فازت فلسطين وتأهلت قطر.. حينما تفرح الجماهير لفوز منافسها
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
الدوحة ـ ربما هي المرة الأولى التي تشهد فيها بطولة كروية قارية أو عالمية تمنيات كثير من الجماهير بفوز الفريق المنافس وتأهله على حساب منتخبها أو على أقل تقدير الفرح لفوز المنافس، كما لو كان الفوز لها.
يبدو الأمر غريبا نوعا ما لمحبي كرة القدم في العالم، فكيف لا يحزن مشجع لخسارة منتخبه مهما كان المنافس؟ خاصة إن كانت المباراة تحمل طابع خروج المغلوب وتأهل الفائز للأدوار المتقدمة.
هذه المعادلة غير المنطقية كانت هي المنطق بعينه في ملعب البيت، من الجماهير القطرية وجماهير المنتخب الفلسطيني التي عبرت عن فرحتها قبل المباراة لفوز أحدهما وخروج الآخر، فلا غالب ولا مغلوب في مباراة تجمع العنابي والفدائي "القدس هي الدوحة والدوحة هي غزة" يقول أحد المشجعين القطريين.
وعقب المباراة عمت الفرحة أركان ملعب البيت بمنطقة الخور بتأهل المنتخب القطري إلى الدور ربع النهائي بفوزه بهدفين مقابل هدف، في حين عبرت الجماهير عن فرحتها بالأداء المميز لمنتخب الفدائي في البطولة.
يقول مصطفى العبار وهو مشجع فلسطيني يقيم في قطر، إنه جاء إلى المباراة لتشجيع منتخب فلسطين والشد من أزر لاعبي منتخبه، ففرحة الفوز على حد تعبيره وتأهل الفدائي للدور القادم هو حلم لم يخطر على بال فلسطيني في الماضي أو الحاضر.
يكمل مصطفى في حديثه مع الجزيرة نت ويقول إنه يتوقع فوز المنتخب القطري بحكم فارق الخبرة وكون القطري هو حامل اللقب ويلعب في أرضه وبين جماهيره، وفي حال الخسارة وفوز منتخب قطر وتأهله للدور المقبل سيكون في غاية السعادة، لأن العنابي بذلك سيكون وضع قدمه في طريق تحقيق اللقب.
وعند سؤاله هل من المعقول أن تفرح لفوز الفريق المنافس؟ رد مصطفى بلهجته الفلسطينية المميزة "شو مالك يا خوي قطر وفلسطين واحد معقولة ما أفرحش"، وأكمل: "هذه قطر بيتنا والعنابي منتخبنا وكثيرا ما أفرحنا لاعبوه في غزة والضفة وكل الأراضي الفلسطينية".
مشاهد دخول الجماهير الفلسطينية والقطرية كانت ترسم لوحة تزينها الكوفية الفلسطينية المطرزة بألوانها البيضاء والسوداء والحمراء، فقد حمل كثيرون من القطريين أعلامهم باليد بينما تسترخي الكوفية على الكتف، وكذلك الأمر بالنسبة للمشجعين الفلسطينيين فقد حمل الكثير منهم أعلام قطر وهي مزينة بالكوفية.
يقول المشجع القطري سعد خالد الكعبي إنه يحمل الكوفية الفلسطينية في كل المباريات التي حضرها في كأس آسيا، إلا أنه اليوم جاء بها لأغراض أخرى أولها بأنه قطري ويتمنى الفوز لمنتخبه، ولكن في حال فوز المنتخب الفلسطيني فسيحتفل مع جماهير الفدائي بالكوفية.
وأضاف الكعبي في حديثه للجزيرة نت: "كنت أتمنى ألا تلتقي قطر وفلسطين في هذا الدور، فكلتاهما لهما في القلب معزة، مشيرا إلى أنه واثق من فوز العنابي، ومع سعادة الفوز فستكون هناك غصة مؤلمة في القلب لخروج الفلسطيني لأنها جاءت من المنتخب القطري"، وقال مبتسما "لو جات من غيرنا اشوا"، وأضاف "ولكن نحن في قطر نشجع فلسطين كما نشجع منتخبنا".
عادة ما تشهد البطولات الكورية الكبيرة تجمعات جماهير أحد المنتخبات في مكان واحد أمام الملعب، بينما تجتمع جماهير المنتخب المنافس في مكان مواز لها أو بالقرب منها، وتشتعل الأهازيج والهتافات كل يشجع منتخبه ويشعر الجماهير المنافسة بالتفوق والضغط النفسي والفوز بالصوت قبل النتيجة، إلا أن مباراة فلسطين وقطر شهدت التحاما جماهيريا قل نظيره، فالقطري بجانبه الفلسطيني يزين كل منهما جسده بالأعلام وكأنهما ذاهبان لتشجيع منتخب واحد.
الصور ومقاطع الفيديو وحديث المشجعين أظهرت بأن مباراة فلسطين وقطر لم تكن مباراة عادية بخروج المغلوب، وإنما حدث جماهيري فريد قل نظيره في المنطقة والعالم، "فازت فلسطين وتأهلت قطر" يقول أحد المشجعين الفلسطينيين وهو مبتسم بعد انتهاء المباراة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
عبادات بلا رحمة.. حينما يغيب جوهر الدين عن القلوب
يحل رمضان شهر الرحمة والتسامح فتعلو الأصوات بالدعوة إلى الصلاة والقيام والصيام. لكن المفارقة الصادمة ان بعضا ممن يدعون إلى هذه العبادات يغفلون عن أسمى قيمها وهي الرحمة والعطاء. كيف لمن يخشع في صلاته ويتلو آيات الانفاق والعطف ان يغض الطرف عن جوع مسكين أو دمعة يتيم وهو قادر على العطاء.
لم يكن الدين يوما مجرد طقوس بل هو سلوك وأخلاق قبل ان يكون ممارسات ظاهرية. كم من أشخاص يحرصون على أداء الصلاة في أوقاتها ويقيمون الليل لكنهم لا يتورعون عن تجاهل المحتاجين. ربما يتفاخرون بولائمهم العامرة بينما هناك من يبيت بلا طعام. هؤلاء يمارسون تدينا شكليا يركز على الصورة لا الجوهر وهو نقيض لما جاء به الإسلام.
النبي محمد عليه الصلاة والسلام عندما سئل أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف. جعل العطاء صفة من صفات الإيمان الحق فلم يفصل بين العبادة والإحسان إلى الخلق. من أراد القرب من الله فلابد ان يكون قلبه ممتلئا بالرحمة ويده ممدودة بالعطاء.
الصيام ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب بل هو تجربة روحية تهدف إلى تهذيب النفس واستشعار معاناة الفقراء. من يصوم نهاره ويشعر بالجوع لساعات كيف له ان يتجاهل من يجوع طوال العام. من يردد قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ثم يبخل بما يفيض عن حاجته كيف له ان يدعي التقوى.
الإسلام لم يجعل العبادات معزولة عن القيم الإنسانية بل جعلها مرتبطة بها ارتباطا وثيقا. النبي محمد عليه الصلاة والسلام قال من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه. العبادات بلا أخلاق أو رحمة لا قيمة لها عند الله بل تتحول إلى مجرد طقوس فارغة لا تؤثر في القلوب.
مع حلول رمضان تزداد مظاهر البذخ في بعض المجتمعات حيث تنفق الاموال على الولائم الفاخرة والمناسبات الرمضانية. في المقابل يظل الفقراء يترقبون يدا تمتد اليهم لتخفف عنهم قسوة الحياة. هذا المشهد يعكس خللا في فهم المقاصد الحقيقية للصيام فهو ليس تخزين الطعام بالنهار ثم تناوله بوفرة في الليل.
الغرض من رمضان ليس إشباع الجسد فقط بل تربية النفس على الإحساس بالآخرين ومد يد العون لهم. الإسلام حذر من هذا التناقض فجاء في الحديث الشريف ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه. كيف لمن يشبع ان يغفل عن جوع من يسكن في نفس المدينة بل ربما في نفس الحي.
رمضان ليس مجرد موسم للعبادات الشكلية بل هو فرصة لتجديد العلاقة مع الله عبر الرحمة والعطاء. من كان ميسورا فليبحث عن الفقراء قبل ان يبحث عن موائد الإفطار الفاخرة. من كان حريصا على قيام الليل فليكن احرص على مساعدة المحتاجين فذلك القيام الحقيقي.
المجتمع بحاجة إلى صحوة إنسانية يفهم فيها الناس ان الإيمان ليس مجرد ركعات بل هو قلب يرحم ويد تعطي ونفس تسامح. من اراد القرب من الله فليرحم عباده أولا والا فلا حاجة لعبادته الجافة. الرحمة هي جوهر الدين وبدونها تتحول العبادات إلى حركات لا روح فيها.