أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في 26 يناير/كانون الثاني تعليق أي تمويلات إضافية مخصصة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" مؤقتا إلى حين الانتهاء من فحص مزاعم مشاركة 12 من موظفيها في عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وعلى إثر ذلك، قامت الأونروا فورا بإنهاء عقود 9 موظفين مشتبه بهم وتوفي آخر، كما فتحت تحقيقا لتحديد المسؤوليات الدقيقة لعشرات الموظفين المستهدفين.

كما علقت 9 دول من بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وفنلندا وكندا وأستراليا التمويل الحيوي لهذه المنظمة المسؤولة منذ عام 1949 عن مصير اللاجئين الفلسطينيين.

وتجاهلت هذه الدول مقتل أكثر من 150 من موظفي الوكالة على يد الجيش الإسرائيلي خلال العدوان على غزة، وهو أكبر عدد من القتلى يُسجل في صفوف موظفي الأمم المتحدة في حرب واحدة منذ تأسيسها.

ومما يلفت الانتباه؛ سرعة رد فعل الدول المانحة بالتزامن مع صدور أمر محكمة العدل الدولية "بقبول" وقوع إبادة جماعية في غزة، ودعوتها لضمان تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين العالقين في قطاع غزة.

وقبل أن نبحث الأسباب التي دفعت إلى هذا الاستهداف الجماعي للأونروا في الوقت الحالي، تجدر الإشارة سريعا إلى تاريخ تأسيس الوكالة وآليات تمويلها.

كيف تشكلت الأونروا؟

إثر احتلال مساحات شاسعة من فلسطين في عام 1948، والإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل، برزت قضية اللاجئين الفلسطينيين ممن نزح معظمهم تجاه الضفة الغربية وقطاع غزة فضلا عن دول الجوار في الأردن ولبنان وسوريا.

وللتخفيف من تداعيات مأساة اللاجئين، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 302 في ديسمبر/كانون الأول 1949، الخاص بتأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى "الأونروا".

وبدأت الأونروا عملها بالفعل عام 1950 بتفويض عمل يصل إلى 3 سنوات قابلة للتجديد، على أن تشمل ولايتها تقديم برامج مساعدات وتوظيف لنحو 700 ألف لاجئ فلسطيني في 5 أماكن تشمل قطاع غزة، والضفة الغربية، والأردن، وسوريا، ولبنان.

ولخص الأميركي جون ديفيس مدير الأونروا في عام 1959 رؤيته لدور الوكالة بأنه بمثابة "تكلفة منخفضة الثمن يدفعها المجتمع الدولي مقابل عدم حل المشاكل السياسية للاجئين الفلسطينيين".

وقد دفع ديفيس باتجاه توسيع صلاحيات الأونروا لتشمل توفير التعليم وتقديم المنح الدراسية للجامعات، وهو ما تحقق بمرور الوقت لتشمل مهام الأونروا تقديم خدمات في مجال الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية والمساعدات الطارئة مثل الخيام والبطانيات والمياه والغذاء في ظروف الشتاء الصعبة، وأوقات جولات القتال.

ومع توسع نطاق خدمات الأونروا انخفضت نسبة المساعدات من إجمالي ميزانيتها من 61% في عام 1960 لتصل إلى 6% فقط حاليا.

وأصبحت الوكالة تمثل شريان حياة لنحو 5.5 ملايين لاجئ فلسطيني عبر تقديم خدمات اجتماعية واقتصادية مقابل التغاضي عن حقوقهم السياسية.

تمويل الأونروا

تقدم الأونروا تقاريرها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويرأسها وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، ويتجدد تفويضها كل 3 سنوات بقرار من الجمعية العامة.

ويمثل الفلسطينيون الغالبية العظمى من موظفي الوكالة البالغ عددهم 31 ألف موظف، وتدفع الأمم المتحدة رواتب 200 من الموظفين فضلا عن بعض النفقات الإدارية بما يعادل أقل من 5% من ميزانية الأونروا.

وتُستكمل بقية الرواتب ونفقات التشغيل من تبرعات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتعد الولايات المتحدة أكبر جهة مانحة للأونروا بمتوسط 350 مليون دولار بما يقارب ثلث ميزانية الوكالة السنوية البالغة 1.2 مليار دولار. ونظرا لعدم كفاية التبرعات، يوجد عادة عجز كبير في ميزانية الوكالة.

واستخدمت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورقة تمويل الأونروا للضغط على الفلسطينيين في سياق طرحها لصفقة القرن والرفض الفلسطيني لها، فأعلنت واشنطن في عام 2018 وقف تمويل الأونروا بحجة الحاجة لبديل أكثر فعالية في مساعدة اللاجئين.

لماذا تريد إسرائيل التخلص من الأونروا؟

ترى إسرائيل أن الأونروا تساهم في إدامة قضية اللاجئين، بل وتضخيمها مع زيادة عدد اللاجئين المسجلين بها من 700 ألف شخص في عام 1948 إلى 5.5 ملايين شخص حاليا نظرا لمنح أبناء وأحفاد اللاجئين في عام 1948 صفة اللاجئ.

وتعتبر تل أبيب أن عودة اللاجئين تمثل تهديدا ديمغرافيا للأغلبية اليهودية في إسرائيل، وبالتالي فهي قضية غير قابلة للحل في أي مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين. ولذا تدفع باتجاه دمج اللاجئين في أماكن إقامتهم؛ وبالأخص في دول الجوار.

ولتحقيق ذلك، قدمت دراسة مطولة عام 2020 نشرها معهد الأمن القومي الإسرائيلي؛ 4 بدائل في مقدمتها تفكيك الأونروا ونقل ميزانيتها إلى حكومات الدول المضيفة للاجئين.

واقترحت الدراسة التي صدرت بعنوان "70 عاما للأونروا: حان الوقت للإصلاحات الهيكلية والوظيفية" نقل صلاحيات الوكالة وميزانيتها وجميع ما يخصها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ويتركز عمل المفوضية على نقل اللاجئين إلى دولة ثالثة بما يتيح لهم الحصول على حق الإقامة الدائمة والتجنس، وهو ما سيقود إلى سحب صفة اللاجئ من اللاجئين الفلسطينيين في حال تجنسهم بجنسية دول أخرى.

أهداف إستراتيجية

ولتحقيق الهدف الإستراتيجي المتمثل في التخلص من شبح عودة اللاجئين، تسوق إسرائيل عدة مبررات لتشويه الأونروا، من بينها:

تدريس الأونروا للمناهج المحلية في مدارسها التي تمثل 58% من ميزانيتها الإجمالية، إذ تشدد تلك المناهج على حق العودة وتندد بالمشروع الصهيوني في فلسطين، وتزعم أن ذلك يناقض نشر مفاهيم السلام. تقديم الأونروا لخدمات اجتماعية واقتصادية لصالح نحو 1.2 مليون لاجئ مسجل في غزة، مما يتيح لحركة حماس توجيه مواردها المالية للأنشطة العسكرية بدلا من توجيهها للخدمات الاجتماعية والاقتصادية. وجود 1% فقط من الأجانب بين موظفي الأونروا، وهو ما يساهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية بواسطة الموظفين الفلسطينيين، ويحد من قدرة الأجانب على التواصل بشكل مباشر مع المجتمعات الفلسطينية. أخيرا، وهو المبرر الأكثر استخداما، عضوية بعض موظفي الأونروا في جماعات المقاومة الفلسطينية أو استخدام منشآتها في عمليات المقاومة، وهو مبرر يظهر مع كل موجة تصعيد.

وعند اندلاع الانتفاضة الأولى في عام 1987 زعمت إسرائيل أن بعض موظفي الأونروا أعضاء أو مؤيدون لتنظيمات فلسطينية مقاومة، وادعت أن مركبات الأونروا تُستخدم لنقل المقاتلين والأسلحة، وطالبت بمنحها الإذن لتفتيش مركبات الوكالة.

وتذرعت الأونروا حينها بالحصانة الدبلوماسية لموظفيها واعترضت على فحص مركباتها، وهو اتهام تكرر مع اندلاع الانتفاضة الثانية، ثم عاد مؤخرا عبر الزعم بمشاركة 12 موظفا فقط لدى الأونروا من بين 31 ألف موظف في هجوم طوفان الأقصى.

تفكيك قضية اللاجئين

ويأتي التضييق على الأونروا في سياق جهود تفكيك قضية اللاجئين تمهيدا للدفع باتجاه مفاوضات غير متوازنة تضغط على الفلسطينيين عبر وضعهم بين خيار القتل والتهجير أو القبول بدولة مشوهة مجردة من السلاح والسيادة، وتتنازل عن حق العودة لتفقد أحد أبرز مقومات القوة الديمغرافية.

ولذا فبينما تقدم العديد من الدول الغربية دعما سياسيا وعسكريا لإسرائيل رغم المجازر المروعة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 26 ألف شهيد فلسطيني، تتذرع ذات الدول بمشاركة 12 موظفا فقط من الأونروا في طوفان الأقصى لقطع التمويل.

وجاء ذلك رغم تعهد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بفتح تحقيق وفصل أي موظف تثبت مشاركته في أعمال مسلحة، وفسخه بالفعل للتعاقد مع الموظفين محل الاتهام الغربي.

ويقول الفلسطينيون إن خطوة وقف تمويل نحو 60% من تمويل الأونروا بجوار حصار غزة واستمرار المجازر اليومية تمثل إعداما فعليا للاجئين الفلسطينيين بالأخص في غزة والضفة الغربية، وهو ما يتطلب من الدول الرافضة للاحتلال المبادرة للضغط لاستكمال مهام الأونروا ووقف الحرب ورفع الحصار كي يحقق الفلسطينيون الحد الأدنى من متطلبات الحياة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: اللاجئین الفلسطینیین تمویل الأونروا للأمم المتحدة الأمم المتحدة قضیة اللاجئین الأونروا فی وهو ما فی عام

إقرأ أيضاً:

النائب العام يلتقي مسؤولاً أممياً بارزاً في عدن لبحث قضايا اللاجئين

شمسان بوست / إعلام النيابة العامة

استقبل معالي النائب العام في عدن القاضي قاهر مصطفى علي ، نائب الممثل لشؤون الحماية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أرمين يدجاريان.

ويأتي هذا اللقاء في إطار تعزيز التعاون بين النيابة العامة  ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لمواجهة التحديات الإنسانية في المنطقة.

وخلال اللقاء، استعرض معالي النائب العام أبرز التحديات والصعوبات التي تواجه السلطات في التعامل مع قضايا اللاجئين، مؤكداً ضرورة وضع حلول عملية وقوانين تنظيمية لضمان حقوقهم وحمايتهم.

كما شدد النائب العام على أهمية التعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إطار عمل قانوني منظم.
من جهته أوضح المسؤول بمفوضية اللاجئين أرمين يدجاريان أهمية إقامة ورش عمل توعوية تهدف إلى تعزيز الإجراءات الأمنية والقانونية المتعلقة بحماية اللاجئين.

كما تمت مناقشة وضع الخطط والبرامج الصحية اللازمة لدعم اللاجئين في المنطقة، والحد من تدفقهم إلى الأماكن المتأثرة.
حضر اللقاء عبد الله عبد القادر، مدير دائرة الترجمة بمكتب النائب العام ، وليزي فاريس ضابط الحماية ومديرة قسم الحماية بمكتب المفوضية بعدن ، وداليا علي، مساعد أول لضابط الحماية بمكتب المفوضية.

مقالات مشابهة

  • خبيران أميركيان: هذا ثمن رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب الأميركية
  • 55 شهيدا من العمال الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة
  • بلومبيرغ: رسوم ترامب الجمركية ستحدث ألما كبيرا لشركات السيارات الأميركية
  • النائب العام يلتقي مسؤولاً أممياً بارزاً في عدن لبحث قضايا اللاجئين
  • الأمم المتحدة: استعدادات لعودة ملايين اللاجئين السوريين قريبًا
  • تحريره في هذا التوقيت.. حقيقة رفع سعر الخبز المدعم
  • هآرتس: مشهد من ناغازاكي.. أجساد الفلسطينيين جنوب غزة تتبخر
  • كيف يبدو حال اللاجئين الفلسطينيين بسوريا بعد سقوط الأسد؟
  • الأونروا: نقص حليب الأطفال في غزة يعرض حياة أكثر من 8500 رضيع للخطر
  • انطلاق الحملة الرقمية لدعم الأونروا