هل يسهم دخول الجزائر على خط الأزمة السودانية في حلها؟
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
الخرطوم- بعد تعثر الجهود الأفريقية، وجمود منبر جدة للمفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، دخلت القيادة الجزائرية على خط الأزمة السودانية إثر زيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إلى الجزائر، وتلقيه تعهدات من الرئيس عبد المجيد تبون بـ"لعب دور فاعل" أفريقيا ودوليا لوقف الحرب في بلاده.
وأجرى البرهان وتبون محادثات، أمس الاثنين، في الجزائر، ركزت على تطورات الأزمة السودانية والخطوات التي تمت منذ مايو/أيار الماضي لوقف الحرب، والأوضاع الأمنية والعسكرية في السودان ومعاناة السودانيين بسبب استمرار الحرب التي تجاوزت 9 أشهر.
ويقول مستشار في مجلس السيادة للجزيرة نت إن "الجزائر لن تطرح مبادرة جديدة، ولكنها ستبذل جهودا دولية وإقليمية لتسريع مساعي إنهاء الحرب في السودان، خصوصا أنها باتت عضوا في مجلس الأمن الدولي، بجانب وجودها الفاعل في الاتحاد الأفريقي، حيث إنها ثالث أكبر ممول للاتحاد بعد مصر وجنوب أفريقيا".
ويوضح المستشار -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- أن الجزائر ترى أن منبر جدة قطع شوطا مقدرا في الملفين الإنساني والترتيبات الأمنية، ويحتاج إلى دعم دولي وإقليمي لإنعاشه واستكماله، ويضيف أن "الجزائر لا تمانع في استضافة لقاء بين البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لدفع عملية التفاوض في حال توافقت الأطراف على ذلك، بعد تعثر الهيئة الحكومية لتنمية شرق أفريقيا "إيغاد"، وتعليق عضوية السودان في المنظمة.
وعلق مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان ووزير الخارجية الجزائري السابق رمضان لعمامرة على زيارة البرهان إلى الجزائر في تغريدة "شكرا الرئيس تبون لدعمه مساعي الأمم المتحدة في تخطي السودان المحنة العصيبة التي يمر بها، والمتجهة في منحى متصاعد جراء التدخلات الأجنبية".
وأكد الرئيس تبون وقوف الجزائر إلى جانب السودان "لتجاوز الظروف الصعبة، ومواجهة قوى الشر التي تستهدفه"، وقال خلال مؤتمر صحفي مع البرهان إن "الجزائر كانت ولا تزال تُفضِّل حل النزاعات برؤية داخلية بحتة، بعيدا عن كل أشكال التدخل الأجنبي"، مؤكدا أن "الكلمة الأولى والأخيرة تعود دوما إلى الشعب السوداني بكل مكوناته".
وجدّد الرئيس الجزائري التأكيد بأن بلده ستعمل خلال عضويتها بمجلس الأمن الدولي على نصرة القضايا العادلة في القارة الأفريقية والعالم، والحد من وطأة النزاعات والتوترات التي باتت تُشكِّل خطرا على استقرار الدول وطمأنينة الشعوب.
من جهته، قال البرهان إن "السودان يتعرّض لمؤامرة بتواطؤ شركاء إقليميين ودوليين"، معربا عن سعادته بأن تكون الجزائر حاضرة في أي طاولة نقاش أو مفاوضات عربية أو إقليمية، ومؤكدا ترحيب السودان بأي دور جزائري يسهم في معالجة الأزمة في السودان.
شروط لقاء البرهانيرى مستشار قائد الدعم السريع محمد الباشا طبيق أن زيارة البرهان إلى الجزائر تأتي لطلب الدعم الدبلوماسي والعسكري، بعدما فقد محيطه الإقليمي؛ إثر اتهامه دول الجوار السوداني بدعم قوات الدعم السريع، وتوفير الغطاء الدبلوماسي والسياسي لها.
وقال طبيق في حديثه للجزيرة نت إن الجزائر إذا قدمت مبادرة جادة للمساهمة في حل الأزمة السودانية، بالتنسيق مع منبر جدة ومنظمة إيغاد، فإنهم سيتعاطون معها.
وعن لقاء محتمل بين البرهان وحميدتي في الجزائر، يقول المستشار إن "اللقاء بين الرجلين رهين بحضور زعماء دول إيغاد، وممثلين عن الولايات المتحدة والسعودية والأمم المتحدة، لضمان أي تفاهم أو اتفاق بين الجانبين".
توازن القوىيعتقد الباحث السياسي مبارك عثمان أن زيارة البرهان إلى الجزائر استهدفت خلق توازن، بعدما استطاعت قيادة قوات الدعم السريع عبر القوى الإقليمية التي تقف خلفها من كسب مساندة بعض زعماء دول "إيغاد" وقيادات أفريقية أخرى.
وحسب حديث الباحث للجزيرة نت، فإن الجزائر عبر عضويتها في مجلس الأمن يمكن أن تدعم منبر جدة وتمنحه دفعة دولية، كما أنها تتمتع بنفوذ قديم في الاتحاد الأفريقي يمكّنها من لعب دور إيجابي، ومنع استخدام الاتحاد لصالح أي طرف.
ويوضح الباحث ذاته، أن الجزائر لديها علاقات جيدة مع المكونات الاجتماعية في دول الساحل الأفريقي، التي يقاتل بعض أبنائها مع قوات الدعم السريع، حيث يمكن أن تقنع رموزها بعدم الانخراط في الصراع السوداني، حتى لا يكون ثمة ارتدادات سياسية أو أمنية تهدد استقرار دولهم.
ويرجح مبارك عثمان أن لا تطرح الجزائر مبادرة جديدة بشأن الأزمة السودانية، بل تعزز الجهود الجارية، ويقول إنها "تنتهج الدبلوماسية الهادئة والتواصل عبر القنوات الخلفية، وتحظى باحترام في المنطقة، مما يجعل تحركاتها واتصالاتها الدبلوماسية فاعلة ومنتجة".
ويضيف المتحدث نفسه أن تاريخ العلاقات بين السودان والجزائر الممتدة منذ نحو 61 عاما، والاحترام المتبادل بين البلدين والود بين الشعبين، يساعد القيادة الجزائرية على لعب دور إيجابي في حل الأزمة السودانية.
وكان السودان قد قدّم الدعم السياسي واللوجستي لثوار جبهة التحرير الوطني الجزائرية، خلال فترة كفاحهم المسلح ضد المستعمر، واستضافت الخرطوم جبهة التحرير الجزائرية، التي فتحت مكتبا فيها عام 1957.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: البرهان إلى الجزائر الأزمة السودانیة الدعم السریع منبر جدة
إقرأ أيضاً:
استعادة الجيش للخرطوم هل تكشف حالة «الإنهاك» في صفوف الدعم السريع؟
أعلن الجيش السوداني الجمعة أنه سيطر بالكامل على الخرطوم، بعد حوالى عامين على خسارته العاصمة أمام قوات الدعم السريع، وفي أعقاب عملية واسعة شهدت استرجاع الجيش للقصر الرئاسي والمطار ومنشآت حيوية أخرى في الخرطوم.
التغيير ــ وكالات
وقال المتحدث باسم الجيش نبيل عبد الله في بيان صدر مساء الخميس “تمكنت قواتنا اليوم… من تطهير آخر جيوب لشراذم ميليشيا آل دقلو الإرهابية بمحلية الخرطوم”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو التي تخوض حربا مع القوات السودانية منذ أبريل 2023.
وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أعلن الأربعاء أن “الخرطوم حرة وانتهى الأمر” متحدثا من القصر الرئاسي حيث وصل لأول مرة منذ عامين.
وبعد عام ونصف عام من الهزائم، بدأ الجيش السوداني عملية عسكرية من وسط السودان نحو الخرطوم حقق فيها تقدما كبيرا على الأرض.
وكان البرهان نفسه قد أجبر على الهرب قبل نحو عامين عند تقدم قوات الدعم السريع بقيادة شريكه السابق محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي.
وتسبب هذا الصراع الدامي في سقوط عشرات الآلاف من القتلى ونزوح أكثر من 10 ملايين نازحين في داخل البلاد.
وبعد خسائرها المتتالية، هربت قوات الدعم السريع من العاصمة عبر جسر جبل أولياء آخر مخارج العاصمة باتجاه الجنوب، فيما شوهدت أجواء فرحة في كثير من أحياء الخرطوم.
البرهان يستعيد “زمام الأمور”أطلق الجيش هجومه على الخرطوم منذ سبتمبر الماضي في تحول مهم للحرب مع قوات حميدتي. وكانت قوات الدعم السريع تسيطر على النقاط الاستراتيجية للعاصمة ومنها المطار الدولي والقصر الرئاسي وعدة مواقع عسكرية.
“عودة عبد الفتاح البرهان إلى القصر الرئاسي لها رمزية كبيرة في داخل البلاد كما في خارجها” وفق الباحث المختص في السودان مارك لافيرني، الذي يضيف “البرهان يقول بأنه القائد الشرعي للبلاد وكأنه اليوم يريد أن يؤكد للعالم بأنه استعاد زمام الأمور”.
ولكن عودة البرهان إلى الواجهة تطلبت وقتا طويلا. ففي بداية الحرب ومع الاختراقات التي حققتها قوات الدعم السريع، اضطر البرهان إلى نقل قيادة قواته العسكرية إلى بورت سودان، أهم ميناء في البلاد يقع على البحر الأحمر، ويبعد نحو 700 كلم شمال شرق العاصمة.
ولم يستطع الجيش مذاك كبح تقدم قوات الدعم السريع إلى خارج دارفور معقلها التاريخي، ونجحت في السيطرة على مناطق في شمال وجنوب الخرطوم. وكبدت قوات حميدتي الجيش في نهاية سنة 2023 هزيمة مذلة من خلال سيطرتها على واد مدني عاصمة ولاية الجزيرة. إلا أن الجيش قلب المعطيات وتمكن في كانون الثاني يناير 2025 من السيطرة على مناطق يسكنها 400 ألف نسمة.
قوات حميدتي في تقهقر مستمربالنسبة إلى مارك لافيرني، فإن تغير ميزان القوى لصالح الجيش دليل على حالة “الإنهاك” في صفوف قوات حميدتي ويضيف: “قوات الدعم السريع ليست متكونة من جنود محترفين بتسلسل قيادة حقيقي وتنظيم لوجستي. لقد أرادوا الضرب بقوة وسرعة في البداية وسيطروا على أراضي شاسعة بدون أن تكون لهم القدرة على إدارتها”.
منذ بداية الحرب، تم رصد انتهاكات مروعة من الطرفين. ويتهم الجيش بشن غارات عشوائية ما تسبب في مقتل عدد كبير من المدنيين. وآخرها كانت ضربة على مدينة تورا في إقليم دارفور أودت بحياة المئات من الضحايا وفق شهود عيان.
إلا أن قوات حميدتي متهمة بارتكاب عدد أكبر من المجازر وينظر إليها على أنها أكثر عنفا. “إنهم قطاع طرق يأخذون ما يعترضهم في الأراضي التي يسيطرون عليها” وفق لافيرني.
وهذه الممارسات شوهت صورة قوات الدعم السريع وقدرتها على الاندماج مع السكان وانتداب مقاتلين منهم. وتواجه قوات حميدتي أيضا انشقاقات أبرزها للقائد العسكري أبو عقلة كيكل الذي انضم إلى الجيش في أكتوبر 2024.
قلق من مجازر في دارفوركان ينظر إلى ميزان القوى بين الجيش والدعم السريع على أنه متوازن نسبيا، رغم التفوق الجوي المهم لقوات البرهان بفضل قواتها الجوية. ومع تعودها على حرب الشوارع، تملك قوات الدعم السريع ترسانة مهمة تشمل المسيرات والصواريخ يزعم أنها حصلت عليها من الإمارات، الداعم الخارجي الأول لحميدتي، فيما تنفي أبوظبي تسليم أسلحة لهذه القوات.
وأمام المصاعب الميدانية، قام حميدتي في الأشهر الأخيرة بجولة دبلوماسية إقليمية شملت أوغندا وإثيوبيا وكينيا. وبحثا عن الشرعية، أعلن حميدتي في فبراير من نيروبي تشكيل “حكومة موازية” تهدف إلى الإدارة المباشرة للمناطق التي تسيطر عليها قواته. وهي مبادرة رفضها قطعيا البرهان الذي اتهم الرئيس الكيني كينيان وليام روتو بدعم غريمه.
هنا، يخلص لافيرني إلى القول “دول شرق أفريقيا التي استقبلت حميدتي كان بإمكانها الحصول على ثقل أكبر في مرحلة التفاوض. إلا أنه على المستوى العسكري، لا أرى أية فرصة لقوات الدعم السريع لقلب المعادلة”.
من جهته، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الخميس أن الولايات المتحدة ستسعى لبذل مزيد من الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في السودان.
وقال الوزير الأمريكي إنه “منخرط” في الشأن السوداني، مشيرا إلى أنه ناقش هذه المسألة في الأيام الأخيرة مع أطراف دولية، من بينهم الرئيس الكيني وليام روتو ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
ومع احتفال الجيش في الخرطوم بنهاية المعارك في العاصمة، يخشى مراقبون من أن يؤدي انكفاء قوات الدعم السريع في دارفور، التي ما زالت تسيطر عليها، إلى موجة عنف جديدة ضد الإثنيات غير العربية التي كثيرا ما تتعرض للاستهداف من قبل قوات حميدتي. في يناير كانون الثاني، اتهمت الولايات المتحدة قوات الدعم السريع بارتكاب إبادة عرقية هناك، ونددت بعمليات قتل ممنهجة لـ”الرجال والأولاد بمن فيهم الرضع، على أساس عرقي”.
نقلا عن الفرنسية 24
النص الفرنسي: دافيد ريش/ نقله إلى العربية: عمر التيس
الوسومالإنهاك الجيش الخرطوم الدعم السريع