ما أبهى أن يتيقن المرء أنه جزء لا يتجزأ من هذه الحياة،
وأنه على الرغم من كونه تفصيلا مكملا لا غنى عنه لإتمام سحر لوحتها، وروعة تفاصيلها، وفتنة منمنماتها، إلا أن لكلٍ منا فرادته التي لن تتكرر ! فلحياة كلٍ منا عزفها الذي لا يشبه أي عزف، وكل تفاصيلنا البسيطة هي نوتة من نوتات معزوفة الحياة الكبرى ! ومن الحكمة والجمال وتمام الأنس والمسرّة أن نعتني بذاك الفن حتى لا يندثر، أو يتغشّى بأشباه الموجود فلا يعود لكل منا فرادته، ولا يغدو اللحن إلا ممجوجاً مكرراً !
ويُحال المرء أن يصبح إمعّة لا لون له ولا نكهة، قد تماثل مع الآخرين إلى الدرجة التي توّقف فيها إدراكه عن نفسه، وإعمال عقله فيما يريد ويحب، لا يرى إلا ما يراه الآخرون، فهو على آثارهم من المهتدين! مجرّد إدراكنا لذلك التمايز الحقيقي بيننا وبين الجموع، يُنبهنا إلى أن كل التفاصيل هي (فن) خاص بنا .
وحتى الأسلوب الذي نتصل به بالله و بأرواحنا ونتفاعل بها مع الموجودات حولنا .. ما يثير انتباهنا، وما يعزفنا عنه، ما يُبهج أرواحنا ونتصل معه بكُليتنا، وما يُنفرنا و ننقطع عنه.
ذائقتنا في كل فكرةٍ وشعورٍ ومسلك، وتفاعلنا الخاص مع كل الموجودات الذي يحمل هويّتنا المتفردة! كل ذلك فن باهر .. بصمة فنية لا تتكرر .. فن الروح والجسد والشعور والفكر .. تخلق لك سيمفونية حيّة في ذاتها، ونوتة متفرّدة في معزوفة الحياة ككل !
لحظة إدراك:
حق الاختيار والذي هو مدار التكليف لا يتحقق إلا إن أجدنا ممارسته مع أنفسنا أولاً، وأدركنا ما يُناسبنا ويليق بأخلاطنا الجسدية والروحية، و تركيبتنا العقلية والنفسية، وامتلكنا الشجاعة لعزف لحننا الخاص، و صدحنا بنوتتنا المُبهجة، والتي ليست بالضرورة أن تكون لحناً شاذاً، بل نغم شجي يُطرب، يمتلك من الأصالة والفرادة ما يمكنّه من الاندماج مع بقية الألحان دون تماهٍ أو انصهار يشوّه عذوبته.
خولة البوعينين – الشرق القطرية
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الداخلية تعلن الثأر لضابط الشرطة الاتحادية الذي استشهد امس
بغداد اليوم -