مدرين المكتومية
يموجُ العالم من حولنا منذ سنوات قليلة وحتى اليوم بحركة تغير تاريخي غير مسبوقة.. موازين القوى العالمية تتخلخل، الحروب تشتعل هنا وهناك، والصراعات تندلع بين ليلة وضحاها دون سابق إنذار، حتى على المستويات الأدنى والأدنى، فالقيادات والرؤساء والوزراء والمديرون وغيرهم يتبدلون ويأتي غيرهم، كل ذلك يؤكد أننا أمام مخاض كبير لولادة عالم مختلف عن العالم الذي عهدناه على مدى عقود.
والبداية من غزّة العزّة؛ حيث يُمثّل السابع من أكتوبر تاريخًا مفصليًا في حياة الشعب الفلسطيني ونضاله الأسطوري لنيل حريته واستقلال وطنه واستعادة أرضه، ومنذ 116 يومًا ونحن نتابع ما يتعرض له جيش الاحتلال الإسرائيلي من إذلال ومهانة، بدأت بمعركة السابع من أكتوبر واستمرت في الملاحم اللاحقة لأبطال المقاومة الفلسطينية، الذين يلحقون الخسائر واحدة تلو الأخرى بجيش العدوان الإسرائيلي، وينصبون لهم الكمائن والأفخاخ، للنيل منهم، ونرى كيف أن جنود الاحتلال الإسرائيلي يصرخون ويختبؤون مثل الجرذان ويتحصنون بحصون منيعة من الدبابات الميركافا، ورغم ذلك يصطادهم أبطال المقاومة، تمامًا مثل اصطياد الأسد لفريسته الجبانة!
انهار الوهم الذي ظل يُصدَّر لنا بأن هذا الجيش "لا يُقهر"، فوجدناه يُقهر ويُذل ويتقهقر، ورأينا كيف أن دولة الاحتلال ليست سوى بيت عنكبوت هذيل انهار في لحظات، وارتبك قادته الأوغاد، يلجأون بكل خسة ونذالة إلى قصف المنازل فوق رؤوس المدنيين، وإلى قتل الأبرياء دون جريرة، فضلًا عن القتل بدم بارد، كما حدث أمس في مستشفى ابن سينا بمدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة، عندما نفذ جيش الاحتلال المُجرم أخس عملية إعدام ميداني؛ حيث تنكروا في زي أطباء وممرضين وسكان محليين، ليقتحموا المستشفى ويقتلوا 3 فلسطينيين دون أي سبب، في جريمة حرب جديدة تُضاف إلى قائمة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة والحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي كل يوم بل كل ساعة منذ بدء العدوان البربري على غزة.
وفي خضم هذه الحرب المستعرة وذاك العدوان الجبان، على أهلنا وأشقائنا في غزة العزة، نجد وسائل الإعلام الغربية تُحرِّف الحقائق وتُطلق الأكاذيب دون حسيب أو رقيب، وتساعد في التحريض على الشعب الفلسطيني الأعزل، بالتوازي مع مخطط إسرائيلي مجنون وقبيح لتجويع الشعب في غزة، وحرمانه من أبسط مقومات الحياة، حتى قطرة الماء وكسرة الخبز يمنعونها عنهم، بل ويقتلون الواقفين في طوابير تلقي المساعدات بكل بشاعة وخسة.
كل ذلك يؤكد أن بركان الغضب ضد الظلم والعدوان سينفجر قريبًا، خاصة وأن الولايات المتحدة الداعم الأكبر للاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الظالم، لا تتوقف عن توفير الغطاء الدولي لجرائم الاحتلال، هذا إلى جانب تفاقم تعقيدات المشهد الإقليمي، في ظل العمليات العسكرية والاغتيالات التي تقع هنا وهناك. لقد كشفت الحرب أن قوى الاستعمار لا تريد الخير للبشرية، فقط تلهث وراء زيادة مبيعات السلاح، وإشعال الحروب والفتن والقلاقل، كي تضمن مواصلة السيطرة على مفاصل العالم، لكن فجر العالم الجديد أوشك على القدوم.
نعلم يقينًا أن عالمًا أكثر إنسانية سيأتي، وأن الاستعمار في أي صورة كانت، سيندحر، وسيجر الخيبات واحدة وراء أخرى، وسينتصر الخير على الشرور والآثام المنتشرة في أرجاء المعمورة، لأنَّ هذه سنة الله في الكون، "وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا".
*****
قبل الختام.. علينا أن نؤمن أن تغيير الواقع من حولنا نحو الأفضل، ينبُع من إرادتنا نحن لإحداث هذا التغيير، وقناعتنا بأننا قادرون عليه، ولا شك أن كل من يتمسك بالقديم ويتشبث بالكرسي مصيره الزوال الحتمي؛ فالتغيير وتجديد الدماء سُنّة الحياة، فقط اكشف عن ذاتك وأعلن عن قدراتك وعطاءاتك، وستتمكن من إحداث التغيير المنشود.. والذي أراهُ قريبًا جدًا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
برلمان تونس يدعو برلمانات العالم إلى تكثيف التحرك لإنهاء إبادة غزة
أدان البرلمان التونسي، الخميس، مواصلة دولة الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية والممنهجة على كامل قطاع غزة المحاصر؛ فيما دعا برلمانات العالم، إلى "تكثيف التحرك"، بغية وضع حد لها.
وأوضح بيان، أصدره مجلس نواب الشعب في تونس (البرلمان)، عقب اجتماع لمكتبه: "يدين بشدّة الهجمة الوحشية الإسرائيلية واستمرار مسلسل القتل والدمار والتجويع والتشريد في حق الأبرياء العزّل بغزة (...)".
"وسط صمت دولي مريب، ودون رادع لهذا الكيان الذي يواصل بكل صلف استهانته واستخفافه بكافة القرارات والمواثيق الدولية وبكل النداءات الداعية للوقف الفوري لهذه الحرب المدمّرة" تابع البيان نفسه.
وفي السياق نفسه، أعرب عن "انشغاله العميق إزاء الأوضاع الصعبة والمتردية وغير الإنسانية التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني الصامد في غزة، مع استمرار حرب الإبادة الجماعية والممنهجة التي ينتهجها الكيان الصهيوني الغاصب، وما خلفته من آلاف الشهداء والجرحى والمصابين".
إلى ذلك، أهاب البرلمان التونسي "بكافة البرلمانات الوطنية والاتحادات والمجالس البرلمانية الإقليمية والدولية تكثيف مجال تحرّكها ومبادراتها وتوسيعها قصد وضع حدّ للجرائم البشعة المرتكبة في حق المدنيّين في غزة من أطفال ونساء وشيوخ ومحاسبة مرتكبيها".
كذلك، حثّ برلمانات العالم "على تقوية تضامنها ودعمها للقضية الفلسطينية، والعمل على توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، مع تسهيل تدفّق المساعدات الإغاثية والطبية للقطاع".
وأكد "تمسكه بموقف تونس المبدئي والثابت المساند لقضية الشعب الفلسطيني العادلة ونضاله المشروع من أجل إقرار حقوقه الوطنية ولا سيما حقه في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على كل أراضي فلسطين وعاصمتها القدس الشريف".
وبدعم أمريكي، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إبادة جماعية على غزة خلّفت أكثر من 154 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي، مجازرها، متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير حربه السابق يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.