طوفان الأقصى.. حقائق الواقع وسيناريوهات المستقبل.. الحلقة السادسة: نداءات في البرية
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
فى يوم الخميس، التاسع من نوفمبر، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن حل الدولتين للقضية الفلسطينية هو الطريق نحو سلام عادل و دائم فى الشرق الأوسط. وذكر البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية أن الرئيس السيسى أكد ذلك خلال الاتصال الهاتفى الذى جرى بينه وبين المستشار الألمانى "أولاف شولتس"، حيث جرى استعراض الجهود الدؤوية التى تبذلها مصر للدفع فى اتجاه وقف إطلاق النار لحماية المدنيين فى ضوء الأوضاع الإنسانية المتدهورة في القطاع.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلى قد أعلن فى اليوم ذاته أن قواته سيطرت على قاعدة تابعة لحركة "حماس" بعد قتال عنيف دار فى شمال قطاع غزة، وتحديدًا فى "القاعدة" التى تقع فى مخيم "جباليا" للاجئين. وقال بيان الجيش الإسرائيلى: "إن هناك عناصر من حركة "الجهاد الإسلامى" شاركت أيضًا فى المعركة التى استمرت 10ساعات.(2)
أما حزب الله فقد أصدر بيانا فى اليوم نفسه: أكد فيه أن قواته هاجمت موقع "المطله" الإسرائيلى بالصواريخ الموجهة، مؤكدًا تحقيق إصابات مباشرة بالموقع، ومن بينها إصابة دبابتيْ ميركافا وسقوط طاقميهما بين قتيل وجريح.
وفى هذا الوقت أُعلن أن عدد الشهداء من اللبنانيين والفلسطينيين الذين سقطوا منذ السابع من نوفمبر 60 شخصًا.(3)
مؤتمر باريس:
كانت الحكومة الفرنسية قد دعت، فى هذا اليوم، إلى "المؤتمر الإنسانى حول غزة" فى باريس بهدف العمل من أجل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.
وخلال جلسة الافتتاح قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون: هناك حاجة إلى هدنة إنسانية سريعة. ويجب أن نعمل من أجل وقف إطلاق النار. ويجب أن يصبح ذلك ممكنا، وإنه من الضرورى حماية المدنيين فى قطاع غزة. وقال: لا يمكن أن تكون هناك معايير مزدوجة فيما يتعلق بحماية الأرواح البشرية، وإن هذا أمر غير قابل للتفاوض.
وقال: لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها و واجب حماية مواطنيها. لكنه قال: إن الحكومة الإسرائيلية لديها مسؤولية كبيرة تتمثل فى احترام القانون الدولى وحماية المدنيين وإن الحرب على الإرهاب لا يمكن أن تستمر من دون قواعد.وقال: إن بلاده ستزيد مساعداتها لقطاع غزة إلى 100 مليون يورو".
وقبل عقد هذا المؤتمر بيومين، وتحديدًا فى يوم الثلاثاء السابع من نوفمبر، كان الرئيس الفرنسى قد أجرى اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى للاطمئنان على وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
كان الهدف من هذا المؤتمر هو "تعبئة كل الشركاء والممولين للاستجابة للحاجات الإنسانية التى يحتاجها كل من قطاع غزة والضفة الغربية والمقدرة وفقا لتقرير الأمم المتحدة بحوالى 1.2 مليار دولار حتى نهاية عام2023.
وبعد نقاش مطول داخل أروقة المؤتمر الذي حضره محمد أشتيه رئيس الوزراء الفلسطينى لم يصدر عن المؤتمر إعلان ختامي مشترك لتفادى أى خلاف حول البيان، بالضبط كما حدث فى مؤتمر القاهرة للسلام، أو بمعنى آخر حتى لا يتحول المؤتمر إلى منصة لإدانة إسرائيل.
كان المجتمعون منهمكين فى إطلاق الكلمات "الجوفاء" التى لا تحمل أى إدانة واضحة وصريحة للعدوان بينما كان جيش الاحتلال الإسرائيلى منهمكًا فى توجيه قصف عنيف لمحيط "المستشفى الإندونيسي" فى شمال قطاع غزة، حيث تم الإعلان عن سقوط عشرات الأشخاص بين شهيد وجريح..
وكانت قناة "الأقصى" الناطقة باسم حركة حماس قد أذاعت بيانا للحركة دعت فيه المجتمع الدولى للوقوف عند مسؤولياته لوقف الحرب الإسرائيلية على المدنيين فى غزة.
وذكرت القناة: أن أكثر من 20 غارة إسرائيلية استهدفت محيط "المستشفى الأندونيسى" حتى هذا الوقت(4).
لقد ظلت الضربات والقذائف تنهمر على المستشفى وغيره من المستشفيات، وضاعت كافة النداءات التى طالبت العالم بالتحرك سريعًا لإنقاذ المرضى والطواقم الطبية التى تعرضت للقتل نتيجة الهجمات الإسرائيلية.
تحذيرات لحزب الله:
ومع استمرار المواجهات فى الضفة الغربية والجنوب اللبنانى بثت القنوات التليفزيونية الإسرائيلية مقطعًا لوزير الجيش الإسرائيلى "يو آف غالانت" حذر فيه حزب الله من تصعيد القتال على الحدود وهدد اللبنانين بالقول: إن ما تفعله إسرائيل فى غزة يمكن أن نفعله فى بيروت.
لقد جاءت هذه التحذيرات فى أعقاب الكلمة التى أدلى بها السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله فى العاشر من نوفمبر، حيث قال:"للمرة الأولى نستخدم الطائرات المسيرة الانقضاضية والصواريخ التى دخلت الخدمة وهى صواريخ "بركان" التى يتراوح وزنها بين 300 كجم ونصف طن، واستخدام صواريخ "الكاتيوشا" كان للمرة الأولى فى هذه المواجهة (5).
مفاوضات الأسرى:
وفى هذا الوقت بدأ الحديث حول المفاوضات المتعلقة بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى حركة حماس يتسرب إلى وسائل الإعلام، حيث أكد مستشار الأمن القومى الأمريكى "جيك سوليفان" أن هناك جهودًا حول إطلاق سراح الرهائن، من دون أن يوضح التفاصيل. وقال فى حديث لشبكة "سى إن إن" الأمريكية: ما يمكننى التصريح به هو أن هناك مفاوضات مكثفة ونشطة تشمل إسرائيل وقطر والولايات المتحدة وتشارك مصر ودول أخرى فيها، والهدف هو القيام بما هو ضرورى على طاولة المفاوضات لضمان حصولنا على العودة الآمنة لجميع الرهائن بمن فى ذلك الأمريكيون وهم (تسعة) مفقودين ولا تعرف حالاتهم، وهل هم أحياء أو أموات. (6).
أما رئيس الوزراء الإسرائيلى "بنيامين نتنياهو" فقد أكد لقناة "إن بى سى" الأمريكية: يمكن أن يكون هناك اتفاق، ولكن أعتقد بأنه كلما قلّ كلامى عنه، تعززت فرص تحقيقه" (7).
وفى مقابل ذلك علق مسئول فلسطينى مطلع على محادثات الرهائن فى غزة بالقول: إن حركة حماس علقت المفاوضات بشأن الرهائن بسبب ما تقوم به إسرائيل تجاه مستشفى "الشفاء" (8).
وكان المستشفى، وفقا لتصريحات أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة فى غزة فقد قال: إن المستشفى بات غير قادر على تقديم أى خدمة طبية، بعد نفاذ كل الإمكانات منه وانقطاع الكهرباء بشكل كامل ومحاصرة المجمع بالدبابات الإسرائيلية، وأن محيط المستشفى تحول إلى "ساحة حرب" والجثث مكدسة أمام المستشفى ولا تجد من يدفنها" (9).
وأمام هذه الأوضاع الصعبة حذر الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودى، المجتمع الدولي من خطورة ما يجرى فى غزة، وطالب فى اتصال أجراه مع "جوزيب بوريل" ممثل السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبى من أن ما تقوم به إسرائيل فى قطاع غزة يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى الإنسانى والقوانين الدولية الأخرى.. (10)
صفقة تبادل الأسرى:
وفى هذا اليوم ترددت الأنباء مجددًا عن صفقة تبادل تشمل "الإفراج عن عشرات الأسرى من النساء والأطفال" فى السجون الإسرائيلية مقابل الإفراج عن العشرات من الرهائن الإسرائيليين والأجانب فى غزة من (الأطفال والمدنيين) فى مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار وإدخال الوقود والمساعدات الإنسانية للقطاع، حيث قالت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية (كان11) نقلًا عن مصادرها الخاصة "كل طرف فهم ما يريده الطرف الآخر، وكل شيء مطروح على الطاولة، ونحن حاليًا نناقش التفاصيل" (11).
وكانت المظاهرات العارمة التى قامت بها عائلات الرهائن الإسرائيليين والمتعاطفين معهم قد شكلت ضغطًا قويًا على حكومة الحرب الإسرائيلية التى وجدت نفسها مرغمة على قبول شروط حماس للإفراج عن الرهائن.
كانت الأوضاع فى مستشفى الشفاء فى غزة تزداد تدهورًا حيث أكد مدير المستشفى "محمد أبو سلميه" وفاة 3 أطفال فى قسم الحضانة نتيجة انقطاع الكهرباء بالمستشفى ليرتفع عدد الوفيات من هؤلاء الأطفال إلى خمسة. وقال أبو سلمية فى تصريح لوكالة أنباء العالم العربى "إن الجثث بالمئات أمام قسم الطوارئ ولا نستطيع دفنها بسبب الحصار الإسرائيلى للمستشفى، حيث يستهدف كل ما يتحرك بمحيط المستشفى.. (12).
"ماكرون" يتراجع:
فى هذا الوقت ومع تصاعد الضربات الإسرائيلية للمستشفيات، وتنامى الرأى العام الدولى الرافض لهذه الممارسات، فوجئ الرأى العام بتراجع الرئيس الفرنسى "ماكرون" عن مواقفه السابقة التى عبر عنها سابقًا، حيث أعلنت الرئاسة الإسرائيلية، أن الرئيس الفرنسى قال فى اتصال مع نظيره الإسرائيلى: "إنه لم يتهم إسرائيل بإيذاء المدنيين عمدًا فى غزة" وذلك ردًا على حديث سابق أدلى به "ماكرون" إلى هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" طالب فيه إسرائيل بوقف القصف الذى يقتل مدنيين فى غزة عندما قال: "فى الواقع اليوم ثمة مدنيون يقصفون، هؤلاء الأطفال، هؤلاء النساء، هؤلاء الكبار فى السن يتعرضون للقصف والقتل" (13).
وقالت الرئاسة الإسرائيلية "إن "ماكرون" أوضح أنه لم تكن لديه نيه اتهام إسرائيل بتعمد إيذاء مدنيين أبرياء فى إطار الحملة ضد منظمة حماس (الإرهابية) وأوضح أن تصريحاته لهيئة الاذاعة البريطانية تتعلق بالوضع الإنسانى الذى يظل قضية مهمة بالنسبة إليه وإلى الكثير من الدول. كما "أكد أنه يدعم بشكل لا لبس فيه حق إسرائيل و واجبها فى الدفاع عن نفسها. معربًا عن دعمه للحرب التى تشنها إسرائيل ضد حماس.
القمة العربية-الإسلامية:
فى هذا الوقت كانت القمة العربية-الإسلامية التى انعقدت فى الرياض وشارك فيها قاده 57 دولة عربية وإسلامية قد بدأت فى تفعيل قراراتها خاصة "كسر الحصارعلى غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، وإدخال الغذاء والدواء والوقود إلى غزة بشكل فورى" ولكنها اصطدمت بالمزيد من العراقيل والعقبات الإسرائيلية.
كانت أعداد الشهداء والمصابين فى تزايد مستمر بفعل العدوان والقصف المكثف على مناطق غزة المختلفة حيث وصل عدد الشهداء فى النصف الأول من شهر نوفمبر حوالى (11 ألف شخص) من بينهم 4 آلاف طفل. وفى هذا الوقت أيضًا أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطينى خروج مستشفى القدس فى غزة من الخدمة لنفاد الوقود وانقطاع الكهرباء.
وقالت وزيرة الصحة الفلسطينية: "إن القوات الإسرائيلية تقصف المستشفيات وتحاصر وتقتل من فيها، وتقطع عنها المياه والوقود والكهرباء وتمنع وصول المستلزمات الطبية إليها" (14).
لم تتوقف التصريحات التى يدلى بها المسئولون الإسرائيليون فى محاولة لتبرير العمليات العسكرية التى يقوم بها جيش الاحتلال ضد المدنيين فى غزة.
ومن جانب آخر قال القيادى فى حركة حماس أسامة حمدان: إن الحركة تترقب تنفيذ توصيات القمة العربية بكسر الحصار على غزة، مؤكدًا أن غزة لن يحكمها إلا أهلها ولا سلطة سياسية أو أمنية فيها إلا للفلسطينين، وذلك فى إشاره إلى حديث رئيس الوزراء الإسرائيلى "نتنياهو" الذى قال: "إن الجيش الإسرائيلى سيبقى مسيطرًا على قطاع غزة بعد الحرب، وذلك فى اجتماع مع رؤساء البلدات المتاخمة لقطاع غزة، بالرغم من أنه كان قد صرح لشبكة "فوكس نيوز" الأمريكية فى وقت سابق "أن إسرائيل لا تريد إعادة احتلال قطاع غزة أو حكمه، وإنما نسعى لمنحه وإيانا مستقبلًا أفضل فى الشرق الأوسط كله، وهذا تطلب إلحاق الهزيمة بحركة "حماس" (15).
بيان اليونيسيف:
وفى اليوم ذاته 12 من نوفمبر صدر بيان مشترك عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" ومنظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان يدعو إلى تحرك دولى عاجل لإيقاف الهجمات الإسرائيلية على المستشفيات في قطاع غزة.
وقال المديرون الإقليميون للمنظمات الثلاث فى بيانهم: يتملكنا الرعب من التقارير الأخيرة التى تفيد بوقوع هجمات على مستشفى الشفاء ومستشفى الرنتيسى للأطفال والنصر ومستشفى القدس ومستشفيات أخرى مما أسفر عن مقتل الكثيرين من بينهم أطفال، وأن الأطفال المبتسرين وحديثى الولادة المتصلين بأجهزة لازمة لبقائهم على قيد الحياة يموتون الآن بسبب انقطاع الكهرباء والاكسجين والمياه فى مستشفى الشفاء، وأن الأعمال العدائية المكثفة التى تحيط بالعديد من المستشفيات فى شمال غزة تحول دون وصول العاملين الصحيين والجرحى وغيرهم من المرضى بأمان إلى تلك المستشفيات.
وقال البيان: إن 521 شخصًا بينهم 16 من العاملين الصحيين لقوا حتفهم فى الهجمات على منشآت الرعاية الصحية فى غزة وأكثر من نصف المستشفيات فى القطاع مغلق حاليًا والباقى تعرض لضغط هائل ولا يستطيع أن يقدم سوى خدمات محدودة للغاية.
وناشد البيان العالم ألا يقف صامتًا أمام ما يحدث ويجب اتخاذ إجراءات دولية حاسمة الآن لضمان وقف إنسانى لوقف إطلاق النار وإيقاف نزيف الخسائر فى الأرواح.(16)
كانت مصر أيضًا تواصل اتصالاتها فى هذا الوقت، حيث بحث الرئيس السيسى مع رئيس وزراء النرويج "جاهر ستوره" مشددًا على ضرورة وقف إطلاق النار لحماية المدنيين، حيث أكد المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية على ضرورة العمل على إنفاذ التسوية العادلة والشاملة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، مع أهمية الضغط نحو وقف إطلاق النار لحماية المدنيين الذين يتعرضون لمعاناة إنسانية غير مسبوقة وضرورة إيصال وتوفير المساعدات الإغاثية إلى القطاع.
وفى هذا اليوم الثانى عشر من نوفمبر نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية تقريرًا على قدر كبير من الأهمية والخطورة إذ قالت: إن التحقيقات التى تجرى حول أحداث السابع من أكتوبر أثبتت أن طائرات إسرائيلية قصفت مستوطنات ومركبات بداخلها إسرائيليون فى السابع من أكتوبر ظنًا أن بها مقاتلين من حماس وفقًا لاعترافات عدد من الطيارين الإسرايلين. (17)
وكانت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية قد أكدت هى الأخرى أن الجيش الاسرائيلى اضطر لقصف منشآت عسكرية سيطرت عليها حماس.(18)
وفى الثالث عشر من نوفمبر أعلن الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى أن 130 من المعلمين والإداريين قتلوا فى القطاع منذ بدء الهجمات الإسرائيلية. وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية فى بيان عن الجهاز: إن 4863 طالبًا أصيبوا فى الهجمات منهم 4613 فى قطاع غزة و250 فى الضفة الغربية، كما اعتقلت إسرائيل 67 طالبًا جميعهم من الضفة.
وأوضح الجهاز المركزى أن 45 مدرسة فى قطاع غزة لحق بها دمار بالغ و تعرضت 50 مدرسة تابعة لغوث اللاجئين (أونروا) لهجمات من إسرائيل. كما تم تعطيل جميع المدارس فى قطاع غزة منذ بدء العدوان وحرمان 608 آلاف طالب وطالبة من حقهم فى التعليم المدرسى، كما تم استخدام 70 مبنى مدرسيا حكوميا و145 مبنى مدرسيا تابعًا لـ" الأونروا" كمراكز إيواء للنازحين من غزة. (19)
وفى مصر جددت وزارة الخارجية المصرية التأكيد فى هذا اليوم على أن معبر رفح مفتوح، ولم يتم إغلاقه فى أى مرحلة من المراحل، متهمة إسرائيل بعرقلة دخول المساعدات إلى غزة من خلال الإجراءات والشروط المعيقة والمبررات الواهية.
وعبر المتحدث باسم وزراة الخارجية، السفير أحمد أبو زيد، عن الاستنكار الشديد لكل الادعاءات التى يتم الترويج لها بخلاف ذلك مؤكدًا رفض مصر وعدم قبولها المزايدة على مواقفها الداعمة للحقوق الفلسطينية والمتضامنة بكل السبل مع الشعب الفلسطينى فى غزة.
ودعا المتحدث من يروج أو يدعى غلق المعبر الرجوع إلى البيانات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة ومسؤولى الاغاثة الدولية الذين قاموا بزيارة المعبر والتى أكدت جميعها أن الجانب المصرى قام بكل الإجراءات التى تكفل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع بأسرع وقت وبشكل مستدام.(20)
فى هذا الوقت أكد موقع "اكسيوس" الاخبارى فى نفس اليوم بأن مذكرة موقعة من 100 من العاملين بوزراة الخارجية الامريكية و وكالة التنمية الدولية اتهمت الرئيس الامريكى "بايدن" بنشر معلومات مضللة حول الحرب بين إسرائيل وحماس وأن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب عديدة فى غزة.(21)
وفى هذا الوقت أفاد التليفزيون الفلسطينى بأن قصفًا إسرائيليًا استهدف مستشفى الخدمة العامة وسط قطاع غزة، فيما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن 25 مستشفى من أصل 35 فى القطاع خرجت من الخدمة بسبب القصف الإسرائيلى ونفاد الوقود.(22)
وكان الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط قد دعا إلى وقف الهجمات الإسرائيلية الوحشية على مستشفيات غزة فورًا، وحمل المسؤولية لأطراف دولية قائلا: "انها ما زالت تعطى إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة الحرب خارج القانون" (23).
وفى هذا الوقت حذر قائد الوحدة الصاروخية فى "الحرس الثورى الإيرانى" أمير على حجاجى زاده من احتمال توسع الحرب فى المنطقة. وقال: إن الحرب امتدت إلى لبنان، ومن المحتمل ان يزداد مستوى الاشتباكات. لافتًا إلى أن بلاده مستعدة لكل الأوضاع فى ظل المستقبل الغامض للصراع الحالى.
وفى مواجهة التهديدات الإسرائيلية المتكررة التى تتحدث عن سيناريوهات اليوم التالى، قال العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى: إن بلاده ترفض أى تفكير فى إعاده احتلال أجزاء من غزة أو إقامة مناطق عازلة فيها. وأضاف: إن أى سناريو أو تفكير بإعادة احتلال أجزاء من غزة أو إقامة مناطق عازلة فيها ستفاقم الأزمة، وهذا أمر مرفوض ويعد اعتداءً على الحقوق الفلسطينية، وشدد على أنه "لا يمكن أن ينجح الحل العسكرى أو الأمنى ولا بد من وقف الحرب وإطلاق عملية سياسية جديدة تفضى إلى حل الدولتين.
وأكد العاهل الأردنى أن الأولوية القصوى اليوم هى لوقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات الكافية.وقال: إن ما تشهده غزة من عقاب جماعى وقتل للمدنيين وهدم لكل المرافق الحيوية من مستشفيات ودور عبادة لا تقبله شرائع سماوية ولا قيم إنسانية. وحذر من أن الانتهاكات الإسرائيلية فى الضفة الغربية والقدس ستدفع إلى انفجار الأوضاع فى المنطقة واتساع رقعة الصراع (24).
وفى بريطانيا ونتيجة للمظاهرات العارمة الرافضة لموقف الحكومة البريطانية من الحرب على غزة، قرر رئيس الوزراء البريطانى "ريشي سوناك" التسريع بإجراء تعديل وزارى أخرج بموجبه وزيرة الداخلية "سويلا برافرمان" من الحكومة بسبب موقفها المعادى للمظاهرات البريطانية ضد الحرب واتهمت الشرطة البريطانية بالانحياز إلى المظاهرات من خلال منشور لها تضمن هذه الاتهامات. كما أعاد رئيس الوزراء البريطانى السابق "ديفيد كاميرون" لتولى منصب وزير الخارجية.
فى هذا الوقت بدأت الأصوات الإسرائيلية الأكثر تطرفًا فى إصدار تصريحات معادية وتنذر بمراحل خطيرة، إذ قالت "دانيلا فايس" زعيمة حركة الاستيطان الاسرائيلية فى الضفة الغربية: إن حدود وطن اليهود تمتد من نهر النيل للفرات. مشيرة إلى أن الفلسطينيين يمكن أن يبقوا فى المستوطنات الإسرائيلية، لكن بشرط أن يقبلوا بسيادة اليهود عليها، وهو كلام يعيد إلى الذاكرة تصريحات سابقة أدلى بها سموتريتش وزير المالية اليمينى المتطرف عندما قال: إنه لا يوجد تاريخ أو ثقافة فلسطينية ولا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطينى، وإن المجتمعات الفلسطينية بحاجة إلى المحو".
وأضافت "فايس" فى حديثها مع مجلة "نيويوركر" الأمريكية عن الاستيطان بأنه نهاية تشتت اليهود وبداية نهضة الأمة اليهودية.
واضافت: إن حدود وطن اليهود هى الفرات فى الشرق ونهر النيل فى الجنوب الغربى.
وعند سؤالها عن مصير المجتمعات والعائلات الفلسطينية في الضفة الغربية، وغيرها من المناطق التي تم، ويستمر تطوير المستوطنات فيها، قالت فايس: "يمكن أن يبقوا في مناطقهم لكن عليهم أن يقبلوا بحقيقة أنه لا يوجد في أرض إسرائيل سوى صاحب سيادة واحد.هذه هي القضية، لذلك دعونا لا نخلط الأمور. نحن اليهود أصحاب السيادة في دولة إسرائيل وفي أرض إسرائيل. عليهم أن يقبلوا ذلك".
ولفتت إلى أن وضع المستوطنين الإسرائيليين أصبح أفضل في عهد رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، لكنه ما زال "لا يرضي طموحاتها وأحلامها وخططها".
وأوضحت قائلة: "هناك 800 ألف يهودي في فلسطين. لكنني أطمح في أن يصل هذا العدد إلى 2 مليون أو 3 ملايين".
وأضافت فايس: "في إسرائيل، هناك الكثير من الدعم للمستوطنات، ولهذا السبب كانت هناك حكومات يمينية لسنوات عديدة. إن العالم، وخاصة الولايات المتحدة، يعتقد أن هناك خيارًا لقيام دولة فلسطينية، ونحن نريد التصدي لهذا الخيار، وإذا واصلنا بناء المجتمعات والمستوطنات الإسرائيلية، فإننا سنتصدى له تماما".
وأشارت إلى أن الانسحاب الإسرائيلي من غزة في 2005 وإخلاء المستوطنات التي كانت موجودة هناك "كان خطأ كبيرًا، يبكي بسببه العالم كله الآن. فالعالم كله يعاني من صعود حركة (حماس).
وعند سؤالها عن المكان الذي يجب أن يذهب إليه مواطنو غزة خلال الحرب الدائرة في الوقت الحالي، قالت فايس: «إلى سيناء، إلى مصر، إلى تركيا»، مشيرة إلى أن الأوكرانيين ذهبوا لمختلف بلدان العالم حين بدأت حرب روسيا وأوكرانيا.
وفيما يتعلق بشعورها تجاه الأطفال الذين يُقتلون بسبب القصف الإسرائيلي في غزة، قالت فايس: "أنا أتبع قانون الطبيعة البشرية الأساسي. أطفالي هم الأولوية، أطفالي قبل أطفال العدو".(25)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية: 9/11/2023.
2- الوكالة الألمانية-غزة: 9/11/2023.
3- بيروت/ الشرق الأوسط: 9/11/2023.
4- قناة الأقصى: 9/11/2023.
5- الوكالات: 11/11/2023.
6- "سى. إن. إن" الأمريكية: 12/11/2023.
7- قناة "إن. بى. سى" الأمريكية:12/11/2023.
8- وكالة "رويترز" للأنباء: 12/11/2023.
9- وكالة أنباء "العالم العربى" 12/11/2023.
10- الوكالات: 12/11/2023.
11- هيئة البث الإسرائيلية (كان 11): 12/11/2023.
12- وكالة أنباء العالم العربى: 12/11/2023.
13- هيئة الإذاعة البريطانية: (بى. بى. سى).
14- وكالة أنباء العالم العربى: 12/11/2023.
15- شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية: 12/11/2023.
16- وكالة أنباء العالم العربى: 12/11/2023.
17- صحيفة يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية: 12/11/2023.
18- صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية: 12/11/2023.
19- وكالة الأنباء الفلسطينية: 13/11/2023.
20- وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية: 13/11/2023.
21- وكالة أنباء العالم العربى: 13/11/2023.
22- التليفزيون الفلسطينى: 13/11/2023.
23- وكالة أنباء الشرق الأوسط.
24- الوكالات: 13/11/2023.
25- مجلة "النيويوركر" الأمريكية: 13/11/2023.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مصطفى بكري طوفان الأقصى الهجمات الإسرائیلیة فى الضفة الغربیة وقف إطلاق النار الرئیس الفرنسى الأمم المتحدة رئیس الوزراء الشرق الأوسط فى هذا الیوم المدنیین فى فى قطاع غزة حرکة حماس السابع من من نوفمبر على غزة یمکن أن غزة من من غزة فى غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
لماذا تصرّ الحكومات العربية على تضييع الفرصة منذ طوفان الأقصى؟!
آخر تعاطف عربيّ رسميّ واضح مع الفلسطينيين كان في بدايات انتفاضة الأقصى (أواخر العام 2000)، نقلت القنوات العربية الرسمية المشهد الحيّ لاستشهاد الطفل محمد الدرّة وهو في أحضان أبيه الذي يصرخ "مات الولد"، ورصاص الجنديّ الإسرائيلي يقصد قطعا قتل الولد! كان المشهد كاشفا للطبيعة الإسرائيلية؛ التي تنعكس في ملاحقة جنودها للفلسطينيين وكأنّهم طرائد صيد. لم تكن المقالات بعدُ تُدبّج في مديح الإسرائيليين وذمّ الفلسطينيين "المغامرين المضيّعين لفرص السلام مع حمامته الأليفة إسرائيل"، في هذه الأجواء اشتهرت الأغنية العربية الجماعية "الحلم العربي" التي أخذت تبثها القنوات العربية بكثافة بالرغم من إصدار الأغنية في وقت سابق، وذهبت بعض الحكومات العربية إلى ما هو أكثر من ذلك بجمع التبرعات للفلسطينيين في غمرة الحرب من على قنواتها التلفزيونية الرسمية.
لم تكن الحكومات العربية في وارد دعم الفلسطينيين حتى النهاية في مقاومتهم لتحقيق إنجاز سياسيّ يستثمر في الانكشاف الإسرائيلي الإجرامي في مطالع انتفاضة الأقصى، بعدما أخذت "إسرائيل" تحصد المتظاهرين الفلسطينيين العزل على حواجزها التي تُقطّع بها جغرافيا الضفة الغربية، ولا في الملحمية الفدائية الفلسطينية التي تكثفت في تلك الانتفاضة. مياه كثيرة جرت أسفل الجسر العربي منذ غزو صدام حسين للكويت (1990/ 1991)، والاندفاعة العربية الجارفة للتصالح مع "إسرائيل" من بعد مؤتمر مدريد (1991) وتوقيع اتفاقية أوسلو (1993)، ثمّ ما تلا من زحف تطبيعي مثير أخذ أشكالا متعددة بين معاهدات السلام إلى المكاتب التمثيلية والتجارية إلى فتح المجال للقاءات الرسمية أو السياحة المقننة طوال عقد التسعينيات.
لكن على أيّة حال بقي قدر ما من التعاطف الظاهر، يمليه الموقع العميق للقضية الفلسطينية في الضمير العربي، والذي ولا بدّ وأن تعبّر عن الحكومات العربية بشيء من البلاغة الشكلية. إلا أنّ هذا الجانب التعاطفي في أبعاده الإنسانية والعروبية والدينية، بدأ بالسقوط، مع عمليات 11 أيلول/ سبتمبر 2001؛ بعدما تبيّن أنّ منفذيها الـ19 ينحدرون من البلاد العربية (15 من السعودية، واثنان من الإمارات، وواحد من مصر، وآخر من لبنان)، وهكذا كان لا بدّ للحكومات العربية أن تنحني للعاصفة الأمريكية التي أعلنت عزمها تغيير الشرق الأوسط، وتحوّلت هذه الانحناءة إلى عقيدة ثابتة، والثمن المدفوع، كما العادة، لكسب ودّ واشنطن، هو من القضية الفلسطينية.
حالة المقاطعة العربية لـ"إسرائيل" انتهت، وبعض الصور للانتقال عنها، كانت في الاتفاقيات الإبراهيمية، المبرمة في ولايتي ترامب ونتنياهو السابقتين والمتزامنتين. وإذا كانت هذه الاتفاقيات قد أظهرت موقفا تحالفيّا بين حكومات عربية و"إسرائيل" تتخلّص به تلك الحكومات نهائيّا من أيّ التزام، ولو في الحدود الخطابية، تجاه القضية الفلسطينية، فقد صار لكلّ حكومة ممّا تبقى من الحكومات العربية تواصلها الخاص بـ"إسرائيل"، وبعبارة أخرى: صار التواصل مع "إسرائيل" الأمر العاديّ الطبيعي، ودعم الفلسطينيين الأمر الاستثنائي الغريب.
"طوفان الأقصى" كما هو الحال مع أيّ حالة نضالية وكفاحية للفلسطينيين، كان على الضدّ من ذلك تماما، ربما حتّى الوجود الفلسطيني في ذاته محلّ تضادّ مع هذا المسار العربي العميق في التخلّص من فلسطين وأهلها، ومن ثمّ، وفي حين أنّ "طوفان الأقصى" وفّر فرصة جادّة لموقف عربي أفضل إقليميّا ودوليّا، فإنّه من غير المتوقع أن تُرحبّ الحكومات العربية بفرصة لمسار غير مألوف لها نفسيّا وعقليّا.
مسار فيه لغة جديدة، غير تلك اللغة التي ظلت الحكومات العربية تحترفها منذ مطالع التسعينيات، حتى اتحدت بها تماما، ولم تعد قادرة على رؤية العالم إلا من خلالها، لغة ليس فيها أيّ مفردة للمواجهة والصمود، ولو في مستويات التحدّي السياسي والدبلوماسي لا غير، ولو بالثبات خلف المبادرة العربية للسلام، المجحفة لا شكّ بالفلسطينيين. حتى هذه المبادرة لم تعد حاضرة في التداول السياسي العربي.
من هذا المسؤول العربي الذي يرغب في أن يصدق أنّ "إسرائيل" يمكن هزيمتها؟! ومن هذا المسؤول العربي، على الأقل في النخبة العليا في الحكومات وصناع القرار الأساسيين فيها، الذي يرغب في أن تعود الدول العربية إلى الالتزام بالقضية الفلسطينية ولو حتى التزاما خطابيّا من شأنه أن يعبئ مجتمعاتها من جديد بتبنيها، بعدما أنفقت بعض هذه الحكومات الكثير في تمويل الدعايات المشيطنة للشعب الفلسطيني كلّه، كما ظهر في الحملات الإلكترونية والصحفية منذ العام 2017؟!
هذه الحملات اضطرت أخيرا لأن تُراعي لحظة الإبادة، فتحصر هجومها على الفلسطينيين في حماس والمقاومة الفلسطينية، في تباك كاذب على الشعب الفلسطيني، فمن اتهم الفلسطينيين من قبل بلا استثناء "ببيع أرضهم لليهود" و"نكران الجميل" و"تخريب البلاد العربية"، ومن زاد على ذلك بتبني السردية الصهيونية للصراع، أو الحطّ من المكانة الدينية للمسجد الأقصى، هل هو متعاطف بالفعل مع الشعب الفلسطيني غير أنّ مشكلته فقط مع حماس "التي جلبت الإبادة لشعبها بمغامرتها غير المحسوبة"؟! وإن كان هذا هو الموقف الحقيقي لهذه الحكومات لماذا لم تفعل أيّ شيء جادّ لوقف الإبادة؟! أم أنّ ما كشفه بوب ودورد في كتابه "الحرب" صحيح، من حيث إنّ عددا من الحكومات العربية دعمت القضاء على حماس؟! وقد تبين أن طريق القضاء عليها هو إبادة شعبها.
لكن ما الفرصة التي أتاحتها السابع من أكتوبر؟!
ما كشفته عملية حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عن محدودية القوّة الإسرائيلية، كان من شأنه أن يقوّي موقف الدول العربية حتى في علاقتها بـ"إسرائيل" علاوة على موقعها (أي الدول العربية) في السياسات الأمريكية الإقليمية والدولية، بحيث يكون لهذه الدول شرطها وكلمتها، وبما يوفّر لها مساحة للاستفادة من القضية الفلسطينية، من خلال مستويات من الدعم تحيي القضية الفلسطينية، وتعيد العرب للحديث باسمها، مما يسمح بأن يكون هذا الموقف المستأنف أداة ضغط وتحسين للشروط والمواقع في العلاقات الدولية والإقليمية.
وإذا كانت دعاية الحكومات العربية خلال العقدين الأخيرين، تُقدم فلسطين بوصفها موضوعا للاستثمار الإيراني، فقد كان يمكن لهذه الحكومات قطع الطريق على إيران، بالتقدم لمزاحمتها في العودة لتبني القضية الفلسطينية، وإذا لم يكن ذلك بغرض مبدئيّ، فليكن بغرض مصلحي متبادل بين الفلسطينيين والحكومات العربية!
أخيرا، وبعدما تأكّدت صحة الرؤية التي ترى في "إسرائيل" الخطر الحقيقي المركزي القابع في قلب المنطقة العربية، وأن الغفلة عنه والتحالف معه، حوّله إلى وحش متعاظم، لا يُفكّر إلا بمنطق الهيمنة، والتي تأخذ في بعض صورها شكل الاحتلال المباشر، ولا تخفي أطماعها في الأراضي العربية القريبة منها، فقد تأكد في نتيجة لذلك، أنّ مقاومة الفلسطينيين وحدها المتراس الأوّلي لصدّ الخطر الإسرائيلي، ومن ثمّ تصبح هذه المقاومة جزءا من خطة الأمن القومي العربي، وفي الوقت نفسه موضوعا لتحسين المواقع والشروط السياسية العربية.
الذي يحصل الآن غير ذلك تماما، فمن جهة، وبعد الهجوم الدعائي لعدد من الحكومات العربية على بنيامين نتنياهو، الذي دعا ساخرا لإقامة دولة للفلسطينيين في المملكة العربية السعودية، والرفض الظاهر لخطة ترامب لتهجير سكان قطاع غزّة، تعود الحكومات العربية للهجوم على حركة حماس، والتخطيط لإقصائها عن المشهد الفلسطيني، وهذا راجع لسببين اثنين:
السبب الأوّل استنتاجها الخاطئ، على الأقل بعضها ولا سيما في الخليج، من التحوّلات الإقليمية، باعتقادها أنّ إيران الخاسر الوحيد من هذه التحولات بعد الحرب في لبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا، وهو ما يكشف عن فهم مشوّه لديها عن القضية الفلسطينية، التي هي موجودة بشعبها ومقاوماتها المتصلة والعابرة للزمان والتوازنات الإقليمية وحتى للتيارات السياسية والأيديولوجية الفلسطينية، وهذا يعني أنّ هذه الحكومات لا تنظر للقضية الفلسطينية قضية قائمة بنفسها معبّرة عن مظلومية شعبها، وإنما تنظر إليها بوصفها مادة للاستثمار الإيراني لا غير، وفي حين أنّ ضمور النفوذ الإيراني ينبغي أن يُخلّص هذه الحكومات من وهم إمكان التحالف مع "إسرائيل" لمواجهة إيران، فإن استنتاجها معاكس تماما.
السبب الثاني؛ هو ما سبق ذكره، فهذه الحكومات بنخبها العليا نشأت خلال الثلاثين سنة الأخيرة، على التطبع الكامل مع الوجود "الإسرائيلي" والسعي الحثيث للتخلص من القضية الفلسطينية، وقد ترسخت على أساس ذلك سياسات وعلاقات وتحالفات ومصالح سرّية وعلنية. والمؤكد أن طول أمد هذا المسار، يحوّل السياسة إلى ما يشبه العقيدة، بحيث يصعب التخلص من حضورها العميق المهمين على العقل والقلب، وبما يجعل التحوّل نحو مواجهة "إسرائيل" مسألة تحتاج فائض عقل وشجاعة وأخلاق ورؤية طموحة، وذلك كلّه ذوّبته العقود الثلاثة الأخيرة حتى لا يكاد يُرى منه شيء.
x.com/sariorabi