هل الدولة العربية دولة وطنية فعلا؟
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
"طوفان الأقصى" تفرض العودة إلى الأسئلة المؤسسة، وأهم هذه الأسئلة في تقديرنا هي عن مصداقية الدولة العربية الحديثة ومدى وطنيتها. لقد ولدت هذه الدول بعد معركة تحرر دُفعت فيها أرواح غالية، وكانت شكلت أملا في الاستقلال التام وقادتها في بدايتها نخب سياسية شارك كثير منها في معركة التحرر. وأفلحت هذه الدول في كثير من المهام، مثل نشر قدر عال من التعليم والصحة، ورفعت من مستويات العيش للسكان، وهي مكاسب لا يمكن ابتذالها، لكن حصلت في تقديرنا ردة كبيرة عن المطامح الأولى وعلى مراحل حتى تلاشت الآمال والطموحات وتحولت هذه الدول إلى أجهزة قمع عارية لتغطي فشلها اللاحق وتوقف مشاريع الاستقلال.
وفي طوفان الأقصى اكتشفنا أو أيقنّا بفشل هذه الدول بلا استثناء في إسناد معركة تحرر وطني في بقية الرقعة العربية المحتلة احتلالا مباشرا (فلسطين)، وتبين لنا أن الوطنية قد صارت قوقعة صلبة تحتمي بها الأنظمة الحاكمة، وكل يوم يمر نزداد يقينا أن الأنظمة الحاكمة في كل قُطر تحتمي من شعوبها بموالاة العدو المحتل وخدمته، بما أفرغ هذه الكيانات من كل مشروع وطني. ويمكننا القول إن هذه الدول قد ماتت فعلا ولم يبق منها إلا جهاز القمع الأعمى المسلط على الشعوب المقهورة.
بين لنا أن الوطنية قد صارت قوقعة صلبة تحتمي بها الأنظمة الحاكمة، وكل يوم يمر نزداد يقينا أن الأنظمة الحاكمة في كل قُطر تحتمي من شعوبها بموالاة العدو المحتل وخدمته، بما أفرغ هذه الكيانات من كل مشروع وطني. ويمكننا القول إن هذه الدول قد ماتت فعلا ولم يبق منها إلا جهاز القمع الأعمى المسلط على الشعوب المقهورة
كيف أُفرغت الدولة الوطنية من مشروعها؟
تحت ذرائع وحجج التنمية والخروج من الفقر والجهل والمرض قبلت النخب الحاكمة البقاء على روابط قوية مع القوى التي احتلها، والأمثلة الأبرز هي دول شمال أفريقيا وفرنسا.. من هذا المدخل أمكن لقوى الاحتلال أن تعاود التسرب إلى مستعمراتها السابقة وغالبا باسم حجج أخلاقية سمحة، ولم يمر عقد على إعلانات الاستقلال حتى كانت هذا الدول خاضعة من جديد ولم يبق لها من السيادة إلا شكليات غير فعالة.
أفلحت قوى الهيمنة في ربط صلات أقوى بالدولة العربية مما كان لها تحت الاحتلال المباشر؛ عبر فرض ثقافتها ونظمها التعليمية وجهات نظرها التحديثية، ثم احتكرت أسواق مستعمراتها لمنتجاتها الصناعية فصارت الدول العربية أسواقا مفتوحة ملحقة باقتصاديات المحتل القديم، وكان يجب تكليف حراس على هذه الأسواق الغنيمة السهلة التي لا تكلف جنديا أو بندقية.
الحكام العرب جميعهم تحولوا في غفلة من الشعوب الطموحة إلى حراس أسواق الهيمنة وتلذذوا قبض الأثمان في حساباتهم الخاصة، حيث لا يمكن أن نجد حاكما مر من بلد عربي إلا وله أرصدة في بنوك أجنبية؛ تلقاها كرشى لمشاريع لم تستفد منها الشعوب بقدر ما استفادت منها شركات الهيمنة ودولها (نستثني فقط سوار الذهب السوداني ومحمد فال الموريتاني اللذين لم يعمرا في السلطة طويلا).
الدولة الوطنية صارت دولة حارسة لمصالح المحتل القديم وتلقت من أجل ذلك كل الدعم العسكري والأمني، وما من حاكم حكم إلا وحوله شبهة مؤكدة أن المحتل القديم هو الذي اختاره ونصبه وحماه من شعبه. هكذا أُفرغت الدولة الوطنية من كل مشروع.
طوفان الأقصى كشفت الفضيحة التامة
الدولة الوطنية صارت دولة حارسة لمصالح المحتل القديم وتلقت من أجل ذلك كل الدعم العسكري والأمني، وما من حاكم حكم إلا وحوله شبهة مؤكدة أن المحتل القديم هو الذي اختاره ونصبه وحماه من شعبه. هكذا أُفرغت الدولة الوطنية من كل مشروع
قوى الهيمنة وُضعت في خطة بعيدة المدى وبعقل إنجليزي مدرب على الكيد السياسي؛ نقطة عسكرية متقدمة بين الدول العربية وسمتها إسرائيل، واتخذت هذه الثكنة المتقدمة لإخضاع كل حاكم عربي يفكر في مشروع وطني لشعبة أو لأمته. وكلما استقوى هذا الكيان بالدعم الغربي كلما ضعفت أمامه الكيانات القُطرية المسماة دولا وطنية، بما في ذلك البلدان ذات الريع النفطي التي لا تحتاج دعما ماليا غربيا ولديها وسائلها لممارسة سيادتها.
كل محاولات تجنب مصادمة هذا الكيان باءت بالفشل، فتحول إلى حَكم يفصِّل المواقف ويملي القرارات حتى صار هو مصدر شرعية كل حاكم أو سبب بقائه أو سبب موته في سجنه، فلما انطلقت معركة الطوفان بتخطيط من المقاوم الفاقد لكل سند عربي اتضحت مواقع القوة ومواقع الضعف. ورأينا حكاما عربا في دول وطنية تقوم بحراسة الكيان من شعوبها المقهورة، بل تقوم بتمويل حرب العدو بخيرات شعوبها عندما توقفت مؤسساته الإنتاجية بفعل الحرب.
وقال كل مواطن عربي "هل صار العربي مواطنا فعلا؟".. سبب بقاء هذا الحاكم العربي هو خدمة العدو، والدولة العربية (الوطنية سابقا) هي أجهزة في خدمة العدو؛ تحميه وتغذيه ولا تنتظر حتى عبارات الشكر الرخيصة منه، وهي تتمسح على أعتابه لتحفظ مصالحها الفردية وحساباتها البنكية المكشوفة للعدو.
لقد كان التخلي عن معركة تحرير فلسطين شرط بقاء لكل حاكم عربي، بمن في ذلك الجزائر ذات التاريخ المقاوم والتي لا تنفك تفتخر بشهدائها المليون. وهذه الحقيقة كشفت زيف خطاب الدولة العربية منذ سبعين عاما بأن تحرير فلسطين هو تحرير الوطن العربي بكامله (وإن لم يكن موحدا في كيان سياسي واحد كما كان طموح البدايات). كانت كذبة كبيرة من أكاذيب الأنظمة العربية التي حكمت دولها فحولتها إلى حارس حدود للكيان المحتل، كذبة من جنس كذبة التنمية والتحديث.
كان التخلي عن معركة تحرير فلسطين شرط بقاء لكل حاكم عربي، بمن في ذلك الجزائر ذات التاريخ المقاوم والتي لا تنفك تفتخر بشهدائها المليون. وهذه الحقيقة كشفت زيف خطاب الدولة العربية منذ سبعين عاما بأن تحرير فلسطين هو تحرير الوطن العربي بكامله (وإن لم يكن موحدا في كيان سياسي واحد كما كان طموح البدايات). كانت كذبة كبيرة من أكاذيب الأنظمة العربية التي حكمت دولها فحولتها إلى حارس حدود للكيان المحتل، كذبة من جنس كذبة التنمية والتحديث
كل نهاية بداية
"عرق وبدايات من حرف الياء".. هذا عنوان مجموعة قصصية لجبرا إبراهيم جبرا، الفلسطيني. خلاصة القصة العنوان هي أن بلوغ النهاية (حرب الياء في الأبجدية) بعد جهد يفرض بدايات من حرف الألف. حرب الطوفان أعلنت نهاية الدولة العربية أو حرف الياء لمعركة الاستقلال التي انتهت إلى احتلال ثان ناعم وفتاك مثل سم مدسوس في عسل، وهي تقول للشعوب العربية إن عليهم البحث عن حرف ألف جديد أي بداية جديدة.
انتهت الدولة العربية التي تسمت وطنية إلى حارس حدود للعدو بلا قيمة ولا مشروع لشعبه، وبقي على الشعوب أن تعيد النظر في وجودها كله، فهي شعوب بلا قيمة ولا مشروع إلا ما قد تخطط له مستقبلا على ضوء نصر طوفان الأقصى.
لقد هشّم الطوفان العصا المُشهرة في وجه الشعوب، ولكن عليها أن تتحلى ببعض الشجاعة لتخرج إلى شوارعها وتستعيد دولها التي ضحّى من أجلها الأجداد، فإن لم تفعل الآن وهنا فإنها ستزداد انحطاطا ويزداد عيشها مرارة وتتحول إلى أدنى من سوائم هائمة وراء القوت الرخيص.
لقد مات الغول الذي يحمي الأنظمة العربية ولم يبق له إلا نفَس أخير، فالنار دبت في ردائه ولن يبقى طويلا في مكانه ولن يمكنه استعادة مكانته ودوره الذي كان له، حتى لدى مموليه الغربيين، وطبعا هذا تفاؤل مفرط قبل أن تضع الحرب أوزارها. لكن كل العقل السياسي كان يرى ويرى الآن أوضح أن أسباب بقاء الكيان الذاتية والموضوعية قد تهشمت، ولا نشك لحظة أن من زرع هذا الكيان واستعمله كعصا غليظة على المنطقة يفكر اللحظة في بديل له، ومحاولات المد في أنفاسه بالمدد العسكري هي بمثابة هجوم أخير أقرب إلى الهجوم الانتحاري بشرط مهم؛ أن تقول الشعوب العربية لحكامها.. كفى.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التحرر التنمية العالم العربي الاستبداد التحرر التنمية طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة الوطنیة الدولة العربیة تحریر فلسطین طوفان الأقصى من کل مشروع هذه الدول کل حاکم التی لا ولم یبق
إقرأ أيضاً:
"الوطنية لحقوق الإنسان" تشارك في أعمال لجنة الميثاق العربي
شاركت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، بصفة مراقب، في أعمال الدورة الـ 27 للجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والتي عُقدت، أمس الأول الجمعة، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة.
ناقشت اللجنة التقرير الدوري الثاني المقدم من دولة الإمارات بشأن تنفيذ التزاماتها بموجب الميثاق العربي لحقوق الإنسان.وترأس وفد الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان مقصود كروز، رئيس الهيئة، وضم كلاً من الدكتور سعيد الغفلي، الأمين العام، والدكتور عبدالعزيز النومان، وأميرة الصريدي، عضوي مجلس الأمناء، بالإضافة إلى عمرو القحطاني، مدير مكتب الرئيس، وفاطمة الحوسني، رئيس قسم التوعية والتثقيف.
وأعرب مقصود كروز في كلمته خلال المشاركة، عن تقدير الهيئة للدعوة الكريمة التي تلقتها الهيئة للمشاركة في هذا الاجتماع المهم، مشيداً بالتعاون الوثيق بين الهيئة ولجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان، كما استعرض تجربة الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة الإمارات منذ تأسيسها بموجب القانون الاتحادي رقم (12) لسنة 2021، والذي نصّ على استقلالية الهيئة واستنادها إلى مبادئ باريس لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وأشار إلى أن الهيئة، ومنذ انطلاقها، عملت على بناء شراكات بناءة مع المنظمات المعنية بحقوق الإنسان على المستويات الخليجية والعربية والدولية، مع التركيز على تطوير آليات العمل وتعزيز التعاون في مختلف المجالات الحقوقية، والتزامها بمتابعة تنفيذ توصيات اللجنة والتعاون مع الجهات الحكومية والمجتمع المدني لدعم مسيرة حقوق الإنسان في دولة الإمارات.
وشدد على أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات الوطنية في دعم منظومة حقوق الإنسان وتعزيز الوعي المجتمعي بحقوق الأفراد والحريات الأساسية، موضحاً أن الهيئة مستمرة في تطوير استراتيجياتها وخططها التنفيذية، ومسترشدة بأفضل الممارسات الدولية، بما يضمن تحقيق نقلة نوعية في مجال حماية الحقوق وتعزيز آليات المتابعة والتقييم.
وتأتي مشاركة الهيئة في هذه الدورة استكمالًا لجهودها في تعزيز مبادئ حقوق الإنسان، والتأكيد على أهمية التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة واحترام الحقوق والحريات وفق أفضل الممارسات العالمية، كما تمثل هذه المشاركة فرصة لتبادل الخبرات وتعزيز أطر التعاون مع الجهات المعنية على الصعيد العربي، مما يعكس التزام دولة الإمارات الراسخ بدعم الجهود الإقليمية والدولية للارتقاء بمنظومة وآليات تعزيز حقوق الإنسان.