الحرب على غزة.. سوق سلاح ينعش وهم التفوق التقني
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
رغم أن طوفان الأقصى أثبت إخفاق الرهان الإسرائيلي المتعجرف على "قوة الردع" التي تتيحها تقنيات المراقبة والأسلحة المتقدمة، فإن المستثمرين سرعان ما عادوا لضخ المال فيما يسمى "أسلحة مجربة"، ويبدو واضحا أن المديرين التنفيذيين لشركات الصناعات الدفاعية هم المنتصرون الوحيدون في حرب غزة، حسب تحقيق لصوفيا غودفرند من موقع "سيحا ميكوميت" العبري بعنوان "غزة سوق سلاح حتى والحرب لم تنته".
لم تمرّ 5 أسابيع على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حتى نشرت شركة أمنية إسرائيلية صاعدة اسمها "سمارت شوتر" صورة ترويجية على فيسبوك، تظهر قوات خاصة إسرائيلية توجه بنادق هجومية من تطوير الشركة إلى بناء من الإسمنت المسلح في مكان ما في غزة.
وبعدها بشهر، قال المدير التنفيذي للشركة مايكل مو لصحيفة يديعوت أحرونوت إن حرب غزة -التي قُتل فيها 30 ألف فلسطيني- فرصة لزيادة المبيعات، بل إنها الساعة الذهبية التي تتحيّنها الصناعات الدفاعية.
خطاب الغطرسةلذا لا يبدو غريبا أن تعود صناعات التقنية الإسرائيلية إلى سابق غطرستها رغم إخفاقها الذريع في التنبؤ بطوفان الأقصى، ليسودَ مجددا خطاب روّجت له لسنوات يقول إن إسرائيل ستعزز أمنها بالاستثمار في أسلحة وتقنيات مراقبة أكثر تطورا.
الأسئلة العميقة التي أثارها الهجوم داخل المؤسسة العسكرية حول جدوى الاعتماد المبالغ فيه على التقنية سرعان ما خبت، وأخذ الجيش يروّج لنفسه مجددا على أنه جيش التقنيات الخارقة، المزود بأسلحة آلية اختُبرت في ميادين القتال، ويبدأ المستثمرون ضخ مزيد من المال في شركات الصناعات الدفاعية الصاعدة.
ازدهرت صناعات التقنية العسكرية في إسرائيل في السنوات العشرين الماضية بتأثير من الانتفاضة الفلسطينية، وما يسمى الحرب على الإرهاب، وانتعشت أكثر في السنوات الأخيرة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتزايد الاستخدام العسكري لنظم المراقبة التقنية في زمن كورونا (وما رافقها من احتجاجات على الأزمة الاقتصادية)، وبدا أن مصالح المؤسسة العسكرية والاقتصاد تتشابك، حسب صوفيا غودفرند، فاحتاجت الأولى أنظمة سلاح جديدة (مع تعقد المعركة ضد الفلسطينيين)، واحتاج الثاني تطوير إستراتيجية الترويج لإعادة المستثمرين الأجانب إلى إسرائيل.
صادرات الصناعات الدفاعية الإسرائيلية بلغت 12.5 مليار دولار في 2022، ويتوقع ارتفاعها في 2023، مثلما يتوقع ازدهارها عالميا بتأثير من حرب غزة.
لكن المستثمرين لا يضخون المال في شركات السلاح متعددة الجنسيات فقط، وإنما في شركات صاعدة صغيرة -أيضا- مقر كثير منها في إسرائيل، وتصنّع ضمن ما تصّنع المدافع الرشاشة الآلية، وبرامج القرصنة الإلكترونية، والطائرات الانقضاضية، والدبابات المعززة بالذكاء الاصطناعي، وكلها تقنيات يُنظر إليها على أنها مربحة في وادي السيليكون.
مايكل مو: حرب غزة فرصة لزيادة المبيعات التي تتحيّنها الصناعات الدفاعية (شترستوك) غزة.. سوق سلاح
من بين تلك التي ارتفعت أسهمها بحدة نهاية 2023 شركات صاعدة استخدم الجيش أسلحتها في غزة، فالتقنية العسكرية في النهاية إحدى صناعات قليلة تزدهر زمن الحرب.
كثير من أنظمة السلاح المسوّقة جُربت لأول مرة في غزة، كما قال في لقاء مع مجلة " Magazine+972 " نوام بيري الباحث في "لجنة خدمات الصداقة الأميركية" (American Friends Service Committee)، وهي منظمة تتعقب الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في غزة.
لكن بينما كانت شركات السلاح متعددة الجنسيات حريصة على البقاء بعيدا نسبيا عن أحداث غزة (بسبب الاحتجاجات على الحرب والملاحقات القضائية في محكمة العدل)، أطلقت شركات إسرائيلية صاعدة صغيرة -مثل "سمارت شوتر"- حملات ترويج واسعة لمنتجاتها، لتستثمر في العلاقة الوطيدة والضبابية بين الصناعات الدفاعية وقطاع التقنية المتقدمة، كما تضيف غودفرند.
هذه العلاقة ليست فريدة؛ فوادي السيليكون لم يكن -بداية- إلا ذراعا للبنتاغون، لكن الصلات في إسرائيل انقلبت علامة تجارية.
الصلات الضبابية بين الجيش وشركات الصناعات الدفاعية الخاصة جعلت الإستراتيجية العسكرية تتطور، ليس وفق الحاجات الحقيقية والفورية للجيش، بل وفق حاجات المستثمرين، الذين يقدم لهم رواد الأعمال صورة وردية عن نظم تسلح، وتجسس إلكتروني، وذكاء اصطناعي تعِد بزمن تحلّ فيه آلات فائقة الذكاء محل البشر.
وهكذا، وبعد أيام فقط من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنشأ آهارون كابلوفيتز صندوق استثمار جريئا سماه " Ventures1948″، وقال للصحفيين إن الاجتياح البري لغزة فرصة غير مسبوقة لتُجرَّب في ساحات القتال أنظمة سلاح جديدة، باسم حماية إسرائيل طبعا.
لكن الوعد بأن تجعل التقنية عمليات إطلاق النار أكثر دقة انهار على صخرة الواقع، فالطائرات الانقضاضية لم تحُل دون مسح أحياء بكاملها عن الخريطة بقنابل زنة الواحدة منها نحو طن، ولا بنادق القناصين المزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي حالت دون قتل الأبرياء، مثلما لم يحل استخدام أنظمة توجيه "دقيقة" دون قتل 10 آلاف طفل فلسطيني.
الفلسطينيون سيدفعون حتما ثمن هذه الأسلحة وأنظمة المراقبة الجديدة -كما تقول غودفرند- أما الإسرائيليون فلا يُعرف إلى أي حد سيستفيدون منها.
بنادق القناصين الإسرائيليين المزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لم تحُل دون قتل 10 آلاف طفل فلسطيني (شترستوك) انتعاش الفقاعة
كل هذه الإخفاقات أتاحت زاوية بديلة لفهم أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023: دورة رأس المال زيادة ونقصانا، حسب غودفرند.
لقد تجاوزت الثقة حدودها لتنفجر الفقاعة أخيرا، ولم يُجد تحويل موارد هائلة لصالح استثمارات التقنية العسكرية المتقدمة (على حساب القوات البرية) إسرائيل شيئا، ليَثبت أن تفاؤل المستثمرين ورواد الأعمال بقدرة هذه التقنية لم يكن منفصما عن الواقع فحسب، بل أقرب إلى مرض الوهم.
لكن الدورة الاستثمارية مصابة بضعف الذاكرة قصيرة الأمد، فبعد 3 أشهر من الحرب أخذ أصحاب الاستثمارات الجريئة والمسؤولون العسكريون حول العالم ينفخون مجددا فقاعة الصناعات العسكرية، وها هو وهم الاختراع التقني يُغري إسرائيل مجددا بأن تُعرض عن البحث عن حل حقيقي لحروبها التي لا تنتهي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الصناعات الدفاعیة حرب غزة
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يعترف: المعلومات المُسربة من مكتبي «استراتيجية» وتتعلق بقدرات إسرائيل العسكرية
قال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو: إن «إيلي فلدشتاين، المتهم بتسريب معلومات من مكتبي شخص وطني لا يمكن أن يمس بأمن إسرائيل»، حسبما ذكرت قناة القاهرة الإخبارية.
وأضاف نتنياهو، أنه تم تسريب معلومات استراتيجية تتعلق بقدرات إسرائيل العسكرية من جلسة بمبنى محصن في اليوم الرابع من الحرب، موضحا أن التسريبات صدرت من داخل المجلس الوزاري المصغر والفريق المفاوض والهيئات الأكثر حساسية في إسرائيل.
وأشار نتنياهو، إلى أن التسريبات الأخيرة تمثل خطرا داهما على أمن إسرائيل وأدت إلى تدمير حياة الكثير من شبابنا وحياة عائلاتهم، معتقدا أن الهدف من وراء التسريبات الأخيرة الإضرار بسمعتي شخصيا وتفعيل الضغط عليه، وزاعما أنه يفعل الخير للبشرية ومثله مثل الملاك لا تشوبه شائبة.
تصعيد الاحتلال في الشرق الأوسطولا يزال التصعيد في الشرق الأوسط مستمرا بشكل أكبر من ذي قبل، حيث أن مهاجمة الاحتلال الإسرائيلي وتصعيده الكبير ضد حزب الله في الأيام الأخيرة، زاد الأمور تعقيدا، فيما تشير التوقعات إلى أن جيش الاحتلال سيزيد من هجماته على جنوب لبنان، تحت مزاعم الضغط على حزب الله من أجل تأمين عودة سكان الشمال إلى مستوطناتهم.
وما زاد من حدة التوترات في المنطقة، هو اغتيال الاحتلال الإسرائيلي، لـ حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، بعد مجموعة الاغتيالات الأخرى التي نفذّت ضد عدد من قيادات حزب الله.
وبعد استشهاد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في اشتباك مع قوات الاحتلال، لا يمكن توقّع إلى أي مدى سيصل مستوى التصعيد، خصوصا مع استمرار بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال في وضع العراقيل أمام أي مفاوضات لتحقيق صفقة تبادل المحتجزين ووقف إطلاق النار، وحرصه على استمرار حرب الإبادة في غزة، وكذلك مواصلة الاعتداءات على الضفة الغربية.
ولا يمكن تجاهل الوضع الكارثي الذي يمر به سكان قطاع غزة، الذين يواجهون الموت بسبب الجوع ونقص الدواء، جراء استمرار العدوان المتواصل منذ 7 أكتوبر الماضي، ولا شك أن سياسات حكومة بنيامين نتنياهو تؤكد أن الإقليم مقبل على تحديات خطيرة نتيجة تأجيج الصراع من قبل الاحتلال.
وتواصل مصر وساطتها الدبلوماسية بمشاركة قطر، من أجل الضغط على إسرائيل، لإتمام صفقة تبادل المحتجزين مع حركة حماس، والقبول بوقف إطلاق النار في غزة، وحماية المدنيين.
اقرأ أيضاً«التزامات قانونية».. دول تستعد لتنفيذ قرار «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو
فلسطين ترحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية بحق «نتنياهو» و«جالانت»
محلل سياسي عن أوامر الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت: ليست لها سابقة تاريخية