إذا ما قُدر لفكرة حلّ الدولتين أن ترى النور يوما، فمن غيرُ البرغوثي يمكنه قيادة هذا المشروع الذي تكاد حرب غزة أن تدق المسمار الأخير في نعش أوسلو وحلّ أرض لشعبين؟

اعلان

تتجه الحرب الدائرة في غزة لطيّ شهرها الرابع. وإذا كان القصف على القطاع لا يهدأ، فإن الجهود المحمومة الساعية للتوصل إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل مستمرة هي الأخرى.

هذا الاتفاق الذي يقضي حسب التسريبات الصحفية الإسرائيلية، بإفراج الحركة عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها مقابل هدنة إنسانية لـ 45 يوما تتوقف خلالها الدول العبرية عن قصفها للقطاع المحاصر بالإضافة إلى الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين من ذوي المحكومات العالية.

وتقول التسريبات إنه مقابل 35 محتجزا إسرائيليا تفرج عنهم حماس، سيكون هناك ما بين 100-250 من الأسرى الفلسطينيين سيخرجون إلى الحرية عن كل محتجز إسرائيلي.

وهنا يكمن التحدي، فالدولة العبرية ليست بوارد الإفراج عمن تقول إن أيديهم ملطخة بالدم وصدرت بحقهم أحكام بعشرات السنين إن لم تكن أكثر.

من هؤلاء الأسرى القابعين في السجون الإسرائيلية منذ عقود والذي لا تتصور ولا تتقبل تل أبيب خروجه يوما، مروان البرغوثي القيادي في حركة فتح الذي ألقي عليه القبض في أوج الانتفاضة الثانية عام 2002.

فمن هو مروان البرغوثي ولماذا تخشى إسرائيل وجوده خارج القضبان؟

مروان البرغوثي هو أشهر أسير داخل سجون إسرائيل، ويرى الكثير من الفلسطينيين أنه أكثر الشخصيات المؤهلة لخلافة محمود عباس في رئاسة منظمة التحرير ورئاسة السلطة الفلسطينية أيضا، إذا ما حدث ونُظمت انتخابات رئاسية لم تشهدها الأراضي الفلسطينية منذ 2005 في أعقاب وفاة الرئيس ياسر عرفات. فالبرغوثي يتمتع بشعبية كبيرة لدى شعبه على اختلاف اتجاهاته وأطيافه السياسية والأيديولوجية.

منذ أكثر من عقدين، يقضي هذا القيادي في فتح عقوبة سجن قوامُها خمسةُ مؤبدات، إضافة إلى 40 سنة أخرى جزاء له على دوره في الانتفاضة الثانية كما تقول تل أبيب.

أدين البرغوثي بتهمة الضلوع المباشر في قتل خمسة إسرائيليين، إضافة إلى التخطيط لارتكاب أعمال قتل أخرى بصفته رئيسا لما يعرف بالتنظيم وهو الجناح المسلح لحركة فتح أثناء الانتفاضة الثانية.

وثمة أمل ضئيل جدا في رؤية مروان البرغوثي خارج القضبان بموجب صفقة تبادل بين تل أبيب والفلسطينيين طالما بقيت هناك حكومة يقودها بنيامين نتنياهو الرافض لوجود دولة فلسطينية.

وإذا ما قُدر لفكرة حلّ الدولتين أن ترى النور يوما، فمن غيرُ البرغوثي يمكنه قيادة هذا المشروع الذي تكاد حرب غزة أن تدق المسمار الأخير في نعش أوسلو وحلّ أرض لشعبين؟ 

فوجوده في الأسْر طيلة كل هذه السنين يمنحه مكانة وشرعية كبيرتين داخل المجتمع الفلسطيني. ناهيك عن أنه بقي بمنأى عن كل شبهات الفساد التي نخرت وتنخر في جسد القيادات الفلسطينية داخل السلطة. 

كما أنه سبق وأعلن أثناء إحدى جلسات محاكمته عام 2012 أنه يطلب من الشعب الفلسطيني "النضال من أجل ما سماه المقاومة الشعبية السلمية ضد الاحتلال" ما يعني ضمنا أنه يعارض مبدأ القتال المسلح أو هكذا أرادت إسرائيل وآخرون تفسيره.

وعليه، فإن الإفراج عنه وعودة محتملة للحديث عن حل الدولتين ومكانته لدى شعبه، كل هذا سيسحب من تل أبيب أية ذريعة تتعلل بها في رفضها لهذا المبدأ، خصوصا في ظل حكومة تضم عتاة وجوه اليمين المتطرف مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

وكانت صحيفة هاآرتس قد نشرت مؤخرا مقابلة مع عامي آيالون، الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشين بيت أو الشاباك) قال فيها "إن قيام دولة فلسطينية ليس فقط مصلحة إسرائيلية يجب الموافقة عليها، بل يجب الإفراج عن البرغوثي ليقود محادثات إقامة الدولة ويتولى رئاستها أيضا.

وقال ايالون: إن مروان هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي يمكن انتخابه، وأن يقود سلطة فلسطينية شرعية تجاه طريق الانفصال عن إسرائيل بالتراضي وفق مقابلة المسؤول الأمني السابق مع "هآرتس".

كما أن الاستطلاعات التي جرت منذ اعتقاله، كانت كلها تخلص لنتيجة واحدة وهي أن البرغوثي هو أوفر الساسة حظا ليقود الشعب الفلسطيني نحو انتخابات حرة.

فتح تقصي القدوة بسبب قائمة انتخابية مستقلة والبرغوثي ودحلان "يتصدران" عن بعدمروان البرغوثي يشتكي ظروف العزل في سجن عوفر: ضرب وتنكيل وتجريد من الملابس استطلاع للراي: تفوق حركة فتح على حماس والبرغوثي يفوز بالرئاسة على حساب عباسهل شارك موظفو الأونروا في هجوم 7 أكتوبر؟ وبم تتهمهم إسرائيل؟مروان البرغوثي يدعم قائمة منشقة عن حركة فتح لخوض الانتخابات التشريعية الفلسطينية في ذكرى الانتفاضة ومن وراء القضبان.. مروان البرغوثي لأهل الضفة:"ها هي رياح التحرير قد هبت فانتفضوا"البرغوثي وطوفان الأقصى

ويبدو أن هذه المكانة هي أكثر ما تخشاه إسرائيل، فالبرغوثي لم يدل بأي تصريح صحفي من داخل سجنه وزوجته فدوى المحامية والعضو البارز في حركة فتح لم تره منذ أكثر من عام ونصف.

ثم جاء طوفان الأقصى لتضييق الخناق على الأسير البارز، فنقلته إسرائيل إلى سجن أيالون ووضعته رهن الحبس الانفرادي مدة 5 أيام، بذريعة أنه كتب رسالة يؤيد فيها عملية حماس.

اعلان

قدورة فارس صديقُ عُمْر البرغوثي ورئيس نادي الأسير الفلسطيني، كان صرح لإحدى وسائل الإعلام الغربية أن الرسالة التي تتحدث عنها إسرائيل هي محض افتراء، وكشف أن القيادي غارق في الظلام داخل زنزانته وقد أُعطي الحد الأدنى من الطعام كما حُرم من فراشه ومن النوم أيضا عبر بث سلطات السجن موسيقى صاخبة.

وقال قدورة إنهم، ويعني الإسرائيليين، أرادوا إذلاله من خلال تقييد يديه وراء ظهره. لكن منذ ذلك الوقت تمت إعادة البرغوثي إلى سجن ريمونيم بعد أن وكلت عائلته محاميا إسرائيليا بارزا للدفاع عنه.

وعليه فإن إسرائيل ليست معنية بخروج القيادي في فتح إلى الحرية مجددا، إلا إذا قُلبت الطاولة على نتنياهو وغادر السلطة تحت ضغط الشارع يجرّ وراءه إخفاقات تعاطيه مع هجوم السابع من أكتوبر ليجد ملفات الفساد بانتظاره.

شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية شاهد: الأطباء يضربون عن العمل بالمستشفيات الجامعية في ألمانيا متاعب عمران خان مع القضاء الباكستاني لا تنتهي: السجن 10 سنوات بتهمة "تسريب أسرار الدولة" من تداعيات حرب غزة.. ارتفاع التمييز ضد المسلمين والفلسطينيين في أمريكا بنسبة 180% (تقرير) اتفاقات أوسلو محمود عباس أسرى طوفان الأقصى غزة حركة حماس اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. الحرب في يومها الـ116 | قصف مستمر على غزة وإسرائيل تغتال ثلاثة فلسطينيين في جنين يعرض الآن Next تفاصيل عملية اغتيال 3 شبان فلسطينيين داخل مستشفى بجنين على يد قوة خاصة إسرائيلية يعرض الآن Next بسبب حربها على غزة.. استبعاد إسرائيل من مؤتمر ميونيخ للأمن يعرض الآن Next شاهد: هائمون في الشوارع يحاصرهم البرد والجوع.. الجيش الإسرائيلي يجبر آلاف النازحين على إخلاء غرب غزة يعرض الآن Next هكذا تمكنت المُسيّرة من مهاجمة المنشأة العسكرية الأمريكية في شرق الأردن... اعلانالاكثر قراءة الحرب في غزة: قصف لا يهدأ وجبهات مشتعلة في المنطقة وضغوط أمريكية للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس أكسيوس: اجتماع سرّي في الرياض.. مسؤولو مخابرات 4 دول عربية يناقشون مستقبل غزة بعد الحرب إدانة عربية ودولية للهجوم على القاعدة العسكرية على الحدود الأردنية - السورية شاهد: فريق إطفاء يخمد النيران المشتعلة على متن سفينة استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر ماذا نعرف عن البرج 22.. مسرح الهجوم الذي أسفر عن مقتل 3 جنود أمريكيين؟

LoaderSearchابحث مفاتيح اليوم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قطاع غزة حركة حماس إسرائيل غزة قتل مستشفيات حكم السجن الشرق الأوسط قصف باكستان Themes My EuropeالعالمBusinessرياضةGreenNextسفرثقافةفيديوبرامج Servicesمباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Games Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعونا النشرة الإخبارية Copyright © euronews 2024 - العربية EnglishFrançaisDeutschItalianoEspañolPortuguêsРусскийTürkçeΕλληνικάMagyarفارسیالعربيةShqipRomânăქართულიбългарскиSrpskiLoaderSearch أهم الأخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قطاع غزة حركة حماس إسرائيل غزة قتل My Europe العالم Business رياضة Green Next سفر ثقافة فيديو كل البرامج Here we grow: Spain Discover Türkiye Discover Sharjah From Qatar أزمة المناخ Destination Dubai Explore Azerbaijan مباشرالنشرة الإخباريةAll viewsنشرة الأخبارجدول زمني الطقسGames English Français Deutsch Italiano Español Português Русский Türkçe Ελληνικά Magyar فارسی العربية Shqip Română ქართული български Srpski

المصدر: euronews

كلمات دلالية: اتفاقات أوسلو محمود عباس أسرى طوفان الأقصى غزة حركة حماس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قطاع غزة حركة حماس إسرائيل غزة قتل مستشفيات حكم السجن الشرق الأوسط قصف باكستان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قطاع غزة حركة حماس إسرائيل غزة قتل مروان البرغوثی یعرض الآن Next حرکة فتح تل أبیب

إقرأ أيضاً:

وهْم القضاء على حكم حركة حماس في غزة

يستند وهم القضاء على حكم حركة حماس في غزة إلى تصورات استشراقية وثقافوية مسيانية خلاصية راسخة في الثقافة الغربية المسيحية الإنجيلية واليهودية الصهيونية، تعززت مع بروز التفوقية العرقية اليهومسيحية ومنظورات الاستعمار الصهيوني القائمة على المحو والتطهير والإبادة. وتلك الخلفيات المشتركة بالسوء ما يجمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

فعندما بدأت إسرائيل حرب الإبادة على قطاع غزة خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عن هدف رئيس من هذه الحرب، وهو القضاء على حماس وحكمها في غزة. وفي ظل استمرار صمود حماس في القتال وقدرتها على إلحاق خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي، تعالت الأصوات حول صعوبة القضاء على حماس في قطاع غزة، فعقب نحو عام ونصف من القتال لا تزال الحركة تُحكم قبضتها وحكمها على القطاع، وفي ظل حالة العجز عن إزاحة حكم حماس تبرع ترامب بمقترح تطهير غزة بالكامل من سكانها الأصليين وفي مقدمتهم حركة حماس، وهو ما يكشف عن جهل مركب بماهية حركة حماس.

مع انعدام وجود اي إمكانات واقعية لإزالة حكم حماس تزايدت الأصوات الإسرائيلية المشككة بإمكانية القضاء على حكم حركة حماس في قطاع غزة، رغم مرور قرابة عام ونصف على حرب الإبادة، وتمسك نتنياهو بشعار القضاء على حكم حماس ورفضه إنهاء الحرب. فنتنياهو يدرك جيدا أن بعض المقترحات الإسرائيلية والأمريكية بعودة السلطة الفلسطينية، أو المبادرة العربية بوجود حكم محلي، سوف تفضي إلى عودة حماس، ففي خضم الحرب كان أعضاء لجنة الطوارئ الحكومية من الشرطة والعاملين في كل من وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الاقتصاد، ووزارة الصحة التابعين لحركة حماس، حماس ليست مجرد أيديولوجية دينية، رغم أهمية العامل الديني، حيث تتبنى قيادة وأعضاء حماس عقيدة إسلامية مترسخة الجذور في عقول وقلوب عناصرها، تحت شعار "إما النصر أو الشهادة"، لذلك لا تكترث حماس بسياسة استهداف الرؤوس وحملة الاغتيالات الإسرائيلية، فالمقاومة الفلسطينية تاريخيا قومية بأبعاد دينية مناهضة للاستعمار، لكن المخيلة الإنجيلية والصهيونية اعتنقت خطابا مشبعا بأوصاف صليبية لنعت الفلسطينيين بأوصاف تجردهم من القيم الإنسانيةيشاركون في اجتماعات دورية مع مؤسسات المجتمع المدني والأونروا من أجل تنسيق عملية توزيع المساعدات الإنسانية. وتتصرف وزارة الاقتصاد التابعة لحماس بشكل طبيعي أثناء الحرب، حيث تنشر بشكل دوري قوائم بأسعار السلع الغذائية في السوق، وقائمة السلع الكمالية الممنوعة من الاستيراد، وذلك يدل على عدم تنازل حماس عن إدارة الوضع الاقتصادي بغزة.

ومن الإشارات المؤكدة لاستمرار إدارة حماس لشؤون المدنيين، هو قيام المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية التابعة لحماس، بإطلاق منصة رسمية تحت مسمى الجبهة الداخلية- قطاع غزة، حيث تقوم هذه المنصة، عبر وسائل الإعلام المجتمعي، بنشر البيانات والمعلومات في شتى المجالات التي تتعلق في المجتمع الفلسطيني. وهي تقوم أيضا بتحذير المواطنين من المشاركة بنشر شائعات عن أحداث الحرب، وتقوم بتنبيههم أيضا بعدم الاقتراب من مخلفات الحرب.

إن الجهل بماهية حماس تقود إلى مقاربات خاطئة تستند إلى استخدام مزيد من القوة الغاشمة، لكن حماس ليست مجرد أيديولوجية دينية، رغم أهمية العامل الديني، حيث تتبنى قيادة وأعضاء حماس عقيدة إسلامية مترسخة الجذور في عقول وقلوب عناصرها، تحت شعار "إما النصر أو الشهادة"، لذلك لا تكترث حماس بسياسة استهداف الرؤوس وحملة الاغتيالات الإسرائيلية، فالمقاومة الفلسطينية تاريخيا قومية بأبعاد دينية مناهضة للاستعمار، لكن المخيلة الإنجيلية والصهيونية اعتنقت خطابا مشبعا بأوصاف صليبية لنعت الفلسطينيين بأوصاف تجردهم من القيم الإنسانية. فمنذ ثمانينيات القرن التاسع عشر وصفت الصهيونية الفلسطينيين بعرب "قذرين" و"متوحشين"، و"معادين للسامية"، وبعد تأسيس حركة حماس في عام 1987، بدأت الحكومة الإسرائيلية تتحدث عنهم باعتبارهم مسلمين جهاديين معادين للسامية يجب سحقهم بالقوة، وتعززت هذه الرؤية عقب هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، حيث اتهمت حماس بأنها تقف خلف الهجمات، وانتشرت فكرة المزاوجة بين معاداة الإسلام ومعاداة الفلسطينيين.

إن الربط بين هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر وعملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وصعود سياسة حرب الإرهاب الأمريكية والإسرائيلية، تنطوي على حالة من الغطرسة تؤدي إلى تكرار ذات الأخطاء، وقد حذر العديد من الخبراء من خطورة استنساخ النموذج الأمريكي الفاشل في إسقاط حكم طالبان في أفغانستان، لأن كثيرا من الإسرائيليين يقارنون هجوم حماس في السابع من أكتوبر بهجوم القاعدة على أبراج نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر، مع وجود تشابه آخر أنه في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2001 بالضبط، بدأت القوات العسكرية الأمريكية عملية عسكرية ضخمة ناجحة للإطاحة بحكم طالبان، ورغم النجاح التكتيكي، فإن النتيجة اليوم في 2024، أن طالبان تحكم أفغانستان مرة أخرى، وهو ما سيحدث ويتكرر مع حركة حماس.

تشير كافة المقاربات في التعامل مع حركة حماس إلى فشل ذريع في فهم الحركة، حيث تهيمن القراءة الثقافوية الجوهرانية الماهوية على حساب المقاربة الاجتماعية السياسية السياقية، ففي حين تركز القراءة الجوهرانية على الأيديولوجيا والهوية بوصفها حركة إسلامية يشغل فيه تحليل الخطاب موقعا مركزيا، تتعامل القراءة السياقية مع الحركة بوصفها حركة اجتماعية تهتم بالفعل الاجتماعي الجمعي وعقلانيته النسبية، ويذهب بعض الباحثين إلى فهم "حماس" في إطار خصوصية القضية الفلسطينية وسياق التحولات التي شهدتها الهوية الوطنية الفلسطينية، وتحولات تعريف الجماعة الفلسطينية لنفسها، واعتبارها التعبير المتأخر لحركة التحرر الوطني الفلسطيني.

لا تخرج حركة حماس في تطورها عن سيرة الحركات الإسلامية وسلوك جماعات "الإسلام السياسي"، وممثلها الأبرز جماعة "الإخوان المسلمين"، التي دخلت في أطوار من التحولات في سياق التغيّرات السياسية والاجتماعية والثقافية، فقد تعاقبت على حركة حماس أطوار تاريخية قولبت أيديولوجيتها وممارساتها من حركة إحيائية إلى سياسية فجهادية، وطورت من معجمها الديني والأيديولوجي من الديني إلى القومي من خلال تأويلات مجسدة تستند إلى تقاليد خطابية إسلامية، في إطار سسيولوجيا التحولات من الاستمرارية والتحول، وقد كان واضحا خلال العقود الثلاث الماضية دخول الحركة في ديناميكية "التسييس" التي تستند إلى مفهوم "المصلحة" التي تنشأ بفعل إكراهات الواقع وموازين القوى والتي قادت إلى سلسلة من المواقف والخيارات والممارسات؛ أفضت ببطء إلى تراجع النزعة الأيديولوجية الدينية وتنامي النزعة الوطنية وفق نهج محسوب من البراغماتية السياسية.

لم تتخل حماس عن هويتها الدينية الإسلامية وإنما أعادت تعريفها هويتها نتيجة تطور نظرتها العالمية المتغيرة، ولم تستبدل معجمها الديني الإسلامي وحقلها الدلالي، وإنما أضافت إليه مفردات من المعجم القومي الحداثي، لتوسع مجال الخطاب إلى مجال تداولي أشمل، فقد حافظت على استخدام مصطلحات إسلامية كالجهاد، إلى جانب مصطلحات حداثية كالمقاومة، إذ يقتصر مفهوم الجهاد التداولي على الأمة الإسلامية، بينما يتمتع مصطلح المقاومة بدلالة شاملة وعالمية. وتعتبر المقاومة مشروعة من حيث القانون الدولي في الحرب ضد الاستعمار والاحتلال، وبذلك فإن تبني خطاب المقاومة سمح لحركة حماس بأن تصبح أكثر شمولا لمختلف التوجهات الدينية والسياسية داخل الساحة السياسية الفلسطينية دون التضحية بمصطلح الجهاد، الأمر الذي سمح بتوفير مجال أكبر للتعبئة الشعبية، وسهل جهود الحركة لنشر رؤية عالمية أكثر شمولا.

فمن خلال الحفاظ على التقاليد الخطابية الإسلامية وإعادة تأويلها وتفسيرها، بقي الدين راسخا في تكوينها وهويتها، فلا تزال المصطلحات الدينية سائدة، وفي نفس الوقت لم تتحول حماس إلى حركة علمانية قومية، إذ يستمر الدين في تشكيل حماس كحركة إسلامية، وتعمل المقاومة على توسيع مجال التداول والتلقي إلى فضاءات خارج قواعدها الدينية والوطنية الأساسي، وهو ما ظهر بصورة جلية في خطاب الحركة مع صدور ميثاق حماس الذي نشر في 18 آب/ أغسطس 1988عقب تأسيس الحركة بثمانية شهور، والذي استند إلى معجم هوياتي ديني يقوم على مفاهيم أيديولوجية دينية تتأسس على مصطلحات الأمة/ الجهاد/ اليهود، لتتحول في وثيقة "المبادئ والسياسات العامة" الصادرة في 1 أيار/ مايو 2017 إلى حركة دينية قومية تركز على الحقوق الوطنية دون التضحية بالإسلامية، وفق معجم سياسي يتأسس على مصطلحات الشعب/ المقاومة/ الصهيونية.

إن الفشل الذريع في فهم حركة حماس، تشير إلى إشكالية مناهج النظر تجاه حقل دراسات "الإسلام السياسي"، وهو ما يفضي إلى تعقد العلاقة بين القومي والديني والعلماني والدعوي والسياسي، فقد نشأت "حماس" كأحد فروع جماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة النموذجية في حركات الإسلام السياسي، وقد هيمنت دراسة النماذج الإسلامية مقابل القومية والنماذج الدينية مقابل العلمانية على المناقشات العلمية حول الحركات الإسلامية طوال عقود من الزمن. إذ يتمحور الجدل والنقاش إلى حد كبير حول ما إذا كان من الممكن تفسير أدبيات وأقوال وكلمات المجموعة وممارساتها وسلوكياتها وأفعالها بشكل أفضل، في ضوء أيديولوجيتها الدينية الجوهرية أو بحسب السياق الاجتماعي والسياسي الوطني.

وعلى مدى عقود هيمنت المقاربة الأيديولوجية الماهوية على حقل دراسة الحركات الإسلامية، ومنها دراسة حركة "حماس" في مقاربة تستند أساسا إلى تحليل الخطاب، ومنه ينظر إلى الحركة بوصفها جزءا من كل، فهو تقاليد التنشئة والعمل الحركي الذي يختلط فيه الروحي بالزمني وينقلب فيه الداعية الديني إلى سياسي، وتبدو فيه لغة السياسة المعاصرة متطهرة كأنها تتدفق من زمن بعيد، إذ الأمة هي جماعة المسلمين والحكم هو شورى بينهم والقتال هو جهاد واستشهاد، أما النصر فليس سوى صبر ساعة.

أما الكل فلا يقتصر على الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، بل يتعداه بوصفه تجليا من تجليات خيال سياسي جديد نشأ بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967، وترسخ بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وجرى عبره تثوير الإسلام أو بعبارة أخرى أسلمة الثورة.

وفي المقابل، نجد مقاربات سياقية تقصر تحولات الحركات الإسلامية على مقتضيات تطور السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية، ففي سياق المقاربات المتعددة في فضاء دراسات الحركات الإسلامية والدراسات الفلسطينية، ظهرت المقاربات الجوهرانية والسياقية، حيث ظهرت مجموعة من الدراسات حاولت فهم ظاهرة حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" من خلال زوايا ومقتربات عدة، حيث جرى دراسة "حماس" بوصفها حركة تجمع بين الهوية الفلسطينية والإسلامية، ومنها مقاربات عالجتها كحركة تحرر مناهضة للاستعمار، وعالجتها دراسات عدة باعتبارها حركة اجتماعية أو بكونها حركة هوية إٍسلامية، وأخرى باعتبارها منظمة إرهابية.

ومن حيث الموضوع اهتمت بعض الدراسات ببحث علاقات حماس بالقوى الفلسطينية الأخرى، أو دراسة علاقاتها الخارجية، في حين ركزت دراسات أخرى على البنية الداخلية لحركة حماس، أو نشأة حماس وتحولاتها، أو موقف حماس من الديمقراطية، إضافة إلى السير الذاتية وشهادات قادة حماس التي توثق تجربة الحركة من منظور الفاعلين.

تقلبت حركة حماس في أطوار تاريخية ضمن ظروف سياسية محلية وإقليمية ودولية متغيرة، وقد طورت الحركة خطابها السياسي وقولبت أيديولوجيتها مع تبدل السياقات، سواء أكانت داخلية أم خارجية، ورغم التحول لكبير في استخدام الحقل الدلالي الديني الإسلامي لمصلحة الحقل الدلالي والمجال التداولي العلماني الوطني، فإن حماس لم تغادر التقاليد الخطابية الإسلامية وتتحول إلى حركة وطنية علمانية، وإنما استندت إلى تأويلات خطابية مجسدة تعكس تطور فهمها للدين والعلمانية وجدلية الدعوي والسياسي.

حركة حماس رغم خصوصية العمل في نطاق نظام استعماري، لكنها لا تختلف في تطورها عن جماعات "الإسلام السياسي"، التي دخلت في أطوار من التحولات في سياق التغيّرات السياسية والاجتماعية والثقافية، وقد تعاقبت على حركة حماس أطوار تاريخية قولبت أيديولوجيتها وممارساتها، وتحولت من جماعة إحيائية إلى حركة سياسية فمنظمة مقاومة جهادية، وطورت من معجمها الديني والأيديولوجي من الديني إلى القومي من خلال تأويلات مجسدة تستند إلى تقاليد خطابية إسلامية، في إطار سسيولوجيا التحولات من الاستمرارية والتحول
فالنزعة البراغماتية المحسوبة تنشد الجمع بين مفهوم الأمة الإسلامية ومقتضبات الدولة القومية، فهي تمزج بين مفهومي الأمة والشعب، والجهاد والمقاومة، وذهبت حماس إلى تغيير الأطر الرئيسية للخطاب السياسي من المصطلحات الدينية إلى المصطلحات العلمانية بهدف توسيع دائرة جمهور المخاطبين وكسب مزيد من الأتباع والمناصرين، وفي الوقت الذي لا يزال الدين يتمتع بحضور قوي في خطاب حماس، فإنه لم يعد يُستخدم كما كان من قبل باعتباره الإطار الرئيس الذي بحدد هوية الحركة ويميز ممارساتها.

خلاصة القول أن حركة حماس رغم خصوصية العمل في نطاق نظام استعماري، لكنها لا تختلف في تطورها عن جماعات "الإسلام السياسي"، التي دخلت في أطوار من التحولات في سياق التغيّرات السياسية والاجتماعية والثقافية، وقد تعاقبت على حركة حماس أطوار تاريخية قولبت أيديولوجيتها وممارساتها، وتحولت من جماعة إحيائية إلى حركة سياسية فمنظمة مقاومة جهادية، وطورت من معجمها الديني والأيديولوجي من الديني إلى القومي من خلال تأويلات مجسدة تستند إلى تقاليد خطابية إسلامية، في إطار سسيولوجيا التحولات من الاستمرارية والتحول. وقد كان واضحا خلال العقود الثلاث الماضية دخول الحركة في ديناميكية "التسييس" التي تستند إلى مفهوم "المصلحة"؛ التي تنشأ بفعل إكراهات الواقع وموازين القوى والتي قادت إلى سلسلة من المواقف والخيارات والممارسات أفضت ببطء إلى تراجع النزعة الأيديولوجية الدينية وتنامي النزعة الوطنية، وفق نهج محسوب من البراغماتية السياسية.

لم تتخل حماس عن هويتها الدينية الإسلامية وإنما أعادت تعريفها هويتها نتيجة تطور نظرتها العالمية المتغيرة، ولم تستبدل معجمها الديني الإسلامي وحقلها الدلالي، وإنما أضافت إليه مفردات من المعجم القومي الحداثي، لتوسع مجال الخطاب إلى مجال تداولي أشمل. فقد عملت حماس على حل جدلية الديني والسياسي في الفكر والممارسة من خلال رؤية تأويلية للتقاليد الخطابية الإسلامية، فهي لا تستند إلى منظورات التقدم ومفهوم التعاقب بالانتقال من الأسلمة إلى العلمنة، ولا تركن إلى مفهوم التزامن، وتحتكم إلى ماهوية جوهرانية ولا سياقية تطورية، وبهذه الرؤية الجديدة خسرت حماس أنصار الحركات الأصولية التي نظرت إلى تحولات حماس انتهازية سياسية تقوم على التضحية بالثوابت الدينية الإسلامية، لكن حماس من خلال المزج بين المعجمين الديني والقومي اكتسبت المزيد من الأنصار، ووضعت أسس قبولها في إطار الوطنية الفلسطينية، وإمكانية استدخالها في الحلول الدولية للقضية الفلسطينية.

x.com/hasanabuhanya

مقالات مشابهة

  • حركة النجباء العراقية: أمريكا تعتدي على يمن الكرامة لتجسد دور الحامي لـ”إسرائيل”
  • وهْم القضاء على حكم حركة حماس في غزة
  • بري: كمال جنبلاط خاض معركة الحرية والمقاومة ضدّ إسرائيل
  • محكمة نمساوية: حل الشرطة لمعسكر التضامن الفلسطيني غير قانوني
  • نتنياهو يعقد اجتماعا مصغرا لبحث “صفقة صغيرة” مع حركة الفصائل الفلسطينية
  • لماذا فشلت خطة ترامب؟
  • لماذا غضب نتنياهو من صفقة تبادل الأسرى التي وافقت عليها حماس؟
  • هل ينجح مقترح "تضييق الفجوات" في كسر "الغطرسة" الإسرائيلية وإنقاذ "صفقة غزة"؟!
  • خمس خطوات إسرائيلية بالمرحلة المقبلة لإتمام صفقة التبادل وإنهاء الحرب
  • إعلام إسرائيلي: حماس متجذرة بالشعب الفلسطيني ولا يمكن تقويضها