تحديات خصخصة مؤسسات التعليم العالي
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
نموذج الخصخصة (Privatization) الذي يهدف إليه هذا المقال، ليس عملية تحويل ملكية مؤسسات التعليم العالي الحكومية إلى القطاع الخاص، وإنما السماح له بالاستثمار عن طريق التملك والإدارة والتمويل بإنشاء جامعات وكليات خاصة، تحت الإشراف والمتابعة من قبل الجهات الحكومية وبترخيص منها.
برز نموذج الخصخصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يكون الهدف منه هي الرغبة في الاستفادة من البيئة التنافسية والكفاءة الإدارية التي يتمتع به القطاع الخاص عنها بالقطاع العام، وأيضا تقليل الإنفاق الحكومي.
استُخدم نموذج خصخصة التعليم العالي في سلطنة عُمان في التسعينيات، حيث صدرت التشريعات التي تنظّم السماح للقطاع الخاص والشركات العائلية بإنشاء الجامعات والكليات الخاصة، حيث بلغ عددها ما يقارب من (28) جامعة وكلية، منها كلية مجان، أول كلية خاصة افتُتحت عام (1995). كما بلغ عدد الطلبة المقيدين بمؤسسات التعليم العالي الخاصة ما يربو على (56791) خلال العام الدراسي (2021 - 2022)، يمثلون (49.4%)، هذه النسبة تعطي مؤشرا بأن المقيدين بمؤسسات التعليم العالي الخاصة يصل عددهم تقريبا نصف العدد بمؤسسات التعليم العالي الحكومية. إضافة إلى ذلك استمر عدد الخريجين بمؤسسات التعليم العالي الخاصة في الارتفاع بشكل سنوي حيث بلغ عددهم (13984) في (2022) متجاوزًا بذلك عدد خريجي مؤسسات التعليم العالي الحكومية. تلك الأعداد قد تعكس أن التعليم العالي الخاص يرفد سوق العمل بأعداد أعلى، ولكن ليس بالضرورة أنه أكثر كفاءة في معدل الخريجين عنه بالمؤسسات الحكومية.
كنتيجة مباشرة لنموذج الخصخصة بمؤسسات التعليم العالي، سوف نحلل بعضا من التحديات التي واجهت تلك الكليات الخاصة في استيفاء متطلبات الاعتماد المؤسسي. فخلال السنوات الماضية، دخلت ما يقرب من (17) كلية خاصة في إجراءات الاعتماد المؤسسي من الهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، من بينها (12) كلية اجتازت معايير الاعتماد وكلية واحدة منحت اعتمادًا مشروطًا، مع بقاء أربع منها تحت الملاحظة (On Probation )، حيث إنها سوف تخضع مرة ثانية للاعتماد المؤسسي.
ولإعطاء فكرة عامة عن متطلبات الاعتماد المؤسسي فهو يتكون من عدد من المعايير(Standards)، في كل معيار أدوات قياس (Criteria) ويجب على كل مؤسسة تعليم عالٍ اجتياز تلك المعايير للحصول على الاعتماد المؤسسي. وهنا نشرح النتائج التي حصلت عليها الكليات الخاصة في المعيار الأول: الحوكمة والإدارة. هذا المعيار له تأثير مباشر على بقية المعايير ويتكون من (11) أداة للقياس نذكر ثلاثا منها: هيكلية الحوكمة ونظامها وأدوارها، التخطيط الاستراتيجي وإدارة المخاطر، مع العلم أن التقدير (2) يعني «مستوفيا» والتقدير (1) يعني «استيفاءً جزئيا» كما أن الكليات الخاصة لم تحصل على أعلى من هذه التقديرات. عليه من بين (17) كلية التي أشرنا إليها، في أداة القياس: هيكلية الحوكمة: حصلت (6) كليات على «مستوف»، كما حصلت (11) كلية على «استيفاء جزئي». في المقابل في أداة القياس: التخطيط الاستراتيجي، حصلت (15) كلية على «مستوفٍ» وكليتان حصلتا على «استيفاء جزئي». في أداة القياس: إدارة المخاطر: حصلت (9) كليات على استيفاء جزئي» و(8) كليات على «مستوفٍ».
وللمقارنة بين النتائج السابقة، مع نتائج الجامعات الخاصة باستخدام أدوات القياس الثلاث السابقة. فمن (6) جامعات حصلت جامعة واحدة في هيكلية الحوكمة، وفي التخطيط الاستراتيجي وفي إدارة المخاطر على تقدير «استيفاء جزئي»، عدا ذلك فكل الجامعات حصلت على تقدير «مستوفٍ». عليه فإن اجتياز متطلبات الاعتماد المؤسسي للجامعات الخاصة كان أفضل عن الكليات الخاصة. في جانب آخر، فقد حققت الجامعات الخاصة إنجازًا بدخول خمس منها: جامعة نزوى، الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا، جامعة ظفار، الجامعة الألمانية للتكنولوجيا وجامعة صحار، في قائمة الترتيب العربي ضمن أفضل الجامعات في تصنيف (QS) لعام (2023). حيث إن هناك بحوثًا ودراسات تشير إلى وجود علاقة إيجابية بين الاعتماد المؤسسي والتصنيف العالمي للجامعة في (QS).
هذا التحليل البسيط يعطي انطباعًا بأن الكليات الخاصة واجهت تحديات في استيفاء المعيار الأول: الإدارة والحوكمة. هذا المعيار يعدّ المكون الأساسي لمعرفة قوة ومتانة الإدارة والحوكمة بمؤسسات التعليم العالي من حيث الأدوار والصلاحيات وأدوات المساءلة سواءً للطلبة أو الموظفين. أيضا يعطي تصورا للبعد الاستراتيجي للمؤسسة التعليمية ومدى توافق رؤيتها ورسالتها مع الخطط الاستراتيجية والتشغيلية وإدارة المخاطر التي تستطيع من خلالها التنبؤ بكيفية مواجهة التحديات سواءً على نطاقها الداخلي المتعلق بالموارد البشرية وإدارة التمويل والتدفق النقدي، أو التحديات الخارجية منها كمخرجات الكلية وقدرتها على المنافسة والاستدامة المالية. كما أن الاعتماد المؤسسي هو البداية فينتظر مؤسسات التعليم العالي الخاصة الاعتماد البرامجي لجميع برامجها الأكاديمية وأيضا إدراج تلك البرامج بالسجل الوطني للمؤهلات العمانية.
التحدي الذي واجهته بعض من كليات التعليم العالي الخاصة ليس في استيفاء الاعتماد المؤسسي في الوقت المحدد أو الحصول على درجات متقدمة في تقييم المعايير فقط، بل أيضا في متانة ورصانة الارتباط الأكاديمي مع جامعات وكليات خارجية. فقبل (6) سنوات تقريبًا، تم فك الارتباط الأكاديمي بين كلية ولجات للعلوم التطبيقية وبين معهد بيرلا للتكنولوجيا بالهند، الأمر الذي استدعى وقف ابتعاث الطلبة من قبل وزارة التعليم العالي في ذلك الوقت، مع العلم أن عدد طلبة الكلية بالبرنامج التأسيسي آنذاك كان (15) طالبا. أيضا في وقت قريب برزت مسألة كلية صور الجامعية، التي لها ارتباط أكاديمي مع ثلاث من الجامعات الخارجية: جامعة بوند بأستراليا، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة عين شمس بمصر. وإن كان ذلك الارتباط ليس له علاقة مباشرة بالخلافات المالية الجوهرية بين الشركاء بالكلية، إلا أنه لم يكن معينًا لها في اجتياز متطلبات الاعتماد المؤسسي والذي حصلت عليه بعد المحاولة الثالثة. وبما أن الكلية لم تفصح عن تلك التعديلات الجوهرية ولم تبلغ عنها الجهات المختصة، قامت الهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم بإلغاء الاعتماد المؤسسي الممنوح لها في شهر سبتمبر (2022). وفي السياق نفسه، فإن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار خلال الشهرين الماضيين، تابعت وضع الكلية وفي ضوء مسؤوليتها الإشرافية على قطاع التعليم العالي، قامت بعمل معالجات وبدائل للطلبة المقيدين لضمان عدم تضرر خططهم الدراسية نظرًا لتوقف العملية التعليمية بالكلية.
ومجمل الحديث هنا، ليس تحديد من يتحمل التبعات الناتجة عن خصخصة مؤسسات التعليم العالي التي يواجه بعض منها تحديات هيكلية وأكاديمية فهذا يتابع من قبل الجهات المختصة ومن الجهات الرقابية، وأيضا تلك الجوانب مضمنة في التشريعات المتصلة بمؤسسات التعليم العالي، ومنها ما ورد بقانون التعليم العالي الصادر العام الماضي. ولكن المهم هو إيلاء نموذج خصخصة مؤسسات التعليم العالي وخاصة الكليات الأهمية من حيث إن الوقت قد حان للنظر جديًا في هكذا توسع في عددها إذا ما نظرنا بوجود ما يقرب من (14) كلية بمحافظة مسقط أغلبها تأخذ نهج الشركات العائلية، مع وجود عدد منها لا يتجاوز إجمالي الطلبة المقيدين بها ما بين (580 إلى 1300) طالب، فأنّى لهذه الكليات الخاصة وهي بهذا الحجم الصغير التعاطي مع المتطلبات المالية والتنافسية، وفي قدرتها على تعيين واستقطاب الكفاءات الأكاديمية، وهي تعتمد بشكل أساسي على الرسوم الدراسية من الطلبة المبتعثين من الحكومة، واستمرار أغلبها بالارتباط الأكاديمي مع جامعات خارجية لفترات طويلة الأمر الذي يكلفها رسومًا ماليةً بشكل سنوي.
كما أن التساؤل حول ضرورة تفعيل جوانب الحوكمة والأدوار الرقابية وآليات المساءلة في حال برزت مخالفات جسيمة وجوهرية كان الشركاء الذين استثمروا في تلك الكليات الخاصة سببًا في ذلك. ولحلحلة بعض التحديات السابق ذكرها، قد يكون مناسبًا النظر في دمج الكليات الخاصة ذات السعة الطلابية الصغيرة مع بعضها البعض، لرفع قدرتها الأكاديمية والمالية والتنافسية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مؤسسات التعلیم العالی الخاصة بمؤسسات التعلیم العالی الکلیات الخاصة خاصة فی کما أن
إقرأ أيضاً:
تقييم وضعية التعليم العالي في إفريقيا- بين التحديات والفرص
يمثل التعليم العالي في إفريقيا مجالًا يشهد تطورات مستمرة، حيث تسعى الجامعات والمؤسسات الأكاديمية إلى تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان الشباب وتحقيق معايير الجودة العالمية. ومع ذلك، يواجه هذا القطاع تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية، التمويل، المناهج الدراسية، وإدماج التكنولوجيا في العملية التعليمية.
البنية التحتية والتمويل من الواضح تواجه الجامعات في العديد من الدول الإفريقية نقصًا حادًا في التمويل، مما يؤثر سلبًا على جودة التعليم والبحث العلمي. غالبًا ما تعاني الجامعات من نقص في المرافق الحديثة، مثل المختبرات والمكتبات الرقمية، مما يحد من قدرة الطلاب والباحثين على الوصول إلى مصادر معرفية متطورة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف الرواتب والحوافز المالية للأساتذة يؤدي إلى هجرة العقول نحو جامعات خارج القارة.
جودة المناهج الدراسية
تعتمد العديد من الجامعات الإفريقية على مناهج دراسية قديمة لا تواكب التغيرات السريعة في سوق العمل. وهذا يؤدي إلى فجوة بين ما يتعلمه الطلاب وما يحتاجه السوق، مما يجعل الخريجين يواجهون تحديات في التوظيف. هناك محاولات لإصلاح هذه الفجوة من خلال تحديث المناهج وإدخال برامج تعليمية جديدة تستجيب لمتطلبات العصر.
إدماج التكنولوجيا والتعليم من بُعد لقد شهدت إفريقيا تطورًا ملحوظًا في استخدام التكنولوجيا في التعليم العالي، خاصة بعد جائحة كوفيد-19. أدى ذلك إلى انتشار التعليم الإلكتروني والتعلم من بُعد كحلول بديلة لنقص الموارد. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات في البنية التحتية الرقمية، مثل ضعف الإنترنت في بعض المناطق الريفية، مما يحد من الاستفادة الكاملة من هذه الأدوات.
البحث العلمي والابتكار
على الرغم من التحديات، فإن إفريقيا تزخر بإمكانيات كبيرة في مجال البحث العلمي والابتكار. تتزايد المبادرات التي تشجع على البحث الأكاديمي، خاصة في مجالات مثل التكنولوجيا الزراعية، الصحة العامة، والطاقات المتجددة. ومع ذلك، فإن قلة التمويل وضعف التعاون بين الجامعات والمؤسسات الصناعية يحد من تطوير البحث العلمي.
دور الذكاء الاصطناعي في تحسين التعليم العالي
بدأت بعض الجامعات الإفريقية في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة التعليم، سواء من خلال منصات التعلم الذاتي أو تحليل البيانات التعليمية لتحديد نقاط الضعف لدى الطلاب. كما يمكن لهذه الأدوات أن توفر حلولًا مبتكرة لمشكلة نقص الأساتذة في بعض التخصصات.
إن تحسين وضعية التعليم العالي في إفريقيا يتطلب استثمارات أكبر في البنية التحتية، تحديث المناهج، وتشجيع البحث العلمي. كما أن تبني التكنولوجيا الحديثة، مثل التعليم الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، يمكن أن يسهم في سد الفجوات التعليمية وتحقيق نهضة أكاديمية تواكب المتغيرات العالمية. من الضروري أن تتبنى الحكومات سياسات تعليمية متقدمة بالتعاون مع القطاع الخاص والشركاء الدوليين لتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال.
zuhair.osman@aol.com