في 30 ديسمبر 2023 تعرضت السفينة «ميرسك هانغتوش» التي ترفع العلم السنغافوري والتي تملكها شركة «ميرسك لاين» الدنماركية لهجوم صاروخي تلاه هجوم من قبل قوارب صغيرة تابعة لأنصار الله الحوثيين، وذلك في البحر الأحمر، وقامت الولايات المتحدة بالرد على هذا الهجوم باستهداف ثلاثة من تلك القوارب الأربعة مستخدمة مروحياتها.

وأعلنت الشركة «ميرسك»، التي تعد من أكبر شركات الشحن بالعالم، أنها ستوقف عملياتها في البحر الأحمر إلى وقت غير محدد، لتنظمَّ بذلك إلى العديد من الشركات العالمية المعنية بالشحن وعمليات الطاقة التي استخدمت طرقا بديلة بعيدا عن منطقة التهديد في البحر الأحمر.

وقد بدأ الحوثيون بالهجوم على السفن منذ أكتوبر الفائت معلنين أنهم سيستهدفون السفن المرتبطة بإسرائيل، وفي 18 ديسمبر ردت الولايات المتحدة بتشكيل ما يسمى بعملية «حارس الرخاء» لصد الهجمات الحوثية، كما فرضت عقوبات على الجهات الداعمة للحوثيين.

إن صعوبة تأمين مياه البحر الأحمر، و«عنق الزجاجة» أي «قناة السويس»، كشف عن هشاشة عمليات الشحن العالمية، فقد انخفضت حركة السفن في البحر الأحمر بنسبة 20% حتى ديسمبر، كما انخفضت حركة سفن الحاويات التي تمر يوميا عبر قناة السويس إلى النصف مع بداية شهر يناير الحالي وذلك مقارنة بالعام السابق.

وبدت تداعيات هذه المشكلة جلية على مستوى العالم، فقد ارتفعت معدلات الشحن عبر المحيطات بشكل لافت منذ بدء الهجمات، وتفاقمت تلك التداعيات حتى أن شركة الخدمات اللوجستية «فريتوس» أعلنت منذ بداية يناير أن تكاليف ورسوم الشحن من آسيا إلى شمال أوروبا ارتفعت بأكثر من الضعف لتصل إلى أكثر من 4000 دولار أمريكي لكل حاوية يصل طولها إلى 40 قدما.

ومع حلول منتصف شهر يناير ارتفعت تكلفة شحن حاوية بطول 24 قدما من الهند إلى أوروبا والساحل الشرقي من الولايات المتحدة من 600 دولار إلى 1500 دولار.

وإضافة إلى التكلفة المالية العالية فإنه من الوارد جدا فرض رسوم إضافية لكل حاوية ربما تتراوح ما بين 500 إلى 2700 دولار، وكذلك ارتفعت تكاليف الشحن من آسيا إلى أمريكا الشمالية بشكل كبير جدا.

أما بالنسبة للشركات التي تتجرأ وتُبحر في البحر الأحمر، فقد واجهت كذلك صعوبات مالية تمثلت في مبالغ التأمين، التي زادت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، فقد كانت بنسبة 0.2% من قيمة السفينة ككل، والآن وصلت إلى 0.7%، ومع كل ذلك ربما لم يشعر المستهلكون حول العالم إلى الآن بارتفاع تكاليف السلع، ولكن شبح التضخم سيلوح في الأفق خلال الأسابيع القادمة.

أتذكر ما حدث في قناة السويس في عام 2021، عندما جنحت سفينة «إيفر جيفن» فيها لمدة ستة أيام، وتركت الحادثة بعد ذلك حديثا طويلا امتد لعدة أشهر وأثرا ماليا، وهنا يكمن دور الولايات المتحدة في ضرورة أن تسيطر على التهديدات التي تتعرض لها عمليات الشحن الدولية والعمل على استقرارها، وذلك من منطلق التزامها بالاستقرار الاقتصادي العالمي، والتجارة الدولية التي يُسيطر عليها «الدولار الأمريكي»، إضافة إلى النفوذ الذي تفرضه على حلفائها وحتى على الخصوم.

إن دور الولايات المتحدة في ضمان الحركة الآمنة لسلع الدول الأخرى وتأمينها للسفن العسكرية تُكمِّل دورها وقدرتها على فرض الحصار والعقوبات الاقتصادية، إضافة إلى دورها في الاستجابة السريعة للأزمات العالمية وجهودها في مكافحة الإرهاب والجريمة في العالم.

وتتعرض الولايات المتحدة للضغوطات حاليا، ولكن تاريخها يشهد أنها تعاملت مع التهديدات التي تواجه الشحن العالمي بنجاح في التجارب السابقة، وقد نجحت سابقا فيما يعرف بـ«الضمانات متعددة الأطراف»، مثل القوات البحرية المشتركة التي ضمَّت عشر دول خاضعة للولايات المتحدة، والتي تقوم بمهام مراقبة الملاحة في الشرق الأوسط، ومثال ذلك أيضا قوة المهام المشتركة 151 والتي يرمز لها «CTF-151» التي أنشئت عام 2009 التي كان من مهامها التصدي لتهديدات محددة منها القراصنة الصوماليون.

منذ عام 2015 يتم استهداف متقطع للسفن التي تعبر البحر الأحمر، ولكن تطورات الوضع الحالي والهجوم المستمر منذ أكتوبر الماضي من جماعة أنصار الله (الحوثيين) على السفن أثار الشكوك حول قدرة الولايات المتحدة على تولي مسؤولية حماية الشحن الدولي، وتكمن الصعوبة في أن الحوثيين -الذين ينطلقون من اليمن- يستخدمون تشكيلات من الصواريخ، والرادارات، والمروحيات، والقوارب الصغيرة، والطائرات دون طيار غير المكلفة، وكل ذلك دون وجود مقر رئيسي قابل للاستهداف، بالمقابل تقوم الولايات المتحدة باستخدام صواريخ تبلغ تكلفتها حوالي مليونا دولار بهدف اعتراض طائرات «درون» تبلغ قيمتها 2000 دولار، وهذا بحد ذاته يزيد من مخاوف ارتفاع التكلفة على الولايات المتحدة من أجل السيطرة على الهجمات.

ومما يقوي الموقف الحوثي أنه مدعوم لوجستيا من إيران، كما أنه مناصر للقضية الفلسطينية، لذلك فهم يواجهون مقاومة ضعيفة من دول المنطقة التي لا ترغب في تصعيد التوترات، حتى أن دولا كثيرة امتنعت عن الدخول فيما يعرف بـ «حارس الرخاء» خشية أن تتَّهم بالإرهاب الداعم لإسرائيل، وجمهورية مصر العربية التي تتعرض لخسائر مالية كبيرة جراء تهديد الملاحة في قناة السويس اختارت أن تبقى على الهامش في هذه الأزمة.

مما يجدر ذكره أن حلفاء الناتو ومنهم فرنسا وإيطاليا وإسبانيا انسحبوا من تشكيلة عملية «حارس الرخاء»، بهدف تجنب الوقوع تحت سيطرة الولايات المتحدة، وبقي عدد قليل من الدول في «حارس الرخاء» منها المملكة المتحدة، وأستراليا التي عززت العملية بـ 11 فردا فقط أرسلتهم إلى المنطقة ولكن دون مشاركتها بالسفن الحربية.

وفي جهود مشابهة قامت عدة قوى كبرى بمحاولات مستقلة للسيطرة على الوضع، وهي قوى رفضت الانضمام إلى «حارس الرخاء» ومنها الهند التي بدأت بعملياتها الخاصة، كما رفضت الصين الانضمام لكنها نشرت كذلك سفنها العسكرية.

إن الفشل في صد الهجمات في البحر الأحمر سوف يدفع الكثير من دول العالم إلى الشك في قدرة الولايات المتحدة على حماية الملاحة العالمية وحركة الشحن، وبعد تراجع سيطرة الولايات المتحدة على الممرات المفتوحة زادت القرصنة الصومالية في 2023، كذلك زادت القرصنة في جنوب شرق آسيا في السنوات القليلة الماضية، واستولت إيران على سفينة غربية في ديسمبر الماضي، وتلقت إيران كذلك اتهاما من البنتاجون باستخدامها طائرة «درون» للسيطرة على ناقلة كيماوية في المحيط الهندي، والمخاوف تتزايد بهذا الشأن خاصة مع انشغال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

إن الأوضاع السياسية الحالية أدت إلى توتر حركة الملاحة العالمية إضافة إلى ما يحدث في البحر الأحمر، وفي ظل أوضاع غزة رفضت ماليزيا استقبال السفن الإسرائيلية في موانئها، وأدت تصرفات روسيا إلى مزيد من تعطيل الحركة الملاحية في البحر الأسود، وإضافة إلى ذلك سوف تتأثر «حرية الملاحة» على مستوى العالم، كما أثرت التوترات بين الصين وتايوان على حركة الملاحة في بحر الصين الجنوبي ما أدى إلى تدخل الولايات المتحدة بمحادثات بين الطرفين.

ومع ذلك لطالما شهدت جهود الولايات المتحدة في حفظ الملاحة الدولية ترحيبًا من روسيا والصين وإيران للحفاظ على تدفق الحركة التجارية مستفيدين من مكانة واشنطن العالمية، وخاصة الصين التي استفادت من الاستقرار في تجارتها العالمية، ومع هذه الأوضاع تعتبر الطرق البديلة قابلة للاستخدام، باستثناء الممر الدولي المهم «قناة بنما»، القناة التي تعتبر محركا للشحن الدولي، حيث إنها تشهد جفافا أدى إلى انخفاض كبير في مستوى المياه فلم تعد إلا سفن بسيطة يمكنها العبور من خلالها.

واليوم.. يبدو أن إشراف الولايات المتحدة على عمليات الشحن الدولية يواجه مخاطر أكثر من أي وقت مضى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر المتحدة على حارس الرخاء قناة السویس

إقرأ أيضاً:

استئناف حركة الملاحة بسواحل البحر المتوسط في كفر الشيخ

صرح اللواء دكتور علاء عبد المعطي محافظ كفر الشيخ، اليوم الخميس، بأنّه جر استئناف حركة الملاحة البحرية بساحل البحر المتوسط بنطاق المحافظة، واستئناف رحلات الصيد بنهر النيل وبحيرة البرلس بعد توقفها لسوء الأحوال الجوية.

انتظام أعمال الملاحة بميناء البرلس

وأكد المحافظ انتظام أعمال الملاحة بميناء البرلس وانطلاق مراكب الصيد في عرض البحر المتوسط، بعد أن تم تزويدها بالوقود والثلوج، وتقديم الدعم اللوجستي اللازم لها عقب استقرار الطقس، وسطوع الشمس في معظم مناطق محافظة كفر الشيخ.

استمرار حالة الاستعداد لمتابعة الخدمات

وكلّف رؤساء المراكز والمدن وغرفة العمليات الرئيسية، ومركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة باستمرار حالة الاستعداد لمتابعة الخدمات وحملات الإشغالات والمرافق والنظافة، وتنظيم عمل الحملات اليومية، لضبط الأسعار، والمرور على الأسواق، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، والتواصل معهم.

مقالات مشابهة

  • الصحة العالمية: مستشفى كمال عدوان في شمال غزة أصبح “خاليا”
  • كاد أن يموت هلعا في مطار صنعاء الدولي المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يكشف عن أحلك لحظات حياته . عاجل
  • انتظام حركة الملاحة بموانئ البحر الأحمر
  • الإعلام الأمريكي: الولايات المتحدة تهدد المنظمات التي تحذر من المجاعة الوخيمة في غزة
  • كييف تتلقى 485 مليون دولار من الولايات المتحدة والبنك الدولي
  • مؤسسة البحر الأحمر تحمل المجتمع الدولي مسؤولية استهداف الكيان الصهيوني لموانئها
  • موانئ البحر الأحمر تحمل المجتمع الدولي مسؤولية استهداف الكيان الصهيوني لموانئها
  • إغلاق ميناء نويبع البحرى لسوء الأحوال الجوية
  • «وول ستريت جورنال»: الحوثيون يعبثون باقتصاد العالم.. متى يتحرك المجتمع الدولي لإيقاف الخطر؟
  • استئناف حركة الملاحة بسواحل البحر المتوسط في كفر الشيخ