهوم وهمي لا وجود له في العالم أو التاريخ. وخطورة هذا التصور للحرية أنه يمكن استخدامه في محاولة فرض قيم وثقافات غربية إمبريالية على الشعوب الأخرى بدعوى الحرية الإنسانية؛ وبذلك تتم مصادرة الحق في الهوية والاختلاف، أعني أن مفهوم حقوق الإنسان يصبح بذلك مناقضًا لذاته. يمكننا أن نضرب أمثلة على هذه الحالة الإشكالية التي تتبدى حينما يتعارض مفهوم الحرية وحقوق الإنسان مع الخصوصيات الثقافية، وسوف أكتفي في هذا الصدد بمثال واحد: لعلنا نتذكر ما جرى في مونديال قطر حينما رفضت دولة قطر رفع شارات المثلية الجنسية في الملاعب، وهي الشعارات التي حاول اللاعبون والمسؤولون التسلل بها إلى الملاعب وفي المدرجات باسم الدفاع عن الحرية الإنسانية وحقوق الإنسان! وبذلك يمكن استخدام حقوق الإنسان في عصر العولمة من أجل مصادرة الهويات والثقافات المغايرة. هذا المثال يعد كاشفًا ودالًا عما أريد الإفصاح عنه هنا.
ومع كل ذلك، فإننا لا يمكن أن ننكر أن الأساس الذي ينبغي أن يقوم عليه مفهوم حقوق الإنسان هو الحرية: الحرية في التدين والاعتقاد وفي الفكر والرأي، بصرف النظر عن عقيدتنا أو ما نؤمن به وندعو إليه ولكن بشرط أن نؤمن في الوقت ذاته بأن هذه الحرية ليست مطلقة وليس لها معيار واحد نؤمن به، وإنما هذه الحرية هي نوع من التحرر من كل استبداد وقمع يعوق هذه الحرية. وكما أن الحق لا يمكن أن يضاد الحق، فالحرية لا ينبغي أن تضاد حرية أخرى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حقوق الإنسان هذه الحریة البحث فی ینبغی أن مفهوم ا
إقرأ أيضاً:
الرهوي: حقوق الإنسان أداة أمريكية لتمرير المخططات العدوانية
يمانيون/
أكد رئيس مجلس الوزراء، أحمد غالب الرهوي، أن ما تشهده غزة من إبادة جماعية، وما حدث سابقاً في اليمن، يكشف زيف ادعاءات حقوق الإنسان التي تروجها الولايات المتحدة ودول الغرب. جاء ذلك خلال كلمته في الفعالية الرسمية التي نظمتها وزارة العدل وحقوق الإنسان في العاصمة صنعاء، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
وأشار الرهوي إلى أن حقوق الإنسان أصبحت كذبة كبرى تستخدمها واشنطن لتحقيق أجنداتها العدوانية ضد الشعوب المستضعفة، مشدداً على التزام الحكومة اليمنية بترسيخ وتعزيز حقوق الإنسان وفق المبادئ الإلهية التي تكرم الإنسان.
من جانبه، أكد وكيل وزارة العدل وحقوق الإنسان، علي تيسير، أن القانون الدولي لحقوق الإنسان سقط أمام الجرائم المتصاعدة التي يشهدها العالم اليوم، والتي تتم برعاية مجلس الأمن ومباركة الأمم المتحدة، مما جعل العالم أكثر دموية وإجراماً.
وفي السياق ذاته، أشار رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى، عبد القادر المرتضى، إلى أن الاتهامات الأمريكية بشأن انتهاك حقوق الإنسان في اليمن تفتقر إلى المصداقية، وتأتي كقرار سياسي عقابي بسبب موقف اليمن الداعم لغزة.
وأضاف المرتضى أن الولايات المتحدة ليست مؤهلة للحديث عن حقوق الإنسان، بل تتحمل مسؤولية الجرائم والانتهاكات التي تشهدها مناطق عدة حول العالم، وخاصة في غزة واليمن، مما يستوجب محاسبتها أمام المجتمع الدولي.