نظر لرفيقه بالمكتب نظرة اندهاش وأطلق ضحكة ساخرة وهو يقول «واضح أنكم مش عايشين فعلًا بالبلد، انتم بتدورا على المستحيل»
أسقط فى يدى، رغم أنى كنت أعرف وصاحبتى الإجابة مسبقًا، لأنه ليس المكتب الأول الذى ندلف إليه ونطرح نفس السؤال المكرر، بل لأن ضحكته الساخرة حسمت علينا استكمال باقى جولتنا لمكاتب أخرى وقطعت آخر أمل لنا، كما أنها أذهلتنا وأنا أجيب سؤاله الاستنكارى بسؤال: المستحيل؟، ماذا تفعلون إذن داخل هذه المكاتب، ومن أين ينفقون على الإيجارات والموظفين وخدمات المرافق الخ.
قال بأسف وقد استدرك ضحكته الساخرة: الله أعلم بنا، أغلب المكاتب قفلت أبوابها وحولت نشاطها.
جذبت صديقتى ومن ذراعها والغيظ بل الحنق يكاد يفجر صدورنا، كنت قد تطوعت لمرافقتها فى رحلة البحث عن أى مبلغ من اليورو يمكنها من السفر لرؤية ابنتيها المقيمتين فى هولندا، ولم أكن أدرى مسبقًا رغم كل الأخبار التى نكتبها كصحفيين ونقرأها عن أزمة العملات الأجنبية فى مصر وسعار الأسعار فى السوق السوداء، أن الأزمة بلغت إلى حد أن يصارحنا أصحاب مكاتب الصرافة بأنهم منذ أكثر من ستة أشهر لم يدخل إليهم عميل واحد لبيع العملات الأجنبية خاصة الدولار أو اليورو.
وعندما سألتهم فى فضول: حتى الأجانب والسياح أحجموا عن استبدال عملاتهم بالجنيه، فماذا يفعلون إذًا للإنفاق على رحلاتهم على أرض مصر، فقال لى أحد مديرو مكاتب الصرافة: يا أستاذة كل من يأتى لمصر من السياح عرف طريق السوق السوداء، فلماذا يأتى لمكتب صرافة ليبيع لنا الدولار أو اليورو بالسعر المحدد لنا من البنك المركزي!، فى حين يمكنه بيع عملته بضعف ثمنها أو أكثر فى السوق السوداء!
وعندما سألته: وكيف يصل الأجنبى السائح إلى السوق السوداء؟، أجابنى بصورة بها إيحاءً بأنى جاهلة بطبيعة ما يجرى على أرض مصر قائلًا: من خلال عامل الفندق أو مدير الفندق نفسه الذى يقيم به، ومن خلال سائق التاكسى الذى يتنقل به للأماكن السياحية، ومن خلال «الخرتية» الذين ينتشرون بالأماكن السياحية، وغيرهم كثيرون، وبالطبع يجذبونه لبيع عملاته بسعر أعلى من البنك ومكاتب الصراف ويستفيد هؤلاء الوسطاء أو السماسرة أيضًا من فارق السعر، فسعر الدولار تجاوز الستين جنيهًا وسعر اليورو يقترب من السبعين جنيهًا فى السوق السوداء، فيما البنوك ومكاتب الصرافة تحدد الأسعار بقيمة نصف هذا المبلغ تقريبًا، فلماذا يلجأ الأجنبى إذًا إلى البنك أو إلى مكاتب الصرافة؟!
كارثة سوداء، السوق السوداء حرمت البنوك الوطنية من توافر العملات الأجنبية بها وخربت ما تبقى من أمل لقيمة الجنيه المصرية، السوق السوداء حرمت أى مصرى يرغب فى السفر إلى الخارج من الحصول على ما يحتاج إليه لسفره، مما يضطره إلى شراء ما يحتاجه بسعر السوق السوداء بضعف القيمة، وعطلت مصالح المستوردين وخربت بيوتهم، فأصبح من المستحيل لأى مستورد مصرى التمكن من توفير ما يحتاج إليه من عملات لزوم تعاملاته التجارية مع الخارج، سواء من البنوك التى باتت تعتذر صراحة عن توافر عملات بها، أو من الصرافة التى كانت تتوافر بها قبل عام واحد فقط من تاريخنا هذا كل ما يحتاج إليه المستوردون بل المواطنون العاديون ممن سيسافرون للخارج بصورة حرة تتيح حركة العمل والاستيراد وتيسر السفر، تسير الحياة بصفة عامة التى تعقدت بصورة خانقة أصبح أغلبنا لا يجد معها الحل.
والمواطن الذى لديه حساب بنكى باليورو، عندما يحاول سحب جزء من أمواله لدواعى سفره أو أعماله، يفاجأ بأن البنك يعتذر له بعدم توافر المبالغ التى يطلبها كاملة، بل هناك ما هو الأسوأ عندما يقوم المصريون بتحويل مبالغ من العملات الأجنبية لذويهم وأسرهم على حسابات بعملات أجنبية يفاجأون برفض البنك صرفها لهم بنفس العملة، بل يصرفون الحوالات بالجنيه المصرى وبسعر البنك الرسمى، الأمر الذى يفجر التساؤلات الغاضبة، وماذا بعد؟ وللحديث بقية..
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: اندهاش البلد المستحيل المكاتب الإيجارات الموظفين خدمات المرافق العملات الأجنبیة السوق السوداء
إقرأ أيضاً:
ونحن فى انتظار شهر الرحمات.. انتى فين يا حكومه؟!
كلما اقتربنا من شهر رمضان المبارك، ونحن جميعاً نتشوق لشهر الرحمات، والغنائم الربانيه، نجد فوضى عارمة وانفلات غير مسئول فى كافة أسعار السلع الغذائية بكافة أنواعها، وحملات مسعورة من التجار فى المحلات الصغيرة والكبيرة وكأنهم تآمروا على سحق المواطن الغلبان، فى ظل غياب تام لكافة الأجهزة الرقابية، فأين ذهبت الرقابة التموينية، ومفتشى الضبطية القضائية؟، وأين الرقابة البرلمانية؟!، وما مصير طلبات الإحاطة التى يقدمها النواب؟، والتى تكشف القصور المتعمد والإخفاق فى ملاحقة جشع التجار، وكبح فتيل الأسعار الذى أشعل قلوب وعقول الأسر المصرية آلتى تكدرت من كاهل الأعباء والهموم التى تحاصرها من أجل حياة آدمية كريمة فقط تضمن لهم المتنفس المعقول، تحفظ ماء الوجه أمام أولادهم، إلا جانب النفسية المحطمة والعصبية والتوتر من المجهول الذى ينتظر ملايين الأسر فى مستقبل أولادهم فى ظل تصاعد الأزمة الاقتصادية.
فلا حديث اليوم بين الناس إلا عن الانفلات فى زلزال الأسعار الذى تجاوز كل الحدود وحطم كل الإمكانيات المتاحة وغير المتاحة وقدرات الدولة، ولا صوت يعلو فوق صوت نداء البطون «الناس بتكلم نفسها فى الشوارع» وأحاديث قلقه ساخطه على جشع المحلات التجارية وأباطرة محتكرى السلع حتى صغار البائعين كل ساعه بسعر، وكأنه دولة داخل دولة وسط غياب تام للأجهزة الرقابية والتموينية وكأنهم تحالفوا فى خراب بيوت المواطن الغلبان، انفلات غير مسبوق فى كل أنواع السلع الغذائية أرهقت كاهل أغلب الشرائح فى سابقة هى الأولى من نوعها، واكتفت الحكومة ببعض المسكنات والمطيبات هنا وهناك، فمازالت تجتهد فى حل الأزمة بطريقتها العرجاء، فالموجة التى ضربت العالم كله وسببت أزمة شديدة فى نقص كافة السلع الغذائية وصعوبة استيرادها خاصة فى أعقاب الحرب الأوكرانية الروسية التى أصبحت هماً ثقيلا كبيراً تعانى منه معظم الأسر المصرية حتى أصبحت أزمة بلا حل، وعجزت الحكومة عن إيجاد حلول جادة لصعوبة السيطرة على الأسعار وجشع التجار الذى استغلوا الأزمة أسوأ استغلال دون رحمة فى ظل انهيار سوق العمل وتصاعد أزمة الدولار من ناحية إلى وجود ضغوط مادية ونفسية واقتصادية على الأفراد والأسرة بشكل عام.. إلى وجود أمراض مجتمعية أخرى منها العزوف عن الزواج بسبب عدم القدرة على تحمل المصاريف والتكاليف، مما يزيد من العنوسة والانحرافات الأخلاقية ومشاكل أخرى لا حد لها.
نحن لا ننكر الجهود التى تقوم بها الدولة خاصة المنافذ السريعة التى تتولاها القوات المسلحة ووزارة الداخلية وتتواجد بكثرة فى الكثير من المناطق الفقيرة.. ولا ننكر أيضاً أن هناك أسباباً قد تكون خارج قدرات حكومات العالم، مثل ارتفاع أسعار الطاقة فى السوق العالمية، وارتفاع سعر الدولار أمام الانهيار المستمر للجنيه المصري، إلى جانب الأزمات السياسية والمناخية والكوارث الطبيعية التى تحدث فى الدول التى نستورد منها، وزيادة أسعار السلع المنتجة فى بلد المنشأ وزيادة الرسوم الجمركية إلى غيره من تقلبات الاقتصاد العالمى الذى قد يتحول إلى كارثة تهدد العالم كله بمجاعة أكيدة فى المستقبل القريب.. لكن هذا لا يمثل كل المرتكزات الخاصة بالمشكلة، بل أن هناك الكثير من الحلول التى يمكن التوصل إليها لعلاج هذه الظاهرة أهمها وضع استراتيجية وقائية ضد الأزمات التى تمس قوت المواطن وكرامته الإنسانية فى توفير أبسط مظاهر الحياة تتكيف حلولها مع كل هذه المؤثرات مثل زيادة الإنتاج الزراعى والداجنى، وتشجيع الاستثمار ومنع احتكار كبار التجار ورجال الأعمال فى تعطيش السوق وطرح السلع بعد ذلك من أجل الحصول المزيد من الأرباح والثراء على حساب الغلابة والفقراء، خاصة ونحن مقبلين على شهر رمضان المبارك المتوقع فيه انفلات غير مسبوق فى أسعار معظم السلع الغذائية فى ظل غياب تام لوزارة التموين حتى أصبح المواطن سلعة أرخص من السلع منتهية الصلاحية التى يقدمها له أصحاب الذمم الخربة ليلتهمها جراء الأزمة.. والأهم من ذلك هو فرض قيود وعقوبة رادعة على جشع التجار وتشديد الرقابة التموينية التى غابت تماماً التى بحاجة أصلا الى رقابة.. الأزمة جداً خطيرة ولا يوجد حلول واضحة للسيطرة على نار الغلاء الذى قد يلتهم الأخضر واليابس.
عقب سلسلة من القرارات بزيادة أسعار فى وسائل النقل والاتصالات والكهرباء والبضائع والسلع، وكذلك رسوم بعض الخدمات، حيث قفزت أسعار تذاكر قطارات أنفاق (مترو) القاهرة بنسب تصل إلى 30%، بينما زادت أسعار باقات الإنترنت والاتصالات كافة ما بين 15% و33%، وارتفعت أسعار الكهرباء بنسب تصل إلى 20% للشرائح الأكثر شعبية، وتضاعفت أسعار رسوم تسجيل السيارات ونقل الملكية بنسب تجاوزت 200%، فى حين زادت أسعار مواد البناء والسلع الاستهلاكية والغذائية بنسب لا تقل عن 10%، مصدر رفيع المستوى أكد لنا أن هذه الزيادة ما هى إلا حزمة من الإجراءات أقرها من خلال مطالب صندوق النقد الدولى التى كان مخططا لإعلانها بداية العام وكان من الممكن تأجيلها، لكن من الواضح من السهل عن على المفاوض المصرى يقف عاجزا أمام ضغوط هذا الصندوق الأسود الملعون، ليفقد قوته وقدرته على مقاومة مثل تلك الإجراءات فى ظل ضغوط كبيرة تفوق قدرات الدولة حتى الإنسانية.. وأنه انفرط عقد تحمل الحكومة ليصبح الأمر خارج السيطرة، الأمر الذى أدى ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية بشكل منفلت، بذلك معدلات التضخم وأسعار باقى السلع، ولا يملك المواطن المطحون بنيران الأسعار سوى التعايش والتحمل والصبر إلى أقصى درجات الصبر، ويدعو الله تضرعا بأى نوع من الانفراجة. بعد ما أصبح الشعب تحت رحمة هوى الدولار.. منذ ساعات أكدت الحكومة أنها تعمل على وضع تصور شامل لحزمة الحماية الاجتماعية الجديدة، بالتنسيق مع الوزارات المعنية، وعلى رأسها وزارتى التضامن الاجتماعي، والمالية، وذلك لضمان تعزيز الدعم للفئات الأكثر احتياجًا.. أى أنها قد تقرر بعد الزيادات فى المرتبات والعلاوة تخفيفا على كاهل الأسر المصرية من أعباء غلاء المعيشة، لا نعلم صحة المعلومات أو أنها مجرد مسكنات مؤقتة لامتصاص غضب الناس اللى بتكلم نفسها فى الشوارع، للأسف مهما كانت الزيادة إلا أنها تقابلها سلسلة من الزيادات فى كافة أسعار السلع وكأنه وسيلة جديدة كمبرر غير إنسانى فى زيادة الأسعار.. معظم الأسر المصرية تعيش حالة من القلق والارتباك بسبب الغموض الذى يشوب الأزمة والتى قد تؤثر سلباً على كافة مظاهر الحياة فى محافظات مصر لا يعلم مداها إلا الله. .وأخيراً مهما كان وضعك المادى، المهنى، الشخصى، مركزك الاجتماعى، عود نفسك على أنك تقول: اللهم إنى أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم أدم علينا نعمك وبارك لنا فيها واحفظها من الزوال.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية سكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
magda_sale7@yahoo. Com