في أكثر من قمة دولية، أعربت السلطات الموريتانية عن قلقها العميق ومخاوفها الأمنية من تزايد اللاجئين إليها من منطقة الساحل التي تشهد توتّرات أمنية بسبب الانقلابات العسكرية، ونشاط الحركات الانفصالية والمسلحة.

وعلى بعد 1500 كيلومتر شرق العاصمة نواكشوط، وضمن حيز جغرافي لا يتجاوز كيلومترات معدودة في أرض صحراء وقاحلة يقع "مخيم امبرة" في ولاية الحوض الشرقي الذي يقطنه أكثر من 100 ألف لاجئ من دولة مالي، تركوا وطنهم بسبب الأوضاع الأمنية الخطيرة التي عرفتها بلادهم منذ عام 2012.

وهذا المخيم ليس التجمع الوحيد للنازحين من مالي، ومنطقة الساحل، بل يأتي في المرتبة الثانية بعد العاصمة نواكشوط التي لا تتوفر إحصاءات دقيقة حول المقيمين فيها.

ويشكّل تزايد المهاجرين من دول الساحل مصدرا لإزعاج السلطات في نواكشوط التي بدأت تدق ناقوس الخطر، وتستدعي الشركاء الدوليين المعنيين بملف الهجرة، من أجل المساعدة في وضع المهاجرين في ظروف ملائمة تفاديا لخطر الجريمة وعدم الاستقرار الأمني الذي يعد الفقر من أول أسبابه.

أعداد المهاجرين من دول الساحل في موريتانيا في تزايد مستمر (الجزيرة) تزايد أعداد اللاجئين

في الوقت الذي يوجد في موريتانيا 56.9% من عدد السكان البالغ نحو 5 ملايين يعيشون في حالة فقر متعدد الأبعاد من حيث انعدام التعليم والصحة وظروف المعيشة وانعدام فرص التوظيف، تزداد معاناة السكان سوءا بسبب تدفق النازحين من ويلات الحروب في منطقة الساحل بغرب أفريقيا.

وقد زاد عدد المهاجرين من دول الساحل في موريتانيا من 57 ألف مهاجر عام 2019 إلى أكثر من 112 ألفا عام 2023.

وفي الثاني من يناير/كانون الثاني الجاري، أعلن برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة أنه يتوقع وصول أكثر من 100 ألف لاجئ إضافي من الشمال المالي، بسبب الأوضاع المتأزمة بين الحركات الأزوادية والحكومة المالية.

ووفقا للمنظمة، فإن اللاجئين سيصلون على دفعات متعددة في النصف الأول من العام الحالي إلى ولاية الحوض الشرقي على الحدود المالية.

وحذّر برنامج الأغذية العالمي من خطورة الضغط على السكان المحليين الذين يعانون من شح الموارد وارتفاع معدل الفقر، ومن شأن مضايقة السكان المحليين حدوث الفوضى والتوتّر مع الأزواديين الذين فرّوا بسبب النزاعات المسلّحة.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه بعض الدراسات المتخصصة عن وجود 17 مليون إنسان في منطقة الساحل والصحراء يتأهبون للهجرة، ترى بعض المنظمات الأوروبية أن تكون موريتانيا وطنا بديلا للمهاجرين.

وفي قمة الهجرة المنعقدة في روما منتصف عام 2023، قال الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إن موريتانيا تعد منطقة وصول للمهاجرين، كما أنها منطقة عبور نحو إسبانيا والدول الأوروبية.

وأضاف ولد الغزواني في المؤتمر نفسه أن بلاده تستضيف 100 ألف لاجئ من دولة مالي وحدها، بالإضافة إلى أعداد أخرى من دول مختلفة.

استغاثة بالشركاء

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 طلبت موريتانيا من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة التكفل بنحو 50 ألف لاجئ قدموا من مالي بعد الأحداث التي وقعت في منطقة كيدال معقل الأزواديين.

وخلال مشاركته في المنتدى العالمي للاجئين الذي انعقد في ديسمبر/كانون الأول 2023 في جنيف قال وزير الاقتصاد الموريتاني عبد القادر ولد محمد صالح إن "وضع اللاجئين في الوقت الحالي يختلف عن الأعوام الماضية، إذ دفعت التطورات الأمنية وعدم الاستقرار في منطقة الساحل بعشرات الآلاف نحو الهجرة من بلدانهم.

وأكّد الوزير الموريتاني ضرورة تعبئة الموارد المالية والدعم من طرف الشركاء للحصول على 240 مليون دولار لتوفير الشروط الأساسية لمتطلبات الاندماج.

وتعتزم موريتانيا توفير التعليم للاجئين بوصفه الأداة الأولى لترسيخ ثقافة السلام والابتعاد عن العنف.

وتتلقى نواكشوط دعما من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي، من أجل استمرار العون الإنساني، كما يسهم الاتحاد الأوروبي بدعم مكثف من أجل استيعاب اللاجئين وتوفير سبل العيش، لأن موريتانيا تعتبر منطقة عبور للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023 اجتمع الرئيس الموريتاني بوفد من الاتحاد الأوروبي في نواكشوط من أجل وضع خارطة عمل مشتركة حول مشكلة المهاجرين، وأكد الوفد الأوروبي أنه قدم لنواكشوط في الفترة الأخيرة 600 مليون يورو.

السلطات الموريتانية تحذر من أن تدفق آلاف اللاجئين قد يتسبب في وقوع كارثة إنسانية (الجزيرة) مخاوف من الفوضى

وتحاول موريتانيا احتواء موجات المهاجرين الذين يعتبرونها منطقة وصول بمحاولة دمجهم في الحياة عبر التكوين وخلق فرص العمل، وتوجيه الناشئين نحو بوابة التعليم.

كما تعمل على الوقوف في وجه المهاجرين الذين يعتبرونها منطقة عبور بتعزيز الرقابة الحدودية، وتوزيع نقاط التفتيش على مختلف التشكيلات الأمنية والعسكرية.

ورغم كل تلك الجهود، فإن اللاجئين يشكلون مصدر قلق للحكومة الموريتانية، إذ يضع محور الهجرة أمنها واستقرارها على المحك.

وسبق أن اتهمت الحكومة الموريتانية مهاجرين أفارقة بالمشاركة في أعمال عنف وتخريب خلال أعمال الشغب التي وقعت بعد الانتخابات الرئاسية عام 2019، واعتقلت السلطات بعدها مقيمين من جنسيات أفريقية (مالي وساحل العاج والسنغال)، واستدعت وزارة الخارجية سفراء الدول التي شارك مواطنوها في تلك الأعمال التخريبية، حسب قولها.

وفي مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية قال الرئيس الموريتاني ولد الغزواني إن المهاجرين واللاجئين كلّفوا موريتانيا أثمانا باهظة وخاصة فيما يتعلق بالحدود والأمن والاستقرار.

وأضاف ولد الغزواني في حديثه عن مشكلات الهجرة أن تدفق اللاجئين بالأحجام الكبيرة يصعب معه التعرف على الإرهابيين.

وفي ولاية الحوض الشرقي بموريتانيا حيث يقع مخيم امبرة للاجئين الماليين قال عمدة بلدية "المكلفة" بمقاطعة باسكنو إن تدفق آلاف اللاجئين على الولاية قد يتسبب في وقوع كارثة إنسانية.

وأكّد العمدة أن بلديته أصبحت عاجزة عن تقديم الخدمات، بسبب الكم الهائل من الأزواديين الذين توافدوا على المنطقة، وأصبحوا يزاحمون السكان الأصليين في نقاط المياه ومساحات المراعي.

وفي الأعوام الأخيرة وقعت أحداث بين مسلّحين ماليين ومواطنين موريتانيين على مشارف الحدود، وراح ضحية تلك الأحداث عدد من الموريتانيين.

وتعمل حكومة نواكشوط على خلق فضاء للاستقرار بين سكان المناطق الحدودية المشتركة بين مالي وموريتانيا، للترابط بين السكان، ولأهمية العمل على تأمين الحدود الصحراوية الشاسعة التي تهددها الجماعات المسلحة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من دول الساحل منطقة الساحل ولد الغزوانی ألف لاجئ فی منطقة أکثر من من أجل

إقرأ أيضاً:

رئيس موريتانيا السابق يثير الجدل.. كشف تفاصيل آخر اتصال بينه والرئيس الحالي

أثار الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، الجدل مجددا خلال جلسات محاكمته على مدى الأيام الثلاثة الماضية، كاشفا تفاصيل آخر اتصال بينهم والرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.

محاكمة الرئيس السابق شغلت الرأي العام الموريتاني على مدى الأيام الماضية، حيث يتابعها الموريتانيون بكثير من الترقب.

وكانت محكمة الاستئناف بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، استأنفت قبل أيام جلساتها لمحاكمة الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز وعدد من أركان حكمه، وذلك بعد نحو سنة من إصدار المحكمة المختصة بجرائم الفساد حكما بسجن ولد عبد العزيز 5 سنوات نافذة ومصادرة حقوقه المهنية وتجميد أرصدته البنكية.

وبدأت محكمة الاستئناف – وهي الدرجة الثانية من درجات التقاضي – جلساتها بناء على استئناف الأحكام الصادرة عن المحكمة المختصة في جرائم الفساد السنة الماضية، وذلك بعد استئنافها من طرف فريق الدفاع عن المشمولين في الملف المعروف بـ"ملف العشرية".

وتعتبر هذه أطول محاكمة في تاريخ موريتانيا، حيث بدأت جلساتها أمام المحكمة المختصة بجرائم الفساد يوم 25 كانون الثاني/ يناير 2023، وأصدرت أحكامها يوم  4 كانون الأول/  ديسمبر 2023، لتبدأ المحاكمة من جديد أمام محكمة الاستئناف، فيما لا يعرف بالتحديد كم ستأخذ من الوقت قبل صدور أحكامها.


تفاصيل الاتصال الأخير
وسرد ولد عبد العزيز أمام المحكمة تفاصيل آخر لقاءاته واتصالاته بالرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، ومسار تطور الخلاف بينهما خلال الفترة التي أعقبت مغادرته للسلطة، حيث انتهى هذا الخلاف بالقطيعة بينهما.

وقال ولد عبد العزيز، إن الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، ظلّ على اتصال دائم معه بعد مغادرته للسلطة، وسفره إلى الخارج.

ولفت إلى أن التواصل بينهما استمر لفترة رغم تباين مواقفهما بشأن إدارة الحزب الحاكم.
وأوضح أنه آخر مكاملة بينهما كانت بعد فترة قصيرة من عودة ولد عبد العزيز إلى نواكشوط (بعد اشهر من تسلم الغزواني السلطة 2019).

وأضاف أن هذه المكالمة استمرت 35 دقيقة، وعرض عليه خلالها الرئيس الحالي أن يتولى تعيين شخص لرئاسة الحزب الحاكم، وبعد ذلك يتركه لولد عبد العزيز ليفعل فيه ما شاء ، مردفا أنه رفض هذا العرض بقوة، وأكد له أنه بهذا التصرف يفسد الحزب.

وتابع: "بعد انتهاء المكالمة، بدأت مباشرة ما بات يعرف بأزمة مرجعية الحزب" التي انتهت بمطالبة نواب في البرلمان بتشكيل لجنة تحقيق مع الرئيس السابق ليبدأ بعد ذلك المسار القضائي.

وساطات لإنهاء الأزمة
كما كشف ولد عبد العزيز خلال محاكمته عن وساطات كانت تهدف لإنهاء الخلاف بين والرئيس الحالي، مضيفا أن هذه الوساطات قادها نواب ورجال أعمال وسياسيون، لكنها لم تفض إلى أي نتيجة.

وجدد ولد عبد العزيز التأكيد على أن محاكمته محاكمة سياسية، فيما تحدثت عن فساد وصفه بالكبير في أجهزة الدولة.

وجدد ولد عبد العزيز التأكيد على أنه لم تكن لديه أموال، وقد صرح بممتلكاته قبل تسلمه السلطة، وصرح بها مجددا عند مغادرتها، مردفا أن مصدر جل أمواله من الهدايا، حيث تلقى بعضها وهو ما زال في السلطة، ولكن أغلبها تلقاه بعد مغادرة السلطة.

وأشار ولد عبد العزيز إلى أن العديد من المسؤولين السامين في البلد اتصلوا به خلال وجوده في فرنسا، ونصحوه بعدم العودة، وأكدوا له أنه سيسجن في حال عاد إلى نواكشوط "لكنه أصر على العودة إلى وطنه، ومواجهة كل ما ينتظره، وكان يمكنه البقاء خارج البلاد".


"دفوع كيدية"
وتعليقا على مجريات المحاكمة والتفاصيل التي تحدث عنها ولد عبد العزيز، قالت هيئة دفاع الدولة الموريتانية (الطرف المدني في الملف الذي يتابع فيه الرئيس السابق) إن ولد عبد العزيز استنفد كافة "دفوعه الكيدية وانتهى ما تصوره من أساليب المماطلة الرامية إلى الحيلولة دون التصدي للوقائع".

وأضافت هيئة الدفاع في بيان وصلت نسخة منه لـ"عربي21" أن ولد عبد العزيز "استغلّ الفرصة لتقديم نفسه كما لو كان هو مؤسس البلاد ومنقذها أكثر من مرة بانقلابين اثنين واعدا ضمنيا بالثالث".

وقالت هيئة الدفاع إن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز "استخدم ألفاظ استهزاء واستخفاف في حق جلّ الطبقة السياسية ورجال أعمال مرموقين وأحد أبرز رجال العلم في موريتانيا وخارجها".

واعتبرت الهيئة أنه " لم ينج من استهتاره أحد من الذين تعاقبوا على مقاليد الحكم منذ استقلال البلاد وحتى اليوم دون تحفظ ولا تردد، ودون أن يستحضر ويراعي ما عليه من واجب كرئيس سابق للدولة".
ولفتت الهيئة إلى أن ولد عبد العزيز تطرق بالتفاصيل لعلاقات البلاد العسكرية والأمنية مع دول مجاورة ومع دول كبيرة من دول العالم.

وأضافت الهيئة: "الوقائع المنسوبة للمتهم لن يتم التعتيم عليها بهذا الأسلوب الفج والفضفاض" ووصفتها بأنها "وقائع محددة وملموسة، مفصلة ومدوّنة، قامت عليها قرائن قوية ومتماسكة".

ملف العشرية
هو الملف الذي يتهم فيه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وعدد من أركان حكمه والمقربين منه، ويتعلق بالفترة الزمنية التي أمضاها ولد عبد العزيز في السلطة وهي عشر سنوات.

وأثير الملف بعد توتر العلاقة بين الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، وسلفه محمد ولد عبد العزيز، حين ترأس الأخير اجتماعا لحزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، نوفمبر 2019.

فبعد أيام من هذا الاجتماع، وقع عشرات من نواب البرلمان عريضة عبروا فيها عن رفضهم لمحاولة ولد عبد العزيز الهيمنة على الحزب، ليتم تشكيل لجنة من البرلمان عهد إليها سنة 2020 بإجراء تحقيق في فترة حكم الرئيس السابق وهو ما تم بالفعل.

وفي عام 2021 أحيلت نتائج التحقيق للقضاء، ليبدأ مسار محاكمة الرئيس الموريتاني السابق الأكثر جدلا بين رؤساء البلاد.


تهم الفساد وغسيل الأموال
ومن أبرز التهم الموجهة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وأركان حكمه في "ملف العشرية" "غسيل الأموال والإثراء غير المشروع ومنح امتيازات غير مبررة في صفقات حكومية، والإضرار بمصالح الدولة" وهي التهم التي ينفيها المشمولون في الملف.

وجمدت السلطات حتى اليوم 41 مليار أوقية (أكثر من 100 مليون دولار)، في إطار القضية، أكثر من نصفها من ممتلكات ولد عبد العزيز وأفراد عائلته، بحسب وسائل إعلام محلية.

وولد عبد العزيز، هو الرئيس التاسع لموريتانيا، حكم البلاد لولايتين رئاسيتين، لكنه لم يترشح للانتخابات الرئاسية التي أجريت في 22 يونيو 2019 بل مهد الطريق أمام الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني الذي انتخب رئيسا للبلاد في العام نفسه.

مقالات مشابهة

  • أمير نجران يُدشّن مركز القبول الموحد بالإدارة العامة لتعليم المنطقة
  • “مركز الأرصاد” يُنبّه من هطول أمطار وهبوب رياح شديدة على منطقة جازان
  • افتتاح مركز الساحل لعلاج السكري والغدد الصماء
  • الفصائل الفلسيطينية: إمكانية الوصول إلى اتفاق بشأن غزة باتت أقرب
  • ما الرسائل التي حملها ممثل الرئيس الروسي للجزائر؟
  • الشرع للوفد الأميركي: لن نضع سوريا في حالة استقطاب
  • لعمامرة في نواكشوط: حان الوقت لإنهاء المعاناة المفجعة في السودان
  • رئيس موريتانيا السابق يثير الجدل.. كشف تفاصيل آخر اتصال بينه والرئيس الحالي
  • افتتاح مركز الساحل للسكري والغدد الصماء في طليمثة
  • موريتانيا تحصل على قرض من صندوق النقد.. واتفاق مع الاتحاد الأوروبي