قد يبدو لكثير من الناس أن عبارة "تحرير فلسطين من البحر إلى النهر" لا تعدو كونها ضربا من الوهم أو البلاهة وقلة الدراية المصحوبة بالعواطف والأماني؛ ذلك أن هؤلاء يقيسون الأمور بمقاييس القوة المادية وموازين القوى، ولا أنكر أنها مقاييس أساسية يجب عدم إغفالها، إلا أنهم لا ينظرون إلى دورة التاريخ، ولا يتوقعون حدوث تغيرات في هذه الموازين، ولا يجيدون المقارنة بين الشعبين العربي واليهودي من حيث الفارق الكبير في العقيدة القتالية والقيم النضالية، والفارق في الروح المعنوية بين اللص وصاحب الأرض.
أدرك جيدا بل جيدا جدا أن الحسابات المادية تصب في صالح الكيان المحتل حتى اللحظة، لكنني أدرك أيضا أن ثمة حسابات أخرى لا بد من النظر إليها وتفحّصها والبناء عليها؛ فثمة دوائر خمس، تتشكل يوما بعد يوم، وهي على درجة من الأهمية لا بد من النظر إلى أبعادها بعين الوعي والإدراك، بعيدا عن الاستسلام للغطرسة والهمجية الصهيونية.
الدائرة الأولى: التشققات في جدار الكيان المحتل
بلغت الخلافات بين مختلف أطياف المجتمع الصهيوني، ومكوناته السياسية والعسكرية مبلغا كبيرا؛ فقد أصبح نتنياهو معزولا، وبات خصومه أكثر قدرة على مهاجمته وإخضاعه، وجعله صغيرا في عين الشعب اليهودي الذي بات ينظر إليه نظرة المسؤول المحتال والكذاب الذي يسعى فقط لتثبيت حكمه، والبقاء فيه أطول مدة ممكنة؛ هروبا من الاستحقاقات القضائية التي تنتظره، والتي قد تأخذه إلى السجن صاغرا؛ فهو مدان قانونيا، ومكروه شعبيا على نطاق واسع؛ لأسباب كثيرة أهمها تخليه عن الأسرى لدى المقاومة في غزة، وإصراره على إدامة فترة الحرب، ليدوم له البقاء في السلطة، على حساب سلامة الجنود وعودة الأسرى، وبسبب التعديلات التي أجراها على الهيكل القضائي بغية الهروب من الأحكام القضائية التي يضيق حبلها على عنقه يوما بعد يوم على الرغم من التغيرات التي حاول إحداثها في الهيكل القضائي.
ثمة احتمال أن تؤدي هذه الخلافات بين طائفة كبيرة من الشعب اليهودي مدعومة بطبقة من السياسيين العلمانيين المناوئين لمعسكر نتنياهو المدعوم بالأحزاب اليمينية المتطرفة، إلى حرب أهلية، أو فوضى سياسية عارمة، بعد انتهاء العدوان على قطاع غزة، لا سيما حين يخرج الفلسطينيون منتصرين على الرغم من الدمار المادي الذي حاق بهم؛ ففي حين نجد المقاومة بكل أطيافها على قلب رجل واحد؛ نجد في المقابل تشتتا كبيرا في التركيبتين السياسية والاجتماعية للكيان المحتل، وهو مما يضعفه ويقلل من قدرته على التعامل مع المقاومة الفلسطينية التي تتسم بالصبر والعناد والقدرة على التضحية التي لا يحتملها الجانب الآخر.
الكيان اليوم منقسم على ذاته فيما يتعلق بوقف الحرب وتبادل الأسرى، ففي حين لا تتوقف الاحتجاجات والتظاهرات والقصف الإعلامي المتبادل، يزداد التفاف الشعب الفلسطيني حول مقاومته رغم الخسارات الكبرى في الأرواح والبنية التحتية وهدم البيوت ومعاناة الجوع والعطش وانهيار القطاع الصحي. وإذا ما أضفنا إلى ذلك تصريحات ساسة الكيان ومفكريه ومؤرخيه عن اقتراب نهاية الكيان، وما ينتج عنه من اهتزاز الثقة بإمكانية العيش الآمن في ظل الخوف والقلق من القادم، وفي المقابل الأثر الإيجابي على الروح المعنوية للفلسطينيين؛ فإننا نضيف عاملا مهما من عوامل الانهيار المرتقب لهذا الكيان.
الدائرة الثانية: داعمو الكيان وحلفاؤه:
بعد طوفان الأقصى، تغيرت كثير من المعادلات، وانقلبت كثير من الموازين؛ فلأول مرة تطفو القضية الفلسطينية على سطح الكرة الأرضية، فتصير الشغل الشاغل لحكومات العالم وشعوبها ومؤسساتها الدولية والمحلية، ولتفرض نفسها بقوة على الصفحات الأولى للصحف والمجلات وشاشات التلفزة والإذاعات، ولأول مرة تغير بعض الدول سياساتها وبرامجها المتعلقة بفلسطين، بحيث باتت كثير من الدول التي ظلت تصطف إلى جانب الكيان المحتل، تقف منه موقفا مغايرا. فبعد نحو 40 يوما من طوفان الأقصى، قام رؤساء وزراء كل من إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا ومالطا، بتوجيه رسالة تطالب بهدنة إنسانية تنهي الحرب في قطاع غزة، وبعد أيام قليلة من هذه الدعوة انعقدت جلسة الأمم المتحدة للتصويت على مشروع قرار لوقف العدوان، صوتت لصالحه 153 دولة، وعارضته 10 دول، وامتنعت عن التصويت 23 دولة.
ولم يكن ذلك ليحدث لولا أن القضية الفلسطينية اتخذت شكلا مختلفا واكتسبت حضورا طاغيا، بفعل معركة طوفان الأقصى التي أذلت الكيان، ثم بفعل الدمار والقتل الذي تمارسه قوات الاحتلال نوعا من الانتقام من الأطفال والنساء، علما بأن معظم دول أوروبا هي الآن ضد استمرار الحرب، ومن غير المستبعد أن تبدأ كثير من دول أوروبا بالتخلي عن الكيان المحتل شيئا فشيئا، بعد أن بدا لها إجرامه وإصراره على مواصلة قتل المدنيين الفلسطينيين..
وإذا نظرنا إلى الدعوة المقدمة أمام المحكمة الدولية في لاهاي، فإننا نرى مشهدا لم نره من قبل، فقد فضحت الدعوة المرفوعة، بشكل سافر، أكاذيب الاحتلال وإجرامه وتنكيله بالأطفال والنساء واستهدافه للمستشفيات والمدارس والمساجد والبيوت والبنية التحتية وتجويع المدنيين وإعطاشهم، ومنع الدواء والعلاج عنهم، وحرمانهم من أبسط مستلزمات الحياة كالكهرباء والوقود وخدمة الإنترنت، هذا إذا استثنينا خداعهم للمدنيين وملاحقتهم في الشمال والجنوب على حد سواء، بعد أن أقنعتهم بأن الرحيل إلى الجنوب سيؤمن لهم سلامتهم وسلامة أبنائهم..
إلى ذلك؛ فإن الغالبية العظمى من دول العالم اليوم تقف موقفا مؤيدا لوقف العدوان على قطاع غزة، وكل هذه الدول، بما فيها الولايات المتحدة، تطالب بحل الدولتين، الذي لم يعد يلبي رغبات الفلسطينيين بعد طوفان الأقصى الذي عزز في نفوس الفلسطينيين بخاصة، والعرب والمسلمين بعامة فكرة تحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر، وزين هذه الفكرة في عيونهم، وباتوا يرونها أمرا ممكنا بل ربما متحققا ولا ينقصه إلا القليل من الوقت..
يتبع..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين نتنياهو إسرائيل فلسطين نتنياهو طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان المحتل طوفان الأقصى کثیر من
إقرأ أيضاً:
قياديان في حماس: السنوار رفض لقاء كوشنر وهكذا موه على طوفان الأقصى
كما يؤكدان أن الشهيد يحيى السنوار كان قد رفض لقاء الأميركيين حتى لا يضعف السلطة الفلسطينية، ورفض أيضا عرض إقامة دولة في غزة، والذي قدمه الأميركيون.
وعن الأجواء التي سبقت "طوفان الأقصى" في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يكشف البرغوثي أن السنوار (أبو إبراهيم) بدأ في خطة تمويه، من خلال دفع العمال إلى داخل إسرائيل ليظهر أن الوضع طبيعي، وذهب إلى المصريين لتطوير التجارة، وجمع كل عناصر الدعوة قبل يوم من "طوفان الأقصى". كما أقدم الشهيد على حل قوة النخبة ودمجها في كتائب القسام، وأعلن عن ذلك بشكل واضح.
خطة تمويهويعترف مرداوي أن "لا دولة نجحت في رصد خطط السنوار لطوفان الأقصى" مشيرا إلى أنه شخصيا استغرب من بعض الإجراءات ومنها إعادة تقليص المجلس العسكري.
ووضع السنوار وبقية القيادة الإجراءات العملية قيد السرية التامة -كما يضيف مرداوي- ومن ذلك التدريب على الطيران المظلي، حيث فتحوا شركة وسمح للناس أن يشاركوا فيها، لكنهم رفعوا السعر كثيرا، لأن التدريب كان مخصصا لعناصر كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس.
ويؤكد البرغوثي أن "كتائب القسام كانت متأكدة من نجاح معركة طوفان الأقصى بنسبة 100%" لأنه كانت بحوزتها لوائح بالاعتقال وبمواقع الضباط والجنود، ويقول البرغوثي إن الذي تفاجأ هو الاحتلال الذي لا يزال يتكتم على معلومات بشأن التخطيط لهذه العملية العسكرية حتى الآن.
إعلانويؤكد ضيفا برنامج "شاهد على العصر" أن طوفان الأقصى "سيغير وجه العالم، وأنه أسقط منظومة الغرب الذي كان يتغنى بالإنسانية والديمقراطية والحرية، وأدى إلى دخول الاحتلال في مسار التفكك الداخلي".
ومن جهة أخرى، يؤكد قياديا حماس -في شهادتيهما الخامسة لبرنامج "شاهد على العصر"- أن الشهيد السنوار كان قد رفض لقاء الأميركيين حتى لا يضعف السلطة الفلسطينية، ورفض عرض إقامة دولة في غزة.
وكشفا أن "جاريد كوشنر كبير مستشاري البيت الأبيض سابقا طلب -عبر دولة عربية- لقاء قادة حماس ولكنها رفضت".
وحول هذا الموضوع، يقول مرداوي إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان يهدف من خلال "صفقة القرن" -التي عرضها خلال فترة رئاسته الأولى- إلى عزل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي كان "خصما سياسيا لحماس ويعارضها في كل المسارات ويطبق عليها الحصار في بعض الجوانب".
ورفضت حماس والسنوار الجلوس إلى الأميركيين، ممثلين بكوشنر وموفد آخر للشرق الأوسط (لم يذكر مرداوي اسمه) وكان السبب أن "حماس لم تكن ترغب في إضعاف موقف السلطة" وأنها تضع المصلحة الوطنية الفلسطينية فوق كل الاعتبارات. ويشدد القيادي الفلسطيني على أن حماس تسعى إلى تغيير مواقف السلطة الفلسطينية لكن دون تدخل خارجي.
ووفق البرغوثي، فقد كانت مصلحة حماس في تلك الفترة تقتضي التقارب مع السلطة الفلسطينية، لأنها رأت أن "صفقة القرن" التي طرحها ترامب هدفها ضرب القضية الفلسطينية، مؤكدا أن حماس مستعدة دوما للتقارب مع السلطة، رغم أنها "لم تكترث بحل مشاكل غزة" رغم حرب الإبادة التي تعرضت لها.
دولة غزةومن جهة أخرى، يؤكد القياديان في حماس -في شهادتيهما- ما تردد من وجود عرض قدم للسنوار بأن يتولى رئاسة غزة مقابل رفع الحصار على القطاع.
ويكشف مرداوي أن "حماس عرض عليها 10 مليارات دولار لقبول اقتراح الدولة بغزة، ولكن الرفض كان حاسما" ويوضح بهذا السياق أن العرض قدمه الأميركيون عبر وسطاء قريبين من ألمانيا، وكان ذلك بين عامي 2017 و2018. وكان يقضي أيضا بـ"جمع صواريخ حماس الثقيلة في قطاع غزة، وتبدأ غزة بإقامة دولة ثم تأتي المفاوضات".
إعلانوفي نفس السياق، يؤكد قياديا حماس أن رجال مخابرات ووزراء خارجية دول أوروبية تعتبر حماس "منظمة إرهابية" كان يجتمعون مع مسؤوليها عندما يزورون الضفة الغربية، لإدراكهم -حسب البرغوثي- أن حماس ورقة قوية ولا يمكن تجاوزها في أي تفاهم بخصوص القضية الفلسطينية.
وفي مقابل رفضه عرض الأميركيين بإقامة دولة في غزة، كان الشهيد السنوار -كما يكشف مرداوي- يعرض على الفصائل الفلسطينية المختلفة مشاركة حماس في حكم غزة "الوزارات، البلديات.. ما تريدونه.. تفضلوا" لكن الفصائل كانت ترفض.
ويعود القياديان في حماس -في شهادتيهما لبرنامج "شاهد على العصر"- بذاكرتهما إلى معركة "سيف القدس" ودور أبو إبراهيم وبقية القيادات في حماس من أمثال القائد العام لكتائب القسام -الجناح العسكري لحماس- الشهيد محمد الضيف.
وقد استمرت المعركة من العاشر حتى 21 مايو/أيار 2021، ووجهت خلالها المقاومة الفلسطينية ضربات صاروخية في العمق الإسرائيلي على إثر اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والمخططات الإسرائيلية لترحيل سكان حي الشيخ جراح في القدس.
ويقول البرغوثي إن حماس والسنوار والضيف قرروا خوض معركة "سيف القدس" بعد رسالة وصلتهم من الفلسطينيين في القدس المحتلة تقول إن الأمر وصل لمرحلة لا تطاق بسبب تدخل الاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى أن هذه المعركة كانت مبشرات لمعركة "طوفان الأقصى"..
وحول أنفاق غزة التي فشل الاحتلال في الوصول إليها، يؤكد مرداوي أن بناءها كان مكتملا تقريبا منذ عام 2018، وهي الأنفاق الهجومية والإستراتيجية وأنفاق التأمين.
وبهذا الصدد يكشف مرداوي أن السنوار كان حريصا على الإشراف على بناء الأنفاق، حتى أن يده انكسرت خلال جولة له إلى داخل الأنفاق الإستراتيجية.
22/2/2025-|آخر تحديث: 22/2/202505:10 م (توقيت مكة)