مدينة كامبردج تسعى لتصبح سيليكون فالي بريطانية
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
تسعى مدينة كامبردج الواقعة شمال لندن والشهيرة بجامعتها المرموقة وما شهدته من اكتشافات علمية، إلى تعزيز مكانتها كمركز للتكنولوجيا تنافس نظيرتها سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
ويتمثل الهدف في أن تصبح المدينة "سيليكون فالي التالية في العالم"، بحسب وزير المال البريطاني جيريمي هانت.
ولا تتردد السلطة التنفيذية البريطانية في تخصيص الاعتمادات اللازمة لجعل كامبردج "العاصمة العلمية الأوروبية" الجديدة.
ومن أبرز الخطوات في هذا المجال إعلان لندن تخصيص ثلاثة ملايين جنيه إسترليني في موازنة الخريف لتمويل مشاريع جديدة لتعزيز البنى التحتية للمدينة، ومنها النقل والإسكان.
أغلى مدينةوتعتبر كامبردج واحدة من أغلى المدن البريطانية من حيث أسعار العقارات، تماما كسان فرانسيسكو التي تعد "سيليكون فالي" الفعلية في العالم، وتتركز الوظائف ذات المهارات العالية فيها، وهو أحد أسباب تكلفة المعيشة الباهظة هناك.
ويهدف مشروع "إينّوفايت كامبردج" (وهو عبارة عن تعاون بين الجامعة الشهيرة والشركات الكبرى، ومنها مجموعتا "أسترازينيكا" لصناعة الأدوية و"مايكروسوفت" للتكنولوجيا) إلى مضاعفة عدد الشركات الناشئة التي تُعرف بـ"أحادية القرن" (Unicorn) في المدينة بحلول عام 2035.
والشركة أحادية القرن مصطلح اقتصادي يطلق على الشركات الصاعدة التي يتخطى رأسمالها مليار دولار، واستُخدم المصطلح أول مرة عام 2013 لوصف شركات وادي السيليكون التي قفزت قفزة هائلة وتخطت قيمة أسهمها حاجز المليار دولار، حيث يعتبر هذا الأمر إعجازي ونادر مثل الحصان وحيد القرن الخيالي.
ووفقا لبيانات حديثة من جامعة كامبردج، فقد وُلدت في المدينة الإنجليزية الصغيرة 23 من هذه الشركات الناشئة التي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبا عدد الشركات الناشئة من هذه الفئة في برلين، لكنه أقل من عدد الشركات "أحادية القرن" في لندن البالغ 39.
وتشمل قصص النجاح المحلية هذه شركة "آرم" العملاقة في مجال التكنولوجيا التي تستخدم تصميماتها من أشباه الموصلات في معظم الهواتف الذكية في كل أنحاء العالم، وشركة "دارك ترايس" لأمن تكنولوجيا المعلومات، وشركة "آبكام" المتخصصة في إنتاج الأجسام المضادة للأغراض البحثية.
ولاحظت المنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة أن كامبردج هي المدينة التي تشهد أكبر نشاط علمي وتكنولوجي في العالم نسبة إلى كثافتها السكانية.
وفي المملكة المتحدة كلها، جمعت الشركات الناشئة أكثر من 21 مليار دولار في العام الفائت، وهو ما شكل انخفاضا بعد عامين استثنائيين، لكن بريطانيا لا تزال ثالث أكبر بيئة حاضنة للتكنولوجيا في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وذلك وفق دراسة نشرتها مطلع يناير/كانون الثاني شركة "ديل روم" ومصرف "إتش إس بي سي".
ابتكار وسعادةواعتبر المؤسِّس المشارِك لـ"سي إم آر سورجيكال" مارك سلاك أن أحد الأسباب التي جعلت شركته المتخصصة في مجال علوم الحياة تصبح "أحادية القرن" عام 2019؛ هو وجودها في كامبردج.
وقال رئيس الشركة التي تأسست عام 2014 وتنتج روبوتات صغيرة لإجراء عمليات جراحية "محدودة التوغل" (لا تتطلب فتحة كبيرة في الجسم): "لا يوجد على الأرجح الكثير من الأماكن في العالم التي كان بإمكاننا تحقيق ذلك فيها".
وأوضح أن "المعرفة الفنية التي احتاجت إليها الشركة من حيث علماء الفيزياء والرياضيات وخبراء المعلوماتية" كان من "الصعب جدا" العثور عليها في اي مكان آخر، ملاحظا أن كامبردج تشهد تركزا "مذهلا" للمواهب.
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فقد صنّفت دراسة أجراها بنك "فيرجن ماني" البريطاني العام الفائت كامبردج على أنها أفضل مدينة في المملكة المتحدة للشروع لتأسيس شركة. وأشارت الدراسة إلى أن "المدينة الجامعية التاريخية تحتل المرتبة الأولى من حيث الابتكار والسعادة، وتحتل كذلك المرتبة الأولى بين أفضل خمس مدن من حيث أوقات التنقل ومستويات القوى العاملة وجودة الإنترنت".
ويبدو أن عدد سكان كامبردج القليل نسبيا والبالغ نحو 150 ألفا، لا يشكل عائقا أمام طموحاتها، علما بأن عدد سكان نظيرتها في كاليفورنيا أكبر بكثير إذ يبلغ نحو ثلاثة ملايين نسمة.
ورغم حجمها، لا تضم سيليكون فالي الأميركية سوى ثلاثة أضعاف عدد الشركات أحادية القرن في كامبردج، وهي المدينة التي شهدت كذلك على مر تاريخها إنجازات علمية كبيرة في مجال الحمض النووي والتلقيح الصناعي والخلايا الجذعية.
وقال مايكل آنستي من شركة "كامبردج إينوفيشن كابيتال" لرأس المال الاستثماري المجازف التي تركز على علوم الحياة والتقنيات التخريبية (الشديدة الابتكار): إن المدينة البريطانية يمكنها أن تبني على نجاحاتها السابقة لتجديد نفسها.
وأضاف: "على مدى الأعوام الستين أو السبعين سنة المنصرمة، تمكنت (المدينة) من تحويل الابتكار الأكاديمي إلى فرص تجارية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الشرکات الناشئة عدد الشرکات فی العالم من حیث
إقرأ أيضاً:
مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «18»
ذكرت فـي الحلقة السَّابقة شيئا عن ندرة الأدبيَّات السيريَّة المتعلقة بإدث هَل Edith Hull، مؤلفة رواية «الشَّيخ». غير أن ذلك الشُّح لا يمنع أحدا (إن لم يشجعه، فـي الحقيقة) من تصوُّر أنها قد حضرت واحدا (أو أكثر) من عروض لول تومَس Lowell Thomas المُصوَّرة عن لورَنس العَرَب Lawrence of Arabia، وإن ذلك قد ساهم فـي إلهام عملها الأدبي بصورة أو بأخرى.
وعلاوة على ذلك، فإنه فـي وقت سابق من إنجاز فـيلم مِلفورد Melford فـي عام 1921 كانت شخصيَّة الشَّيخ قد برزت فـي عدد من أعمال العقد الأول من القرن العشرين ومنها، على سبيل المثال، «العربي» [The Arab] (والذي يُعرف أيضا بعنوان «ليلة فـي القاهرة» [A Night in Cairo] (سِسِل بي ديميل Cecil B. DeMille، 1915)، و«الضأن البربري» Barbary Sheep (موريس ترنر Maurice Tourner، 1917)، و«شعلة الصَّحراء» Flame of the Desert (رِجِنولد باركر Reginald Barker، 1919).
غير أن هكذا أعمال لم تنل الجماهيريَّة التي حظي بها فـيلم ملفورد نتيجة لمشاركة رودولف فالنتينو Rudolph Valentino فـي دور البطولة فـي الأغلب. والحقيقة أن الملصق الترويجي لفـيلم «الشيخ» وَعَدَ المشاهدين، على نحوٍ جريء وصريح، بـ«مضاجعة للوسيم رودولف فالنتينو فـي دور الشَّيخ، وذلك فـي الاتِّقاد الكامل للتقليد الشَّرقي» (1). وكائنا ذلك ما كان، فإنه ينبغي القول بأن فـيلم «الشَّيخ» قد استهل أيقنة شخصيَّة الشيخ فـي السِّينما الأمريكيَّة (وغيرها)، وقد شهد العقد الثاني من القرن العشرين نتاجا غزيرا لسلسلة من الأفلام التي أطلق عليها مراجعو أفلام ذلك الزمان، ولاحقا نقاده السينمائيون، اسم «أفلام الشَّيخ» (2).
كما كانت تُستعمل توصيفات مُتَعاوِضَة ومتناوِبة مثل «مغامرة أزياء»، و«مغامرة رومانسيَّة»، و«دراما صحراويَّة»، و«رومانس صحراوي»، و«مغامرة صحراويَّة»، و«مغامرة عربيَّة»، للإشارة إلى نفس السلسلة من الأفلام، وقد أصبح الأمر اليوم يعد جزما جماعيَّا بين الدَّارسين السِّينمائيين والثقافـيين أن أفلام الشيخ قد توافقت واستجابت للقواعد والمُفتَرَضات الجنسيَّة المرنة التي انبثقت من مناخ «الأخلاقيَّة الجديدة» (New Morality) التي كانت تعم المجتمع الأمريكي عهد ذاك.
بيد أنه سيكون من الخطأ اختزال أفلام الشَّيخ خلال العقد الثاني من القرن الماضي إلى ذلك الجانب المحدَّد؛ إذ إن تلك الأفلام، إذا ما أُخذت بوصفها جسما متكاملا من الأعمال، لم تكن تدور حول قصص الحب ومغامراته مما تطلبته تلك المرحلة فحسب، ولكنها، فـي الحقيقة، احتوت أيضا، وبصورة خُلاصيَّة، تقريبا على كل النَّزعات الثيماتيَّة التي كان لها أن تُعَدَّل، وتُحوَّل، أو تُضَخَّم وتُقَلَّص فـي الأفلام التي أُنتجت منذ العقد الثالث من القرن العشرين ولغاية الآن. فلأضرب بعض الأمثلة على ذلك.
من الممكن اقتفاء أثر ثيمة الشَّيخ العربي المعادي لأمريكا إلى ذلك الشيخ المناصر لروسيا فـي فـيلم أنتج بعد أربع سنوات فقط من ثورة 1917 الاشتراكيَّة، وهو «مغامرات طرزان» [The Adventures of Tarzan] (روبرت هِل Robert Hill، 1921).
وفـي الآن عينه يمكن اقتفاء ثيمة الشَّيخ العربي فاحش الثَّراء ومستعبِد الرجال والنِّساء معا إلى نفس ذلك الفـيلم، أما ثيمة الوحشيَّة كما تبوح بها سرديَّات الخطف، والأسر، والتَّعذيب فـيمكن موقعتها فـي أفلام الشَّيخ التي أنتجت فـي العقد الثاني من القرن المنصرم، وما فـيلم «خيام الله» [The Tents of Allah] (تشارلز أي لوغ Charles A. Logue، 1923)، وفـيلم «ابن صحارى» [A Son of Sahara] (إدوِن كيرو Carewe Edwin، 1924)، إلا مثالين فقط. أما ثيمة الهويَّة المختلطَة (أو المخطوءة)، والازدواجيَّة، والتَّنكُّر، واللباس التَّنكُّري فإن جذورها تعود إلى أفلام مثل «الشَّيخ» [The Sheik] (جورج ملفورد George Melfor، 1921)، و«بلاد العَرَب» [Arabia] الذي يُعرف أيضا بعنوان «توم مكس فـي بلاد العرب» [Tom Mix in Arabia] (لِن رِنولدز Lynn Reynolds، 1922)، و«سيدة الحريم» [Lady of the Harem] (راؤول وولش Raoul Walsh، 1926)، و«إنها شيخ» [She’s a Sheik] (كلارِنس جي باجر Clarence G. Badger، 1927)، و«ليلة واحدة مسروقة» [One Stolen Night] (سكوت آر دَنلاب Scott R. Dunlap، 1929).
وثيمة المواجهة العسكريَّة المحدودة أو الحروب الشاملة بين أفراد أو قوى غربيَّة من ناحية، ومجموعاتٍ من العرب أو بلدان عربيَّة، من ناحية أخرى، فـيعود تأسيسها إلى أفلام مثل «تحت علمين» [Under Two Flags] (تود براوننغ Tod Browning، 1922)، و«أغنية الحب» [The Song of Love] (فرانسِس ماريَن Frances Marion، 1923). وبالطبع، تعود أصول أفلام المحاكاة التهكميَّة لشخصيَّة الشَّيخ العربي إلى فـيلم «زعقة بلاد العرب» [Shriek of Araby] (إف رِتشَرد جونز F. Richard Jones، 1923). لكن ينبغي أن يكون واضحا أن سلسلة أفلام ما يمكن تسميته بـ«الجنون بالشَّيخ» (Sheik Craze) الرومانسيَّة قد انتهت تقريبا بحلول نهاية العشرينيَّات من القرن الماضي. وفـي هذا فإن روب أدلمَن Rob Edelman يوضح، على سبيل المثال، أسباب الفشل التجاري الذي مُني به فـيلم «فاضل» [Fazil] (هوَرد هوكس Howard Hawks، 1928) عن غراميات شيخ عربي بفتاة عروض باريسيَّة بأن «فـي العام 1928 لم تعد جماهير السِّينما مهتمَّة بالأمراء العرب... بحلول الثلاثينيَّات كانت فكرة «الشَّيخ» نكتة. ولم يعد ممكنا أن يؤخذ شيوخ القبائل العرب على محمل الجد بوصفهم عشَّاقا على الشَّاشة» (3).
هوامش:
(1): انظر صورة لذلك الملصق فـي:
The Sheik poster in the Moving Picture World, 22 Oct., 1921: 831.
(2): Sarah Projansky, “The Elusive/Ubiquitous Representation of Rape: A Historical Survey of Rape in U. S. Films, 1903-1972,” Cinema Journal 41, no. 1 (Fall 2000), 79.
وإلى هذا فإن «شيخ» و«شيوخ» كانتا من التصنيفات الدائمة فـي خانة «الموضوع العام» لمواد «كاتلوغ» معهد السينما الأمريكية American Film Institute (AFI).
(3): اقتُبس فـي Shaheen, Real Bad Arabs, 196. ولا شك أنه لذي مغزى هنا أن جورج ملفورد George Melford الذي أخرج الفـيلم الأسطوري «الشَّيخ»، وأنجز «أفلام شيخ» أخرى ذات شهرة فـي فترة السِّينما الصَّامتة (مثل «الرمال الحارقة» [Burning Sands]، 1922)، قد تحول إلى مخرج أفلام من الدرجة الثانية (B films) مع مجيء حقبة السِّينما النَّاطقة.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني