سواليف:
2024-11-27@02:34:59 GMT

إحياء الأحلام

تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT

#إحياء_الأحلام

د. #حفظي_اشتية

…. ولا أقصد أحلام اليقظة ينسرب بها المريض العاجز البائس إلى عالم الأمل الكاذب، يرسمه له خياله الجامح هروبا من واقعه الأليم.

ولا أقصد أيضا أحلام المنام تخطف صاحبها إلى عوالم قصيّة ليستقطر مرارة واقعه كوابيسَ تشعل المعاناة، أو يستمطر رؤى وردية تحاكي رغبات الواقع المكبوتة، ليبحثَ عن تفسيراتها عند ” ابن سيرين”، أو المدّعين في سوق الفضائيات التجارية.

مقالات ذات صلة خطوة غير سارّة في الخدمات الطبية الملكية . . ! 2024/01/30

إنما المقصود هنا هو توصيف لواقع عاصف أغرقنا بالآلام، وزلزل منا كل وجدان، لكنه رغم ذلك مصحوب بسعي جادّ حثيث واقعيّ نحو التغيير والنجاة، وشقّ طريق الأمل المنشود والفجر الصادق.

ليل الاحتلال هذا سينتهي حتما، وتلك سُنّة رتيبة مشهودة لا مناص منها ولا انحراف عنها.

والمسألة محصورة في مدة تحقّقها، والظروف المرافقة لإطالتها، أو السوانح البارقة التي تلوح لتقصيرها ورسم مسارها وفرض نهاياتها.

وبعيدا عن اليأس من رَوح الله سبحانه وتعالى، ومشيئته العظمى الكائنة بين الكاف والنون، لتقريب البعيد ، أو إبعاد القريب، ووهْب الملك أو نزْعه، وإذلال العزيز، أو إعزاز الذليل………

وبعيدا أيضا عن استحضار أوهام تاريخية أو إسقاطات دينية حول العقد الثامن، وتخوُّفات العدو المَرَضية من لعنته، ونعيق البوم المؤْذن بنهاية كيانه قبل انتهاء مدته… بعيدا عن هذا وذاك، فإنّ الباحث المتبصر المتدبر في واقعنا المرير واندحارنا المتكرر، يلتقط إشارات واقعية كثيرة يشرق فيها بصيص الأمل بقادم أفضل:

هذه الأمة لن تموت، وتاريخها يؤكد ذلك: لقد اجتاحتها جحافل المغول، وفعلتْ من هول الأفاعيل ما ترتعب منه حتى بطون الكتب، وظنّ الناس حينها أنها نهاية الأمة، لكنّ “عين جالوت” في فلسطين كتبت السطر الأخير من الحكاية، مع صرخات “قطز” المترجّل عن حصانه، يقذف قلنسوته ويصيح بجنده: وا إسلاماه!!

فخرجت الأمة حية، وتبدّد أعداؤها في سرادب النسيان.

ومثلهم الصليبيون الذين زحفوا من أصقاع أوروبا بقدّهم وقديدهم، بحملات تلي حملات، وجيوش جرّارة لجِبة بعددها وعتادها وعديدها، وارتكبوا أبشع الفظائع، وبسطوا سيطرتهم قرنين كاملين على ديار الإسلام، وتحوّل المسجد الأقصى إلى إسطبلات لخيولهم، وظنّ الناس حينها أيضا أن الأمة هوتْ وانطوتْ، لكنّ “عماد الدين زنكي” الكردي، أسد الموصل، كان له رأي آخر، فأذكى شعلة الجهاد، وتابعه ابنه” نور الدين الشهيد”، وكانت الوقعة العظمى بقيادة ” صلاح الدين” في حطين فلسطين، ليستكمل المماليك بعد حين تحرير عكا والساحل الشاميّ، فتبقى الأمة، وتبتلع البحار أوهام الصليبيين وفلول جيوشهم العائدين منكسرين إلى أوطانهم.

ولن يكون حال الأعداء في هذه الهجمة الصهيونية الصليبية الجديدة مغايرا لحال مَن سبقهم.

أزْيدُ من مائة سنة، ومشروعهم قائم في بلادنا، لكنه لم يتمّ، وما زال يراوح مكانه، خطفوا نصرا سنة 1948 بتآمرهم وغفلتنا، وظفروا بموطئ أقدام، واقتلعوا شعباً وهجّروه إلى فيافي الدنيا…..

ثم خطَوْا خطوة عظمى أُخرى سنة 1967 في معركة خاطفة مفاجئة غريبة المقدمات صاعقة النتائج، وكادوا أن يطمسوا حقنا، ويدمغوا بباطلهم خريطة أوطاننا، ويخطُّوا بسطورهم الحالمة وبساطيرهم النجسة حدودهم من الفرات إلى النيل.

وما هي إلّا بضعة شهور حتى كانت صرخات مشهور حديثة الجازي بجنده الميامين والمقاومة الشريفة في جنبات الكرامة تعلن حقيقة تملأ الكون:” لا هزيمةَ لنا أمامكم بعد اليوم”، وبأسنا الذي ذقتموه سابقا في القدس والقسطل وباب الواد واللطرون والشيخ جراح وجنين ومدخل نابلس الغربيّ…… على يد حابس المجالي، وعبدالله التل، وعبد القادر الحسيني، وصالح الشويعر…. وغيرهم وغيرهم من صحبهم وكتائبهم التي كانت تفنى عن بكرة أبيها، ويرتقي أفرادها شهيدا إثر شهيد تحفّهم الملائكة في رحلة الصعود المقدس من الأرض إلى السماء، وهم صامدون يدافعون عن أطهر أرض ….. هذا البأس ستذوقونه مجدّداً، وتتجرّعون مرارته حتى الثمالة.

وقد كان.

ذقتموه في حرب الاستنزاف على قناة السويس، وذقتموه يوم عبور الجيش المصريّ أعظم مانع عسكريّ عالميّ في عدة ساعات، ويوم اجتاحتْ دبابات الجيش العربيّ السوريّ الجولان وأطلّتْ على طبريا في بعض يوم، ويوم سيّج الجيش العراقي وخالد هجهوج المجالي الدرب الذي ظننتموه سالكا نحو دمشق بني أمية، ويوم صمدت بيروت بأسلحتها المتواضعة في وجه قوة جيشكم الباغية العاتية ثمانين يوما، وما خرجتْ المقاومة إلّا ضنّا ببيروت الجميلة أن تدمّر، وبتآمر الغرب الاستعماري ووعوده العرقوبية المعهودة…. لكنّ المقاومات تناسلتْ، فكانت المقاومة اللبنانية التي دحرتكم فهربتم مع عملائكم تحملون خيباتكم، وانغرستْ في صدوركم حرابٌ وقْعُها أليم ونزْعُها أشدّ إيلاما.

وكانت الانتفاضات الفلسطينية المتتابعة، وسيول دماء التضحية والفداء التي لم تنقطع عبر عقود متتالية، ولم تشوّهها وتعثّرها إلّا أوهام السلام.

وها نحن أمام أجلى الحقائق وأصدقها وأروعها … شعب فلسطينيّ متشبث بأرضه ضمن قسوة ظروف ما مرّت قِدما على قوم، ولا خطرتْ حديثا على بال بشر…. ومقاومة نبيلة جريئة ذكية صامدة أمسكتْ بخيوط قضيتها، وأعدّتْ لكم واستعدّتْ، وواجهتكم ببسالة منقطعة النظير تعيد إلى الأذهان بطولات العرب والمسلمين الأقدمين…. وأنتم تحشدون وتحتشدون بكل أسلحتكم الفتاكة، ويشارككم عالم الغرب بمكره وبطشه وجبروته، لكنكم مع كل هذا تلعقون جراحكم الدامية في الميدان، وتصبّون جام غضبكم على الشعب الأعزل الصابر القابض على جمر الإيمان بالدين والأوطان.

وها قد مضت أربعة أشهر كانت فيما مضى كافية لتقودكم – وقودُها غرورُكم – لتجوسوا بلاد العرب من بغدان إلى تطوان، وها أنتم الآن غارقون في الأزقّة، تتقدمون في الليل أشبارا وتتقهقرون في النهار أمتارا، قد تسربلتم بالجبن والذل والهوان، بينما بنو قحطان يعيدون الجنسية الأصلية للبحار العربية.

إنها البدايات الحقيقية الصادقة لصحوة الأمة، وتصويب البَوصلة، وإحياء القضية الشرعية العادلة، وإعادة قراءة السطور الأولى من إِرْثنا المجيد، والصراخ على كاتب التاريخ بأنك لَحَنْتَ، وعليك أن تصوّب الخطأ، وتكتب التاريخ من جديد.

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

قوافِلُ العطاء

حديثٌ لا تكاد الصفحات تكفي للكتابة حوله، مواقف عظيمة تجلت في نفوسٍ زاكية، عظماء باعوا من الرحمن فنجحت البيعة، لأن الميزة المهمة في هؤلاء الرجال هي انطلاقتهم وفق المشروع القرآني، فقد حرص شهيد القرآن على أن تكون الانطلاقة قرآنية، ومن بعده احتذى به خيرة الرجال ليلتحقوا بذلك الركب، في إطار إيماني أخلاقي؛ لأن أكثر ما تتعرض له الأمة هو محاربة الوعي والمبدأ، فلا بد أن يكون التحرك واعياً وجاداً.

تتجلى انتصارات هذا الشعب، انتصاراً تلو انتصار وفرحة تلو أخرى، فصرنا نسمع بياناً يخلفه بيان؛ ليشفي غليل الأمة في أعدائها، فلا نزال نقدم ونضحي، من أجل نصرة القضية، رغم ما قد حصل من هجوم مباغت، وقصف، وهدم بكل وحشية، إلا أننا مازلنا ثابتين على نفس المبدأ، لأن هذه الأمة تسير على مبدأ الجهاد والروحية الإيمانية، فبقيت مستمرة في العطاء، لأن ما على النفس إلا أن تكبح جماح نفسها، وتطغى على رغبات نفسها بالهدى القرآني، لتبقى على ما هي عليه من وعي شامل في مواجهة العدو، فها هو شعبنا المقدام اليوم يقدم ويبذل خيرة رجاله لنصرة القضية الفلسطينية، إلى جانب ما قدمه من قوافل العطاء.

يتحرك الجميع تحركاً جاداً لمواجهة العدو، حتى وإن سبق وقدموا قوافل من الشهداء، لم يهنوا، وينكسروا كما يظن البعض، بل ازدادوا انطلاقاً بعدة وجاهزية نفسية وميدانية، فهذه الروحية تسكن كل مجاهد، فهو يظل يعطي ويقدم في سبيل الله إلى أن ينتصر أو يرتقي شهيداً، لم يستغل روحه، بل أرخصها فداءً للقضية ولنصرة الدين، فما نراه اليوم من صمتٍ إزاء العدوان على اليمن لم يجعل الناس تتخاذلون، بل انطلقوا إلى ما هو أعظم، إلى القضية الأم، واتجه الجميع لنصرتها.

ما يحدث اليوم من ردٍ مزلزلٍ من اليمن ضد الكيان الإسرائيلي لنصرة فلسطين، كافٍ لإيصال رسائل لكل من تسوّل له نفسه الاعتداء على اليمن، فما اعتلى شأن اليمن، وما وصلت إلى ما نحن فيه اليوم، من عزة وكرامة وتمكين، إلا بفضل مجاهديها الأبطال، وبفضل دماء شهدائها الأقحاح البواسل، وها نحن في هذا الشهر المقدّس نحيي ذكرى استشهاد هؤلاء العظماء، فلم يتخصص لهم أسبوع معين، وفي شهرٍ معين للاحتفاء ولإحياء ذكراهم، إلا لعظمتهم، ولمكانتهم السامية والعالية في أوساطنا.

شهداءٌ أحياء، اعتلت بهم الأمة، ورفعوا من شأنها، فأصبحت تهابها الأمم؛ لعلو مكانة رجالها، فما ذُلت أمة قط، رجالها من أهل اليمن، هم من آووا ونصروا واستبسلوا منذ عصر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين، ومازالوا إلى يومنا هذا، هم من استرخصوا دماءهم الزكية حباً لله، ولدينه، وتاجروا بأرواحهم لبارئها، فنعم البائع، ونعم المشتري، وهنيئاً لهم جِنان الخُلد، بكل ما فيها من استضافة، ومكانة، وعلو، وشأنٍ، وجاه، فاللهم إنا نسألك الرضا، وأن ترزقنا ما رزقتهم من حبٍ لك ولدينك، آثروه على حب أنفسهم وعلى كل ما يرغِّب لهم البقاء في هذه الدنيا الفانية.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • طقس العراق.. تحذير من ليلة ويوم شديدي البرودة وانجماد شمالي وغربي
  • رئيس الجمهورية يشرف على مراسم إحياء الذكرى الـ 50 لتأسيس الإتحاد الوطني للفلاحين
  • ما تفسير حلم المزاد في المنام؟
  • الحوثي يغرق طالبات الجامعة في بحر القيود: من الصنادل إلى الأحلام
  • قوافِلُ العطاء
  • أكبر التحديّات التي تُواجه الجيش الإسرائيلي في لبنان.. ماذا حصل معه يوم السبت؟
  • مهرجان الجمال في إزمير يعيد إحياء التراث التقليدي
  • تفسير حلم وفاة الأم والبكاء عليها.. خير أم شر؟
  • رؤية هذا الطائر في المنام بشرى بإنجاب ولد.. ماذا قال ابن سيرين؟
  • عبادة تُنير وجهك في الدنيا ويوم القيامة.. انتهز الفرصة